الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية
“يونيتامس” في السودان.. بين مطرقة الحل وسندان الإسلاميين
محاولات لإعادة الإخوان المسلمين إلى العمل السياسي تثير قلق البعثة الأممية المكلفة بإخراج السودان من رحم الأزمة

كيوبوست- عبدالجليل سليمان
منذ الإطاحة بالبشير وتوليه قيادة المجلس العسكري الانتقالي ثم مجلس السيادة، حاول قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، الاستعانة مراراً وتكراراً بكوادر حزب المؤتمر الوطني المُطاح به؛ آخرها بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، حيث أعاد بشكل صريح كوادر الجماعة إلى الأمن والجيش والخدمة المدنية لمساندته، وإن باءت المحاولتان بالفشل؛ حيث واجهتا مقاومة شعبية راح ضحيتها مئات القتلى والجرحى.
هذا الوضع السائد دفع بالمحيط الإقليمي والمجتمع الدولي إلى التدخل في الأزمة السودانية؛ فحاولت بعض الدول العربية والاتحاد الإفريقي وبعثة الأمم المتحدة إلى السودان (يونيتامس) تقريب وجهات النظر بين العسكريين والمدنيين وإعادة الشراكة بينهما كما كانت عليها قبل انقلاب 25 أكتوبر 2021.
اقرأ أيضاً: دلالات ظهور علي كرتي.. هل ثمة صفقة للعودة؟
وفي السياق ذاته، كان رئيس “يونيتامس”، فولكر بيرتيس، أعلن في 8 يناير 2022، إطلاق عملية سياسية بين الأطراف السودانية؛ بهدف الاتفاق على مخرج من الأزمة الراهنة هناك، مؤكداً أن العملية تشمل المكون العسكري، والأحزاب السياسية، والمجتمع المدني، والجماعات النسوية، ولجان المقاومة، بيد أن الأمور تسربت من بين أصابع الجميع؛ حيث سمح مجلس السيادة الحالي لمناصري النظام المخلوع وحلفائه بالعمل تحت لافتات جديدة، والانخراط في العملية السياسية التي تديرها “يونيتامس”.
عودة كوادر الإخوان

عودة الإخوان
الواقع أنه بعد انقلاب 25 أكتوبر 2021، حاول المكوِّن العسكري عبر عديد من المرات إعادة الإخوان إلى السلطة، بعد أن جمد عمل لجنة تفكيك نظام البشير وإزالة التمكين، وعين كوادر الجماعة في مناصب حساسة، وأطلق سراح رئيس حزب المؤتمر الوطني إبراهيم غندور، والكثير من كوادر الجماعة، وأعادهم إلى الخدمة المدنية، وسمح لرئيس الحركة الإسلامية السودانية بالوكالة، قائد ميليشيا الدفاع الشعبي الإخوانية ووزير الخارجية الأسبق، علي أحمد كرتي، بالظهور في أجهزة الإعلام مُروجاً لعهد جديد يكون للإخوان فيه دور بارز.
اقرأ أيضاً: التيار الإسلامي العريض.. هل تحالفت المؤسسة العسكرية السودانية مع الإخوان؟
خداع مستمر

يحاول المكون العسكري كسب الوقت؛ للتمويه على المجتمع الدولي والمحيط الإقليمي الرافضَين عودة الجماعة إلى السلطة مجدداً، وقد عمد إلى تأليب الرأي العام ضد بعثة “يونيتامس” المفوضة لبناء السلم الاجتماعي والمساعدة في تحقيق الانتقال الديمقراطي الآمن في السودان، التي وجدت نفسها منخرطة عقب الانقلاب في التوسط بين الفرقاء السياسيين والعسكريين من أجل استعادة المسار الديمقراطي؛ الأمر الذي عرَّضها إلى الكثير من الانتقادات، بحيث أصبحت مساراً للخلاف والشكوك، بين قوى تعارض وجودها وتشكك في مصداقيتها؛ وعلى رأسها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، الذي هدد بطرد رئيسها فولكر بيرتيس، وقوى أخرى تدافع عنها وترى فيها الملاذ الآمن لحماية مدنية الدولة، وقطع الطريق أمام محاولات المكون العسكري للاستئثار بالسلطة.
اقرأ أيضاً: “الأصالة والتنمية”.. ذراع سياسية جديدة لجماعة الإخوان في السودان
جرد حساب

يقول الصحفي والمحلل السياسي، الناطق السابق باسم تجمع المهنيين السودانيين، محمد الأسباط، لـ(كيوبوست): لم تتجاوز بعثة الأمم المتحدة نطاق عملها وصلاحياتها في السودان، وإنما يعود التوتر بينها وبين العسكريين إلى أمرَين أساسيَّين؛ أولهما انقلاب 25 أكتوبر على المسار المدني الديمقراطي، والثاني هو محاولات قائد الجيش البرهان، المتعددة لإعادة الإخوان المسلمين إلى العمل السياسي، رغم الرفض الشعبي العارم لذلك.
لا شك أن “يونيتامس” نجحت في تحريك الساحة السياسية السودانية مجدداً رغم عملها تحت الضغط المتواصل الذي بلغ ذروته في تهديدات رئيس مجلس السيادة العلنية بطردها من البلاد.
اقرأ أيضاً: مجلس الحكماء في السودان.. سعي الإخوان لعودة مقنعة
البعثة والعسكر
بالنسبة إلى الصحفي والمحلل السياسي صديق دلاي، فإن مهام البعثة الأممية التي استدعتها الحكومة الانتقالية المطاح بها برئاسة عبدالله حمدوك، تحت الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة من أجل دعم السلام؛ تتلخص في حماية الانتقال الديمقراطي، والمساعدة في وضع دستور دائم للبلاد، وهيكلة مؤسسات الدولة المدنية والعسكرية والأمنية، وإعادة تشكيلها على نحو جديد، والمساعدة في حماية الاقتصاد السوداني، ورعاية اتفاق السلام بين الحكومة الانتقالية والحركات المسلحة؛ حيث وافق مجلس الأمن وتبنَّى في يونيو 2020 القرار 2524 لسنة 2020، بإنشاء “يونيتامس” لدعم المرحلة الانتقالية في السودان؛ والتي تختص بتقديم الدعم للسودان خلال انتقاله السياسي إلى حكم ديمقراطي، ولمدة 12 شهراً، بينما تم التمديد لاحقاً بتفويض “يونيتامس” لمدة عامَين إضافيَّين حتى يونيو 2023، وفقاً لدلاي.
بين المطرقة والسندان
رغم الانفتاح على المجتمع الدولي الذي أعقب تولي عبدالله حمدوك رئاسة الوزراء في الحكومة الانتقالية السابقة، وما ترتب عن ذلك من رفع للعقوبات الأمريكية، وإزالة اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وتطبيع العلاقات السودانية- الإسرائيلية؛ فإن “يونيتامس” تعرضت إلى انتقادات وتهديدات كثيرة، حيث وصفها العسكريون وأنصار النظام السابق من جماعة الإخوان المسلمين بأنها تمارس سياسة الوصاية والتدخل في الشؤون الداخلية للبلاد، تحت بند حماية الانتقال الديمقراطي.
اقرأ أيضاً: الإخوان المسلمون في السودان يعيقون التسوية السياسية ويهددون أمن البلاد والعباد

يضيف دلاي، في حديثه إلى “كيوبوست”: بطبيعة الحال، ارتكبت قوى إعلان الحرية والتغيير الكثير من الأخطاء؛ لكن حكومة عبدالله حمدوك أنجزت الكثير أيضاً؛ إذ رفعت العقوبات المفروضة على البلاد لأكثر من عقدَين في ظل حكم الإسلاميين، وأعادت البلاد إلى المجتمع الدولي كدولة طبيعية، إلا أنه مع اقتراب تاريخ انتهاء حصة المكون العسكري في رئاسة مجلس السيادة، بما يعني أيلولة المرحلة الانتقالية بالكامل للمدنيين، قطع البرهان ونائبه حميدتي الطريق أمام الانتقال الديمقراطي بانقلابهما على الوضع القائم؛ لكنهما صارا مكشوفَي الظهر بلا قاعدة جماهيرية، ولما كان حميدتي يتمتع بسند قبلي وتحالف مع الحركات المسلحة الموقعة على اتفاق جوبا، لجأ البرهان إلى الإسلاميين طلباً للدعم السياسي؛ لكنه وجد نفسه في حرج بالغ أمام المجتمع الدولي، وحاول مراراً خلق نوع من التوترات ضد رئيس البعثة الأممية لدعم الانتقال الديمقراطي في السودان فولكر بيرتيس، فحرض عليه فلول النظام السابق؛ حيث تظاهروا ضده وطالبوا برحيله وطرده، وهذا ما هدد به البرهان نفسه أكثر من مرة، قبل أن يتراجع ويقبل بالحوار.