الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
27 عاماً على مذبحة سربرنيتسا.. والبحث مستمر عن رفات الضحايا
مراقبون لـ"كيوبوست": التدابير القانونية بحق المتورطين في ارتكاب المذبحة كافية.. لكن لا بد من دعم التوجه نحو تحقيق المصالحة وتقريب وجهات النظر

كيوبوست
رغم مرور 27 عاماً على مذبحة سربرنيتسا في البوسنة والهرسك؛ فإن ضحايا المذبحة لا تزال رفاتهم تدفن عاماً بعد آخر عقب العثور عليها في تلك المنطقة، بعدما حاولت قوات صرب البوسنة التستر على جرائمها التي استمرت 10 أيام، استهدفت خلالها كل الرجال القادرين على الحرب؛ بمَن فيهم كبار السن، بينما تعرضت النساء والفتيات إلى عمليات اغتصاب، كما قُتل ودُفن عدد كبير من الأشخاص، وهم على قيد الحياة.
مذبحة سربرنيتسا جاءت في خضم الحرب التي شهدتها منطقة البلقان ما بين 1991 و1999، بعد تفكك يوغوسلافيا إلى كيانات منفصلة، وخلال الحرب قامت قوات صرب البوسنة التي تكونت بقيادة ملاديتش عام 1992، بموجب تصويت جمعية صرب البوسنة بعملية سيطرة كاملة يوم 11 يوليو 1995 على منطقة سربرنيتسا.

توصف هذه المذبحة بكونها عملية “إبادة جماعية“ بعدما راح ضحيتها أكثر من 8 آلاف شخص في أبشع جرائم القتل الجماعية التي شهدتها أوروبا منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، وسط صمت وتخاذل دولي وأممي؛ حيث تخلى الجنود الهولنديون الموجودون في القاعدة الأممية عن نحو 20 ألف شخص لجأوا إليهم لحمايتهم من القتل، وهو ما وصفه الأمين العام الأسبق للأمم المتحدة كوفي عنان، بكونه وصمة عار أبدية في تاريخ الأمم المتحدة.

مذبحة دموية
خلفيات المذبحة ترجع إلى عام 1992 عندما أُجرى استفتاء قاطعه صرب البوسنة حول استقلال البوسنة والهرسك، والتي حظيت آنذاك باعترافٍ أمريكي وأوروبي، فسعَت قوات صرب البوسنة المدعومة من الحكومة الصربية لشن هجوم على الدولة الجديدة؛ في محاولة لإقامة صربيا الكبرى، لكن الجيش البوسني نجح في استرداد منطقة سربرنيتسا بعد وقتٍ قصير من استيلاء قوات صرب البوسنة عليها.
بقيت منطقة سربرنيتسا محل تصارع واشتباكات متفرقة بين الحين والآخر في وقتٍ عاشت فيه المنطقة تحت حصار شديد تسبب، حسب بعض التقارير الحقوقية، في وفاة عدد من السكان جوعاً، رغم وجود قوة لعناصر حفظ السلام الدولية بأسلحة خفيفة؛ حيث أعلنت الأمم المتحدة المنطقة آمنة وخالية من أية هجمات مسلحة أو أي أعمال عدائية.

لكن في غضون 5 أيام عام 1995 تمكنت قوات صرب البوسنة من السيطرة مجدداً على المنطقة، ولم تنجح القوات الأممية التي تراجعت عن مواقعها أو طائرات حلف شمال الأطلسي التي شنت غارتَين جويتَين على قوات صرب البوسنة في السيطرة على منطقة سربرنيتسا بشكل كامل.
نفِّذت العملية بواسطة 1500 جندي بقيادة الجنرال راتكو ملاديتش، الذي أيدت المحكمة الجنائية الدولية، الشهر الماضي، فقط، حكماً عليه بالسجن مدى الحياة، وهو الحكم الذي صدر للمرة الأولى عام 2017 بعدما أُوقف عام 2011 عقب 16 عاماً هرب فيها من المحاكمة التي أُدين فيها، ليكون أحدث القادة الذين جرَت محاكمتهم، بعد إدانة عددٍ من العسكريين خلال السنوات الماضية؛ منهم القائد السابق لصرب البوسنة رادوفان كرادجيتش، الذي حكم عليه بالسجن مدى الحياة عام 2016، بتهمة الإبادة الجماعية، وهو الحكم الذي أُيِّد عام 2018.
على الرغم من أن بعض الدعاوى القضائية بحق المتهمين كانت ناجحة بشكل جزئي؛ فإن هذه الإجراءات القانونية لم تحقق المصالحة اللازمة في دول البلقان، حسب الدكتور سيدريك رينجارت، أستاذ القانون الدولي العام بجامعة أوترخت، الذي يرى، في تعليقٍ لـ”كيوبوست”، أن هناك ضرورة في السعي نحو العمل على تحقيق المصالحة بين الجماعات العرقية المختلفة في البوسنة.
مصالحة صعبة
مدعي الأمم المتحدة السابق سيرج براميرتز، اعتبر في مقابلة “دويتشه فيله“، العام الماضي، أن المصالحة قضية معقدة وحساسة؛ وهو ما يرجعه إلى تزايد تمجيد مجرمي الحرب وإنكار جرائمهم، معتبراً أن شرط المصالحة يقوم على نفس الفهم للتاريخ، ونفس الفهم للمسؤولية.
لم تكن لدى دول البلقان القدرة على اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المتهمين في هذه الجريمة، حسب المحلل السياسي الصربي ميلوش بافكوفيتش، الذي يقول لـ”كيوبوست”: إن اللجوء إلى المحكمة الجنائية الدولية جاء أمراً طبيعياً؛ لكنّ هناك ضرورة اليوم لقبول دول البلقان، والاعتراف بجرائم الحرب التي ارتكبت خلال تلك الفترة الزمنية.
يرى بافكوفيتش أن التدابير القانونية التي اتخذت كافية بحق المتهمين المتورطين في ارتكاب المذبحة؛ لكن لا بد من دعم التوجه نحو مزيدٍ من الإجراءات التي من شأنها تحقيق المصالحة؛ لوضع أساس سليم للأجيال القادمة، وهو دور يجب أن يضطلع به السياسيون، بالإضافة إلى منظمات المجتمع المدني؛ بحيث يتقبل الناس ما حدث في الماضي، من أجل بناء الجسور نحو المستقبل؛ فلا يمكن تحقيق مستقبل مزدهر في دول البلقان إلا بالوحدة والتعاون والتفاهم المتبادل.