الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
4 تحركات تكشف خطة إيران لخطف البصرة وتهجير سكانها
هل تنجح مساعي طهران الخبيثة؟

كيوبوست – أحمد أمين نمر
تواجه البصرة (أقصى الجنوب في العراق) أزمات متتالية منذ غزو 2003، وتعاني من هجمات متلاحقة، مستهدفة الشعب العراقي في المقام الأول. ومن يتتبع الأحداث الأخيرة، يجد أن المدينة خلال الأشهر الماضية من العام الحالي شهدت أحداثًا متلاحقة تهدف في خفاياها إلى تنفير السكان والقضاء على مناحي الحياه فيها. الغريب في الأمر أن التقارير الرسمية تكشف باستمرار أن من يقف وراء هذه التحركات هي إيران، مما يطرح تساؤلًا جوهريًا هو: “ماذا تريد إيران من البصرة؟”.
ويمكن في هذا التقرير، مع تتبع مجرى الأحداث، إزاحة الستار عن مخطط طهران في الاستيلاء على ثالث أكبر مدينة في جمهورية العراق، وتهجير سكانها، بهدف جعلها منطقة مملوكة للسلطات الإيرانية بشكل كامل يمكّن الاستفادة من خيراتها، خصوصًا النفطية، لكن قبل هذا، لابد من معرفة لماذا اختارت إيران مدينة البصرة تحديدًا؟ وما أهميتها مقارنة بالمدن الأخرى؟
اقرأ أيضًا: إيران تستعمر دولًا عربية فكريًا، والضحية سوريا واليمن والعراق
البصرة التي تقع على الضفة الغربية لنهر شط العرب، الذي يتكون من التقاء نهري دجلة والفرات، ويصب في الخليج العربي، تعتبر العاصمة الاقتصادية للبلاد، والمنفذ المائي الأول له؛ إذ يوجد فيها الموانئ البحرية الوحيدة في البلاد، وتمتلك منافذ حدودية مع السعودية والكويت وإيران، وتقدر مساحتها بحوالي 19 ألف كم مربع. ورغم شهرتها بالمناطق الزراعية، إلا أنها تحوي أكبر ثروة نفطية في العراق، بالإضافة إلى المرافق الرئيسة للتكرير، وذلك بامتلاكها 15 حقلًا من أصل 77 حقلًا معروفًا، منها 10 حقول منتجة ما زالت تنتظر التطوير، كما تحتوي هذه الحقول احتياطيًا نفطيًا يزيد على 65 مليار برميل، بما يشكل نسبة 59% من إجمالي الاحتياطي النفطي العراقي الذي يقدر بـ115 مليار برميل.
كانت هذه المدينة الغنية في البلاد المضطربة مطمع إيران التي أصبحت ذات النفوذ الأقوى في العراق بعد الانسحاب العسكري للولايات المتحدة الأمريكية منها عام 2011. وعلى الرغم من معارضة الكثير من السياسيين العراقيين الشيعة، فإن طموح إيران الجيوسياسي يكمن في جعل الجنوب العراقي امتدادًا لإيران، ويعد هذا هدفًا رئيسًا بالنسبة لطهران، وذلك لتتيح لها إلى حد كبير، وإن كان بصورة غير مباشرة، زيادة حصتها في سوق الطاقة العالمية، خصوصًا مع تصاعد حملة العقوبات الأمريكية ضد إيران.
وفي الأشهر الأخيرة، بدأت إيران 4 تحركات جدية للسيطرة الكاملة على المدينة الحيوية، ساعية -ضمن خطط موضوعة- إلى تهجير وتنفير سكانها الذين يصل عددهم قرابة 3 مليون نسمة إلى المدن والمحافظات المجاورة، فعملت على ضرب مناحي الحياة الرئيسة في المحافظة عبر استهدافها المياه، وقطع الكهرباء، واغتيال قادة ناشطين في البصرة، بالإضافة إلى تدمير شبابها بتعاطي المخدرات.
اقرأ أيضًا: هل يمكن مواجهة التمدّد الشيعي دون فهم قوة إيران الناعمة؟
قطع شريان الحياه بتلويث المياه
لأن المياه شريان الحياة، عمدت إيران إلى ضربه بأساليب خبيثة، إذ قطعت عشرات الروافد المائية عن العراق، وقذفت مياه البزل المالحة والثقيلة في شط العرب، ما أدى إلى انخفاض منسوب المياه وارتفاع نسبة الملوحة إلى أعلى مستوياتها في هذا العام، مما أدى إلى تلوث المياه وانتشار الأمراض الجلدية والمُعدية بين السكان، فضلًا عن نفوق أعداد كبيرة من المواشي والأسماك. كما وصلت نسبة التلوث الكيميائي في مياه الشرب، التي تضخها محطات التحلية الحكومية إلى 100%، في حين بلغت نسبة التلوث الجرثومي 60%، وهذا الأمر أدى في شهر أغسطس/آب الماضي إلى كارثة إنسانية شهدتها محافظة البصرة بتسمم نحو 100 ألف مواطن بسبب تلوث المياه، بحسب مفوضية حقوق الإنسان في العراق، التي دعت حينها إلى إعلان البصرة مدينة منكوبة بكل المقاييس الإنسانية.
وثيقة مسربة من وزارة البيئة العراقية، كشفت الأحد، عن الدور الإيراني في تخريب ما كان يسمى “فينيسيا الشرق”، بسبب تلويث مياه محافظة البصرة بأملاح أدت إلى نفوق أسماكها وكائناتها البحرية وأشجارها، إذ أظهرت الوثيقة التي نشرها موقع “سكاي نيوز عربية”، وتحمل تاريخ الثامن من نوفمبر/تشرين الثاني الجاري، حقائق صادمة تبين الأضرار الناجمة عن ارتفاع تركيز الأملاح في مياه البصرة، التي تسبب بها قطع إيران لروافد عدة للمياه العذبة القادمة من أراضيها إلى العراق، بالإضافة إلى إلقاء المخلفات الإيرانية في المياه التي أدت إلى تمليح مياه بركتي أبو الزركي والطلاع، مما أسفر عن نفوق مئات الآلاف من الأسماك في المزارع والأقفاص العائمة، وهلاك أعداد كبيرة من السلاحف، منها ما هو مهدد بالانقراض وفق تصنيف الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة، فضلًا عن هلاك أشجار النخيل والسدر في المحافظة، بالإضافة إلى نفوق أعداد من الجاموس وإصابة أخرى بالعمى.
قطع الكهرباء لتهجيج السكان
التحرك الثاني لإيران في استهداف سكان البصرة، كان عبر قطع الكهرباء -أحد أسس العيش في عالمنا الحالي- إذ أقدمت طهران في يوليو/تموز الماضي على قطع خطوط الطاقة الكهربائية المصدرة إلى محافظة البصرة والمحافظات الجنوبية، مع ارتفاع درجات حرارة فصل الصيف في عموم المدن العراقية.
اقرأ أيضًا: مترجم: إيران تنتهج سياسة إمبريالية تدريجية تهدف إلى بسط نفوذها على دول المنطقة
ورغم أن حاجة إيران الفعلية للاستهلاك المحلي من الكهرباء تبلغ 42 ألف ميغاواط، في حين أنها تنتج 58 ألف ميغاواط، إلا أن الحكومة الإيرانية بررت فعلتها بأنه إجراء لتلبية احتياجاتها الداخلية من الكهرباء. وقال وزير الطاقة الإيراني رضا أردكانيان، في تصريحات نقلتها وكالة “فارس” الإيرانية إن “وقف توريد الكهرباء للعراق جاء وفقًا للاتفاقية المبرمة، لمنح الأولوية لسد احتياجات البلاد”، زاعمًا أن “كل عقد واتفاقية لتبادل الطاقة، يحوي أطرًا وإلزامات منها أن الدولة المصدرة عندما تكون بحاجة شديدة، فإن عليها أولًا تلبية احتياجاتها الداخلية”.
إفشال الاحتجاجات لإحباط الشعب
ومع تفاقم مشكلة الكهرباء والمياه في البصرة، تفجرت الاحتجاجات الشعبية على تردي الواقع الخدمي في المحافظة والتدخل الإيراني، وهنا جاء التحرك الثالث لطهران باغتيال ناشطي وقيادات حركة الاحتجاج الشعبي، بهدف إحباط التحركات الشعبية، ما سيؤدي إلى عدم تحقيق الاحتجاجات لمطالبها في تطوير الأوضاع الخدمية، مما يشكل حالة من الإحباط الشعبي والاستسلام للواقع المزري في المحافظة، وهذا الأمر سيدفع الأغلبية الأكبر من السكان للبحث عن محافظات أخرى توفر أساسيات الحياة.
وشهدت البصرة منذ انطلاق الاحتجاجات الشعبية في يوليو/تموز الماضي، مسلسلًا داميًا من الاغتيالات، كان آخرها استهداف الشيخ وسام الغراوي، أحد أبرز ناشطي البصرة، أحد المحركين الرئيسين للاحتجاجات ضد الفساد، وذلك بعد إطلاق رصاصات عدة عليه أمام منزله من قبل مجموعة مسلحة.
اقرأ أيضًا: النفوذ الإيراني في 4 عواصم: لماذا يفشل العرب في صد طهران؟
وكان تقرير نشرته صحيفة «المدى» العراقية المحلية، في شهر أكتوبر/تشرين الأول الماضي، كشف عن توصل المجموعة الاستخبارية -التي وصلت إلى البصرة بداية الشهر ذاته للتحقيق بتصاعد عمليات الاغتيال ضد ناشطين في المدينة- إلى حقائق تفيد بوجود لائحة اغتيالات تستهدف قيادات حركة الاحتجاج الشعبي في المدينة، تنفذها مجموعات مسلحة مرتبطة بجهات سياسية. كما قال مصدر حقوقي عراقي، في تصريح سابق إلى “سكاي نيوز عربية” إن الميليشيات الموالية لإيران، محددًا إياها بـ”عصائب أهل الحق وكتائب حزب الله والنجباء”، هي التي تقف وراء هذه العمليات، مشيرًا إلى أنها تسلمت قوائم تصفية من القنصلية الإيرانية في البصرة، تضم عددًا كبيرًا من النشطاء لاستهدافهم.
كما شهدت المحافظة العراقية بعد حرق القنصلية الإيرانية في سبتمبر/أيلول الماضي، حملات اعتقال تنفذها جهات غير رسمية طالت قادة حركة الاحتجاج الشعبي؛ إذ اعتقل 31 متظاهرًا في البصرة لم يعرف مصيرهم بعد، حسب ما كشفته مفوضية حقوق الإنسان في العراق الشهر الماضي. وهدفت هذه الاعتقالات، حسب ناشطين، إلى إيصال رسالة مفادها “الكف عن الاحتجاجات، وضرورة التزام الصمت حيال ما يجري من انعدام للخدمات وارتفاع معدلات التسمم بالمياه الملوثة”.
تدمير جيل الشباب بتعاطي المخدرات
أما التحرك الرابع، فيأتي بالتزامن مع محاولة إيران للقضاء على الاحتجاجات الشعبية في البصرة، حيث عملت طهران على تكثيف بث سمومها المخدرة لضرب جيل الشباب؛ إذ تعتبر إيران أكبر مصدر للمخدرات إلى المحافظة. وأفاد قائد شرطة البصرة رشيد فليح، الأحد، بأن 80% من المخدرات التي تدخل إلى المحافظة مصدرها إيران، كما أشارت مصادر أمنية في البصرة إلى أنه يتم اعتقال 10 إلى 15 شخصًا يوميًّا في المحافظة بين متعاطٍ وتاجر صغير، مؤكدة أن أعداد المتعاطين تتزايد بوتيرة سريعة بين الشباب والبنات والفئات العمرية في الجامعات والمدارس بالإضافة إلى المقاهي.
هذه التحركات الأربعة لإيران في البصرة لجعلها غير قابلة للسكن، تثبت مساعي طهران الخبيثة لتهجير سكان البصرة، وإبقاء المحافظة التي تقع على بحر من النفط، تحت سيطرتها الكاملة، مما يعني توسيع نفوذ إيران الجغرافي والسياسي، ثم الاقتصادي، بالسيطرة على الحصة الأكبر من النفط العراقي دون رقيب أو حسيب.
حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا