شؤون دولية

بدء تنفيذ العقوبات الأمريكية على إيران: ما هي السيناريوهات المرتقبة؟

كيف ستواجه طهران العقوبات؟

كيو بوست – أحمد نمر

مع بدء تطبيق عقوبات الولايات المتحدة الأمريكية على طهران في 6 أغسطس/آب الحالي، تنفيذًا لقرار الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالانسحاب من الاتفاق النووي، بدأت التقارير تتناول تداعيات العقوبات على الاقتصاد الإيراني ونظام الحكم في طهران، فما هي السيناريوهات المرتقبة لإيران في ظل تطبيق العقوبات؟ وهل تستطيع طهران تجنب مواجهة الصراع الأمريكي في ظل استمرار الاحتجاجات الداخلية في الجمهورية الإسلامية؟

اقرأ أيضًا: سيناريوهات متتابعة ترسم ملامح حرب حقيقية بين إيران والولايات المتحدة

وكانت وزارة الخارجية الأمريكية قد أعلنت أن العقوبات على طهران ستعود في أغسطس/آب ونوفمبر/تشرين الثاني، إذ سيتضمن الجزء الأول منها فرض عقوبات على شراء وبيع الدولار الأميركي من قبل الحكومة الإيرانية، وعقوبات متعلقة بالتحويلات للريال الإيراني، أو حسابات مصرفية خارج إيران، أو بنوك تخضع لنفوذ الريال الإيراني، وأخرى متعلقة بشراء أو تخزين أو نقل الغرافيت المباشر أو غير المباشر، أو المواد الخام، أو المعادن شبه المكتملة، بما في ذلك الألومنيوم والحديد والفحم والبرمجيات لإدماج العمليات الصناعية، بالإضافة إلى العقوبات المتعلقة بإيران على المشتريات والاشتراكات أو تسهيلات الديون، مع استهداف التجارة في قطاعي الذهب والمعادن الثمينة، وقطاع صناعة السيارات الإيراني.

أما باقي العقوبات التي ستعود في 4 نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، فستشمل إعادة العقوبات المتعلقة بمؤسسات الموانئ والأساطيل البحرية وإدارات بناء السفن، بما يشمل أسطول جمهورية إيران الإسلامية، وخط أسطول جنوب إيران، والشركات التابعة لهما، وإعادة العقوبات المتعلقة بالنفط، خصوصًا التعاملات المالية مع شركة النفط الوطنية الإيرانية (NIOC)، وشركة النفط الدولية الإيرانية (NICO)، وشركة النقل النفطي الإيرانية (NITC)، وحظر شراء النفط والمنتجات النفطية أو البتروكيماوية من إيران، وعودة العقوبات المتعلقة بالمعاملات الاقتصادية للمؤسسات المالية الأجنبية مع البنك المركزي الإيراني، وبعض المؤسسات المالية الإيرانية بموجب المادة 1245 من قانون تخويل الدفاع الوطني الأميركي للسنة المالية 2012 (NDAA).

كما ستشمل العقوبات المتعلقة بخدمات الرسائل المالية الخاصة للبنك المركزي الإيراني، والمؤسسات المالية الإيرانية المدرجة في قانون معاقبة إيران الشامل لعام 2010 (CISADA)، والعقوبات المتعلقة بتوفير خدمات التأمين، والمتعلقة بقطاع الطاقة الإيراني. بالإضافة إلى ذلك، سوف تلغي الولايات المتحدة في 5 نوفمبر/تشرين الثاني التراخيص التي منحت لكيانات أميركية للتعامل مع إيران عقب الاتفاق النووي.

 

مساعي المباحثات بين الطرفين تعطلها الشروط المطروحة

ورغم اقتراب ساعة الصفر لبدء تطبيق العقوبات، إلا أن إيران والدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي تعكف على إيجاد وسيلة للحفاظ على الاتفاق، وهو ما جعل الرئيس الأميركي دونالد ترمب، يبدي استعداده مؤخرًا للقاء الإيرانيين. وشدد وزير الخارجية الأميركية مايك بومبيو على أن القمة لن تحدث دون وجود شروط مسبقة، هي: التزام الإيرانيين بإظهار تغييرات جوهرية في طريقة معاملة شعبهم، إلى جانب تغيير سلوكهم -الذي وصفه بـ”الخبيث”- إضافة إلى إظهار انفتاح على اتفاق يمنع الانتشار النووي.

اقرأ أيضًا: إحماء أمريكي-إيراني لمواجهة نفطية: هل هي الحرب؟

من جهته، قال المتحدث باسم مجلس الأمن القومي الأميركي غاريت ماركيز إن “الولايات المتحدة مستعدة لاتخاذ إجراءات لإلغاء العقوبات وإعادة العلاقات الدبلوماسية والتجارية بالكامل، والسماح لإيران بتطوير التكنولوجيا، ودعم إعادة دمج الاقتصاد الإيراني في النظام الاقتصادي الدولي… هذه المرونة ممكنة فقط في حال كانت هناك تغييرات ملموسة ومثبتة ودائمة في سياسات طهران”، محذرًا في الوقت ذاته من أن العقوبات ستزداد ثِقلًا إذا لم يغير النظام مساره.

طهران في المقابل، اشترطت عبر نائب رئيس الإدارة الرئاسية في إيران حميد أبو طالبي،  قبل بدء أي محادثات بين طهران وواشنطن، عودة الولايات المتحدة للالتزام بالاتفاق النووي مع بلاده، واحترام دولة إيران، فقد كتب على حسابه في تويتر: “يجب على أولئك الذين يؤمنون بالحوار كطريقة لحل النزاعات في المجتمعات المتحضرة، أن يفعلوا الأشياء التالية أيضًا: احترام دولة إيران، والحد من الأعمال العسكرية العدائية”، معتبرًا أن العودة إلى خطة العمل المشتركة الشاملة SVPA أو ما يعرف بـ(الصفقة النووية) هي شرط لا غنى عنه للحوار.

ويأتي الموقف الإيراني في ظل مراهنتها على الخلاف التجاري بين أوروبا وواشنطن لتفادي العقوبات، إذ أشار وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، الأحد الماضي، إلى وجود شرخ بين الدول الأوروبية والولايات المتحدة، في إشارة إلى الحرب التجارية بين الحليفين، وأن على بلاده الاستفادة من هذا الأمر لتجنب العقوبات الأميركية، فيما تبدو أوروبا عاجزة عن تقديم أي ضمانات طالما أن الشركات المنفذة للمشاريع تستعد للمغادرة.

وأوضح ظريف في تصريحاته أنّ الولايات المتحدة ستدرك بأن العقوبات التي تفرضها على الآخرين، لن تعود بالنفع على أحد، مضيفًا: “لست من الذين يتصورون أن إيران يمكنها خلق صراع بين أوروبا والولايات المتحدة، لأنه يوجد الآن شرخ بينهما، وبإمكاننا الاستفادة منه”.

 

أوروبا تضغط على طهران لتقليص نفوذها الخارجي

في المقابل، رغم ما تبديه أوروبا من “تفهم” متعلق بانفتاحها على السوق الإيرانية، إلا أن حساباتها تتجه للوقوف إلى جانب الولايات المتحدة، إذ يشير مراقبون إلى أن أوروبا بدأت تضغط على طهران لتقليص نفوذها الخارجي، خصوصًا الشبكات التي تديرها طهران في أوروبا. كما يستبعد المراقبون أي تراجع أميركي بخصوص العقوبات على إيران، لافتين إلى أن الأمر أكبر من العقوبات، وأنه يرتبط برغبة أميركية واضحة لدفع إيران إلى التراجع عن مساعيها لإنتاج أسلحة نووية، أو خلق تقدم عسكري يهدد جيرانها الخليجيين، فضلًا عن الدور التخريبي لها في ملفات المنطقة.

اقرأ أيضًا: اقتصاد إيران تحت نار العقوبات: احتماليات الانهيار والثبات

وتعرف إيران أن مواقف قادة الاتحاد الأوروبي قد تعطيها دفعة سياسية حينية بمواجهة ضغوطات البيت الأبيض، لكنها في النهاية لن تعطيها أي ضمانات طالما أن الشركات المنفذة للمشاريع تستعد للمغادرة، وأن العقوبات الأميركية ستخلق لها تعقيدات كبيرة.

وأشار خبراء اقتصاديون ومحللون إلى أن الشركات الكبرى ستكون صاحبة القرار الأخير في حسم الجدل بشأن العقوبات الأميركية، وأن مواقف الساسة الأوروبيين البارزين سيكون في النهاية صدى لمواقف تلك الشركات التي لا يمكن أن تضع مصالحها في سلة السوق الإيرانية، وتهدد أنشطتها في أسواق أخرى أكثر أهمية، فضلًا عن تأثير العقوبات عليها على المدى البعيد.

 

تداعيات العقوبات على الاقتصاد الإيراني ونظام الحكم

ستشكل العقوبات الأمريكية عقبات كبيرة أمام الاقتصاد الإيراني وحكومة طهران على الساحتين الداخلية والخارجية على حد سواء، إذ سيكون من الصعب على إيران بيع نفطها الخام في الأسواق العالمية، ما يعني خسارة إيرادات كبيرة كانت تستغلها طهران في دعم الميليشيات والتوسع الإقليمي، فرغم أن إنتاج إيران اليومي 3.8 يبلغ مليون برميل نفط، وفق معهد التمويل الدولي في واشنطن، إلا أنه سينخفض بقدر 300 ألف برميل نفط مع بدء العقوبات.

ومع ما تشهده إيران منذ نهاية العام الماضي وبداية العام الحالي من احتجاجات كبيرة، كان السبب الرئيس فيها تدهور الأوضاع المعيشية، يتوقع الخبراء أن يواصل الريال الإيراني تدهوره، الأمر الذي سيؤدي تلقائيًا إلى رفع أسعار السلع والخدمات بالنسبة للمستهلكين، وسط توقعات بأن يبلغ التضخم في إيران 71%، ما يعني أن السكان سيعانون بشدة في شراء الأمور الأساسية، وهذا الأمر سيغذي الاحتجاجات في البلاد لأن السكان لن يكونوا قادرين على تحمل تكاليف الحياة الأساسية، مما سيكون له التأثير الكبير على نظام الحكم في طهران.

اقرأ أيضًا: هل ستقوض الصين إستراتيجية ترامب الجديدة تجاه إيران؟

وما سيزيد الطين بلة بالنسبة للنظام الإيراني، هو أن الاستثمارات الأجنبية ستتراجع بشكل كبير، وذلك بسبب الغموض الذي يكتنف مصير الاتفاق النووي، وهو أمر يدفع المستثمرين إلى العزوف عن ضخ أموالهم في إيران، ولن يؤدي نقص الاستثمارات إلى الإضرار بالنمو الاقتصادي فحسب، بل سيعرقل أي جهود لتطوير أو تحديث الصناعات المحلية الإيرانية أيضًا، وهذا ما بدأ فعلًا مع إعلان الولايات المتحدة فرض العقوبات على طهران، إذ بدأت الشركات الأوروبية بتصفية أعمالها في إيران، بما فيها شركة “توتال”، عملاق النفط الفرنسي، التي أعلنت أنها ستلغي عقودًا مقترحة في إيران.

وقال كبار المسؤولين التنفيذيين لشركات أخرى متعددة الجنسيات، إنه لا خيار أمامهم سوى وقف تعاملهم التجاري مع إيران في نهاية المطاف، ذلك أن عقوبات واشنطن ستحرم الشركات الأوروبية من ملايين الدولارات في البنوك الأميركية، وستمنعها من العمل في أراضي الولايات المتحدة.

وستواجه إيران أزمة في تمويل العناصر الموالية لها، إذ يتصل جزء من العقوبات الأميركية بمحافظ البنك المركزي الإيراني وأحد مساعديه، اللذين تتهمها وزارة الخزانة الأميركية بدعم الحرس الثوري الإيراني، خصوصًا فليق القدس الذي يتولى رعاية الميليشيات الطائفية في المنطقة.

ويقول تقرير لمجموعة “أوراسيا” (شركة استشارية في مجال المخاطر السياسية) إن هذه العقوبات “ستخنق قدرة إيران على تحريك الأموال” تجاه الميليشيات، لا سيما حليفها الرئيس، ميليشيات حزب الله اللبناني.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة