الواجهة الرئيسيةترجمات
10 صراعات يجب مراقبتها في 2020

كيوبوست – ترجمات
لا يمكن التعامل مع الأزمات الإقليمية بمعزل عن القضايا العالمية؛ فالأولى مرآة تتجلى فيها الأخرى بكل أشكالها وتداعياتها. وهكذا كلما اختلفت الطرق التي تشتعل بها تلك الخلافات الإقليمية أو تتكشف للعيان أو تتعقد أو تُحل؛ فإنها تحدث تغيُّرات على مستوى القوى الدولية، كما تمتد لتعكس التنافس الشرس بين تلك القوى، فضلًا عن كشفها عن مدى طموح الفاعلين الإقليميين. ولا يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فبتأمل كيفية التعامل مع تلك الخلافات من قِبَل النظام العالمي، يتضح لنا أيٌّ من تلك الأزمات يثير اهتمام العالم وأيٌّ منها لا يُشَكِّل فارقًا كبيرًا.
وعلى مدى التاريخ تتغير أدوار القوى الدولية الكبرى، ولعل الصين أفضل مثال على ذلك. فمنذ زمن غير بعيد بدأت الصين في اتباع سياسة النفس الطويل؛ وهي السياسة التي لا تنفصل أبدًا عن ثقة الحكومة الصينية في تأثيرها العالمي الساحق، وبلا تعجُّل كبير تمارس بكين خططها طويلة الأمد وتركز على الأولويات التي اختارتها لنفسها، تلك التي تتجلَّى في إحكام السيطرة الداخلية وقمع المعارضة؛ مثلما يحدث في هونج كونج وإقليم تشينج يانج وبحرَي الصين الجنوبي والشرقي، كما لا ننسى قطار الحرب التكنولوجية الذي لا يتوقف بين الصين والولايات المتحدة الأمريكية.
1- أفغانستان
إذا ما قارنَّا أعداد الضحايا الذين لقوا مصرعهم بسبب الأزمات الإقليمية المشتعلة حول العالم، فإن أفغانستان ستتفوق على الجميع، وعلى ما يبدو هناك بصيص من النور يلوح في الأفق مع مطلع العام الجديد يبشر بنهاية تأتي متأخرة؛ لكنها مطلوبة لتلك الحرب التي دامت عقودًا.
اقرأ أيضًا: أفغانستان.. تهديدات إرهابية وعدم استقرار سياسي
لقد ارتفع مستوى العنف وإراقة الدماء في أفغانستان خلال العامين الماضيين بنسبة ملحوظة؛ حيث نظم متمردو “طالبان” وميليشيات تنظيم الدولة الإسلامية عددًا ليس بقليل من الهجمات المنفصلة، تلك التي أطاحت بأمن واستقرار عديد من المدن بطول البلاد وعرضها، ويبدو أن المناطق الريفية كانت أوفر حظًّا؛ حيث شهدت مستويات أقل من العنف. وعلى الجانب الآخر، شنّ كلٌّ من كابول وواشنطن عديدًا من الضربات الجوية، فضلًا عن الغارات التي تولَّى مسؤوليتها أفراد القوات الخاصة. وعلى الرغم من حُسن النوايا التي صحبت تلك الغارات؛ فإن المدنيين في المناطق الريفية ما زالوا يعانون وطأة هذا العنف المتبادل من الأطراف كافة.

وبينما شهد العام الماضي لقاء ممثلين دبلوماسيين للولايات المتحدة وحركة طالبان للمرة الأولى منذ بداية الحرب في أفغانستان، أولت واشنطن أهمية خاصة للتوصل إلى اتفاق مرضٍ مع المتمردين، وبعد مرور عدة أشهر من المحادثات الهادئة، توصل مبعوث الولايات المتحدة زلماي خليل زاد، إلى تفاهم حول وثيقة اتفاق مبدئية من شأنها أن تعجل بحدوث توافقات بين الأطراف الأفغانية المتناحرة، وهو ما قد يعني تأخير عملية انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان؛ لضمان التزام “طالبان” بالتنسيق مع الحكومة أو القيادات الأفغانية البارزة من جهة، ومن جهة أخرى ضمان تحقيق أهداف الحرب ضد الإرهاب هناك. وفي حال نجاح تلك المفاوضات، فإن ذلك سيعد بداية الطريق للتوصل إلى حالة من السلام بين الأطراف الداخلية المتناحرة في أفغانستان على أمل إنهاء أكثر الحروب دموية، تلك التي عاناها الأفغان لفترة طويلة من الزمن.
2- اليمن
شهد عام 2018 تدخلًا دوليًّا واسعًا للحد من خطورة الوضع في اليمن، ذلك الوضع الذي تم وصفه من قِبَل ممثلي الأمم المتحدة باعتباره أكبر كارثة إنسانية شهدها العالم خلال تلك الفترة، ومن الممكن أن يأتي لنا العام الجديد بفرصة ذهبية لتهدئة نيران الحرب هناك، وهي الفرصة التي ينبغي استغلالها من قِبَل الأطراف المحليين والإقليميين والدوليين قبل فوات الأوان.
ولعل التكلفة الدموية للحرب في اليمن واضحة للعيان؛ فالحرب قد اجتاحت دولة هي الأفقر على مستوى البلدان العربية، وقد أصبحت الآن على حافة المجاعة، كما تحولت هذه الحرب مع مرور الوقت إلى أحد أكثر الأخطاء الكبرى في منطقة الشرق الأوسط كنتيجة طبيعية للتنافس الذي يدور على أشده بين إيران من جانب والولايات المتحدة وحلفائها من جانب آخر. وعلى الرغم من أن معاناة اليمنيين تأخرت في الحصول على الاهتمام العالمي؛ فإن تلك القضية ستصبح في طريقها إلى السقوط في طي النسيان مرة أخرى إذا لم يتم استغلال الفرص المتاحة.

ولفهم الوضع في اليمن والتعرف على الخيارات المتاحة، علينا أن نتوجه بأنظارنا إلى الأطراف الدولية المتنافسة هناك. وعلى كلٍّ، فقد أفضى القتال الذي بدأ في أغسطس 2019 بين الموالين للمجلس الانتقالي الجنوبي من جانب والحكومة اليمنية من جانب آخر، إلى طريق مسدود؛ حيث ينهار كل الجهود لمواجهة الحوثييين. أما الرياض فتبدو عاجزة الآن عن إصلاح الموقف، وهي تمتلك خيارًا واحدًا دون غيره، هو المراهنة على عقد هدنة بين كلٍّ من المجلس الانتقالي والحكومة في صنعاء؛ حتى تتمكن من الحفاظ على جهودها الحربية هناك.
اقرأ أيضًا: اتفاق الرياض بشأن اليمن.. الفرص والتحديات
ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد؛ فقد أسهمت الضربة الصاروخية للبنية التحتية للنفط السعودي في مزيد من توتر الأضاع في الوقت الذي توجهت فيه أصابع الاتهام نحو الجانب الإيراني، أضف إلى ذلك الهجمات التي تم شنها مؤخرًا بأسلحة الكلاشينكوف؛ وهو ما يهدد بخطر الانخراط في حرب دولية من الممكن أن تنجر إليها الولايات المتحدة وحلفاؤها في المنطقة في مواجهة إيران، وهي الحرب التي لا يرغب فيها أيٌّ من تلك الأطراف.
وربما لتحاشي وقوع ذلك، انخرط كلٌّ من السعوديين والحوثيين في محادثات سياسية غرضها الحد من تصعيد الأوضاع؛ على أمل إنقاذ اليمن من خطر تحوله إلى ساحة حرب خارجية لكلٍّ من السعودية وإيران، وعلى ما يبدو فإن تلك المحادثات قد بدأت في الإتيان بثمارها؛ حيث أسفرت عن التخفيف من عدد الهجمات المسلحة التي يتم شنها عبر الحدود، وإذا استمر الوضع على ما هو عليه ونجحت الأمم المتحدة في التوصل إلى صيغة سياسية مرضية خلال العام الجديد، فإن ذلك سيعد علامة جيدة على قرب انتهاء الصراع في اليمن.
3- إثيوبيا
ربما يأتي العام الجديد بالمزيد من الوعود المبشرة والمخاطر الكبيرة لدولة إثيوبيا، فما أن تولَّى آبي أحمد رئاسة الوزراء في أكثر دول شرق إفريقيا ازدحامًا بالسكان في أبريل 2018؛ حتى نجح في تحقيق كثير من الإنجازات، على رأسها فتح المجال السياسي لبلاده، حيث اتخذ خطوات كبيرة لحل الخلاف الذي دام عقودًا مع دولة الجوار، إريتريا، كما أفرج عن المعتقلين السياسيين وأعاد المتمردين المنفيين من خارج البلاد. أضف إلى ذلك تعيينه للسياسيين من ذوي الميول الإصلاحية على رأس المؤسسات المهمة، وهو ما أهله لنيل كثير من أوسمة الشرف داخل بلاده وخارجها، وصولًا إلى حصوله على جائزة نوبل للسلام لعام 2019.

وقد أسفر الصراع العرقي في إثيوبيا عن مقتل المئات وتهجير الملايين، كما تسبب في إشعال الخلافات بين القادة أصحاب النفوذ في الأقاليم الداخلية، وهو ما ينبئ باشتعال الأوضاع مع اقتراب الانتخابات القادمة في مايو 2020؛ ما قد يتسبب في أعمال عنف وانقسامات خطيرة بسبب استغلال المرشحين للمزايدات الطائفية لتعزيز مواقعهم، كلٌّ على حدة. ولدينا على سبيل المثال “جوار محمد” المنتمي إلى جماعة الأورومو العرقية، وقد أصبح يتمتع بسمعة شعبية كمعارض قوي لنظام آبي أحمد، حيث شهد أكتوبر الماضي تجمعًا كبيرًا لداعميه في العاصمة أديس أبابا على خلفية الشائعات التي انتشرت عن سوء معاملة الشرطة له.
وتعد المرحلة الانتقالية التي تشهدها إثيوبيا مصدرًا للأمل لعديدين، وهي تستحق الدعم من الأطراف كافة؛ لكن تلك الآمال لا تمنع احتمالية أن تنزلق البلاد إلى حالة من الصراع الداخلي العنيف، بل إن هنالك ما هو أسوأ في حال اتخذت إثيوبيا السيناريو المتشائم نفسه الذي أدى إلى انقسام يوغوسلافيا في تسعينيات القرن الماضي؛ ما قد يتسبب في تداعيات كارثية لن يتحملها بلد يعاني الاضطراب أصلًا، وهنا تبرز حاجة إثيوبيا الملحة إلى شركائها الدوليين الذين بإمكانهم الضغط على قادة الطوائف للحد من الخطابات المهيجة للجماهير، أو حتى تقديم النصائح لرئيس الوزراء عن كيفية إدارة أجندته السياسية بحذر، وربما يكون تقديم الدعم المالي طويل الأمد حلًّا جيدًا على أمل أن تتمكن تلك الجهود من تجنيب الحكومة الحالية خطر الوقوع في السيناريوهات الكارثية.
4- بوركينا فاسو
يبدو أن بوركينا فاسو هي آخر ضحايا حالة عدم الاستقرار التي تجتاح منطقة الساحل الإفريقي؛ فهناك الميليشيات الجهادية الإسلامية التي بدأت في قيادة تمردات طفيفة في شمال البلاد منذ عام 2016، وعلى رأسها تنظيم أنصار الإسلام الذي يتزعمه إبراهيم ديكو، وهو مواطن ورجل دين بوركيني. وليس خافيًا عن الأنظار تلك العلاقات التي ربطت بين الجماعة من جهة والحركات الجهادية في مالي من جهة أخرى، وذلك منذ لحظة ظهورها في شمال بوركينا فاسو.

وتسببت تلك الأمور في تفشي العنف في المناطق الشمالية والشرقية من البلاد؛ ما أسفر عن تهجير نحو نصف مليون فرد، ويهدد بانخراط مناطق جديدة من بوركينا فاسو؛ كالمنطقة الجنوبية الغربية، في طاحونة القتال. وعلى الرغم من حدة وخطورة الوضع هناك؛ فإنه لا يمكن حتى الآن الإشارة إلى أطراف محددة وتحميلها مسؤولية انهيار الأوضاع. فبالإضافة إلى جماعة أنصار الإسلام، هنالك بعض الحركات الجهادية المتمركزة في مالي؛ ومنها الفروع التابعة لتنظيم الدولة الإسلامية وتنظيم القاعدة، وهي الجماعات التي أصبحت تمارس عملياتها في بوركينا فاسو منذ وقت ليس ببعيد.
اقرأ أيضًا: محلل استخباراتي كبير يشرح لماذا يستعد “القاعدة” للانتقال إلى إفريقيا؟
ولا يتوقف العنف في بوركينا فاسو عند الحركات الجهادية؛ فالعمليات التي تقوم بها تلك الجماعات قد تختلط في كثير من الأحيان بأشكال أخرى من العنف، ومنها ما ينشأ عن العلاقة التنافسية بين الفلاحين والعاملين بالرعي، والتي تظهر على شكل نزاعات على ملكية الأرض. أضف إلى ذلك بعض الجماعات التي قررت تولِّي مسؤولية الدفاع عن أنفسها؛ فتحولت إلى ما يشبه جماعات شرطية تمارس مهامها في التجمعات الريفية، وهو ما أدى بالضرورة إلى نشوب صراعات مجتمعية داخلية.
في الوقت نفسه، تشهد الأنظمة القديمة التي اعتادت على احتواء تلك النزاعات حالة من التحلل، كما يتشكك الشباب في سلطة النخبة الحاكمة ويعتبرونها غير جديرة بالثقة. ولكل تلك الأسباب تبدو بوركينا فاسو أرضًا خصبة للجماعات والأطراف التي ترغب في تجنيد أكبر عدد من الناس في صفوفها؛ ما يبشر بسيناريو الانهيار الكارثي، بينما لا تنشغل النخبة هناك سوى بالصراع على السلطة.
5- ليبيا
تبشر الأوضاع الحالية في ليبيا بالانزلاق نحو المزيد من السوء خلال الأشهر القادمة، ويومًا بعد يوم تتوثق علاقة الحركات الانفصالية بالأطراف الخارجية؛ على أمل تغيير موازين القوى لصالح إحداها. وليس هناك ما يدعو إلى الاستغراب؛ فسيناريو انقسام ليبيا إلى إدارتَين منفصلتَين تعملان بالتوازي عقب انتخابات عام 2014 كان هو المحرك الرئيسي لكل ما حدث، حيث جرى تقاسم السلطة في 2016 بين حكومة مقر حكمها في طرابلس، مع حكومة أخرى تمركزت في شرق ليبيا يقودها حفتر، بينما فشلت محاولات الأمم المتحدة لتوحيد الفصائل المتناحرة هناك.

وقد حظي حفتر بحكومته على الدعم من أطراف عدة؛ من بينها القاهرة وأبوظبي، فضلًا عن روسيا. بينما حددت إدارة ترامب في الولايات المتحدة مواقفها منذ البداية عن طريق دعم حكومة السراج، فضلًا عن دعم جهود الأمم المتحدة للتوصل إلى حل سلمي؛ وهو الموقف الذي تغيَّر فجأة عقب زيارة الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في أبريل 2019. أما بالنسبة إلى تركيا فقد عملت جاهدة على دعم السراج والحول دون سقوطه، بينما تهدد أنقرة في الوقت الحالي بمضاعفة تدخلاتها في الشأن الليبي.
اقرأ أيضًا: ليبيا.. المسرح الجديد لنزاع دولي محتمل
وعلى الرغم من تضاعف الجهود الدولية لوقف نزيف الدماء في ليبيا؛ فإنها تتعرض إلى الفشل بسبب اختلاف أجندات اللاعبين الدوليين، كما أن محاولات الأمم المتحدة بقيادة برلين للمّ شمل الأطراف المختلفة على مائدة المفاوضات في طريقها هي الأخرى إلى التلاشي، ولا يبدو في الأفق ما إذا كان الاجتماع الذي خططت له الأمم المتحدة وألمانيا مطلع 2020 سيسفر عن شيء من عدمه. وبالنسبة إلى الأوروبيين فإن محاولاتهم لإعادة الاستقرار إلى ليبيا تبدو متعثرة، وهو أمر طبيعي؛ خصوصًا إذا كان اهتمامهم منصبًّا على الخوف من تدفق اللاجئين إلى بلادهم ليس إلا. بينما تسبب الاختلاف في وجهات النظر لدى القيادات السياسية هناك في إتاحة الفرصة للأطراف الأخرى التي تعمل على إذكاء نيران الحرب في ليبيا.
6- الولايات المتحدة وإيران وإسرائيل ودول الخليج العربي
ارتفعت حدة التوتر بين الولايات المتحدة وإيران خلال عام 2019 بشكل خطير، وربما يسفر العام الجديد عن وصول هذا الصراع إلى مرحلة الغليان؛ حيث تكبَّد الإيرانيون خسائر فادحة منذ أن قررت إدارة ترامب الانسحاب من الاتفاق النووي عام 2015، ومن ثَمَّ فرض عقوبات اقتصادية أُحادية الجانب على طهران؛ لكن ذلك لم يسفر عن التوصل إلى إجبار الإيرانيين على الاستسلام عبر الطرق الدبلوماسية. وإذا افترضنا أن واشنطن كانت ترغب في انزلاق طهران تحت وطأة الانهيار الاقتصادي، فإن هذا الأمر لم يحدث.
اقرأ أيضًا: تقرير دولي: إيران تعبث بأمن العالم وتُعَرِّضه إلى حرب عالمية ثالثة
وقد اتَّبعت الولايات المتحدة مع إيران آليات شديدة الاستفزاز؛ ما نتج عنها تحول طهران من سياسة النفس الطويل إلى سياسة المقاومة والتصعيد، الأمر الذي دفع الرئيس الإيراني روحاني في مايو 2019 إلى الإعلان عن نيته التخلي عن الاتفاق النووي بشكل تدريجي؛ حيث بدأت طهران في رفع معدلات تخصيب وتخزين اليورانيوم عن تلك المسموح بها في الاتفاقية، كما لجأت إلى اختبار تكنولوجيات طرد مركزي متقدمة، بينما لم تتسبب العقوبات الاقتصادية سوى في تكبيد إيران جزءًا من مبيعاتها النفطية.

وبمرور الوقت، ربما تصل إيران إلى تفريغ الاتفاقية من محتواها بشكل تام، وهو ما قد يدفع الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاقية إلى فرض عقوبات اقتصادية جديدة من جانبها. ومن جانب آخر، ربما يتسبب استمرار إيران في تطوير ترسانتها النووية في دفع كلٍّ من إسرائيل والولايات المتحدة إلى اختيار الحل العسكري.
7- الولايات المتحدة وكوريا الشمالية
ربما أصبحت ذكرى التوترات التي تخللت عام 2017 بين الولايات المتحدة وكوريا الشمالية في طيّ النسيان خلال عام 2019، وربما قد نسي العالم حالة العراك الخطابي التي نُشبت بين دونالد ترامب، ونظيره كيم يونج أون، تلك التي تخللها بعض التهديدات المتبادلة بتوجيه الضربات النووية؛ لكن التوترات لا تلبث أن تعود من جديد.
اقرأ أيضًا: سياسة الولايات المتحدة تجاه القوى النووية.. صلابة ضد كوريا الشمالية ومرونة ضد إيران
وقد هدأت حدة الخلاف مخلفةً فترة هادئة سادت عام 2018؛ حيث أوقفت الولايات المتحدة استعراضاتها العسكرية المشتركة مع كوريا الجنوبية، كما قامت بيونغ يانغ بوقف الاختبارات النووية، فضلًا عن تلك التي كانت تجريها على الصواريخ طويلة المدى، ومن ثَمَّ بدأت العلاقات في الاستقرار؛ خصوصًا بعد عقد قمتَين متتاليتَين جمعت زعيمَي البلدَين، عُقدت أولاهما في سنغافورة بتاريخ يونيو 2018، ولم تسفر سوى عن تعهدات تفتقر إلى التماسك على بعض المبادئ، إلى جانب التحدث عن إمكانية إجراء مفاوضات دبلوماسية في المستقبل. أما الثانية فعُقدت في العاصمة الفيتنامية هانوي في فبراير 2019، وربما لاقت الأخيرة مصيرًا أعنف.

وليس من المستبعد أن يسفر تصاعد الأحداث بين البلدَين عن كثير من الأزمات الإقليمية والعالمية ستطول بدورها كلا الزعيمَين، وربما يفوت على كليهما أن الحل الأمثل يتلخص في الثقة المتبادلة بين البلدين والتوصل إلى اتفاق يمكن مراقبته؛ وهو الاتفاق الذي لن يسفر بطبيعة الحال سوى عن تحقيق مصالح متواضعة لكلا الطرفَين. فعلى واشنطن وبيونغ يانغ أن تتوافقا في اللحظة المناسبة وتتمكنا من التوصل إلى حلول وسط، كما ينبغي على كلا الرئيسَين أن يتخليا بعض الشيء عن ميلهما إلى التباهي، فضلًا عن رغبتهما الدائمة في توجيه الخطابات الاستفزازية، وقبل كل شيء أن يمنحا الفرصة للدبلوماسيين من كلا البلدَين لتقديم أفضل ما لديهم.
8- كشمير
بعد غيابه المؤقت عن الاهتمام العالمي، يعود الصراع الهندي- الباكستاني ليشتعل من جديد بعد استدعاء النزاع على إقليم كشمير إلى الأذهان مرة أخرى في 2019. وعلى ما يبدو أن كلا البلدَين لم يتخلَّ عن تمسكه بإقليم الهيمالايا الذي تم تقسيمه منذ اندلاع الحرب الأولى بين باكستان والهند خلال عامَي 1947 و1948، ومن ثَمَّ ترسيم حدود غير رسمية له عرفت بخط النفوذ.
وبدأت الأزمة من جديد في فبراير الماضي بعد تنفيذ إحدى العمليات الانتحارية من قِبَل جهاديين إسلاميين استهدفت القوات الهندية شبه العسكرية في كشمير؛ حيث أعقب ذلك رد الهند بتفجير ما زعمت أنه مخيم للميليشيات في باكستان، ومن ثَمَّ أجابت باكستان بتوجيه ضربة عسكرية إلى المنطقة الواقعة تحت سيطرة الهند في كشمير. ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد، فقد قامت الهند بمنح منطقتَي جامو وكشمير حكمًا شبه ذاتي، وبالتالي يمكنها ضمهما تحت الحكم المباشر لنيودلهي في أي وقت، وهو ما يذكرنا بسيناريو التحاقهما بالهند منذ نحو 72 عامًا.

إذن على اللاعبين الدوليين أن يدفعوا الآن وقبل فوات الأوان لإجراء تقارب بين كلا البلدَين؛ خصوصًا إذا كان كلا الجانبَين يعملان طبقًا لأجندات ومؤسسات رسمية داخلية لا تود التوصل إلى أي حلول وسط، علينا أن نضع نصب أعيننا العودة إلى الحوار الثنائي الذي تعطل منذ عام 2016؛ وهو الأمر الذي يستدعي ممارسة بعض الضغوط، خصوصًا من قِبَل الحكومات الغربية؛ لكن ما لا يمكن التخلي عنه هو ضرورة أن تتخذ باكستان إجراءً صارمًا تجاه الجماعات الجهادية التي تعمل من خلال أراضيها، وهو الشرط غير القابل للتفاوض الذي تطالب به الهند.
اقرأ أيضًا: ضم كشمير إلى الهند يقود إلى عدم الاستقرار
ومن جانب آخر، على الهند أن تتخلى عن قطع وسائل الاتصالات في إقليم كاشمير، فضلًا عن ضرورة قيام نيودلهي بالإفراج عن المعتقلين السياسيين وإعادة العلاقات مع الزعماء الكشميريين، كما ينبغي على الطرفَين التفكير في إعادة التعاملات التجارية عبر الحدود ومنح حق السفر للكشميريين.
9- فنزويلا
على الرغم من تعاقب حكومتَين على الحكم في فنزويلا خلال عام واحد؛ فإن الرئيس الفنزويلي نيكولاس مادورو، ما زال حتى الآن على رأس السلطة هناك؛ خصوصًا بعد أن أحبط ما يمكن أن نسميه محاولة انقلاب مدنية عسكرية في أبريل الماضي، وهو ما جلب على البلاد حالة من المقاطعة الإقليمية وحزمة من العقوبات الاقتصادية الأمريكية. وعلى الرغم من القوة التي يبدو عليها مادورو؛ فإن حكومته ما زالت تعيش في عزلة تامة وافتقار إلى الموارد. في الوقت نفسه، يعاني الفنزويليون الانسحاق تحت وطأة الفقر وغياب الخدمات العامة.

وقد تفجرت الأزمة بعد أن أعلن خوان غوايدو رئيس الجمعية الوطنية، نفسه رئيسًا للبلاد في يناير الماضي، وهو ما جذب جموعًا عريضة من المواطنين لمساندته، كما جلب له حالة من الدعم الدولي؛ حيث طالب مادورو الذي أُعيد انتخابه عام 2018 بالتخلِّي عن منصبه. وعلى الرغم من تعقد الوضع في فنزويلا؛ فإن الفرصة ما زالت قائمة للتوصل إلى حلول وسط، وعلى المعارضة أن تتخلى عن رغبتها في تخلي مادورو الفوري عن السلطة.
اقرأ أيضًا: كيف تحولت فنزويلا من دولة متقدمة إلى فاشلة في وقت قصير؟
كما أنه على الحكومة أن تتعهَّد بتحديد موعد لانتخابات برلمانية جديدة يتم إجراؤها تحت الرقابة الدولية خلال العام الجديد؛ إذ ينبغي عليها أن تتعهد بانتخابات رئاسية موثوق في نزاهتها في المستقبل القريب. وبالنسبة إلى الولايات المتحدة فإن دورها يتجلى في الرفع التدريجي للعقوبات الاقتصادية، طبقًا للالتزام بتنفيذ هذه الخطة. وأيًّا كانت التنازلات التي ستقدمها الأطراف المختلفة، فإنها تعد ثمنًا ضئيلًا لاستقرار الفنزويليين وتجنب حلول الكارثة.
10- أوكرانيا
أتت الانتخابات الرئاسية الأوكرانية، في أبريل الماضي، بأمل جديد في تخطي أزمة إقليم دونباس بأوكرانيا، وهي الانتخابات التي نجح فيها الممثل الكوميدي فلاديمير زيلينسكي، ومن ثَمَّ فجَّرت طاقات جديدة من شأنها حل الأزمة التي استمرت مع الانفصاليين المدعومين من روسيا لنحو 6 سنوات. وعلى الرغم من أن الحل السلمي أصبح أمرًا وشيك التحقق؛ فإنه لا يوجد على أرض الواقع ما يضمن ذلك بشكل قطعي.

وقد تعهد زيلينسكي بالسعي هو وحزبه لإرساء السلام؛ وبالتالي بدأ بالتفاوض حول الانسحاب الثنائي من جبهات القتال ووقف إطلاق النار بين أوكرانيا من جانب والروس ووكلائهم على الجانب الآخر، كما نجح في التوصل إلى اتفاق لتبادل السجناء مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ولم يفصل بين تلك الخطوة والخطوة التي تلتها سوى شهر واحد، حيث أعقب ذلك النجاح توقيع صيغة تفاهم عُرفت بـ”صيغة شتاينماير” لعام 2016، وذلك نسبة إلى الرئيس الألماني ووزير خارجية ألمانيا في ذلك الوقت فرانك والتر شتاينماير، الذي اقترح إجراء انتخابات في المناطق الواقعة تحت سيطرة الانفصاليين، وصولًا إلى تحقيق وضع انتقالي، ومن ثَمَّ التوصل إلى منح تلك المنطقة صلاحيات خاصة قبل إعادة دمجها مرة أخرى داخل إطار الدولة الأوكرانية.
ولبلوغ الاستقرار الداخلي في أوكرانيا، يتوجب تحقيق بعض المنافع لكلٍّ من روسيا وأوكرانيا، وهو الحل الذي قد ينتج عنه التخفيف من حدة العقوبات الاقتصادية والتخلي عن الدعم المالي والعسكري للانفاصاليين. ولبلوغ ذلك، على الحلفاء الغربيين مساندة زيلينسكي؛ خصوصًا مع النجاح الكبير الذي حققه في أزمة شرق أوكرانيا والصراع السياسي مع موسكو.
المصدر: فورين بوليسي