اسرائيلياتالواجهة الرئيسيةشؤون دولية
3 مخاوف تحرك الأمريكيين: أسرار التغلغل الصيني في “إسرائيل”
تحالف أم مصالح؟

كيو بوست –
خلال العامين الأخيرين، بزغ نجم العلاقات الصينية الإسرائيلية على نحو غير مسبوق، ممتدًا إلى السياسة والاقتصاد والعسكر، وباتت هذه العلاقة محط أنظار المراقبين والمحللين، لكونها آخذة في التطور بما يشير إلى تحول سيرمي بآثاره على المستقبل.
عربيًا، كان ينظر للصين على أنها واحدة من القوى العظمى التي يمكن أن تؤثر على صعيد القضية الفلسطينية؛ وذلك بموقفها حيال حل الصراع ومناصرتها للحق الفلسطيني في إقامة الدولة على حدود 1967 المعترف بها دوليًا. ورغم أنها لا تزال تحافظ على هذا الموقف، إلا أن تطور العلاقة مع دولة الاحتلال ينبئ بتغييرات ما قد تحدث.
اقرأ أيضًا: تصدعات في مواقف يهود الولايات المتحدة تجاه إسرائيل
البداية من الموانئ
لا يمكن اعتبار العلاقات الصينية الإسرائيلية حديثة العهد، إنما تعود إلى ما قبل عقود، وشهدت تقلبات عدة بين التوتر والتصالح، وفي المجمل بدأت بالاستقرار منذ ثمانينيات القرن الماضي.
كانت الصين دومًا تميل للتحالف مع العرب، وبحكم تحالف إسرائيل الأبدي مع الولايات المتحدة، العدو السياسي للصين، فإن التغيرات على العلاقة خلال الأعوام الأخيرة بين بكين وتل أبيب تطرح عديد التفسيرات والتساؤلات.
خلال الأشهر الأخيرة من عام 2018، عبرت أصوات إسرائيلية وأمريكية عن حالة انزعاج من الوجود الصيني في الموانئ الإسرائيلية عن طريق التجارة والاستثمار، لا سيما من اتفاقية تتولى بموجبها شركة صينية إدارة ميناء حيفا.
صحيفة “تايمز أوف إسرائيل” قالت إن ميناء حيفا يقع بالقرب من قاعدة للقوات البحرية الإسرائيلية يعتقد أنها تؤوي قوة الغواصات النووية الإسرائيلية.
ووفقًا للاتفاق في حينه، يفترض أن تتسلم مجموعة “شنغهاي إنترناشونال بورت غروب” في عام 2021 إدارة ميناء حيفا الذي تمت توسعته حديثًا، بموجب عقد مدته 25 سنة، وفقًا لصحيفة يديعوت أحرونوت.
وفازت شركة صينية أخرى بعقد لبناء ميناء جديد في مدينة أسدود جنوبي إسرائيل، وفقًا لصحيفة هآرتس.
جنبًا إلى جنب، وعلى الصعيد الاقتصادي، حسب صحيفة “هآرتس” العبرية، تفاخر رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، بزيادة حجم الصادرات الإسرائيلية إلى الصين بنسبة 56%، وتتركز هذه الصادرات أساسًا في قطاع التكنولوجيا.
تغلغل متسارع
تنامي العلاقات الاقتصادية يسير بين الطرفين بشكل متسارع ولا يتوقف عند الموانئ فحسب. في صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية، كتب البروفيسور جيكوب ناغل، وهو مستشار سابق في الأمن القومي الإسرائيلي، أن “الصين تنظر إلى أبعد من مينائي حيفا وأشدود”.
“الشركات الصينية تسعى إلى الفوز بعقود تنفيذ مشروعات أخرى، مثل شبكة الأنفاق تحت الأرض في منطقة جبال الكرمل الشمالية مع نظام التحكم بها”، أضاف البروفيسور.
اقرأ أيضًا: بالمال والسلاح والسياسة: حقائق عن الدعم الأمريكي لإسرائيل منذ عقود
ووفقًا لتقارير إعلامية، دخلت عشرات الشركات الصينية السوق الإسرائيلية، خلال العقد الأخير، وتنوعت ما بين مجالات وسائل النقل والبنى التحتية والزراعة والإنتاج الغذائي.
على سبيل المثال، في 2014 استحوذت شركة صينية على الحصة الأكبر من أسهم “تنوفا”، وهي الشركة الرائدة في مجال منتجات الألبان بإسرائيل.
وحسب البروفيسور الإسرائيلي فإن “شركات صينية تسعى إلى الاستحواذ على شركة التأمين الإسرائيلية العملاقة (فينيكس)، وشركة اتصالات فضائية مدنية إسرائيلية كبرى”.
تخوف أمريكي معلن وحذر إسرائيلي
هذا التنامي في العلاقة بات يثير تخوفًا معلنًا من قبل الأوساط العليا في الإدارة الأمريكية، وحذرًا من قبل جهات إسرائيلية غير حكومية.
وتنطلق المخاوف الأمريكية من مستويات عدة؛ فمن قبل المستويات الأمنية الأمريكية، تأتي التخوفات من تقاطع عمل الشركات الصينية مع مشاريع عسكرية إسرائيلية، أو قربها من مواقع إستراتيجية إسرائيلية. وعلى مستوى العلاقات بين شركات الريادة التكنولوجية الإسرائيلية الصينية، يأتي التخوف الأمريكي من إمكانية استخدام الصين التكنولوجيا الإسرائيلية التي تستوردها في صناعاتها العسكرية.
ونقلت تقارير سابقة عن الأدميرال الأميركي المتقاعد غاري روغهيد، الرئيس السابق لعمليات البحرية، قوله إنه يؤيد زيادة التعاون الإسرائيلي الأمريكي بوجه عام، لكن إدارة الصينيين لميناء حيفا تعني أن السفن الأمريكية لن تتمكن من استخدام القاعدة البحرية الإسرائيلية المجاورة بشكل منتظم.
اقرأ أيضًا: إسرائيل مقابل غزة: 70 عامًا من الصراع
وتوقعت تحليلات إسرائيلية أن تؤدي العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل والصين إلى أزمة في العلاقات مع الولايات المتحدة، وأن هذه المسألة باتت مسألة وقت، خصوصًا في ظل الحرب التجارية القائمة بين الولايات المتحدة والصين، بما يجعل التطورات في شرقي آسيا على رأس سلم أولويات واشنطن.
وسبق أن حذر جنرالات متقاعدون أمريكيون من إمكانية أن يقاطع الأسطول السادس الأمريكي قاعدة سلاح البحرية في حيفا، وذلك بسبب تدخل الصين في بناء الميناء المدني هناك.
وكتبت صحيفة هآرتس العربية في تقرير سابق أنه بناء على محادثات مع وزراء ومسؤولين إسرائيليين كبار زاروا واشنطن في الشهور الأخيرة، فإنهم فوجئوا من شدة غضب نظرائهم الأمريكيين في إدارة ترامب حول هذه المسألة.
ونقل عن أحد المسؤولين الإسرائيليين قوله: “استشاط الأمريكيون غضبًا خلال اللقاء”، كما طلبوا ضمانات إسرائيلية لعدم استغلال الصين هذه المشاريع في إسرائيل من أجل تحسين مكانتها الإستراتيجية وقدراتها الاستخبارية.
وكتبت الصحيفة أنه في إحدى المحادثات، قال مسؤولون أمريكيون لنظرائهم الإسرائيليين إن “الولايات المتحدة لا تستطيع أن تكون صديقة لدولة تقوم الصين ببناء موانئها”. ورغم أن “الحديث كان عن دولة أخرى، إلا أن إسرائيل استوعبت الإشارة”.
تحالف أم مصالح اقتصادية بحتة؟
ويبقى التساؤل الأبرز يتمحور حول ما إذا كان هذا التنامي يتجه للتحالف أم يندرج ضمن مصالح اقتصادية بحتة.
الكاتبة في صحيفة “معاريف” العبرية إيريس جيورلت نقلت في مقالة سابقة لها عن البروفيسور الخبير الإسرائيلي بشؤون الصين بالجامعة العبرية يتسحاق شيحور قوله إن “الصين ليست حليفة لإسرائيل، ولن تكون كذلك، لأنها لا تريد، لكنها تحاول المحافظة على علاقات جيدة مع مختلف أطراف المنطقة، دون أن تظهر تقاربًا مع إسرائيل، قد يفسره الفلسطينيون والعرب بأنه على حسابهم”.
وأضاف أنه من جهة إسرائيل، فالصين ليست بديلًا للولايات المتحدة، سواء بتأثير يهود الولايات المتحدة في صنع القرار لصالح إسرائيل، أو منحها غطاء سياسيًا أو عسكريًا، مشيرًا إلى أن المصالح المتبادلة اليوم بين الدولتين هي تنمية العلاقات الاقتصادية والثقافية، والحفاظ على الاستقرار في المنطقة والعالم، ومحاربة الإسلام الراديكالي.
اقرأ أيضًا: هذا هو الخاسر الأكبر في حرب تجارية مفترضة بين الصين والولايات المتحدة
على جانب الاهتمام العربي، فإن القضية الفلسطينية تبرز في هذه العلاقات لكون أحد طرفي العلاقة هو الدولة التي تحتل أرض فلسطين وتواصل احتلال أراضي الدولة الفلسطينية.
يرى مراقبون أنه حتى لو كانت العلاقة اقتصادية بحتة بين بكين وتل أبيب، فإن الاقتصاد يحكم السياسة في الغالب، وقد يتأثر الموقف الصيني من حل الصراع بهذه المصالح المتنامية مع إسرائيل.