الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

120 عاماً من الصراع في اليمن (9-10)

9- هل فشلت الدولة المعاصرة؟

كيوبوست- منير بن وبر

على الرغم من تعدد أسباب الصراع في اليمن وتباين تأثيرها من حقبة زمنية إلى أخرى خلال الـ120 عاماً الماضية؛ فإن فترة ما بعد عام 2000 تميزت بتجمع العديد من الأسباب دفعة واحدة، مع تزايد حدة تأثيرها وظهور عوامل جديدة. فخلال العقدين الماضيين، عادت قضية الزعامة الزيدية الهاشمية إلى المشهد، ومعها القضية الجنوبية، وتأثير الإسلام السياسي، والخلافات داخل الطبقة الحاكمة وأصحاب النفوذ، وبروز الإرهاب، والثورة ضد نظام الحكم، ومعاداة الغرب، مضافاً إلى كل ذلك المشكلات التقليدية من فقر وفساد ومحسوبية وسوء إدارة وضعف سلطة الدولة في فرض قوتها على كامل الأراضي.

اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (1-10)

سعى الرئيس علي صالح -الذي كان يحكم منذ السبعينيات- إلى مواجهة كل تلك التحديات؛ وللقيام بذلك أجرى تغييرات جوهرية في الجيش والأمن والاستخبارات، لتثبيت سلطته وإبعاد المناوئين، ووثق علاقته بالولايات المتحدة الأمريكية تحت مظلة مكافحة الإرهاب؛ لكن الاقتصاد والتماسك الاجتماعي وصراعات الهوية استمرت في التأزم، كما واجهت التغييرات الداخلية والخارجية مقاومة من القيادات الدينية والقبلية والعسكرية المختلفة. 

اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (2-10)

أحد الأحداث المحورية المبكرة في هذه الفترة كان حادث تفجير المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” في عام 2000 من قِبل تنظيم القاعدة، وذلك أثناء تحضرها لإعادة التزود بالوقود في خليج عدن. لفت الحادث أنظار العالم إلى اليمن وربطه بالإسلام المتطرف، كما استدعى تركيز الولايات المتحدة على اليمن في حربها ضد الإرهاب، خصوصاً بعد حادث تفجير أبراج التجارة العالمية في نيويورك في العام التالي.

اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (3-10)

لم يكن التقارب الأمريكي- اليمني ومحاربة الإرهاب على الأراضي اليمنية بدعم أمريكي مقبولاً لدى الشريحة الأكثر تديناً والزعامات الدينية والجماعات الإسلامية المؤثرة. أدت الهجمات الأولى للطائرات بلا طيار على أهداف إرهابية إلى وقوع ضحايا من المدنيين؛ مما تسبب في تزايد السخط وتأييد وجهة نظر الزعامات والجماعات الإسلامية، خصوصاً مع تنامي الإسلام الثوري ومعاداة الغرب. حاول النظام الحاكم الذي ارتكز إلى حد كبير على الجماعات الإسلامية الراسخة الموازنة بين المطالب الداخلية والضغوط الخارجية بصعوبة بالغة.

المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” عقب الهجوم عليها- أرشيف

في عام 2004، بدأت أولى حروب صعدة، بين الحكومة اليمنية وجماعة أنصار الله، المعروفة بـ”الحوثيين”، وذلك إثر اعتقال أحد زعماء الزيدية بتهمة إنشاء فصيل مسلح داخل البلاد، والسعي لإعادة حكم الإمامة باليمن، وارتباط الجماعة بعلاقة تخريبية مع إيران. كانت جماعة الحوثيين قد رفعت حينها شعارها الشهير المعادي للغرب وإسرائيل “الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل”، وقد أدى هذا الشعار دوراً مهماً في حشد الأنصار.

 اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (4-10)

كانت علاقة اليمن بإيران معرضة إلى التدهور دائماً منذ قيام الجمهورية والقضاء على الحكم الملكي بزعامة إمام الزيدية؛ خلال الثورة مطلع الستينيات -على سبيل المثال- وقفت إيران إلى جانب الحكومة الملكية ودعمت هجومها المضاد لاستعادة الحكم من الجمهوريين. وفي الثمانينيات طلبت حكومة صنعاء من القائم بالأعمال الإيراني مغادرة البلاد بوصفه شخصاً غير مرغوب فيه عقب اكتشاف السلطات قيامه بالتحريض ضد الحكومة، ثم بعد فترة وجيزة، اكتشفت السلطات شبكة تجسس وتخريب إيرانية في صنعاء. استمرت حروب صعدة، التي بلغت ست حروب، حتى عام 2010، وتزايد معها اتهام إيران بدعمها الحوثيين.

اقرأ أيضاً: تطور جماعة أنصار الله: كيف غزت الثورة الإسلامية اليمن؟

أدى تصاعد أزمة الحوثيين في الشمال، وتزايد التحديات الاقتصادية، إلى المزيد من السخط الشعبي. وبحلول عام 2007م تحول جنوب اليمن إلى منطقة ساخنة أيضاً بعد خروج المظاهرات وانتشار الاحتجاجات المطالبة برد حقوق الجنوبيين وإعادة التفكير بشكل صريح في مشروع الوحدة اليمنية. وضع صراع صعدة ومطالب الجنوبيين تحدياً صعباً للجمهورية التي قامت على أنقاض الملكية في الشمال ودولة الجنوب، وبذلك أصبحت السلطة المركزية موضع تساؤل؛ لكن التحديات لم تقف هنا فحسب، ففي عام 2008 بدأت سلسلة من الهجمات الإرهابية؛ من بينها الهجوم الإرهابي على السفارة الأمريكية في صنعاء، والذي كان أحد انعكاسات الحرب على الإرهاب وتزايد السخط على السياسات الغربية بزعامة واشنطن.

احتجاجات في جنوب اليمن- “سبوتنيك”

شكَّلت كل تلك الأحداث مجموعة متنوعة ومعقدة من الصراعات، وتحدت سلطة الدولة وقوتها وسيادتها؛ حيث كان بالكاد أن تحتفظ الحكومة المركزية بسلطتها في المناطق الحضرية والمدن الكبيرة، مثل صنعاء وعدن، أما شرعيتها في نظر المواطنين فهي موضع شك كبير لدى قطاعات واسعة في الجنوب، وفي حالة حرب مفتوحة مع جماعة أنصار الله في الشمال.

 اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (5-10)

بلغت أزمة الثقة في الحكومة أوجها في عام 2011 بظهور ثورات الربيع العربي. اتسمت الاحتجاجات في اليمن بتوجيه مركزي من قِبل المعارضين ذوي النفوذ لحكم صالح؛ مثل الزعامات الدينية والحزبية والقيادات العسكرية، وغيرهم ممن هم جزء من النظام الحاكم؛ لكنهم تأثروا بتغييرات السياسة الداخلية والخارجية التي بدأت قبل ذلك بعقد ونيف. سرعان ما أدت هذه التغييرات الجوهرية إلى فقدان النظام أنصاره، وبالتالي إلى الضعف الذي انتهى بتسليم السلطة لنائب الرئيس.

 اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (6-10)

تسببت سنوات ما بعد الثورة وتزايد ضعف الحكومة في أضرار كارثية على اليمن عموماً؛ حيث تراجعت قيمة الصادرات بشكل حاد، وتدهورت قيمة العُملة اليمنية، ووصلت القدرة الشرائية إلى الحضيض، وانهارت البنية التحتية من كهرباء وماء وخدمات وطرقات وجسور، إضافة إلى تفشي الفساد والمحسوبية وغياب سلطة القانون، وتصاعد الانقسام الاجتماعي، وتفشي الأمراض؛ حتى وُصِف اليمن بأنه الأزمة الإنسانية الأسوأ.    

 اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (7-10)

من بين كل تلك النتائج كان الفساد حجة يقبلها الجميع وغير قابلة للضعف أو النقاش؛ استغلت جماعة أنصار الله هذه الحجة للمضي بسرعة نحو تحقيق مشروعها الذي لطالما لاقى مواجهة كبيرة سابقاً. في منتصف عام 2014، قادت الجماعة الحشود في صنعاء للتنديد بسياسات الحكومة وفشلها، ولم يأتِ العام على آخره إلا وقد استولى المسلحون الحوثيون على صنعاء، وتلاه هروب الرئيس عبد ربه منصور هادي، بداية 2015، من صنعاء إلى عدن.

 اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (8-10)

ومنذ ذلك الحين، دخلت البلاد في مرحلة استقواء التيارات القديمة، ذات الجذور التاريخية، على الدولة المعاصرة؛ لتتحدى وجودها وتثبت مدى صعوبة حكم بلد كاليمن بمختلف تناقضاته وجماعاته الاجتماعية والدينية والمذهبية، وتاريخه الذي يروي صراعات متواترة. وفي كل ذلك تنبيه على أهمية فهم طبيعة وتاريخ البلاد؛ لرسم سياسات أكثر نجاحاً ومستقبل أكثر عدلاً، فأولئك الذين لا يتذكرون التاريخ محكوم عليهم بتكراره كما قال الفيلسوف الإسباني جورج أوجستين.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج

مقالات ذات صلة