الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
هل مساعدة الدول الضعيفة على البقاء تحمينا من الإرهاب؟
يعتقد العديد من الخبراء أن مساعدة الدول الضعيفة على حماية نفسها من الإرهاب العالمي هي إحدى أفضل الطرق لحماية المجتمع الدولي ككل

كيوبوست- منير بن وبر
تُظهِر مؤشرات عالمية؛ مثل مؤشر الإرهاب أو السلام أو الهشاشة، أن دولاً مثل اليمن وسوريا والعراق وأفغانستان تأتي في المراتب الأولى. وتعاني شعوب هذه الدول مستويات عالية من النشاط الإرهابي والضغوط الاجتماعية والاقتصادية والسياسية، ومعدلات جريمة وعنف مرتفعة، وجميع تلك المظاهر يتم أخذها بعين الاعتبار وقياسها في تلك المؤشرات.
يُعد النظر إلى مؤشرات الإرهاب والسلام العالمي والدول الهشة مهماً؛ لأن هذه المؤشرات توفر فهماً جيداً لأسباب عدم الاستقرار، ومراقبة أي تقدم محرز أو تراجع، ما يمنح صناع السياسات القدرة على تحديد المساعدات المطلوبة والجهود أو التدخلات اللازمة. وفي حين أن التدخل في شؤون الدول التي تعاني ضعفاً شديداً، أو التي تنتهك حقوق الإنسان أو غير القادرة على حمايتها، مسألة مُختلف حولها، فإن مساعدة الدول على عدم الوقوع أساساً في هوة الضعف أو الهشاشة أمرٌ لا خلاف عليه.
اقرأ أيضاً: ندوة عين أوروبية على التطرف: العلاقة بين الإرهاب والمجاعات وهشاشة الدولة
إن فقدان الأمن هو السمة الأولى للدول الهشة، والتي تُعرف أيضاً بالدول الضعيفة؛ حيث تصبح الدولة عاجزة عن حماية حدودها وأراضيها ومواطنيها. لا يُتوقع من دول كهذه أداء دور فعَّال في القضايا ذات الطابع العالمي؛ مثل الإرهاب والتهريب، لأنها تفتقد -في المقام الأول- القدرةَ على معالجة مشكلاتها الأمنية داخل حدودها. وبناءً على ذلك، ثمة جدل على أن المزيد من الدول الهشة في العالم يمكن أن يجعل مجتمعنا العالمي أقل استقراراً.
مؤشرات مهمة
وفقاً لمؤشر الإرهاب العالمي لعام 2022، فقد كان كل من أفغانستان والصومال وسوريا والعراق بين الدول العشر الأولى الأكثر تأثراً بالنشاط الإرهابي. ومن الدول العربية والشرق أوسطية التي شُملت في قائمة الدول الثلاثين الأكثر تأثراً أيضاً؛ نذكر مصر وإيران واليمن وتركيا. أما مؤشر السلام لنفس العام فقد حدد كلاً من أفغانستان واليمن وسوريا على أنها الدول الأقل سلاماً عالمياً.
أما في ما يتعلق بالدول الهشة، فقد تم تحديد اليمن على أنه الدولة الأكثر هشاشة على الإطلاق، يليه الصومال وسوريا. تُعرف الدول الأكثر هشاشة بأنها دول منهارة؛ وهي حالة نادرة من الضعف؛ بحيث يُفتقد الأمن على نطاق واسع جداً، وتنعدم تقريباً قدرة الدولة على تقديم الخدمات والسلع الأساسية لمواطنيها، مما يجعلها بيئة خصبة للجريمة والإرهاب والتطرف والعنف.
يُعد مؤشر الإرهاب العالمي، الذي يصدر دورياً، أحد أكثر مقاييس النشاط الإرهابي استخداماً، وهو يصنف البلدان حسب شدة النشاط الإرهابي داخل حدودها، ويأخذ في الاعتبار عدد الحوادث الإرهابية والوفيات والإصابات والأضرار التي تلحق بالممتلكات نتيجة الهجمات الإرهابية. تقيس المؤشرات الأخرى؛ مثل مؤشر السلام العالمي ومؤشر الدول الهشة، جوانب حاسمة في استقرار الدول؛ مثل معدلات الجريمة والعنف، ومستويات الفقر، وحقوق الإنسان، وفساد الحكومات، والتوترات العرقية.. وغير ذلك.

تكمن أهمية النظر إلى مؤشرات الإرهاب والسلام العالمي والدول الهشة، في قدرتها على منح صناع القرار عدداً من المنافع؛ منها -على سبيل المثال لا الحصر- فهم الأسباب الجذرية للنشاط الإرهابي والعنف، فمن خلال فهم تلك العوامل، يمكن تطوير استراتيجيات أكثر فعالية لمكافحة الإرهاب وتعزيز السلام.
علاوةً على ذلك، يمكن أن تساعد المؤشرات في تحديد مناطق العالم التي يتم فيها إحراز تقدم في الحد من العنف وتعزيز الاستقرار، وهو ما يتيح تصميم أفضل الممارسات ومساعدة الدول على تحقيق المزيد من التقدم. أخيراً، يمكن أن تسلط المؤشرات الضوء أيضاً على النقاط الساخنة، حيث يتزايد العنف أو يتدهور الاستقرار، الأمر الذي يتيح تحسين تركيز الموارد والجهود، وتوجيهها إلى مَن هم في أمسّ الحاجة إلى المساعدة.
المساعدة.. ضرورات وجدليات
يعتقد العديد من الخبراء أن مساعدة الدول الضعيفة على حماية نفسها من الإرهاب العالمي هي إحدى أفضل الطرق لحماية المجتمع الدولي ككل. لكن تلك المساعدة ينبغي ألا تقتصر على بناء دفاعاتها الداخلية ضد المنظمات الإرهابية فحسب، بل يجدر بها أن تمتد إلى تحسين الحوكمة وتقوية المؤسسات وتعزيز التنمية الاقتصادية.
شاهد: فيديوغراف.. هل تقرير مؤشر السلام العالمي عادل؟
من المُتفق عليه عموماً أن الدول، حتى المستقرة منها، لا يمكنها النجاح بمفردها في مكافحة الإرهاب؛ لذلك يصبح الجهد العالمي المنسق مطلوباً بشدة للتصدي بفعالية لهذا التحدي المشترك. يجادل الكثير من الخبراء وصناع السياسة بأنه من مصلحة الجميع دفع الدول الهشة نحو الاستقرار وتحقيق الأمن؛ إذ إن مساعدتها على تحقيق ذلك لا يجعل العالم مكاناً أكثر أماناً فحسب، بل يجعله أيضاً أكثر ازدهاراً وإنصافاً.
من جانب آخر، لا شك أن مساعدة الدول الهشة مكلفة ومثيرة للجدل في كثير من الأحيان. فكما يرى البعض، لقد دفعت الولايات المتحدة -على سبيل المثال- ثمناً باهظاً في حربها على الإرهاب؛ ليس من حيث كمية الموارد المالية والبشرية فحسب، بل أيضاً من خلال إتاحة الفرصة للصين للنمو في الوقت الذي انشغلت فيه واشنطن بحروبها العالمية على الإرهاب. علاوةً على ذلك، كان تأثير تلك الحروب مدمراً وكارثياً على شعوب بعض الدول، كما هي الحال في العراق.
رغم المساعدات.. الاحتياجات ملحة
يُعد الشرق الأوسط إحدى المناطق الأكثر اضطراباً على الإطلاق في العالم؛ وهو وضع يفرض على دول المنطقة العديد من التحديات والسياسات الديناميكية.

وتُعد المساعدات إحدى أدوات تلك السياسة؛ ليس لخفض مستويات الضعف بما يعود بالنفع على أمن واستقرار المنطقة ككل فحسب، بل أيضاً كإحدى أدوات القوة الناعمة التي تمنح الدول تأثيراً أكبر في عالم شديد التقلب والاستقطاب.
تحظى مساعدات دول الخليج في المنطقة والعالم بأهمية وتقدير كبيرَين؛ ففي فبراير الماضي أشادت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا غورغييفا، بتقديم دول مجلس التعاون الخليجي 54 مليار دولار من المساعدات لتمويل احتياجات الميزانية وميزان المدفوعات لدول المنطقة؛ خصوصاً البلدان منخفضة الدخل والمتأثرة بالصراعات، وذلك من خلال تخفيض الديون ودعم أمن الغذاء.
تأتي دول الخليج على قائمة أكبر المانحين عموماً على مستوى العالم؛ فعلى سبيل المثال موَّلت المملكة العربية السعودية مشروعات إنسانية بتكلفة تصل إلى 65 مليار دولار بين عامَي 2000 و2023 في 167 دولة حول العالم. كما تُعد المملكة، إلى جانب الإمارات العربية المتحدة، أكبر المانحين لليمن طوال الأعوام الماضية.
وفضلاً على ذلك، تُولي دول مجلس التعاون الخليجي المساعدات الإنسانية أهمية في سياستها الخارجية وفي علاقاتها بالدول الصديقة والحليفة؛ ففي ديسمبر الماضي مثلاً، اتفق قادة دول المجلس وجمهورية الصين على تعزيز الشراكة الاستراتيجية بينهما، بما في ذلك مساعدة الدول الأكثر احتياجاً والمساهمة في تلبية حاجاتها الإنسانية.
لا شك أن البلدان ذات المستويات العالية من الهشاشة هي أكثر عرضة للصراع الداخلي والعنف والإرهاب، وهي مظاهر عدم استقرار يمكن أن تستمر عقوداً من الزمن، وتصحبها مشكلات أخرى لا تقل خطورة، بل ويمكن أن تتسرب إلى دول الجوار مع تزايد ضعف الدول المتأثرة.
تحتم تلك المستويات العالية من المخاطر على دول الجوار تبني سياسات تكيُّفية فعَّالة، وبذل جهود منسقة ومصممة بعناية لمساعدة الدول إنسانياً وأمنياً، وتمكينها من ممارسة حوكمة رشيدة وبناء اقتصاد مُستدام قبل الانزلاق في هوة أعمق يستحيل النجاة منها.