الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
Barry كوميديا في قالب دموي!

كيوبوست- عبيد التميمي
مسلسل Barry هو مسلسل جريمة وكوميديا من كتابة بيل هيدر واليك بيرغ. وبطولة بيل هيدر، وستيفن روت، وساره غولدبيرغ، وانتوني كاريغان، وهنري رينكلر. يتحدث المسلسل عن الجندي المسرح باري بيركمان (بيل هيدر)، الذي يعمل كقاتل مأجور، ولكن يكتشف باري شغفه بمهنة التمثيل بالصدفة، أثناء تأديته لمهمة في لوس أنجلوس.
وبسبب هذا الشغف الجديد، يجد باري نفسه في حياة مزدوجة بين وظيفة القاتل المأجور التي يؤديها بنجاحٍ باهر، وبين مهنة التمثيل التي لا يزال مبتدئاً فيها، ولكن شغفه يفوق حجم موهبته بشكلٍ واضح.
تريلر الموسم الأول
قصة باري بيركمان هي قصةAnti-Hero ببساطة، بطل الرواية الذي يحاول الموازنة بين الجوانب الشريرة والخيرة في شخصيته وخياراته، أو البطل الذي لا يمانع كونه شخصاً سيئاً ولا يواجه أدنى مشكلة في ارتكاب أشنع الأفعال.
الأدب والأفلام والمسلسلات وحتى القصص المصورة مليئة بقصص الانتاي-هيرو، ولكنني أعتقد أن ما يجعل باري فريداً من نوعه هو عدم امتلاكه لمبرر حقيقي لدخوله عالم الجريمة. يفتتح المسلسل أول مشاهده على أحد مسارح جريمة باري وهو لتوه انتهى من قتل رجل بدم بارد. لكن بمجرد اكتشافه لشغفه الحقيقي في مهنة التمثيل، يحاول باري التخلي كلياً عن حياته السابقة، يحاول الانسلاخ الكامل عن جلده القديم بدون أي إدراك للعواقب المترتبة على ذلك. لا يحاول باري موازنة حياته المزدوجة، ولا يتقبل كونه شخصاً سيئاً -وهو شخص سيئ بدون أدنى شك- بل يحاول أن يبدأ صفحة جديدة مراراً وتكراراً.

بالنسبة لي هذا ما يجعل قصة باري جديدة نسبياً، رفضه الكامل لماضيه، وعدم اعترافه بكونه شخصاً سيئاً. يحاول باري أن يفصل بين حياتيه بشكلٍ كامل، وكأن من ارتكب جرائم القتل السابقة كان شخصاً آخر. لم يمتلك باري سبباً حقيقياً يجبره على ارتكاب كل تلك الجرائم.
فعلى سبيل المثال، اضطر والتر وايت للتجارة بالمخدرات بسبب حاجته لتسديد فواتير علاجه باهضة الثمن، ديكستر مورغان كان يقتل بسبب مرضٍ نفسي نادر، وكان حريصاً على ألا يقتل إلا من يستحق القتل.
باري أصبح قاتلاً مأجوراً فقط بسبب عدم امتلاكه لهدفٍ أو مغزى آخر، وجد نفسه يجيد أمراً ما وأصبح يمارسه بشكلٍ دائم، بدون التوقف دقيقة واحدة للتفكير بما يفعله فعلاً، وفي اللحظة التي وجد فيها مغزاه الحقيقي، تجرد من كل أفعاله السابقة، وكأنها لا تحتسب.

هذا الأمر مهم حينما نفكر في زاوية الخلاص التي يحاول باري بيركمان الولوج منها. الخلاص (Redemption) يعتبر جزءاً ضخماً من قصص الانتاي-هيرو، المسار الذي يتحول من خلاله إلى بطل حقيقي يستحق حب المشاهدين وتعاطفهم. وتصرفات باري منذ اللحظة التي اكتشف فيها شغفه للتمثيل توحي بأنه لا يبحث عن هذا الخلاص فحسب، بل يؤمن باستحقاقه.
ولهذا السبب، أعتقد أن المسلسل مال بشكلٍ واضح نحو الجانب العنيف لباري في الموسم الثالث، لأنه محبوب وخفيف الظل، وأداء بيل هيدر الرائع يساهم بشكلٍ واضح في ذلك، فهو تدريجياً كان يتحول إلى بطلٍ حقيقي بدون مبررات مقنعة. نشاهد باري في الموسم الثالث تائهاً بشكلٍ أكبر، تجاهل جرائمه لم يعد يُجدِي نفعاً، كما في السابق، وميوله العنيفة تظهر للسطح بشكلٍ أوضح وأكثر حدة من السابق. يضع المسلسل باري وجهاً لوجهاً مع ماضيه بشكلٍ أقرب من أي وقت سابق. ويصبح المشاهد يتساءل، هل هناك طريق للخلاص بعد الآن؟ أم أن باري يغوص في جحيمه أكثر فأكثر؟
اقرأ أيضًا: فيلم Don’t Look Up.. وعظية آدم مكاي المستهلكة
ينجح المسلسل في تغطية الثيم السوداوي بتقديم كوميديا رائعة، شريك بيل هيدر في الكتابة اليك بيرغ يمتلك خبرة واسعة في المسلسلات الكوميدية عن طريق مشاركته بكتابة Silicon Valley و Curb Your Enthusiasm.
فقبل أن يكون “باري” مسلسل جريمة عن بطلٍ يحاول التخلص من ماضيه المظلم، هو في الحقيقة مسلسل كوميدي رائع جداً.
توظيف الطاقم التمثيلي الذي يتكون في أغلبه من ممثلين كوميديين كان في محله، وهناك تجانس ممتاز بين الحس الكوميدي الذي يمتلكه الطاقم التمثيلي، وطريقة تصوير المسلسل التي تعتمد على لقطات التتبع الطويلة وتصوير الزوايا الواسعة، بل هناك توجه واضح للاستفادة من الكوميديا الجسدية التي يتمتع بها بعض أعضاء الطاقم.

منذ البداية، كان توجه المسلسل واضحاً بإحاطة “باري” بأكبر قدر ممكن من الشخصيات الجانبية المثيرة للاهتمام والتي سوف تساهم بتطوير شخصيته وتحديها، لكن ما استطاع المسلسل التفوق فيه في موسمه الثالث هو الابتعاد عن باري كشخصية محورية لسرد القصة، والتفرع إلى الشخصيات الثانوية والاعتماد عليها.
لم يعد المسلسل يمتلك خط سيرٍ واحدا أو خطين، بل كانت هناك عدة خطوط لا علاقة بها بشخصية باري، لكن لأن الشخصيات الثانوية تم تأسيسها بشكلٍ جيد، لم يواجه المشاهد أي مشكلة في الارتباط مع هذه الشخصيات، حينما قرر المسلسل أن يفصل مسارها عن باري.
اقرأ أيضًا: فيلم The Last Duel.. المبارزة الأخيرة
بالنظر لعدد الحلقات التي قدمها المسلسل حتى الآن، ومدتها القصيرة التي لا تتجاوز الـ30 دقيقة، فمن المثير للإعجاب كمية الأحداث التي استطاع المسلسل إنجازها وتخطيها في غضون هذه المواسم الثلاثة. وإن كان هناك سبب رئيسي لذلك، فهو الكتابة السلسة والتي تهتم بسرعة الأحداث وعدم حشوها فقط لإطالة مدة الحلقة أو زيادة عدد الحلقات.
قد يكون أكثر ما أثار إعجابي في المسلسل هو كيفية ترابطه وتراص أحداثه، كل مشهد وكل زاوية تصوير تساهم في المنتج النهائي، بدون زيادة أو نقصان.