الواجهة الرئيسيةحواراتشؤون دولية
يهودا باور لـ”كيوبوست”: الحرب العالمية الثانية كانت وراءها رغبة ألمانيا النازية في هزيمة اليهودية العالمية

كيوبوست
د. دينيس ساموت
السابع والعشرون من يناير يصادف اليوم العالمي لذكرى الهولوكوست، وهذه مناسبة لنتذكر واحداً من أكثر الأيام سواداً في تاريخ أوروبا، ذكرى إبادة ستة ملايين من اليهود الأوروبيين على أيدي النازيين، والمتعاونين معهم، بين عامَي 1933 و1945، ولمناقشة أهمية الهولوكوست، أستضيف من القدس البروفيسور يهودا باور، أحد أهم قادة الرأي عالمياً في هذا الموضوع، يهودا باور هو مؤرخ، وعالم إسرائيلي، وأستاذ دراسات الهولوكوست في الجامعة العبرية في القدس، أُجريت المقابة في يناير الماضي بمناسبة اليوم العالمي لذكرى الهولوكوست بالتنسيق مع المؤتمر اليهودي العالمي عبر الإنترنت بسبب ظروف جائحة كورونا.
شاهد المقابلة كاملة هنا:
- الذي يصدم الكثير من الناس عندما ينظرون إلى الهولوكوست هو حجمها الهائل؛ محاولة إبادة شعب بأكمله وقتل ستة ملايين شخص والاستعمال المنهجي لنظام دولة بأكمله في عملية الإبادة هذه.. برأيك، ما الذي يجعل الهولوكوست مختلفة عن المجازر الكبرى المرتكبة في العالم عبر التاريخ؟
– من حيث المبدأ هي متشابهة، وهذا واضح جداً؛ لأن الهولوكوست هي عملية إبادة، وهي واحدة من سلسلة طويلة من عمليات الإبادة التي شهدتها الإنسانية، لذلك هي متشابهة. ووجه الشبه الرئيسي يكمن في معاناة الضحايا؛ فلا فرق في هذه المعاناة بين عملية إبادة وأخرى. ولم تكن معاناة اليهود أكثر أو أقل من معاناة أية مجموعة أخرى تعرضت إلى عمليات إبادة.
الفارق الرئيسي بين الهولوكوست وعمليات الإبادة الأخرى، هو أن الهولوكوست كانت أيديولوجية بشكل كامل. فقد عانت ألمانيا النازية اقتصادياً وسياسياً وحتى عسكرياً؛ بسبب اضطهاد اليهود. لم يكن هنالك داع لهذا الاضطهاد، لم يكن هنالك من فائدة اقتصادية؛ فقد كان بإمكانهم مصادرة أملاك اليهود، واستخدامهم في أعمال السخرة، وهذا ما فعلوه لبعض الوقت عندما لم يقتلوهم؛ وذلك بسبب أيديولوجيتهم التي نعرفها بمصطلح “معاداة السامية”، والتي هي في الواقع سبقت المسيحية، ثم انتشرت في المجتمعات التوحيدية المسيحية، وبعد ذلك في المجتمعات المسلمة. وهذه الأيديولوجية هي التي دفعت النازيين إلى قتل اليهود لأسبابٍ غير واقعية على الإطلاق.
اقرأ أيضًا: ما هو اليوم الدولي لإحياء ذكرى الهولوكوست؟
أعتقد أن هذا هو الفارق الأكبر، وليس عدد الضحايا؛ فقد قتل عدد أكبر من السجناء الصينيين على يد نظام ماو تسي تونغ، وأُبيدت نسبة أكبر من الشعب الأرميني بالنسبة إلى عدد السكان على يد النظام العثماني. إن اضطهاد اليهود أو الهولوكوست كان أمراً عالمياً؛ فلأول مرة في التاريخ أراد النازيون قتل كل اليهود في أنحاء العالم كافة، وذلك لأنهم كانوا يعتبرون اليهود شعباً شيطانياً، والنازيون كانوا يحلمون بنظامٍ عنصري عرقي يريد للعرق الآري الأبيض أن يحكم العالم، ومن ضمن هؤلاء الشعب الألماني أو العرق الجرماني.
كان ذلك مفهوماً أيديولوجياً صرفاً، ولم تكن له أية علاقة بالواقع؛ صحيح أنه نما من الواقع ولكنه انفصل عنه. إنه أمر غير مسبوق عل الإطلاق. هذا التركيز الأيديولوجي البحت وغير الواقعي على أقليةٍ صغيرة من البشر، فقد كان عدد اليهود في العالم كله لا يتجاوز 17 مليوناً قبل الحرب العالمية الثانية، وهذا عدد صغير جداً؛ في ألمانيا كان هنالك نحو نصف مليون، وفي بولندا كان هنالك نحو ثلاثة ملايين، وهذه نسبة ضئيلة جداً من البشرية.
وفي الحقيقة، فإن اليهود بسبب وضعهم، كشعبٍ بمعظمه من الطبقة الوسطى كانوا بارزين؛ ليس كمجموعة لأنهم لم ينتظموا في مجموعةٍ أبداً، كانت هنالك مجموعات مختلفة من اليهود في أماكن مختلفة ومقاربات مختلفة لثقافة وديانة تلك المناطق. والنازيون اختلقوا، على خلفية التطورات التاريخية، مفهوم أن اليهودية العالمية تسعى للسيطرة على العالم.

وأنا أقول، وقد قُلت ذلك من قبل، إن هنالك وثائق تثبت أن الحرب العالمية الثانية كان وراءها، على الأقل بشكل جزئي، رغبة ألمانيا النازية في هزيمة اليهودية العالمية. وهنالك وثيقة ترجع إلى عام 1936 تذكر هذا الأمر بكل وضوح، وقد كان هناك تجمع كبير لليهود هناك، والمقارنات التي يعقدها الناس والتي غالباً ما تكون غير دقيقة، ولا تقدم فهماً أفضل، ولذلك عندما تسألني ما الفرق بين الهولوكوست وعمليات الإبادة الأخرى، فأنا أقول إن الهولوكوست كانت عملية إبادة غير مسبوقة من ناحية كونها غير مرتبطة بالواقع، وتركزت على أقلية صغيرة جداً من الناس الذين لم يكن في الحقيقة لهم أي تنظيم سياسي أو جيش أو حتى أي تأثير كمجموعة؛ كأفراد نعم ولكن ليس كمجموعة.
- تحدثت أيضاً عن المعاناة، وهنالك بالطبع الكثير من قصص المعناة الشخصية والكثير من القصص عن أعمال مرعبة؛ ولكنني أريد أن أسألك من منظور أوسع، كيف أثرت الهولوكوست في تحديد هوية الأمة اليهودية ودولة إسرائيل الجديدة التي نشأت بعيد الحرب العالمية الثانية؟
– في الواقع أراد النازيون، لأنه كان لديهم الخيار في ذلك، تحديد اليهود وفقاً لأصولهم المنحدرة من أشخاص يمارسون الدين اليهودي، وبينما كانوا يقولون إنهم غير معنيين بالدين بل العرق، ولكن في الواقع فقد كان تحديدهم لليهود يقوم على أجدادهم وما إذا كانوا يعتنقون اليهودية كدين أم لا.
وفي الحقيقة، فإنه في عام 1939 عند اندلاع الحرب العالمية الثانية، كان معظم اليهود ليبراليين جداً من الناحية الدينية أو غير متدينين على الإطلاق؛ ربما لم يكونوا ملحدين ولكنهم لم يكونوا مهتمين بالدين. فإذا أخذت الولايات المتحدة على سبيل المثال، نعم، كان هنالك عدد كبير من الناس يعرفون من الناحية الدينية على أنهم يهود، أعضاء في مجتمعات دينية متحررة ممن أرادوا ملاءمة الديانة اليهودية مع التفسير الليبرالي للمسيحية الذي كان سائداً في ذلك الوقت.
فتعريف النازيين لليهود كان في الواقع يقوم على أساس العرق، ولأن مفهوم العرق كان غير دقيق كان تعريفهم خاطئاً ولا يستند إلى الواقع، وأدى إلى تناقض داخلي في الأيديولوجيا النازية؛ ولكن ذلك لم يمنعهم من قتل كل شخص يهودي يقع بين أيديهم طوال فترة الحرب. وفي أوروبا الشرقية، على وجه الخصوص، وصل بهم الأمر إلى قتل مَن كان أحد والدَيه يهودياً، وحتى مَن كان أحد أجداده يهودياً.
اقرأ أيضًا: 60 عاماً على محاكمة آيخمان: إشارة تحذير لعصرنا
لقد كانت هنالك أيديولوجية تريد أن تمحو أي أثر للثقافة اليهودية والوجود اليهودي؛ لأن النازيين كانوا يرون أن الثقافة اليهودية هي ثقافة ليبرالية ميالة نحو الديمقراطية، ولأن النازيين كانوا مناهضين للديمقراطية والليبرالية بشكلٍ عنيف، فقد صنفوا اليهود على أنهم ديمقراطيون وليبراليون، وإذا بحثتَ في الكتابات النازية فستجد أنهم كانوا يتهمون معارضيهم من الليبراليين بأنهم يتبعون أيديولوجية يهودية؛ وهذا غير صحيحٍ بالطبع.
- نحن الآن في لحظة مختلفة من تاريخ العالم؛ ولكن العالم لا يزال يشهد أعداداً متزايدة من الحوادث المعادية للسامية، ما السبب في ذلل برأيك؟ وما الذي يمكن فعله لعكس هذا الاتجاه؟ وكيف يمكن للوعي بمذابح الهولوكوست أن يكون جزءاً من هذه العملية؟
– في الحقيقة أنا لستُ متأكداً أن الوعي بالهولوكوست يساعد في منع معاداة السامية؛ لأن معاداة السامية سبقت الهولوكوست ببضعة آلاف من السنوات. معادة السامية تقوم على اختلاف الثقافة بين اليهود وغيرهم؛ فقد طور اليهود في أواخر الألفية الأولى قبل الميلاد مفهوم العقيدة غير المرئية أو المجردة، كان من المهم أن تسيطر على العالم، ولكن ذلك لا يمكن أن يعبر عنه بالتماثيل أو المعابد وغيرهما.
من المثير للاهتمام أنه بينما قامت الديانات التوحيدية الأخرى بإنشاء مبانٍ ضخمة كالكنائس والمساجد، وما إلى ذلك، فإن اليهود لم يفعلوا ذلك، ولم يكن لديهم أي تمثيل ملموس لعقيدتهم، وهذا الأمر تطور على مدى فترة طويلة من الزمن؛ فالإسرائيليون الذين هم أصل اليهودية الحديثة، كانوا يعبدون آلهة متعددة مثل بقية الشعوب، ثم نشأ التوحيد وتطور تدريجياً.
والفرق في هذا أن مفهوم الإله غير المرئي كما هو في العقيدة اليهودية، والذي كانت أوامره وتعاليمه هي الأخلاقيات الاجتماعية بشكل أساسي، هو مفهوم مناقض للوثنية الإغريقية التي سبقت المسيحية، وبعد ذلك كان ضد المسيحية؛ لأن المسيحية تطورت من اليهودية، ولأن مؤسسي المسيحية كانوا من اليهود الذين ثاروا على المفاهيم اليهودية، ثم قرروا أنه كان هنالك شخص، وهو ابن الله؛ أي أنه إله وإنسان في الوقت نفسه، وهذا أمر لم يقبله اليهود، ولذلك نشأ الصدام، ولاحقاً جرت التطورات نفسها مع الإسلام؛ حيث كانت فكرة الملاك الذي يلقن وحي الله إلى شخص ما تخالف تماماً المفاهيم اليهودية، وحدث أيضاً ذلك الصدام العنيف.
وبالطبع حدثت هذه التطورات تاريخياً في شبه الجزيرة العربية في القرن السابع في عصر النبي، وفي ما بعد عندما اكتسب الدين أهمية كبيرة في ما يسمى الغرب ترجمت هذه الأهمية إلى الشعور الوطني، وهذا الشعور الوطني جعل معاداة اليهود أسوأ؛ لأن الوطنية تعني “نحن نحن، وأنتم لستم نحن”.. فأنتم غرباء وأجانب، ربما تعيشون بيننا؛ ولكننا لا نقبل بكم كجزءٍ منا.

وهذا أساس العنصرية التي هي تجسيد للوطنية المتشددة، ثم أصبحت العنصرية نظاماً لمعتقداتٍ سياسية في ألمانيا النازية التي كانت تمثل أكثر الحالات تطرفاً؛ ولكن كانت هنالك حالات أقل تطرفاً، حيث تجد معاداة عنيفة للسامية في مجتمعات لم تكن تتبع العنصرية النازية.
فما الذي يمكن فعله تجاه ذلك؟ أولاً هنالك مكان للدين هناك، وهنالك قادة دينيون في المسيحية والإسلام يقولون إن الطريق إلى الله ليست حصرية، وإن هنالك العديد من الطرق إلى الله، وهنالك قادة دينيون في كلتا الديانتين التوحيديتين يتقبلون اليهودية كطريقةٍ أخرى لممارسة المعتقد الديني، ونجد ذلك في الكنيسة الكاثوليكية بعد مؤتمر الأساقفة عام 1965 الذي قرر أن اليهود لم يقتلوا المسيح، ولذلك أصبحت الكنيسة الكاثوليكية اليوم حليفة في مواجهة معاداة السامية. وينطبق الأمر على أجزاء من العالم الإسلامي؛ حيث نجد علماء مسلمين كباراً يقولون إن معاداة السامية هي أمر يخالف تعاليم الإسلام، ولكن لا يزال هنالك الكثير من معاداة السامية في كل هذه المجتمعات.
الأمر الآخر الذي يجب أن ندركه هو أنه في المجتمعات متعددة الآلهة؛ مثل الصين والهند، وإلى حدٍّ كبير إندونيسيا، وأجزاء من إفريقيا، لم تكن هنالك معاداة للسامية على الرغم من وجود اليهود هناك؛ وذلك لأنه في المجتمعات متعددة الآلهة كان ينظر إلى اليهودية على أنها وسيلة أخرى لعبادة إله ما. فنحن إذن نتكلم عن مجتمعاتٍ تسود فيها المسيحية أو الإسلام.
الطريقة الأخرى لمحاربة معاداة السامية، هي معرفة أن معاداة السامية تنقلب على المجتمعات التي تنشأ فيها، فإذا نظرت إلى التاريخ القديم والمعاصر، فستلاحظ أن المجتمعات التي انتشرت فيها معاداة السامية كجزء من ثقافتها قد عانت من أن مُعادِي السامية كانوا في الماضي، كما هم اليوم، مناهضين للأيديولوجيات والثقافات، وأنظمة الحكم الديمقراطية والليبرالية، وهذا الأمر واضح جداً.
اقرأ أيضًا: إحياء ذكرى المحرقة: 75 عامًا على تحرير المعسكرات
فمعادو السامية في الولايات المتحدة اليوم هم أيضاً معارضون للمفهوم الليبرالي للثقافة الأمريكية، وتجد الأمر نفسه في أوروبا وفي أماكن أخرى، ويمكن محاربة معاداة السامية من خلال الشرح للمجتمعات التي تنشأ فيها أن معاداة السامية لا تؤذي فقط اليهود؛ فاليهود مجرد أقلية ضئيلة يبلغ عددها أقل من 13 مليون شخص من أصل ستة مليارات ونصف مليار أو سبعة مليارات إنسان في العالم، إنهم أقلية ضئيلة للغاية، والهجوم على اليهود هو هجوم على المجتمعات التي ينشط فيها معادو السامية؛ فهم يهاجمون مجتمعاتهم، ويستخدمون اليهود كأداة لمهاجمة المجتمعات التي يعيشون فيها.
أعتقد أن هذه هي إحدى الطرق التي يمكن من خلالها محاربة معاداة السامية. وليس فقط من خلال القانون، هنالك قوانين تجرم معاداة السامية في العديد من البلدان، هذا جيد؛ ولكنه لا يفي تماماً بالغرض. ثم هنالك مسألة وسائل الإعلام؛ حيث يظهر خطاب الكراهية، وهو ليس موجهاً ضد اليهود فقط، فد نجد خطاب كراهية ضد المسلمين، وخطاب كراهية ضد المثليين، وخطاب كراهية ضمن المجتمع الواحد، وخطاب كراهية ضد أمة أخرى أو دولة أخرى في لبوس وطني..

إن خطاب الكراهية يمثل مشكلة كبيرة، وهو مدفوع أساساً بدوافع مالية عند وسائل الإعلام الرئيسية. والاقتراحات التي قدمتها إلى العديد من الحكومات والمنظمات كانت تشمل استخدام وسائل الإعلام لمواجهة وسائل الإعلام، وتأسيس مواقع إلكترونية، واستخدام وسائل الإعلام لمهاجمة معادي السامية، وليس للدفاع عن اليهود؛ فلا طائل من ذلك، لأن اليهود مجرد أقلية ضئيلة. يجب مهاجمة معادي السامية بسبب موقفهم؛ فهم أعداء لمجتمعاتهم.
- هذه نقطة مهمة جداً. كما تعلم تم توقيع اتفاقيات جديدة مؤخراً بين إسرائيل ودول عربية، تعرف باسم اتفاقيات إبراهيم، وبدأت عملية تطبيع للعلاقات بين إسرائيل وهذه الدول التي لم تكن من دول المواجهة مع إسرائيل في الحروب السابقة. أجيال من الشباب العرب نشأت على فكرة أن إسرائيل هي العدو، هل تعتقد أن تعريف الشعوب العربية بالهولوكوست بشكل أفضل سيساعد في عملية السلام طويل الأمد في المنطقة؟
– هذا صحيح بطريقةٍ ما؛ فعلى سبيل المثال، قام وفد من كبار رجال الدين والقادة المسلمين بزيارة أوشفيتز (مجمع يضم نحو 40 معسكرَ اعتقالٍ نازياً في بولندا- المترجم) قبل فترةٍ وجيزة، وقد ضم الوفد أشخاصاً مهمين للغاية، أشخاصاً يمثلون المجتمعات الإسلامية في أوروبا، وأنحاء أخرى من العالم، وكانت النتيجة مفيدة جداً.
وأيضاً كان هنالك وفد من الإمارات العربية المتحدة زار إسرائيل مؤخراً، وقام أعضاء الوفد بزيارة متحف الهولوكوست في القدس، وكانت النتيجة مثيرة للاهتمام؛ لأن هؤلاء الأشخاص كانوا من المفكرين في دولتَي الإمارات العربية المتحدة والبحرين، ولم يكونوا يعرفون ما الذي حدث لليهود في الحرب العالمية الثانية، وقد فتحت هذه الزيارة حواراً مباشراً ومهماً بين المجموعتَين؛
لذلك أوافق على القول إن معرفة الهولوكوست في المجتمعات الإسلامية، مثل الإمارات والبحرين وغيرهما، هي أمر مهم؛ ولكن تجدر الإشارة إلى أن الدول التي أقامت معها إسرائيل علاقات مؤخراً بشكل أو بآخر هي ليست دول مواجهة، وهذه ليست معاهدات سلام؛ لأنه لم تكن هنالك حالة حرب بين إسرائيل والبحرين أو الإمارات.

أما بالنسبة إلى المغرب؛ فالمغرب لطالما اعترف بالهولوكوست، والعلاقة بين قيادة المغرب؛ خصوصاً العائلة الحاكمة، واليهود كانت دائماً إيجابية؛ لذلك هذه ليست إنجازات مهمة.
كما تعلم هنالك صراع طويل حول فلسطين، وهنالك آراء مختلفة في إسرائيل حول ذلك. جميعنا نعرف الموقف الرسمي؛ ولكن هنالك أقلية قوية لديها وجهة نظر مختلفة حول هذا الأمر وترغب في التفاوض، كما آمل، مع السلطات الفلسطينية لإيجاد أرضية مشتركة. والهولوكوست جزء من هذا، ليست جزءاً مهماً جداً؛ فعلى على سبيلِ المثال رئيس السلطة الفلسطينية قدم رسالة دكتوراه باللغة الروسية تفترض أن اليهود كانوا فعلياً المسؤولين عن الهولوكوست، وهذه ليست الطريقة الصحيحة لمقاربة اليهود؛ هذا أمر سيقرره المستقبل، فأنا لست سياسياً؛ بل أنا مؤرخ وأنا في غاية الحذر من أن أتنبأ، فهنالك مثل يهودي جميل يقول “بعد أن كتبت التوراة أعطيت النبوة للأطفال وللحمقى”.
اقرأ أيضًا: اتفاقية السلام التاريخي …من الشعارات إلى الواقعية السياسية
وأنا لست طفلاً؛ فأنا في الخامسة والتسعين تقريباً، وآمل أنني لست أحمق، ولذلك أنا لا أتنبأ؛ ولكنني كمؤرخ أستطيع أن أخبرك بأنه ما من صراعٍ في تاريخ العالم لم يحل بطريقةٍ أو بأخرى، فإذا لم يكن بقوة السلاح فبالتوافق والتسويات، والحل بقوة السلاح بين إسرائيل والفلسطينيين هو أمر مستحيل تماماً، فالفلسطينيون لا يستطيعون هزيمة إسرائيل عسكرياً، ولا توجد حكومة إسرائيلية قادرة على هزيمة الفلسطينيين عسكرياً، فهذا هراء. ربما لا تكون إمكانية التوصل إلى تسوية متاحة في الوقت الحاضر؛ ولكنها بالتأكيد ليست مستبعدة في المستقبل.
بتلك الملاحظة الإيجابية بروفيسور، أنت لست نبياً ولكنك بالتأكيد رجل حكيم، وبهذه الكلمات الحكيمة لمؤرخ رأى الكثير في حياته أنهي لقاءنا الممتع. شكراً جزيلاً لك على وقتك وأتمنى لك كل خير؛ لا سيما أني أعرف أنك منشغل جداً هذا الأسبوع بالنشاطات والتواصل مع العالم في ذكرى الهولوكوست. أشكرك شكراً جزيلاً..
♦مدير مؤسسة لينكس للحوار والتحليل والبحوث، ومراقب ومعلق متخصص في الشؤون الخليجية.
لقراءة الأصل الإنكليزي: Yehuda Bauer Interview