الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة

يميِّزها الارتجال والحيوية.. ماذا نعرف عن موسيقى “الجاز”؟

تشكَّلت من أنماط موسيقية متنوعة.. وساعدت الأمريكيين ذوي الأصول الإفريقية على إيصال رسالتهم إلى العالم

كيوبوست

على عكس كثير من أنواع الموسيقى، ترفض موسيقى الجاز الجمود، وتنحاز للتغير؛ ففي الوقت الذي يلتزم به عازفو السيمفونيات، مثلاً، بنوتة وإيقاع محددَين، يتمتع عازفو الجاز بقدرتهم على الارتجال.

ويرتجل عازفو الجاز بالتناوب بعد أن يبدأ لحن الأغنية، ويعزف كل واحد منهم منفرداً بجملة موسيقية ارتجالية؛ الأمر الذي يتطلَّب مهارة عالية، ويعطي الأغنية/ المعزوفة قيمة موسيقية مضافة ومختلفة في كل مرة تُعزف فيها.

النشأة

من أجل تسليط الضوء على موسيقى الجاز، ودورها الدبلوماسي في توحيد الناس في جميع أنحاء العالم، حدَّدت منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة (يونسكو) في نوفمبر 2011م، 30 أبريل يوماً عالمياً لموسيقى الجاز، وتم الاحتفال بذلك اليوم لأول مرة عام 2012م.

الموسيقي وعازف الجاز الأمريكي لويس أرمسترونج

وربما يرتبط دور موسيقى الجاز في توحيد الناس نتيجة لطريقة نشأتها؛ ففي أوائل القرن العشرين تطورت موسيقى الجاز في الولايات المتحدة، تحديداً في مدينة نيو أورلينز، بالقرب من مصب نهر المسيسيبي؛ حيث كان السكان ينحدرون من أعراق متنوعة، فاختلطت الأنماط والتقاليد الموسيقية عبر تفاعل السكان هناك من أصول إفريقية وكاريبية ومكسيكية وهنود أمريكيين وأوروبيين، وعليه ظهرت أنواع موسيقى أفرو- أمريكية كموسيقى الراغتايم والبلوز، التي امتزجت وشكلت تدريجياً موسيقى الجاز.

اقرأ أيضاً: كيف نقل الحضارم واليمنيون الموسيقى إلى جنوب شرق آسيا وأوروبا؟

ونتيجة لاتسام موسيقى الجاز بالحيوية والبهجة في بداياتها، كانت تُعزف خلال سنواتها الأولى للرقص؛ لكنها أثبتت في ما بعد أنها صالحة للاستماع، فهي إلى جانب قدرتها على التعبير عن السعادة والمرح، فبإمكانها تصوير الألم الذي عاناه مبتكروها من ذوي البشرة السوداء في الولايات المتحدة، إضافة إلى تناولها موضوعات سامية كالحرية والمساواة.. بينما اعتمدت بالأساس على مجموعة آلات موسيقية؛ منها آلات نفخية كساكسفون والترومبون والترومبيت والكلارينيت، وآلات وترية كالبيانو والكونرباس، إلى جانب الدرامز (الطبول).

انتشار وتطور

انتشرت موسيقى الجاز على نطاق واسع، متجاوزةً مسقط رأسها “نيو أورلينز” إلى ولايات أمريكية أخرى، وذلك بعد صدور أول تسجيل لموسيقى الجاز؛ لفرقة “Dixieland Jazz” عام 1917م.

وخلال تطورها، لمعَ ضمن موسيقى الجاز موسيقيون يمكن تسليط الضوء عليهم لتأريخ مراحل تطور الجاز؛ كان أبرزهم الموسيقي الشهير عازف البوق لويس أرمسترونج، الذي أسهم باعتماد نمط العزف المنفرد.

أحد أشهر أغاني عازف الجاز لويس أرمسترونج What A Wonderful World:

وفي الفترة التي لمع فيها أرمسترونج، كان عازف البيانو الشهير ديوك إلينجتون، يسهم في تدشين موسيقى الجاز؛ فخلال فترة العشرينيات قدَّم عروضاً في مسقط رأسه واشنطن، في الوقت الذي كان فيه جمهور موسيقى الجاز يقتصر على السود؛ فمع أن العبودية كانت قد انتهت منذ نحو 45 عاماً حينها، إلا أن العلاقة كانت لا تزال متوترة بين من كانوا مستعبِدين ومن كانوا مستعبَدين. لاحقاً، انتقل إلينجتون إلى نيويورك وشكَّل فرقته وأنتج مؤلفاته الموسيقية الخاصة.

الجاز من الرقص إلى الاستماع

مع بداية الثلاثينيات، بدأت مرحلة جديدة من عمر الجاز بالتشكل؛ أُطلق عليها “عصر التأرجح- The swing era”، فقد اعتمدت فرق الجاز الكبيرة إيقاعات الرقص “المتأرجحة” في حفلات ضمت عدداً كبيراً من الجمهور الراقص حتى أواخر الأربعينيات. وخلال تلك المرحلة، ظهر قادة فرق بارزين؛ مثل عازف البيانو كونت باسي، وعازف الكلارينت بيني جودمان…

في حين انتقل الجاز إلى مرحلة أخرى خلال منتصف الأربعينيات، مع ظهور نوع موسيقي جديد آنذاك؛ “البيبوب”، الذي طوره موسيقيو نيويورك؛ مثل عازف الساكسفون تشارلي باركر، وعازف البوق ديزي جيليسبي، وعازف البيانو بود باول، وعازف الدرامز آرت بلاكي. واتسم “البيبوب” بالعزف السريع والمعقّد. وعلى عكس النمط المتأرجح، دفع النمط الجديد الجماهير التي لطالما حضرت عروض الجاز بدافع الرقص، إلى الجلوس والاستماع.

مقطوعة “blue in green” للموسيقي الأمريكي مايلز ديفيس

وعلى النقيض من موسيقى البيبوب، ظهرت موسيقى “الكول جاز” التي كانت أكثر نعومةً وهدوءاً وتحفظاً، بينما كان أهم روادها الموسيقي مايلز ديفيس، صاحب ألبوم الجاز الأكثر مبيعاً؛ ألبوم “Kind of Blue”، وعازف البيانو ليني تريستانو.

بين النمذجة والتحرر

استمرت موسيقى الجاز بالتجدد؛ فخلال الخمسينيات والستينيات تشكل نمط “الهارد بوب”، وكان من رواده عازف البيانو هوراس سيلفر وعازف الدرامز آرت بلاكي، اللذان دمجا موسيقى الريذم آند بلوز (موسيقى شعبية أفرو- أمريكية)، وموسيقى الغوسبل (موسيقى مسيحية)، إضافة إلى موسيقى البلوز، كما أدخلا آلة الأرغن على المقطوعات؛ ما أعطى الجاز جانباً روحانياً.

اقرأ أيضاً: الموسيقى البيزنطية.. مع مصطفى سعيد

كما شهدت نهاية الخمسينيات تطور الجاز الحر، الذي حاول متبنوه؛ ومنهم عازف الساكسفون أورنيت كولمان، التخلص من المعايير والتكوينات التقليدية لموسيقى الجاز، في الوقت الذي كان فيه آخرون؛ منهم مايلز ديفيس، يجربون موسيقى الجاز النموذجية، التي تُعنى بمقاييس محددة للارتجال.

من اليسار إلى اليمين: بيل إيفانز ومايلز ديفيس وكانونبول أديرلي وجون كولتراين- أرشيف

وكانت إحدى المحطات الفارقة في تاريخ الجاز؛ عندما أدخلت فرقة ديفيس الآلات الكهربائية في صناعة موسيقى الجاز، مشكلةً في أواخر الستينيات موسيقى الجاز روك.

وعلى ما يبدو أن موسيقى الجاز كانت ساحة تجريب، إذ قام موسيقيون مثل هيربي هانكوك بخلط موسيقى الجاز بموسيقى الديسكو وموسيقى الفانك؛ لخلق ألحان راقصة ضمن نوع جديد يُعرف باسم “فيوجن جاز”، الذي أخذ شكلاً تجارياً في أوائل الثمانينيات، تَلته أنواع مختلفة من أنماط الجاز.

حالياً، فقد الجاز مكانته كموسيقى شعبية؛ إذ أخذت موسيقى البوب والراب هذه المكانة، لكن الجاز بالمقابل لا يزال يُدرَّس في المعاهد الموسيقية حول العالم، ويحتفظ بجمهور وَفيّ.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة