الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

120 عاماً من الصراع في اليمن (8-10)

8- عوامل تاريخية واقتصادية للصراع

كيوبوست- منير بن وبر

كان إعلان الوحدة بين اليمن الجنوبي والشمالي في عام 1990م يوماً مشهوداً؛ فقد كانت الوحدة اليمنية لدى الكثيرين هي خطوة نحو الوحدة العربية، وربما الإسلامية، ومع ذلك فإن قطاعاتٍ كبيرة أيضاً من النخبة السياسية والثقافية والقبلية لم تكن على قناعة كاملة. كانت بعض النخب شمالاً وجنوباً تنظر إلى بعضها بعضاً، وإلى مشروع الوحدة، بشيءٍ من الريبة؛ ففي الشمال يُنظر إلى الجنوبيين كشيوعيين كفار وملحدين، وفي الجنوب يُنظر إلى الشمال كمجتمع أقل تمدناً وكحاضنة للجماعات الإسلامية المتطرفة.

اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (1-10)

وعلى الرغم من كل تلك الشكوك؛ فقد قرر الزعماء المُضي قُدماً أملاً في أن يغير أحدهم الآخر، أو ربما أملاً في إمكانية تجاوز العقبات والتركيز على أمور يعتبرونها أكثر جوهرية.

كان أكثر الأمور إلحاحاً لتوحيد البلدَين هو الاكتشافات النفطية والغازية في المناطق المشتركة بينهما، في كلٍّ من محافظة مأرب، في اليمن الشمالي، ومحافظة شبوة، في اليمن الجنوبي.

إن صراعاً دموياً مدمراً بين البلدَين من أجل هذه الموارد الثمينة هو آخر ما يتمناه الطرفان؛ لذلك فإن تقاسم الموارد كان خيراً من الاقتتال عليها.

الرئيس اليمني علي صالح ونائبه علي سالم البِيض- أرشيف

سمح توحيد البلدَين بتجنُّب صراع مُحتمل من أجل الموارد الواعدة، وتخلتِ السلطة الحاكمة في الجنوب عن العقيدة الشيوعية غير المقبولة؛ لكن ذلك لم يكن كافياً لتفادي الصراع وتطوره إلى العنف المسلح والحرب في عام 1994، وهي الحرب القصيرة التي تُعرف بحرب الانفصال، أو حرب صيف 94.

اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (2-10)

كانت هناك أسباب عديدة للحرب، واتهامات متبادلة بين الطرفَين؛ لكن بشكل أساسي كانت الضغوط الاقتصادية أحد أكثر العوامل بروزاً؛ حيث أدت قوانين العمل والإقامة الجديدة والحرب العراقية الكويتية إلى عودة أعداد هائلة من المغتربين في دول الخليج إلى البلاد، وقد أُضيف إلى كل تلك الأعداد آلاف اليمنيين الآخرين العائدين من الصومال بسبب الاضطرابات هناك

اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (3-10)

تسببت عودة المهاجرين في انخفاضٍ حاد للتحويلات التي يعتمد عليها الاقتصاد بشدة، وأدى وجودهم المفاجئ إلى الضغط على البنية التحتية. كما تعثَّر مقدار كبير من المساعدات المالية الخارجية لليمن؛ مما أدى -إضافة إلى الأسباب السابقة- إلى أزمة اقتصادية، وزيادة نسبة البطالة، وخسارة متواصلة لقيمة الريال اليمني، وتدهور في الأوضاع المعيشة تسبب في سخط شعبي واحتجاجات وإضرابات للمطالبة بزيادة الأجور أو دفع الرواتب المتأخرة وتحسين المستوى المعيشي.

عُملة يمنية فئة100 ريـال- “رويترز”

 تداخلت مع الأزمة الاقتصادية أزمة سياسية مزعزعة للاستقرار متسببة في تزايد الشك وعدم اليقين؛ كان دستور دولة الوحدة من بين الخلافات الأساسية المبكرة، حيث انتقد الجناح الإسلامي في السلطة الدستور الذي يتعارض -حسب رأيهم- مع الشريعة الإسلامية، ويميل صراحةً إلى العلمانية. كما نشأ خلاف حول قانون الانتخابات وصراع بسبب نتائجه سنة 1993.

لقد كانت مسألة الانتخابات أحد أكثر أسباب الأزمة المثيرة للاهتمام؛ فحقيقة أن اليمن الشمالي يقطنه ثلاثة عشر مليون شخص واليمن الجنوبي لا يتعدى ثلاثة ملايين، جعلت كسب الانتخابات من أي نوع مضموناً لصالح الأول، وهو أمر ربما جعل الجنوبيين يشعرون أن نفوذهم وبقاءهم في السلطة لن يصمد طويلاً.

 اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (4-10)

لكن عام 1990م الذي أثار دهشة الجميع بوحدة بلدَين متجاورَين لكنْ متمايزان كثيراً كان يحمل معه الكثير من المفاجآت لليمن؛ إذ إنه بعد الوحدة بفترةٍ وجيزة، تم تأسيس حزب التجمع اليمني للإصلاح برئاسة عبدالله بن حسين الأحمر، شيخ تجمع قبائل حاشد القوية والشهيرة. أُوكل تنظيم الحزب إلى جماعة الإخوان المسلمين، والذين يعتبرهم الجنوبيون ألدَّ الأعداء.

وفي انتخابات عام 1993م فاز حزب الإصلاح بالعدد الأكثر من المقاعد بعد حزب المؤتمر، الحزب الحاكم برئاسة علي صالح، وبذلك أصبح منافساً شرساً للحزب الاشتراكي الذي كان حاكماً في الجنوب، وتشارك الحكم بعد الوحدة مع “المؤتمر”.

كانت نتيجة الانتخابات تلك كفيلة بإعادة حسابات الجنوبيين عدة مرات؛ فالشمال أكثر عدداً من الجنوب، و”المؤتمر” هو حزب الرئيس، و”الإصلاح” حزب إسلامي يرأسه زعيم قبلي.

عبدالله بن حسين الأحمر مؤسس حزب التجمع اليمني للإصلاح

تضافرت مع كلِّ تلك العوامل كرةُ ثلجٍ من المشكلات والتحديات؛ كان أبرزها تعرُّض الكثير من الجنوبيين إلى الاغتيالات، وعدم تمكين نظام الحكم اللا مركزي، والفساد والمحسوبية، وتعثر دمج مؤسسات الدولة، وفشل اندماج المجتمعَين بعضهما مع بعض، وغيرها من الأسباب التي أدَّت في النهاية إلى إعلان الجنوب إنهاء الوحدة؛ فاندلعت الحرب التي كسبها الشمال.

 اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (5-10)

حمل كسب الحرب لصالح صنعاء المزيد من عوامل ضعف الدولة؛ حيث تم تأميم وخصخصة أكثر من مئة منشأة اقتصادية وصناعية كانت تمتلكها الدولة الجنوبية بحكم نظامها الاشتراكي، وتمت إحالةُ أعدادٍ من الموظفين المدنيين وموظفي الجيش والأمن الجنوبيين إلى التقاعد أو إقصائهم، وقد أدت تلك العملية إلى فقدان آلاف الوظائف في الجنوب.

بحلول أواخر التسعينيات، كان هناك افتقار واضح في الإرادة والقدرة على تبني إجراءات وإصلاحات اقتصادية قادرة على تغيير مسار البلاد عن هوة الفقر، ولم يأتِ عام 2005م حتى بات الاقتصاد اليمني بالكاد يخلق وظائف كافية وخدمات عامة ضرورية، وأصبح نظام الحكم والموارد في يد قلة من الضباط، وشيوخ القبائل، ورجال الأعمال.

 اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (6-10)

شهد العقد الأول من القرن الحادي والعشرين أيضاً مظهرَين جديدَين من الصراع ذوَي جذورٍ عميقة؛ تمثل الأول في سلسلة حروب صعدة في الشمال، والثاني ظهور الحراك الجنوبي المنظم في الجنوب.

خلال حروب صعدة، قادت الحكومة اليمنية ستة حروب ضد حركة أنصار الله المعروفة بالحوثيين؛ وذلك على خلفية اتهامهم بتنظيم فصيل مسلح، والسعي لإعادة الإمامة التي قضت عليها ثورة 26 سبتمبر 1962م. أسَّس حركة أنصار الله أوائل التسعينيات زعيم ديني زيدي كحزبٍ سياسي يحاول مقاومة ما يُطلق عليه تمييز ضد السلالة الهاشمية والمذهب الزيدي، ويتطلع إلى مشاركة حكم البلاد إلى جانب الأحزاب الأخرى التي ظهرت حينها.

مقاتلون حوثيون- وكالات

أما الحراك الجنوبي السلمي، فقد طالب بالمساواة والتمثيل العادل للجنوبيين، واسترداد حقوقهم، كما طالبت شريحة عريضة منهم بالاستقلال عن حكومة صنعاء التي يعتبرونها احتلالاً منذ حرب 1994م.

 اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمن (7-10)

ولم يأتِ عام 2011 حتى خرجت الجماهير جنوباً وشمالاً تطالب بإسقاط نظام حكم علي صالح، وقد شارك في الاحتجاجات مختلف الأحزاب والمكونات السياسية، لأهدافٍ مختلفة؛ لكن بحجج قوية لا يكاد يختلف عليها أحد، وشملت القضاء على الفساد والتهميش وسوء إدارة الدولة، ومنع توريث الحكم. كانت نتيجة الاحتجاجات تسليم الرئيس اليمني علي صالح الحكم لنائبه.

كان حزب التجمع اليمني للإصلاح أكثر الأحزاب قدرةً على الحشد الجماهيري، بينما اعتبر الكثير من الجنوبيين أن الاحتجاجات لا تعنيهم لأنهم يرغبون في استعادة دولتهم، وليس مجرد إسقاط النظام الحاكم. أما “أنصار الله” فقد عملوا بثبات على زيادة حظوظهم واستغلال نقاط الضعف في النظام الحاكم المضطرب، واستغلال الخلافات بين القيادات القديمة والجديدة؛ حتى تحالفوا أخيراً مع الرئيس اليمني السابق، وتمكنوا من السيطرة على صنعاء، ومعظم أجزاء الشمال، فارضين حكومة أمر واقع. وعلى الرغم من وصول الحوثيين إلى مناطق في الجنوب، أهمها عدن؛ فإنه سرعان ما تم دحرهم بقوة من قِبل قوات التحالف العربي والمقاومة في عدن.

اقرأ أيضاً: هل سهّل إخوان اليمن سيطرة الحوثيين على شمال البلاد؟

أعاد الواقع الجديد اليمن عملياً إلى دولتَين؛ الأولى في الشمال تحت حكم الحوثيين، والثانية في الجنوب تحت حكم ما بات يُعرف بالحكومة الشرعية، وهو حكم اسمي تقريباً يُمارس من المنفى غالباً.

وفي المقابل ازداد الحوثيون تمكناً وحاولوا بعنف توسيع مناطقهم، كما ازداد الجنوبيون تمسكاً بأهدافهم وتعزيز حظوظهم السياسية والدبلوماسية.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج

مقالات ذات صلة