الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
2022 عام انتكاسة التعليم.. ومستقبل ينذر بالتدهور

كيوبوست- منير بن وبر
ارتفع معدل فقر التعليم إلى 70 في المئة خلال عام 2022، وفقاً لما أورده البنك الدولي في تقرير حول أبرز أحداث العام الماضي. وحسب البنك الدولي، فإن ذلك المعدل المحبط شهدته البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، وهو يعني أن مكاسب عقدَين من الزمن، من جهود خفض فقر التعليم في هذه البلدان، قد فُقدت على الأرجح.
يعني فقر التعليم عدم القدرة على قراءة نص بسيط وفهمه في سن العاشرة. تهدد خسائر التعليم الفادحة بانخفاض الإنتاجية والدخل المستقبلي مدى الحياة لأطفال وشباب اليوم، الذين تعاني بلدانهم فقراً بالتعليم، وسيقود ذلك إلى المزيد من المخاطر والاضطرابات الاجتماعية.
هناك علاقة متينة بين التعليم والفقر والصراع. يمكن أن يكون التعليم أداة حاسمة في انتشال الناس من براثن الفقر، ويمكن أن يساعد في منع النزاعات وحلها. الفقر هو سبب ونتيجة للصراع؛ إذ يؤدي الافتقار إلى التعليم إلى استمرار دورة الفقر، لأنه يحد من الفرص ويقيد الناس في وظائف منخفضة الأجر. وهذا يزيد من مخاطر الصراع؛ حيث إن الفقراء هم أكثر عرضة للجوء إلى العنف لتحسين ظروفهم.
اقرأ أيضاً: لماذا تبخرت منجزات جهود مكافحة الفقر في 2022؟
على العكس من ذلك، يمكن أن يساعد التعليم في تقليل معدلات الفقر واحتمال نشوب الصراع. من المرجح أن يجد الأفضل تعليماً وظائف ذات دخل مجزٍ؛ الأمر الذي يساعد في كسر حلقة الفقر. بالإضافة إلى ذلك، يمكن للتعليم أن يعزز السلام والتفاهم من خلال تعليم الناس ثقافات وأساليب حياة مختلفة، وتقبُّل الآخر.
الدول الضعيفة أكثر عرضة
تُعد الدول متوسطة ومنخفضة الدخل أكثر عرضة لضعف التعليم بشكل عام. لا يتعلق الأمر بقدرات الحكومات فقط، بل أيضاً فقر الأفراد، وعدم المساواة، وعدم الاستقرار السياسي والنزاع.
نقص التمويل هو أحد الأسباب الرئيسية لمعاناة البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل من ضعف التعليم؛ حيث لا تملك هذه الدول -ببساطة- الأموال للاستثمار في أنظمتها التعليمية. وهذا يعني أن المدارس غالباً ما تعاني نقصاً في الموظفين وتفتقر إلى الموارد الأساسية؛ مما يؤدي إلى اكتظاظ الفصول الدراسية، وعدم كفاية المرافق ونقص المعلمين المؤهلين.

عدم المساواة هو قضية حاسمة أخرى. تواجه العديد من البلدان المنخفضة ومتوسطة الدخل مشكلة وجود فجوة كبيرة بين الأغنياء والفقراء؛ وهذا يعني أن أطفال العائلات الميسورة لديهم فرص أفضل للحصول على تعليم جيد مقارنةً بأطفال الأسر الفقيرة. يخلق عدم المساواة حلقة من الفقر والحرمان يصعب كسرها؛ حيث يزداد الأغنياء ثراءً والفقراء فقراً.
يمكن أن يكون الفقر عائقاً أساسياً أمام التعليم؛ حيث لا تتمكن الأُسر الفقيرة من تحمل الرسوم المدرسية أو تكلفة المستلزمات، وربما يحتاج الأطفال إلى العمل بدلاً عن الذهاب إلى المدرسة. قد تعيش العائلات الفقيرة في مناطق نائية أو ريفية؛ حيث لا توجد مدارس قريبة، وحيث لا ترغب الحكومة في الاستثمار في بنيتها التعليمية بسبب قلة وتشتت السكان.
اقرأ أيضاً: التعليم في اليمن يهدد بمزيد من العنف والفقر
أخيراً، يُعد عدم الاستقرار السياسي سبباً آخر لضعف التعليم في هذه البلدان. في أوقات الاضطرابات، غالباً ما يتراجع التعليم إلى ذيل الأولويات. يمكن أن تكون المدارس مدمرة جزئياً أو كلياً، أو مجبرة على الإغلاق لأسباب أمنية، أو أن المعلمين غير قادرين على العمل بفعالية، أو أن المعايير التعليمية الجيدة لم تعد ذات أهمية.
سمات مشتركة في الدول المضطربة
تشهد عشرات الدول حول العالم نوعاً ما من أنواع الصراع، يتركز أغلبها في قارة إفريقيا. تشمل أنواع الصراعات المتنوعة؛ الحربَ والحرب الأهلية والإرهاب والتمرد والعنف العرقي وحروب المخدرات وعدم الاستقرار السياسي. على الرغم من توزيع تلك الدول على مختلف قارات العالم؛ فإن هناك سمات مشتركة بينها، منها انعدام الثقة وعدم المساواة الاجتماعية والاقتصادية.
يُنظر إلى انعدام الثقة بين المجموعات المختلفة داخل الدولة التي تشهد صراعاً كأحد العوامل المشتركة بينها. يحدث فقدان الثقة عادةً بسبب تاريخ من العنف أو القمع؛ ويمكن أن يؤدي إلى مزيد من عدم الثقة والانقسام بمرور الوقت. الافتقار إلى التواصل بين الدول المتنازعة مع بعضها هو سبب شائع أيضاً. عندما تفتقد الدول القدرة على التواصل الفعَّال مع بعضها البعض؛ فإنها تقع ضحية سوء الفهم وتصاعد النزاع وصعوبة حله سلمياً.

الشعور بعدم الأمان نتيجة عدم المساواة الاقتصادية أو الخوف من التهديدات الخارجية هو سمة مشتركة أخرى، جنباً إلى جنب مع مستويات عالية من الفقر، مما قد يؤدي إلى تفاقم التوترات والعنف داخل البلدان أو بينها. وفقاً للبنك الدولي، من المتوقع أن يعيش ما يصل إلى ثلثي الأشخاص الذين يعانون فقراً مدقعاً في العالم في أوضاع هشة أو صراع وعنف بحلول عام 2030. يمكن أن يكون التعليم إحدى أهم الاستراتيجيات للهروب من كل تلك الحقائق المرعبة.
كيف يكون التعليم داعماً للاستقرار؟
يُعد التعليم محركاً قوياً للتنمية، وإحدى أقوى الأدوات لتقليل الفقر وتحسين الصحة العامة والمساواة والسلام والاستقرار. يحقق التعليم عوائد ضخمة من حيث الدخل وضمان العدالة والشمول، ودفع النمو الاقتصادي، وتعزيز مؤسسات الدولة والتماسك الاجتماعي. يعني وجود دول وشعوب أفضل تعليماً، مجتمعاً عالمياً أكثر استقراراً وأمناً.
البلدان ذات المستويات المنخفضة من التحصيل العلمي هي أكثر عرضة للاضطرابات الاجتماعية؛ لأسباب مثل عدم المساواة الاقتصادية والبطالة والعزلة الاجتماعية. وجميعها أسباب يُسهم ضعف التعليم في تفاقمها. على مر التاريخ، جادل العلماء والمفكرون في أسباب الحروب والنزاع. حالياً، يُجادل بأن أغلب حروب اليوم تُخاض لأسباب أيديولوجية.
اقرأ أيضاً: الفقر وشبح المجاعات.. هل يعزِّزان الإرهاب؟
يُرجح بأن تكون المجتمعات الأفضل تعليماً أكثر قدرة على تجنب النزاعات وحلها سلمياً؛ لأن لديها القدرة على التفكير النقدي والتواصل بشكل فعال، وفهم واحترام وجهات نظر الآخرين، وتقليل احتمالات التورط في الجريمة أو أن يصبحوا ضحايا لها. علاوة على ذلك، فإن المتعلمين أقل عرضةً للتطرف والانجذاب إلى الأيديولوجيات المتطرفة.
يخشى تقرير البنك الدولي، وغيره من التقارير، أن يؤدي فقدان جهود الحد من فقر التعليم، واستمرار تلك الخسائر، إلى عدم الاستقرار الاجتماعي وزيادة احتمالات وأسباب النزاع. من أجل ذلك، يجب على المجتمع الدولي مساعدة الدول منخفضة ومتوسطة الدخل على إنقاذ مستقبلها من خلال الاستثمار في التعليم.
يمكن للتعليم أن يعزز السلام والتفاهم ويساعد في تقليل معدلات الفقر واحتمال اندلاع الصراع العنيف؛ لذلك ينبغي أن تركز البرامج التعليمية المكثفة والمبسطة في تعلُّم الأساسيات، والتشجيع على الثراء المعرفي، مع التركيز على كل من تعزيز التسامح والتفاهم ومهارات حل النزاعات سلمياً.