الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية
يجب أن تأخذ السياسة الخارجية الأمريكية دول الجنوب في الاعتبار

كيوبوست- ترجمات
أود دارنال♦
يلفت أود دارنال، الباحث غير المقيم في برنامج إعادة صياغة استراتيجية الولايات المتحدة الخارجية، التابع لمركز ستيمسون، الانتباه إلى أن بداية عام 2023 شهدت تسليط الأضواء من جديد على دول الجنوب. يأتي هذا بعد أن تسببت الحرب الروسية- الأوكرانية في تفاقم أزمة الغذاء في العديد من الدول العام الماضي؛ الأمر الذي كشف عن التوترات الكامنة في علاقة هذه الدول مع القوى الغربية. وفي قمة الأمم المتحدة السنوية للمناخ، في نوفمبر الماضي، المعروفة باسم (COP27)، قادت الدول الأصغر، مثل بربادوس، الجهود لتحفيز تمويل قضايا المناخ للبلدان النامية الضعيفة. وفي قمة القادة في واشنطن في نهاية العام، سعت واشنطن لخطب ود إفريقيا. وهكذا، يبدو جلياً أن هناك ثمة تحولاً يجري يقاوم القيادة الغربية التقليدية للمؤسسات العالمية الدولية.
في يناير 2023، استضافت الهند قمة سعت فيها إلى إبراز وجهات نظر ومصالح الجنوب كجزء من طموحاتها كرئيس لمجموعة العشرين لهذا العام. في هذا الصدد، قال رئيس الوزراء الهندي ناريندرا مودي: “معظم التحديات العالمية لم تنشأ من الجنوب؛ لكنها تؤثِّر علينا أكثر… كما أن البحث عن حلول لا يأخذ في الاعتبار دورنا أو صوتنا”.

ويرى دارنال أهمية أن يتفهم صانعو السياسة في الولايات المتحدة مخاوف دول الجنوب بشكل أفضل. وهذا يعني الاعتراف بأن بلدان الجنوب شركاء مهمون في حد ذاتهم؛ وأنه يجب على واشنطن الكف عن ممارسة الضغط على هذه الدول وعدم تجاهل رغباتها في أن تكون لها سياسات مستقلة.
ويذكر الباحث أن المناقشات السياسية السائدة في الغرب حالياً تميل إلى استخدام مصطلح “الجنوب العالمي” كمرادف للبلدان النامية ودول الجنوب -أو ما كان يُسمى في السابق “العالم الثالث”- لكن التسمية لها معنى أوسع. فالجنوب العالمي لا يُحدد بدقة من خلال الجغرافيا أو الاقتصاد فحسب؛ بل يجب أن يُأخذ في الحسبان الخبرات المشتركة وعدم المساواة المتجذرة في الحقبة الاستعمارية التي تديمها الرأسمالية العالمية. لا يزال المصطلح مَعِيباً: فهو ليس محايداً، ولا ينبغي استخدامه بغية تناغم السياقات الجيوسياسية المختلفة. وبعيداً عن الدلالات اللغوية للمصطلح، فإن تقدير الجنوب العالمي يجب أن يعني الانفصال عن التسلسل الهرمي بين الدول والتعاطي مع الهيمنة الغربية على النظام الدولي بشكل أكثر انتقاداً.
اقرأ أيضًا: كارثة نقص الغذاء القادمة
في الوقت الحالي، تميل الولايات المتحدة إلى معاملة شركائها في الجنوب العالمي كبيادق في سياسات القوى العظمى، وتمارس ضغوطاً للانقياد إلى القيادة الأمريكية؛ وهي استراتيجية تستند إلى افتراضات عفَّى عليها الزمن؛ مثل فكرة أن الولايات المتحدة هي الشريك الوحيد ذو الصلة لدول الجنوب العالمي.
من جانب آخر، وعلى الرغم من أهمية تعزيز المنتديات الإقليمية، يجب بذل المزيد من الجهود لمعالجة أوجه القصور في المؤسسات الدولية؛ من مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إلى صندوق النقد الدولي. ليس من المجدي ولا المقبول أن تستخدم أقلية من الدول القوية هيمنتها داخل النظام العالمي لتعزيز مصالحها ووضع جدول أعمال للقواعد الاقتصادية أو الحلول الأمنية، مع تداعيات سلبية تقع إلى حد كبير على كاهل الجنوب العالمي.

ويخلص دارنال إلى أن الخطوة الأولى نحو دمج وجهات نظر الجنوب العالمي في السياسة الدولية بشكل أفضل تتمثل في خلق منصات ترفع أصوات هذه الدول حول قضايا تشمل التنمية والحوكمة والأمن والتجارة وتغيُّر المناخ. من شأن هذه المساحات أن تزيد وعي صانعي السياسات في الولايات المتحدة وخارجها حول قيّم الدول التي تُشكِّل الجنوب العالمي. ومن الناحية المثالية، يمكنها تشكيل سياسة خارجية أمريكية موجهة نحو تحقيق المنافع المتبادلة من حيث السلام والأمن والازدهار البشري.
♦الباحث غير المقيم في برنامج إعادة صياغة استراتيجية الولايات المتحدة الخارجية، التابع لمركز ستيمسون
المصدر: “فورين بوليسي“