شؤون خليجيةملفات مميزة

ماذا تعرف عن سلطنة عُمان؟ ولماذا تبنت الصمت في الأزمة الخليجية؟

قلما نسمع عن سلطنة عُمان، فما سر صمت هذه الدولة؟

على إثر إعلان السعودية والبحرين ومصر والإمارات مقاطعتها لقطر في الخامس من يونيو/حزيران الماضي، ساد صمت كبير في سلطنة عُمان، فما الذي يخفيه هذا الصمت؟ ولماذا لم تعلن سلطنة عمان عن موقفها من الأزمة حتى الآن؟

إن الإجابة على هذا السؤال ليست إجابة سهلة، ويتطلب الحصول عليها إدراكاً لبعض القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية للسلطنة الوحيدة في العالم العربي. ولم تكن هذه المرة الأولى التي تقف فيها عمان على الحياد، إذ يظهر التاريخ العماني سجلاً طويلاً من الأحداث التي رفضت في السلطة اتخاذ موقف يخدم طرفاً ضد آخر في النزاعات التي تنشأ في محيطها. في حرب الخليج الأولى رفضت عُمان الوقوف إلى جانب أي من طرفي النزاع، كما رفضت أن تكون أراضيها جزءاً من ساحة الحرب حين طلب الرئيس العراقي صدّام حسين منها استخدام أراضيها لقصف إيران القريبة جغرافياً. وفي قضية الاجتياح العراقي للكويت عام 1990 اتخذت السلطنة موقفاً عقلانياً يقوم على ضرورة خروج العراق من الكويت مع الحفاظ عليها ضمن المنظومة العربية.

كما رفضت السلطنة قطع علاقاتها الدبلوماسية بكل من الرئيس المصري السابق محمد أنور السادات والرئيس السوري بشار الأسد على إثر قضيتي توقيع اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل عام 1979، واندلاع الثورة السورية عام 2011 على التوالي، لتخالف ما أجمع عليه قادة العرب في القضيتين. في الحالة الأولى سعت عمان جاهدة لإعادة مصر إلى الحاضنة العربية، وفي الحالة الثانية استقبلت ممثلين عن النظام والمعارضة على حد سواء، داعية إلى تسوية النزاع بالحلول السلمية.

وفي أحداث اليمن امتنعت السلطنة عن الدخول في التحالف العربي ضد الحوثيين، ووقفت على مسافة واحدة من الطرفين، وكانت قاعدة لمفاوضات بين المتنازعين أسفرت عن إفراج عن عدد من الرهائن وتقريب وجهات النظر.

الأسباب وراء الهدوء السياسي العماني

يدعوها البعض بصاحبة الدبلوماسية الهادئة، ويدعوها آخرون بصاحبة القوة الناعمة، فمن أين حصلت السلطنة على تلك الألقاب؟ وكيف نجحت في ترسيخ مكانتها الإقليمية والعربية كمفتاح لحل الأزمات في المنطقة؟

في الواقع، إن مجموعة من العوامل لعبت أدواراً مختلفة في اتباع سلطنة عمان سياسة خارجية توصف بالهادئة والناعمة، فهي عادة لا تتخذ مواقف حاسمة من الأزمات العربية والإقليمية، وتندفع أكثر إلى محاولات الجمع بين أطراف النزاعات في سبيل الوصول إلى حلول وسط، ترضي الطرفين.

إن موقعها الجغرافي المطل على الخليج العربي، الذي يوصلها مع المحيط الهندي، يجعل منها دولة على علاقة بكثير من الدول، بحكم المصلحة المتبادلة في الحفاظ على سلامة الملاحة البحرية وحرية نقل البضائع والتجارة. إلى جانب ذلك، تقع السلطنة بين دول الخليج العربي وإيران، ما يجعلها حلقة الوصل الأولى بين العالمين العربي والفارسي.

ماذا عن التركيبة السكانية للسلطنة؟

إن المكونات الإثنية والعرقية التي تفيض بها السلطنة، تجعل منها شعباً متعدد الطوائف والملل، فسكان السواحل العمانية الذين سيطروا في فترات ماضية على سواحل أفريقيا الشرقية، جلبوا معهم بعض الأفارقة –خاصة الزنجباريون- الذين يدينون بديانات مختلفة، ويتصفون بصفات عرقية مختلفة عن سكان السلطنة، قبل أن تدمجهم ضمن النسيج المجتمعي العُماني خاصة في المنطقة الشرقية من البلاد. الغرب العماني الذي واجه الغزو الوهابي إبان السيطرة العثمانية على معظم أجزاء العالم العربي تأثر كثيراً بالمذهب الوهّابي، وتبنّى مبادئه. وقد كانت حصيلة هذا التمازج التاريخي بين الشرق والغرب مع العدنانيين في الشمال أن ظهرت تعددية إثنية ومذهبية واسعة داخل البلاد ألقت بظلالها على سياسة البلاد الخارجية التي راحت تتسمّ بالهدوء تجاه جميع الأطراف. ويرجع بعض المراقبين السبب وراء اختلاف عمان عن جاراتها سياسياً وراء الأغلبية الإباضية التي تحكمها والتي تخشى من تطوّر نفوذ جاراتها السنية والشيعية إلى داخل حدود دولتها.

من ناحية أخرى، يلعب سلطان البلاد دوراً كبيراً في رسم السياسة الخارجية للسلطنة، ومنذ تولي السلطان قابوس الحكم عام 1970، سعى إلى إنشاء علاقات وطيدة مع كافة الجهات، مع ضرورة عدم التدّخل في شؤون الدول الأخرى. وقد وجه السلطان قابوس منذ توليه الحكم أوامره إلى وزارة الخارجية لاتباع نهج يقوم على إنشاء علاقات صداقة مع الجميع مع الحرص على عدم الدخول في عداءات إقليمية أو عربية. وقبل تاريخ تولي السلطان قابوس لم يكن هناك سياسة خارجية واضحة المعالم لعمان، الأمر الذي أفرز عزلة سياسية لها عن محيطيها العربي والإقليمي.

لقد نتج عن سياسات السلطان قابوس علاقات دافئة مع دول عربية وإقليمية كثيرة، بفعل مبدأين أقرّهما: المبدأ الأول ينص على عدم قطع العلاقات الدبلوماسية مع أي دولة أخرى، الأمر الذي أتاح لُعمان إمكانية العمل مع جميع الأطراف وفي جميع الظروف، وقد استطاعت من خلال تلك المواقف أن تلعب دور الوسيط بين الأطراف المختلفة في أحلك الظروف السياسية، في  أوقات السلم والحرب، مستفيدة من العلاقات التي تربطها بكافة دول المنطقة.

أما المبدأ الثاني الذي يميز سياسة قابوس الخارجية فكان رفض سياسة الانحيازات والأحلاف في الصراعات الدولية، ما يعني أن السلطنة غير مستعدّة للدخول ضمن الأحلاف الدولية في مواجهة أحلاف أو دول أخرى، الأمر الذي ساهم في وضعها بمسافة واحدة من كل الأطراف.

لقد أسهمت هذه الأسباب، بشكل متداخل ومتشابك، في رسم صورة للسلطنة تقوم على اعتبارها دولة ضرورية للحفاظ على التوازنات العربية والإقليمية من خلال لعبها دور الوسيط الدائم للأزمات. كما أسهمت هذه السياسة إلى اعتبار المجتمع الدولي أن عُمان تحوز على مصداقية كبيرة في اللجوء إلى الحلول العقلانية أثناء الأزمات الدولية خاصة أثناء استضافتها للمفاوضات السرية التي أسفرت عن توقيع اتفاقية الدول الخمس الكبرى وألمانيا (5+1) مع إيران عام 2013.

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.