الواجهة الرئيسيةصحةمقالاتيوميات أمريكيةيوميات كورونا
يوميات طالب عربي في أمريكا مع “كورونا” 28
المطالبة بالموت الجماعي

كريم هاشم
17 أبريل
إذا كان العقل والحكمة اللذان يتمتع بهما قادة الدول في العالم غير كافيين في مواجهة التحدي الحالي مع فيروس كورونا، فما بالنا بذلك مع وجود رجل طائش في موقع القيادة بأقوى دولة في العالم؟! إنها كارثة مطلقة. لقد استيقظت لأجد الرئيس ترامب قد كتب سلسلة من التغريدات على “تويتر”، ليست الأولى من نوعها في هذا الصدد؛ لكنها الأخطر على الإطلاق حتى الآن. لقد صرخ مطالباً بتحرير الولايات؛ حيث يرفض حكامها فتحها في الوقت الحالي.
هناك مشاورات بالفعل حول إعادة فتح كل ولاية، حتى الولايات عالية المخاطر؛ مثل إلينوي -محل إقامتي- والتي شهد معدل الإصابة بـ”كورونا” في أكبر مدنها، شيكاغو، مستوى ضعيفاً من التحسن؛ لكن في حال قررت الولاية إنهاء الإغلاق، فمن المتوقع للمنحنى أن يقفز مجدداً بصورة كبيرة.
اقرأ أيضًا: تسييس “كورونا”.. يشعل فتيل حرب باردة جديدة بين أمريكا والصين
الحقيقة أن ما يحدث من جنون وخروج عن المنطق يصعب وصفه بكلمة واحدة، سوى أنه إبادة جماعية. ولن تكون إلينوي وحدها في خطر داهم؛ ولكن العالم كله قد يتأثر؛ لأن القوة العظمى المهيمنة، الولايات المتحدة، قاعدة ترتكز عليها دول العالم وتتشابك في علاقاتها بها، ومن ثمَّ تتأثر بما يحدث فيها.

إنه أمر صادم ومثير للقلق بصورة كبيرة، وبالطبع أفكر في انعكاسات مثل هذا القرار المتسرع بفتح الولايات على المدينة التي أحيا فيها (أوربانا شامبين). وفي محاولة للتفكير بهدوء، فإنني آمل أن يصدق تخميني بأن السفر بين شيكاغو وجامعتنا قد توقف نسبياً؛ لكن مع ذلك تظل احتمالية تضاعف أعداد الإصابات واردة، وبالتالي زيادة حدة المخاطر الموجودة بالفعل ونقلها إلى مستويات أعلى غير مسبوقة.
بعيداً عن هذه النقطة، بدا يومي عادياً؛ لكن قلقي طوال الوقت كان واضحاً. يبدو أن نمط الإنتاج الذي ابتكرته الإنسانية وطورته قد تجاوز تاريخ صلاحيته، وهناك ملامح لشكل جديد من المجتمع في طور الولادة من رحم النظام القديم. لكن من جانب آخر يواجهها التمسك اليائس بالعلاقات ذاتها للإنتاج وأشكال التوزيع؛ ما يعني الوقوف ضد فرص ظهور هذا النمط الجديد، وقتل “الأم” القادرة على ولادة مجتمع جديد أفضل للبشرية كافة.
اقرأ أيضًا: الحرب البيولوجية منذ عصر اليونان حتى “كورونا”
وإذا نظرنا إلى التحديات التي نواجهها: المخاطر البيئية والأوبئة وندرة الموارد، فإن المظاهرات المطالبة بإنهاء الإغلاق العام هي ما كان ينقصنا لاكتمال الملهاة السوداء! فالمتظاهرون بقبعات “M.A.G.A” (شعار ترامب خلال حملته الانتخابية: لنجعل أمريكا عظيمة مجدداً)، يطالبون بإعادة فتح الولايات.. وهذا أشبه بالتظاهر من أجل المطالبة بالموت الجماعي. ويبدو ما يحدث وكأنه رغبة ضمنية للتخلص من الأضعف حظاً، بجعلهم حطباً يوقد من أجل إدارة عجلة الإنتاج.
يبدو أن الناس قد فقدوا أية قدرة على تخيل حياة خارج الأغلال المتعلقة بتوفر الإمدادات الغذائية، وأن الأمر الذي يشغلهم هو أن لا تتوقف عجلة السوق من خلال الإنتاج والتوزيع، وأنهم باتوا يفضلون الموت على رؤية شكل مختلف لما تجري عليه الأمور. إنه أمر لا يصدق! وأنا وكل من أحبهم سنُجرّ معهم. وإذا كانوا هم يريدون جرّ أنفسهم إلى هذه الهاوية بإرادتهم، فهم أحرار؛ لكنني أرفض هذا! أنا ببساطة لا أستطيع أن أتقبل فكرة أنني وكل مَن أحب في خطر نتيجة هذه الرغبات. لا يمكنني أن أترك المنطق العقلاني يختفي في مواجهة هذا الجنون. فما قيمة التعليم والعمل إذا لم نتمكن من الحفاظ على الجوهر الأساسي للمجتمع، أو إذا لم أستطع تصور فرصنا -فرص “النوع البشري”- على مدى السنوات العشرين المقبلة؟
لمطالعة النسخة الإنكليزية: اضغط هنا
(To Read The English Version,Click Here)
لقراءة اليوميات السابقة يُرجى الضغط على هذا الرابط