الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
5 أشياء تغيرت في الولايات المتحدة بعد هجمات سبتمبر

كيوبوست- ترجمات
ديف روس♦
قال الكاتب الأمريكي ديف روس إن أحداث 11 سبتمبر تعد نقطة تحول كبرى في التاريخ الأمريكي، مشيراً إلى أنه كانت هناك حياة قبل الهجمات الإرهابية، وهناك حياة مختلفة بعدها. حيث قُتل ما يقرب من 3000 أمريكي في ذلك الصباح المشمس عندما اصطدمت طائرتان مختطفتان ببرجي مركز التجارة العالمي في مدينة نيويورك، وأخرى انفجرت في البنتاغون، وأسقطت طائرة رابعة في حقلٍ في بنسلفانيا على أيدي ركاب أبطال قاوموا الإرهابيين.
اقرأ أيضاً: القاعدة في الذكرى التاسعة عشرة لهجمات 11 سبتمبر: جردة حساب
جاء ذلك في المقالة التي نشرها مؤخراً على موقع “هيستوري” المعنيِّ بالأحداث التاريخية من زاويةٍ إنسانية وأدبية. وقد استشهد روس بقول برايان ميخائيل جنكينز، أحد كبار مستشاري رئيس مؤسسة راند، ومؤلف العديد من التقارير والكتب حول الإرهاب، بما في ذلك كتاب «هل يتحول الإرهابيون إلى السلاح النووي؟»: “هذا الهجوم لم يسبق له مثيل في سجلات الإرهاب من حيث الحجم، وهو الهجوم الأكبر من قبل أيِّ كيانٍ أجنبي على الأراضي الأمريكية”.
إذ لم تقتصر صدمة ورعب 11 سبتمبر على الأيام أو الأسابيع الأولى. بل ألقتِ الهجماتُ بظلالٍ قاتمة على الحياة الأمريكية، والتي لم تخرج منها الأمة بالكامل بعد. فما كان غير قابلٍ للتصديق ولا يمكن تصوره تقريباً -هجوم واسع النطاق على الأراضي الأمريكية- أصبح افتراضاً جماعياً. ويمكن للإرهابيين أن يهاجموا مرة أخرى، ربما بأسلحةٍ بيولوجية أو نووية، ويجب اتخاذ خطواتٍ لردعهم.

يقول جينكينز: “إن الإرهاب يهدف إلى القيامِ بأعمال عنفٍ تدفع الناس إلى المبالغة في قوة الإرهابيين، وأهمية قضيتهم”. وبعد أن استنفدها الخوفُ والحزن والغضب، لجأت أمريكا إلى قادتها لاتخاذ إجراءاتٍ. وردَّ الكونغرس والبيت الأبيض بتوسعٍ غير مسبوق في السلطات العسكرية، وسلطات إنفاذ القانون والاستخبارات؛ بهدف اجتثاثِ جذور الإرهابيين، وردعهم في الداخل والخارج.
اقرأ أيضاً: 10 سنوات على مقتل بن لادن.. فما الحالة الراهنة لتنظيم القاعدة
وبناءً على الأحداث والشهادات قدَّم ديف روس، من وجهةِ نظره، 5 أشياء قد تغيرت في الولايات المتحدة من بين كثيرٍ من التحولات التي مرَّت في التاريخِ الأمريكي، وسيستمر أثرُها إلى الأبد، وذلك كالتالي:
1-بدء الحرب على الإرهاب
عندما خاطب الرئيسُ جورج دبليو بوش الكونغرس والأمة في 20 سبتمبر 2001، قدَّم حجة لنوعٍ جديد من الرد العسكري. وهو ليس ضربة جوية مُوجهة ضد منشأة تدريب أو مخبأ للأسلحة، بل حرب عالمية واسعة النطاق على الإرهاب. وقال بوش: “إن حربنا على الإرهاب تبدأ مع القاعدة، لكنها لا تنتهي عند هذا الحد. ولن ينتهي الأمر حتى يتم العثور على كل جماعة إرهابية ذات امتداد عالمي، وإيقافها وهزيمتها”.

وعندما غَزَتِ القواتُ الأمريكية أفغانستان، بعد أقل من شهرٍ من هجمات 11 سبتمبر، كانوا يشنُّون ما أصبح أطولَ حملة عسكرية متواصلة في تاريخ الولايات المتحدة. وقد حظي القتال في أفغانستان بدعم الشعب الأمريكي، ودعم حلفاء الناتو، لتفكيك القاعدة، وسحق طالبان، وقتل أسامة بن لادن، العقل المدبر لهجمات 11 سبتمبر.
اقرأ أيضاً: لماذا يعتمد أمن الولايات المتحدة على حلفائها الآن أكثر من أي وقت مضى؟
وأصبح الدعم الأمريكي للحرب على الإرهاب متبايناً مع استمرار الحملة لسنواتٍ في محاولةٍ لاستهداف العديد من الخلايا الإرهابية، والأنظمة المارقة في جميع أنحاء العالم. وقُتل الآلاف من الجنود الأمريكيين في العقدين الأولين من الحرب على الإرهاب، وعاد أكثر منهم بكثير إلى ديارهم مصابين بجروح جسدية ونفسية. ورغم ذلك فإن شبح 11 سبتمبر، كما يقول جينكينز، أبقى القوات الأمريكية على الأرض في أفغانستان، وأماكن أخرى، لما يقرب من 20 عاماً.
2-انقلاب في أنظمة النقل الجوي
كان أحد الجوانب الأكثر إثارة للقلق في هجمات 11 سبتمبر هو أن 19 خاطفاً تابعاً للقاعدة لم يتمكنوا فحسب من ركوب الطائرات التجارية بأسلحة بدائية، بل أنهم أيضاً شقوا طريقهم بالقوة إلى قمرة القيادة. وكان من الواضح أن أحداث 11 سبتمبر هي بمثابة فشل لأجهزة المخابرات الأمريكية في التعرف على المهاجمين، وفشل لأنظمة أمن المطارات في إيقافهم.

يقول جيفري برايس؛ أستاذ علوم الطيران والفضاء في جامعة متروبوليتان، وخبير بارز في أمن الطيران، إنه على الرغم من وقوع عددٍ قليل من عمليات الاختطاف والتفجير البارزة للطائرات التجارية، بما في ذلك التفجير المأساوي لرحلة بان آم رقم 103 فوق لوكربي، اسكتلندا، فإن الأمن لم يكن يمثل أولوية قصوى لشركات الطيران قبل 11 سبتمبر.
اقرأ أيضاً: متى يصبح من حق شركة الطيران تعليق رحلاتها؟
حيث لم يكن الناس بحاجة إلى تذكرة للتجول في المطار أو الانتظار عند البوابة. ولم يكن أحد يتحقق من هويّات الركاب قبل صعود الطائرة. وكان العنصر الوحيد الذي على الناس إزالته عند المرور عبر الأمن هو العملات المعدنية في جيوبهم. ويقول برايس إن معظم المطارات لم تكلف نفسها عناء إجراء تحرياتٍ عن خلفيات موظفيها، ولم يتم فحص الأمتعة المسجلة مطلقاً.
وقد تغيَّر كل ذلك بإنشاء إدارة أمن النقل، وهي وكالة فيدرالية جديدة تماماً أذن بها الكونغرس في نوفمبر 2001. يقول برايس: “لقد كان عملاً استثنائياً. فقد حاولوا إنشاء أفضل نظام لأمن الطيران من نقطة الصفر. وفي غضون عام، كان لدى إدارة أمن النقل أكثر من 50,000 موظف”.

هذا بالإضافة إلى جيشٍ من المفتشين الذين يرتدون الزي الأزرق، حيث أدخلت إدارة أمن النقل للمسافرين الأمريكيين بروتوكولات أمنية جديدة واسعة النطاق. وأصبحت التذاكر وبطاقات الهوية الفوتوغرافية مطلوبة لتجاوز منطقة الفحص. ولابد من إزالةِ أجهزة الكمبيوتر المحمولة والإلكترونيات من الحقائب المحمولة، كما يجب خلع الأحذية. واقتصرتِ السوائل على حاوياتٍ حجمها ثلاث أونصات.
وفي النهاية، تم استبدال أجهزة مسح لكامل الجسم بأجهزة الأشعة السينية التقليدية التي تكتشف الأجسام المعدنية فقط.
اقرأ أيضاً: التعلم من إخفاقات الاستخبارات
وتم تدريب ضباط إدارة أمن النقل على برنامج “كشف السلوك” للتعرف على قائمةٍ من السلوكيات التي تعتبر مشبوهة -مثل إمساك الأمتعة بإحكام، والارتباك والتشتت، وعلامات حلاقة اللحية مؤخراً- والتي من شأنها التنبيه للمسافر الذي يحتاج لمزيدٍ من الفحص. وخلف الكواليس، قام مركز فحص الإرهابيين الجديد التابع لمكتب التحقيقات الفدرالي بتجميع قائمة مراقبة الإرهابيين التي تضم مئات الآلاف من الأفراد، الذين تم وضع نحو 6000 منهم على قائمة “حظر الطيران”، ومن بينهم 500 أمريكي.
3-تصاعد العنف ضد المسلمين
بعد 4 أيامٍ فقط من هجمات 11 سبتمبر، قام مسلح في ميسا بولاية أريزونا بعملية إطلاق نار عشوائي. وفي البداية، أطلق النار على بالبير سينغ سودي، صاحب محطة وقود هندي الأصل، وقتله. وكان سودي من السيخ، لذا كان يرتدي عمامة. وافترض المسلح أنه مسلم. وبعد دقائق، أطلق المسلح النار على موظفٍ آخر في محطة وقود من أصل لبناني، لكنه لم يصبه، ثم أطلق النار عبر نوافذ عائلة أمريكية أفغانية.

وحتى في الوقت الذي أكد فيه السياسيون وسلطات إنفاذ القانون، مراراً وتكراراً، أن الإسلام دين سلمي تم تحريف تعاليمه الحقيقية من قبل المتطرفين الإرهابيين، فإن العديد من الناس في أمريكا وحول العالم ما زالوا يساوون بين 11 سبتمبر وبين الإسلام ويسعون للانتقام من أي شخص يبدو مسلماً.
اقرأ أيضاً: الولايات المتحدة والمسلمون وعالم ما بعد 11 سبتمبر
فبينما كان عددُ حالات الاعتداء ضد المسلمين 12 حالة فقط عام 2000، ارتفع هذا العدد ليصل إلى 93 حالة في عام 2001 بحسب أرقام مكتب التحقيقات الفيدرالي. وفي عام 2001، وعلى الرغم من انتقادِ منظمات الحريات المدنية لإدارة أمن النقل، وسلطات إنفاذ القانون، بسبب التنميط العنصري للرجال العرب والمسلمين، استمرت جرائم الكراهية ضد المسلمين. وأظهرت إحصاءاتُ مكتب التحقيقات الفيدرالي أن هناك 91 اعتداءً شديد الخطورة أو بسيطاً بدافع التحيز ضد المسلمين تم الإبلاغ عنها في عامي 2015 و2016، وتجاوز هذا الرقمُ أرقامَ عام 2001، ليصل إلى 127.
4-إطلاق أيدي السلطات لممارسة المراقبة
تم تمرير قانون باتريوت بعد ستة أسابيع فقط من أحداث 11 سبتمبر، حيث سارع المشرعون لإصلاح الإخفاقات الاستخباراتية التي سمحت للإرهابيين المعروفين بدخول الولايات المتحدة، وتنفيذ أكثر المؤامرات دموية في التاريخ الأمريكي. وسمح القانون المثير للجدل بإجراء تغييراتٍ كاسحة في كيفية قيام وكالات الاستخبارات المحلية بإجراء المراقبة.

فيما تم تخفيف أو التخلص من القواعد القديمة التي كانت تهدف إلى حماية الأمريكيين من “التفتيش والمصادرة غير المبررة” باسم الأمن القومي. ومرة أخرى، كان الخوف من أن تكون هجمات 11 سبتمبر مجرد بداية، وأن المزيد من الخلايا الإرهابية تنشط في المدن الأمريكية وتنتظر الأوامر بشنِّ ضربات. ومن أجل العثور على هؤلاء “الإرهابيين بيننا”، أعطى الكونغرس مكتب التحقيقات الفيدرالي ووكالة الأمن القومي صلاحياتٍ جديدة لجمع وتبادل البيانات.
اقرأ أيضاً: كيف هددت أحداث 11 سيتمبر الديمقراطية الغربية؟
فعلى سبيلِ المثال، منح قانون باتريوت وكالات الاستخبارات سلطة البحث في السجلات الشخصية، وسجل البحث على الإنترنت، مع القليل من الرقابة القضائية. ويمكن للعملاء تفتيش منزل دون إخطار المالك، والتنصت على خط الهاتف دون تحديد سببٍ محتمل. وبينما قاومت منظمات الحريات المدنية ما اعتبرته انتهاكات غير دستورية للخصوصية بموجب قانون باتريوت، تم تمرير القانون الأكثر إثارة للجدل في عام 2008، وهو قانون مراقبة الاستخبارات الأجنبية.

حيث منح هذا القانون وكالة الأمن القومي سلطاتٍ غير خاضعة للرقابة تقريباً للتنصت على المكالمات الهاتفية والرسائل النصية ورسائل البريد الإلكتروني الأمريكية، تحت فرضية استهداف الرعايا الأجانب المشتبه في تورطهم في أعمالٍ إرهابية.
5-ارتفاع الحس الأمني لدى الأمريكيين
في السنوات التي تلَت 11 سبتمبر، قتل الأمريكيون الذين يتبنون الفكرَ الجهادي 107 أشخاصٍ في هجماتٍ إرهابية محلية (حتى سبتمبر 2020). ووقع ما يقرب من نصف تلك الوفيات في حادث إطلاق نار مروع في ملهى “بالس” الليلي في أورلاندو، ولكن لم تكن هناك هجمات إرهابية واسعة النطاق على المدن الأمريكية كتلك التي اعتقد الكثيرون أنها ستتبع حتماً 11 سبتمبر.
اقرأ أيضاً: المدينة الذكية في مواجهة الإرهاب الغبي
ويبدو أن التدابير الأمنية التي اتخذت بعد أحداث 11 سبتمبر قد أحبطت أو ثبَّطت مؤامرةً طموحةً أخرى قام بها عملاء أجانب على الأراضي الأمريكية. لكن خلال هذه العملية، كما يقول جينكينز، واجهتِ البلاد حرباً “لا نهاية لها” على الإرهاب، والتي غيَّرت بشكلٍ جزري نسيج الحياة الأمريكية.
♦كاتب مستقل مقيم في الولايات المتحدة والمكسيك، يكتب في “نيويورك تايمز”، و”لوس أنجلوس تايمز”، و”نيوزويك”.
المصدر: موقع هيستوري