الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةمقالات

2021، العام الذي دوَّت فيه أجراس الإنذار في العالم معلنة الوضع الطبيعي الجديد

كيوبوست – دينيس ساموت♦

شارف عام 2021 على نهايته، وقبل قرابة عام من الآن شعر كثيرون بالسعادة لانقضاء عام 2020 الذي ربطوه باندلاع جائحة كوفيد-19. كانت هنالك تنبؤات متفائلة بإعادة البناء بشكل أفضل، وتجاوز الجائحة والعودة إلى حالة النيرفانا السعيدة المتمثلة بالحياة الطبيعية، ولكن ذلك لم يحدث.

اقرأ أيضاً: كيف ننقذ العالم من كوفيد طويل الأجل؟

فعام 2021 كان مفعماً بتحدياتٍ أكبر من سابقه، وما فعله هو أنه كشف عن نقاط ضعف البشرية، والنظام الدولي الذي يهيمن عليها. أصبح التوق إلى العودة للوضع الطبيعي القديم ضرباً من العبث. عام 2021 لم يشهد نهاية العديد من المشكلات، بل على العكس أثبت لنا أننا لا نزال في بداية سلسلة من المشكلات والتحديات التي ستضع البشرية موضع الاختبار.

وقد دوَّت أجراس الإنذار في مختلف أنحاء العالم معلنة ضرورة الاستعداد لما أصبح الوضع الطبيعي الجديد، حيث الأوبئة تشكل جزءاً من الحياة اليومية، وحيث تضع تغيرات المناخ دولاً ومجتمعاتٍ بأكملها في دائرة الخطر، وحيث يتزعزع السلام، ويجب على كل الدول أن تعيد تقييم المخاطر الأمنية الجديدة التي تُحدق بها.

تجري التجارب العلمية على قدم وساق للانتصار على فيروس كورونا – وكالات

الجائحة

لقد هزَّت جائحة كوفيد-19 العالم أكثر من أي حدث آخر منذ الحرب العالمية الثانية، فقد كانت جائحة عالمية إذ يكاد لا يوجد بلد لم يتأثر بها، ومدى تأثيرها على حياة الناس والكلفة البشرية الهائلة -280 مليون إصابة و5.5 مليون وفاة- وضعت هذه الجائحة في تصنيف فريد من نوعه. ناهيك عن الكلفة الاقتصادية المحيرة للعقل، والتي بلغت تريليونات الدولارات.

إن ما تغير في عام 2021 هو أنه أصبح من الواضح أن الجائحة لم تكن حدثاً متفرداً قصير الأجل، فالفيروس أظهر مرونة عالية، وقدرة على التكيف، مما جعله يسبق أبحاث العلماء والاستجابات الطبية له. وبشكلٍ لا يصدق اضطر ملايين الأوروبيين لقضاء عطلة أعياد الميلاد للمرة الثانية على التوالي في ظروف الإغلاق العام. وما تعلمناه من الجائحة حتى الآن يشير إلى أن احتمال انتشار أوبئة أخرى متتالية هو أمر واقع مما يعرض صحة البشرية لأخطارٍ غير مسبوقة، على الرغم من القفزات الكبيرة في العلوم والمعارف الطبية.

اقرأ أيضاً: التغيرات المناخية أسهمت في تدمير أربع حضارات قديمة.. فهل حان دورنا؟

التغيرات المناخية

أدَّت الجائحة إلى تشتيت انتباهنا لفترة من الوقت عن مشكلة التغيرات المناخية، ولكن ذلك لم يدم طويلاً. وقد شهد عام 2021 أمثلة صارخة وغير مسبوقة على الطقس المتطرف بشكلٍ غير مسبوق، جعلت حتى أكثر المتشككين يتوقفون عندها. جمعت قمة المناخ التي عقدت في جلاسكو الخريف الماضي قادة العالم، فيما كان يُفترض أن يكون إظهاراً للوحدة والعزيمة الصلبة. ولكن غياب بعض القادة، والخلافات على القضايا الرئيسية، والشعور العام بالتخاذل في الاستجابة يعني أنه على الرغم من إدراك الجميع للمشكلة، فلا يزال هنالك تفاوت كبير في الحرص على حلها والالتزام بذلك.

جهود دولية لمعالجة التغيرات المناخية

الأمن والسلام العالمي في دائرة الخطر

سيتذكر الجميع عام 2021 من خلال صور سقوط كابول المذهل في أيدي طالبان الذي يعتبر تذكيراً مرئياً بالولايات المتحدة المختلفة، ودورها على المسرح العالمي، ومحدودية هذا الدور. إن ما تغير هو ليس قوة الولايات المتحدة، بل استعدادها لممارسة تلك القوة. والرسالة التي وجهتها القوة العظمى الوحيدة في العالم إلى حلفائها الإقليميين تقضي بأن عليهم رفع مستوى أدائهم، وعدم الاعتماد على الدعم الأمريكي المستمر. وهذا أمر له عواقب كبيرة في العديد من مناطق العالم، بما فيها أوروبا والشرق الأوسط.

اقرأ أيضاً: إمارة أفغانستان الإسلامية.. المأساة تبدأ من جديد

وبغض النظر عن مدى أناقة أو عدم أناقة الانسحاب الأمريكي، فقد كانت أفغانستان مثالاً جلياً عن هذه العواقب. وتبقى الحقيقة أن الولايات المتحدة تترك فراغاً في مختلف أركان العالم تتدافع الدول والتجمعات الإقليمية إلى ملئه. والولايات المتحدة نفسها تعيد التكيف مع ذلك الوضع. وقد أثار الإعلان عن الاتفاقية الأمنية الثلاثية بين الولايات المتحدة وأستراليا والمملكة المتحدة في سبتمبر الماضي ضجة في الدول التي تركت خارجها، بقدر ما أثار ضجة في الدول الأعضاء فيها.

مقاتلو “طالبان” يقومون بدورية في كابول بعد الاستيلاء عليها.. أفغانستان أغسطس 2021- “أسوشييتد برس”

النوايا الخبيثة لروسيا والصين وضرورة احتوائهما

ترتبط التحولات الحالية في الوضع الأمني للولايات المتحدة بشكل مباشر بإدراك التهديد الذي تمثله كل من روسيا والصين. وربما كان عام 2021 هو العام الذي تبلورت فيه بوضوح جدية هذا التهديد، مع ظهور النوايا الخبيثة لروسيا والصين بشكلٍ واضح وجلي.

فروسيا تحولت إلى دولة عدوانية مستعدة لاستخدام جميع الأدوات، بما فيها القوة لاستعادة هيمنتها على الدول المجاورة لها. وعلى الرغم من إدراك كثيرين لهذه الحقيقة، منذ فترة ليست قصيرة، فإن التصريحات الأخيرة للرئيس الروسي، وكبار المسؤولين الروس، والتقارير الاستخباراتية التي تشي بوقوع هجوم روسي وشيك على أوكرانيا، قد كشفت تماماً عن هذا التهديد.

اقرأ أيضًا: مؤشرات قوية على بدء الحرب بين روسيا وأوكرانيا قريبًا

وبالمثل، فإن الحشود العسكرية الصينية مستمرة منذ فترة طويلة، ولكن مؤخراً أصبح من الواضح أن الصين ستكون مستعدة لاستخدام قوتها العسكرية الجديدة لتحقيق طموحاتها في شرق آسيا، وما وراءها. وعلاوة على ذلك، فالصين تستعد الآن لأن تصبح ثاني قوة عظمى في العالم، وقد شهدنا خلال عام 2021 العديد من الأمثلة على استعراض الصين لقوتها. ربما تكون الولايات المتحدة حالياً القوة العظمى الوحيدة، ولكن قريباً ستصبح الصين في وضعٍ يمكنها من كسر هذا الاحتكار، مع ما يحمله ذلك من عواقب لا يمكن التنبؤ بها في أحسن الأحوال.

النزاعات الإقليمية لم تعد مجرد “مشاكل محلية صغيرة”

شهدنا مؤخراً عدداً من النزاعات الإقليمية التي تفاقمت وازدادت صعوبة. من المواجهة المحتملة بين إسرائيل وإيران التي يمكن أن تجتاح الشرق الأوسط بأكمله في أية لحظة، إلى الخطر المتزايد للصراعات المحتدمة في منطقة الساحل والقرن الإفريقي، إلى الصراع الذي لا نهاية له على ما يبدو في اليمن، وصولاً إلى التوترات المستمرة بين الهند والصين في جبال الهيمالايا. ولم يعد بالإمكان النظر إلى هذه النزاعات على أنها “مشاكل محلية صغيرة”. وعلى الرغم من وجود بعض التطورات الإيجابية؛ مثل استعادة التضامن بين دول مجلس التعاون الخليجي، وعملية السلام بين أرمينيا وأذربيجان، فإن هذه التطورات تبقى استثناءات وليست القاعدة، وهي لا تزال هشة ومهددة.

البرنامج النووي الإيراني مصدر قلق لدول المنطقة والعالم – أرشيف

ومع اقتراب عام 2021 من نهايته لا يمكننا أن نكتفي باللا مبالاة، وأن نأمل بأن يكون عام 2022 عاماً أفضل. فالعام الجديد لن يكون أفضل من سابقه إلا إذا جرى فهم التحديات التي برزت بشكلٍ صارخ في عام 2021 وتمت معالجتها بالشكل الصحيح. وأصبح وقوع العالم في أزمة صحية عالمية دائمة، والتدهور السريع للمناخ، والفوضى التي تعم النظام الدولي، وتجاهل حقوق البشر، ونشوب حرب عالمية تخوضها دول نووية ونزاعات محلية تتغذى على الفوضى العالمية، كل هذه الكوارث أصبحت في نطاق الممكن، ولا تحتاج إلى مهارات نوستراداموس لتوقعها.

اقرأ أيضاً: في حوارٍ خاص بـ”كيوبوست”رئيس الموساد الأسبق أفرايم هالفي: علاقاتنا مع دول الخليج تعود إلى 1973 (1-2)

يميل البشر إلى القدرة على التكيف، بسرعة مع الظروف المتغيرة، ولكن التكيف مع الوضع الطبيعي الجديد سيستغرق وقتاً أطول؛ لأن التغيرات التي من المرجح أننا سنضطر لإجرائها على طريقة حياتنا -كدول وكأفراد- سوف تكون عميقة ومتجذرة وواسعة النطاق. وهذا أمر يتطلب قادة يتمتعون بالذكاء والحكمة والقدرة على اتخاذ القرارات الصعبة، ومؤسسات وأفراد قادرين على المحافظة على استدامتها وعلى محاسبة القادة عند الضرورة. فهل يوجد عدد كاف من رجال الدولة من ذوي البصيرة ومن العلماء المتمكنين ومن القادة السياسيين والدينيين والثقافيين ورجال الأعمال المخلصين والأذكياء والناشطين الملتزمين بالمساعدة في تجنب وقوع الكوارث؟

أعتقد أننا في عام 2022 سوف نبدأ في رؤية طلائع الإجابات عن هذا السؤال.

♦مدير مؤسسة لينكس يوروب في لاهاي ورئيس تحرير موقع موقع commonspace.eu.([email protected])

لقراءة الأصل الإنكليزي: An assessment of 2021 – the year the alam bells range across the world

هذه هي الحلقة الأولى من مقالتين؛ تبحثان في أوضاع العالم مع نهاية عام 2021. وفي الحلقة الثانية يناقش المؤلف ما يخبئه عام 2022 من التحديات والفرص.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة