الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
3 أسباب تكشف عجز إيران عن افتعال حرب مع الولايات المتحدة
أزمة العلاقات بين البلدين الأكثر توترًا منذ 4 عقود

كيوبوست – أحمد أمين نمر
تشهد العلاقات الأمريكية – الإيرانية توترًا غير مسبوق بين البلدين، خصوصًا بعد إعلان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب في 8 أيار/مايو الماضي، انسحاب بلاده من الاتفاق الشامل بشأن البرنامج النووي الإيراني، وإعادة فرض العقوبات على طهران، مما جعل قادة البلدين ومسؤوليها يتبادلون التهديدات التي زادت من حدة الخلاف وفاقمت الأزمة بينهما إلى أعلى المستويات.
تتخذ الولايات المتحدة في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب منهج السياسة الصارمة والعدائية ضد كل من يخالف توجهاتها، خصوصًا أنها تميزت عما سبقتها من إدارات في اتخاذ قرارات ومواقف دون الالتفات لأي اعتبارات، مما جعلها الإدارة الأكثر جرأة، والأكثر غرابة في تصرفاتها، خصوصًا تجاه إيران التي تتصاعد وتيرة حدة التصريحات ضدها، مما قد يفجر حربًا حقيقية بين البلدين.
اقرأ أيضًا: سيناريوهات متتابعة ترسم ملامح حرب حقيقية بين إيران والولايات المتحدة
وقد أدرك الرئيس الأمريكي وإدارته تمامًا أن كل مشكلة في الشرق الأوسط تقف وراءها أياد إيرانية، وهو الأمر الذي كان واضحًا في خطاب ترامب في الأمم المتحدة، إذ سلط الضوء على ضخامة الدور الإيراني في المنطقة، خصوصًا عندما قال إنه “سيكون هناك ثمن كبير ستدفعه إيران إذا وقفت في وجه الولايات المتحدة”.
في المقابل، تؤكد طهران عبر تصريحات قادتها المتكررة استعدادها التام لأي مواجهة أو حرب ضد الولايات المتحدة، إذ قال قائد فيلق القدس التابع لحرس الثورة الإسلامية قاسم سليماني في آخر تصريحاته، يوم الخميس الماضي، موجهًا حديثه إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب: “على ترامب أن يعلم أننا بانتظاره… قد تبدأ أنت الحرب لكن نحن من سينهيها”.
لكن بالنظر إلى واقع الحال لإيران، نجد أن 3 أسباب رئيسة تجبر طهران على تجنب خوض المواجهة العسكرية المباشرة مع الولايات المتحدة الأمريكية، إذ يعتبر دخولها في حرب في ظل أوضاعها الحالية هو انتحار أكيد لنظامها الحالي، سينهي طموحاته التوسعية في المنطقة بإعادة الإمبراطورية الفارسية، كما سيقضي على أحلامه الأساسية بتصدير ثورته الإسلامية التي أسست نظامه الشيعي وزرعت الفتنة الطائفية في عدد من الدول العربية.
أزمة داخلية تربك نظام الحكم
تكمن أولى الأسباب في تجنب إيران الحرب مع الولايات المتحدة في معاناتها الداخلية، إذ يشهد النظام الإيراني أزمة في العمق الإيراني ترجمت عبر مظاهرات شعبية منذ بداية العام الحالي، وتتصاعد وتيرتها تدريجيًا، إذ بدأت باحتجاج على الغلاء المعيشي والفساد الإداري والمؤسساتي في البلاد، إلا أن غضب الشارع الإيراني الذي شمل كل المدن والمحافظات، امتد إلى شرائح أخرى في المجتمع، ورفع المطالب الشعبية إلى إسقاط نظام الحكم في البلاد، مما جعل المظاهرات الشعبية مع مضي 9 أشهر ترتقي من أزمة اقتصادية إلى أزمة طالت السلطة في النظام الإيراني.
اقرأ أيضًا: في حال حصلت مواجهة عسكرية بين إيران والسعودية، لمن ستكون الغلبة؟
تفاقمت معضلة النظام الإيراني في الشأن الداخلي مع محاولته لقمع الاحتجاجات وإنهائها قبل توسعها، مما أعطى المعارضة الإيرانية فرصة ذهبية استغلتها بشكل مكثف خلال الفترة الماضية، عبر توسيع نشاطاتها في داخل البلاد وخارجها لحشد التأييد الشعبي والدولي، مما جعلها تنجح في توسيع قاعدتها الجماهيرية في إيران، بالتوازي مع كسب الموقف الدولي الذي أعلن رفضه لتقييد الحريات في البلاد ودعمه لمطالب الشعب الإيراني. آخر هذه المواقف كان موقف الولايات المتحدة الذي عبرت عنه المتحدثة باسم وزارة خارجيتها، هيذر نويرت، خلال مؤتمر صحافي في واشنطن يوم الجمعة الماضي، حين أشارت إلى أن الشعب الإيراني بحاجة إلى مساعدة ودعم من المجتمع الدولي لمواجهة انتهاكات النظام الذي يواصل اعتقال معارضيه ويمارس سياسة التعذيب واضطهاد السجناء.
أربك هذا الموقف الذي وصل إليه النظام قادته الذين كانوا على يقين تام أن خسارة التأييد الشعبي في المواقف السياسية ستشكل خطرًا حقيقيًا على منظومة الحكم في حال نشوب الحرب مع الولايات المتحدة، إذ ربما يصل هذا الخطر إلى بروز مقاومة مسلحة داخلية تساهم في انقلاب يطيح بسدة الحكم، وينهي حقبة 4 عقود من السلطة والسيطرة على البلاد.
اقتصاد متهاو يتنظره كارثة حقيقية
أما ثاني الأسباب فهو ما يشهده الاقتصاد الإيراني من تراجع كبير، إذ يعيش مرحلة من المد والجزر لم تشهدها البلاد منذ 4 عقود، كما يعاني حالة من الانهيار مع إعادة العقوبات الأمريكية وتنفيذ الحزمة الأولى منها. ويواجه الاقتصاد مشكلات تكشف مدى معاناته في ظل استمرار انهيار العملة (الريال الإيراني)، التي هبطت إلى مستويات قياسية تاريخية، بالإضافة إلى هروب الاستثمارات الأجنبية، وعدم مقدرة النظام الإيراني على إيجاد حلول تشجع وتجذب الاستثمارات المحلية.
اقرأ أيضًا: الولايات المتحدة تحذر من مخططات إيرانية، وخامنئي يصرح: لا حرب ولا تفاوض
ومع تفعيل الحزمة الثانية من العقوبات في الرابع من نوفمبر/تشرين الثاني المقبل، سيضرب الاقتصاد الإيراني كارثة حقيقية، إذ ستشمل المرحلة الثانية عقوبات على النفط، شريان الاقتصاد الإيراني، فالولايات المتحدة تعتزم خفض صادرات النفط الإيراني إلى الصفر حسب برايان هوك، مسؤول فريق العمل الخاص بالملف الإيراني في وزارة الخارجية الأميركية.
لا يزال هذا التوجه الأمريكي يواجه معضلة تتبلور في موقف الاتحاد الأوروبي الملتزم بالاتفاق النووي مع إيران حتى الآن، إلا أن تهديد ترامب بالخروج من حلف الناتو وإبقاء أوروبا وحيدة أمام الخطر الروسي، إضافة إلى العقوبات التي قد تطال الدول والشركات الأوروبية التي تنوي التعامل الاقتصادي مع إيران، قد يرغم دول الاتحاد على تعديل وجهات نظرها.
ضربات موجعة في الجبهات الخارجية
ويعتبر السبب الرئيس الثالث الذي يدفع إيران إلى تجنب الدخول في حرب عسكرية مباشرة، هو ما تعانيه من ضربات موجعة في جبهاتها الخارجية التي عملت منذ سنوات عديدة على تكريسها لأهداف توسعية، تطمح من خلالها إلى تحقيق حلم الإمبراطورية الفارسية، فمع امتداد أذرع إيران الخبيثة في العراق واليمن وسوريا ولبنان إلا أن نشاط طهران في دعم الميليشيات الحوثية في اليمن وتعزيز نفوذ إيران في سوريا، يُقابل حاليًا بمواجهة كبيرة من مختلف الأصعدة؛ فمن جهة اليمن، فإن التحالف العربي بقيادة السعودية أخذ على عاتقه إعادة استقرار البلاد، متعهدًا بدعم الحكومة الشرعية ومساندة جيشها لهزيمة الميليشيات الحوثية الانقلابية الموالية لإيران، إذ أحرز تقدمًا ملحوظًا في الجبهات كافة بتحرير عدد من المحافظات والمدن اليمنية، مكبدًا الميليشيات المدعومة من طهران خسائر مادية وبشرية كبيرة.
اقرأ أيضًا: إحماء أمريكي-إيراني لمواجهة نفطية: هل هي الحرب؟
أما على الجانب السوري، فإن إيران تواجه جبهة أخرى عبر تلقيها ضربات مستمرة من إسرائيل التي نفذت مئات الغارات في سوريا، هدفت في معظمها إلى منع إيران ووكلائها في المنطقة من الحصول على أسلحة متطورة أو وضع موطئ قدم لها في البلاد، وهذا ما أكده رئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتنياهو، حين قال: “سنواصل العمل على منع التموضع العسكري الإيراني في سوريا، وسنواصل التنسيق الأمني بين القوات الإسرائيلية والجيش الروسي”.
حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا