الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

60 عاماً على محاكمة آيخمان: إشارة تحذير لعصرنا

كيوبوست – ترجمات

نداف هايدكر ويجال كوهين♦

في 23 مايو 1960، أدلى رئيس وزراء إسرائيل آنذاك، ديفيد بن جوريون، بإعلانٍ مثير للاهتمام: أدولف آيخمان؛ مهندس “الحل النهائي لإبادة الشعب اليهودي في ألمانيا النازية”، معتقل في إسرائيل، وسيحاكم على جرائمه. وهكذا فتحت القضية التاريخية التي استحوذت على اهتمام الدولة، وكان لها صدى كبير في جميع أنحاء العالم.

كان من بين أوائل من أدركوا الأهمية التاريخية للمحاكمة قادة كيبوتس “مقاتلي الجيتو”، ومتحفه، الذي يعرف باسم بيت “مقاتلي الجيتو”، أول متحف تثقيفي للهولوكوست في العالم. وكان مؤسسوه من قدامى المحاربين في انتفاضة جيتو وارسو، أبرز حالة للمقاومة المسلحة في الهولوكوست. كناجين، متحمسين لذكرى الهولوكوست، فهموا أهمية تلك اللحظة. وفي الوقت الذي كانت فيه الأبحاث التاريخية حول الهولوكوست لا تزال محدودة، ساهم بيت مقاتلي الجيتو في التحقيقات التي تجريها الشرطة، من خلال تحديد الأدلة الوثائقية والشهود.

من مشاهد انتفاضة جيتو وارسو – أرشيف

والواقع أن المحاكمة أصبحت حدثاً تكوينياً بالنسبة للدولة اليهودية الفتيّة، التي أنشئت قبل ثلاثة عشر عاماً فقط. وحتى ذلك الحين، وجد الإسرائيليون الموجودون “منذ فترة طويلة” الذين لم يعاصروا الهولوكوست، صعوبة في التعاطف مع الناجين، الذين جاءوا إلى الدولة الجديدة بعد عام 1948. وانتقد الكثيرون سلوك اليهود خلال الهولوكوست، ولم يفهموا لماذا حمل عدد قليل منهم السلاح للدفاع عن أنفسهم ضد عمليات القتل الجماعي. وبالنسبة للعديد من الناجين، كانت المحاكمة أول فرصة للتعبير عن معاناتهم، وبدأ الجمهور يدرك ببطء حجم الإبادة الجماعية الوحشية والمنهجية.

وكان لمحاكمة آيخمان صدى في العالم العربي أيضاً. فمن ناحية، أصيب الكثيرون بالصدمة من الفظائع الموصوفة في المحاكمة. ومن ناحية أخرى، كانت هناك مخاوف من أن المحاكمة قد تثير التعاطف مع إسرائيل، التي كانت تعتبر في ذلك الوقت العدو الأول للعالم العربي. وطوال فترة محاكمته في محكمة منطقة القدس، وضع آيخمان في مقصورة زجاجية مضادة للرصاص صنعت خصيصاً لحمايته من محاولات الاغتيال، وهو يواجه التهم الموجهة إليه. وكان الحُكم يسعى لإيقاع عقوبة الإعدام به، ولكن من خلال الإجراءات القانونية الواجبة.

اقرأ أيضًا: إحياء ذكرى المحرقة: 75 عامًا على تحرير المعسكرات

وتضمنت لائحة الاتهام 15 تهمة، بما في ذلك ارتكاب “جرائم ضد الشعب اليهودي”، و”جرائم ضد الإنسانية”، و”جرائم حرب”. وكان جوابه على كل تهمة هو “أنه غير مذنب”. لم ينكر آيخمان الأدلة ضده، لكنه حاول التقليل من شأن مسؤوليته، حيث قدم نفسه على أنه موظف ثانوي يكتفي بتنفيذ أوامر رؤسائه. وفي أغسطس 1961، أدانت المحكمة آيخمان في جميع التهم، وحكمت عليه بالإعدام بموجب قانون خاص بالنازيين والمتعاونين مع النازيين. ولا يزال حتى يومنا هذا هو الشخص الوحيد الذي حكمت عليه محكمة إسرائيلية بالإعدام. وفي 1 يونيو 1961، أُعدم آيخمان شنقًا، وأحرقت جثته، ونثر رماده في البحر خارج المياه الإقليمية الإسرائيلية.

العثور على رفات ضحايا الهولوكوست – أرشيف

هذا العام، سيخصِّص بيت مقاتلي الجيتو فعاليات اليوم الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست للذكرى السنوية الستين للمحاكمة، وتداعياتها الدائمة. بعد المحاكمة، امتنانًا للخدمات التي قدمها بيت مقاتلي الجيتو، منحت الشرطة الإسرائيلية بيت مقاتلي الجيتو قطعة أثرية فريدة: المقصورة الزجاجية التي جلس فيها آيخمان أثناء محاكمته. المعرض الذي يركز على المقصورة يستكشف التحدي الأخلاقي الذي ينبع من المحاكمة، التي سعت لإدراك أنه في حين أن أفظع جريمة في تاريخ البشرية ارتكبت من قبل برابرة متعطشين للدماء، إلا أنها ارتكبت أيضًا، وربما الأهم من ذلك، من قبل مسؤولين عاديين. وفي مواجهة المقصورة الزجاجية، يجب أن نفهم أننا جميعًا نتقاسم المسؤولية لمنع أنفسنا من أن نصبح “تروسًا صغيرة” في نظام شرير.

اقرأ أيضًا: ما هو الفرق بين “التطهير العرقي” و”الإبادة الجماعية”؟

واليوم، في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين، أي بعد مرور قرابة ثمانية عقود على الحرب العالمية الثانية، أصبح التحدي المتمثل في التثقيف بشأن الهولوكوست صعبًا بشكلٍ متزايد، مع وفاة الناجين القلائل المتبقين من الهولوكوست. إن التوعية بشأن الهولوكوست وفهم آيخمان كرمز أمر حيوي ليس فقط للمعرفة الأساسية التي ينبغي لكل عضو في مجتمع ديمقراطي أن يكتسبها، ولكن أيضًا كإشارة تحذير للمستقبل: البحث المستمر في أعماق أنفسنا الذي يجب أن يقوم به كل مجتمع، لضمان عدم تكرار الماضي المظلم أبدًا.

متحف مقاتلي الجيتو – AKKO

يؤمن بيت مقاتلي الجيتو بالدراسة المستمرة والمتواصلة للماضي، بصورة لا تقل أهمية، عن المخاطر التي تواجه كل دولة ديمقراطية اليوم. لقد أخذنا على عاتقنا مهمة ليست تربوية فحسب، بل أخلاقية أيضًا: التعلم من الماضي والتثقيف من أجل مستقبل أفضل. والآن، أكثر من أي وقتٍ مضى، نشعر بأن من واجبنا أن ننظر حولنا، في إسرائيل وأماكن أخرى، وأن نرى علامات التحذير.

إن موقع بيت مقاتلي الجيتو في الجليل الغربي؛ وهي منطقة متعددة الثقافات يعيش فيها المسلمون والمسيحيون واليهود، جنبًا إلى جنب، يعطي معنى أكبر لدعوته إلى كل شخص، بغض النظر عن الدين أو العرق أو الجنسية، للتأكد من أن حدثًا مثل الهولوكوست لن يتكرر مرة أخرى.

♦الكاتبان:

يجال كوهين: المدير العام لمتحف بيت مقاتلي الجيتو.

نداف هايدكر: عضو فريق أرشيف بيت مقاتلي الجيتو.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة