الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
يوليوس قيصر.. “الدكتاتور” الأكثر شعبيةً وإصلاحاً!

كيوبوست- مدى شلبك
تشير المراجع التاريخية إلى أن روما القديمة، قبل أن تصبح إمبراطورية، كانت جمهورية يحكمها قنصل إلى جانب مجلس الشيوخ، واعتبر الجنرال الروماني يوليوس قيصر، أبرز القناصل الذين مرّوا بتاريخ روما القديمة، فهو صاحب الإنجازات العسكرية والتشريعية والمدنية العظيمة، لكنه أدار الدولة باعتباره دكتاتوراً، فقتله طموحه السياسي على يد خصومه في يوم 15 مارس 44 ق.م، لتشهد روما القديمة بعدها حالة فوضى استمرت لعدة سنوات، نتج عنها تحوّلها من جمهورية تعتمد الديمقراطية التمثيلية إلى إمبراطوريةٍ خوّلت الإمبراطور جميع السلطات مع الإبقاء على مجلس الشيوخ.
الوصول إلى الحكم
وُلد يوليوس قيصر عام 100 ق.م لعائلةٍ نبيلة، لكن العائلة تعرضت لأزماتٍ حطت من قدرها، فقد توفي والده، ثم هزم عمه ماريوس في حربٍ أهلية خاضها ضد الحاكم الروماني لوسيوس كورنيليوس سولا، فجردت عائلته من ثروتها، والتحق قيصر بالجيش واشتهر كمقاتل جسور، وحقق انتصاراتٍ مهمة.

كان لدهاء يوليوس قيصر العسكري، وذكائه وإصراره، فضل في دخوله الحياة السياسية، في وقتٍ كانت تمر روما القديمة بحالة فوضى؛ فالجنرالات يتنافسون على نيل شرف القضاء على حرب العبيد الثالثة بقيادة المستعبد سبارتاكوس، وكان قيصر جندي فاعل بالحرب ضمن جيش الجنرال الروماني “ماركوس ليكينيوس كراسوس”.
اقرأ أيضاً: سبارتاكوس.. العبد الذي انقلب على عبوديته
بعد نهاية حرب العبيد الثالثة، تقدّم قيصر في النظام السياسي، وأصبح لفترة وجيزة حاكم إسبانيا، لكن طموح قيصر كان أكبر من ذلك، فعاد إلى روما وقاد تحالفاً سرياً أبرمه مع الجنرالين الخصمين؛ كراسوس، وبومبيوس الكبير، وأفضى التحالف إلى تشكيل حكم ثلاثي عام 60 ق.م، يجمع ثلاثة قناصل؛ وهم: يوليوس قيصر، وكراسوس، وبومبيوس. اتفق الثلاثة سراً على أن يدعموا مصالح بعضهم البعض أمام مجلس الشيوخ، الذي بات أعضاؤه يشعرون بالرعب من القوة المتنامية للثلاثي المتواطئ.
انتزاع السلطة
بعد فترة من توليه منصب القنصل، أراد كل من بومبيوس وكراسوس إقصاء قيصر من السلطة، وتعيينه -دون رضاه- حاكماً لإحدى المقاطعات. ففكر قيصر بإنجازٍ يصنع له المجد في روما، وبدون إذن من مجلس الشيوخ قاد جيشه لغزو بلاد الغال (فرنسا) التي لم تكن محتلة بعد، وكانت عثرة في وجه الجمهورية الرومانية.
استطاع قيصر فتح بلاد الغال وهزيمة قبائلها، مستغلاً الخصومات القبلية، ومحبطاً كل الخطط التي اعتمدوها، وبوصول أخبار حول فتوحاته المتتالية التي شملت غرب أوروبا حتى بريطانيا، زادت مكانة قيصر في روما كقائدٍ عسكري لا يعرف المستحيل، فيما شعر خصومه بومبيس وكراسوس بالخطر.
اقرأ أيضاً: الهندسة المدنية الرومانية.. دروس للعالم الحديث
أراد خصمه كراسوس السير على خطاه بتوسيع الإمبراطورية شرقاً، ولكن حملته فشلت وقُتل في الإمبراطورية الفرثية. أما خصمه الثاني بومبيوس الكبير، فبقي في روما واقترح على مجلس الشيوخ محاكمة قيصر لكونه متمرداً، وتصرف دون إذن المجلس. وصلت الأخبار إلى قيصر الذي رفض العودة إلى روما، وأكمل مسيرته عابراً مع جيشه نهر الربيكون في عام 49 ق.م، ليخوض حرباً أهلية ضد بومبيوس، الذي طارده قيصر براً وبحراً في عدة أنحاء من اليونان إلى مصر، وألحق به هزيمة ساحقة في معركة فرسالوس عام 48 ق.م في اليونان، حتى وصل بومبيوس مصر فلحقه قيصر للقضاء عليه، لكنه وجده مقتولاً على يد الفرعون المصري بطليموس الثالث عشر.
الصعود والاغتيال
بعد الخلاص من منافسه بومبيوس، عاد قيصر إلى روما منتصراً عام 49 ق.م، ونصّب نفسه دكتاتوراً لعشر سنوات، وفي روما القديمة، كان الديكتاتور الروماني بمثابة حاكم يعينه مجلس الشيوخ والقناصل بشكلٍ استثنائي لحل مشكلات معينة، ويتمتع بسلطةٍ كاملة للتعامل مع تلك المشكلة، وتنتهي صلاحياته فور انتهائها.
خلال وجوده على رأس السلطة ركّز قيصر جهوده في تطوير روما وتوسيعها، وتحسين ظروف الحياة فيها، فأجرى إصلاحات حكومية وتشريعية عظيمة، فقد نظّم توزيع الحبوب المدعومة، وخفّض الدين الحكومي، ودعم قدامى المحاربين، ومنح الجنسية الرومانية للرعايا في المناطق النائية، وأدخل إصلاحات على قوانين الضرائب الرومانية، وإنشاء التقويم اليولياني، فقد كان التقويم الروماني متخلفاً لعشرات الأيام، كما بُني في عهده معالم رومانية مهمة على رأسها منتدى قيصر (Iulium).

وعلى الرغم من تنصيبه لنفسه دكتاتوراً ما يمنع تداول السلطة، فإن قيصر زاد عدد أعضاء مجلس الشيوخ الذي يُعتبر السلطة التشريعية العليا، لكن قيصر آمن أن زيادة أعضاء مجلس الشيوخ يعني تمثيلاً أكبر للشعب.
أصبح قيصر، بالرغم من إنجازاته الإصلاحية وشعبيته، أكثر تطرفاً، ففي عام 44 ق.م، أعلن نفسه ديكتاتوراً مدى الحياة، مستبداً وحده بالحكم والصلاحيات. ونظراً لقوته المتزايدة وشعبيته الطاغية، تخوّف أعضاء مجلس الشيوخ من أن يسعى لتنصيب نفسه ملكاً على الجمهورية الرومانية، وبذلك تصادم وجهاً لوجه مع أعضاء مجلس الشيوخ الذين يمثلون العصب السياسي للإمبراطورية.

بعد شهرٍ واحد من إعلانه نفسه ديكتاتوراً مدى الحياة، حاك عدد من أعضاء المجلس مؤامرة لاغتياله خلال تواجده في المجلس، موجهين له 23 طعنة، فسقط قتيلاً، ومن بين المشاركين باغتياله كان؛ “ماركوس جونيوس بروتوس”، ابن سرڤليا كابيونيس عشيقة قيصر، والذي تربى في كنف قيصر، واعتبره الأخير ابناً لم ينجبه، وكان من أقرب مقربيه، ومن هنا جاءت الجملة الشهيرة التي صاغها ويليام شكسبير، في مسرحيته “مأساة يوليوس قيصر” عام 1599م حول حياة واغتيال قيصر: “حتى أنت يا بروتوس!”، معبراً عن دهشة قيصر من خيانة بروتوس!