الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
ويليس كارير.. المنقذ من حر الصيف
خلال العقدين الأولين من اختراع تكييف الهواء اقتصر استخدام جهاز التكييف على تبريد الآلات وليس الأشخاص.. ليدخل بعدها إلى الفنادق والمسارح الفاخرة ووسائل المواصلات بفضل مخترعه ويليس كارير

كيوبوست
إذا كان التطور العلمي يهدف أولاً إلى راحة الإنسان، فإن اختراع جهاز تكييف الهواء حقق هذا الهدف، فلولاه كانت معدلات الطلاق والوحشية والقتل ستزيد، كما كانت ستنخفض معدلات الإنتاجية بنسبة 40% على مستوى العالم، وفقاً لمقال الكاتبة مولي إيفينز.
بينما كانت ستنهار اللوحات الجدارية ميكيلانجيلو في كنيسة “سيستينا” منذ القرن الـ16؛ بسبب عجزها عن مقاومة الرطوبة والحرارة، كما كان من المستحيل التعدين العميق داخل الأرض بحثاً عن الذهب والفضة والمعادن الأخرى؛ وأكبر تلسكوب في العالم لن يعمل بسبب تراكم الرطوبة، ولن يتمكن الكثير من أطفالنا من التعلم في بيئة صحية، إلا أن التكييف وضع حداً لكل تلك العقبات، بعد اختراعه من قِبل المهندس الأمريكي ويليس كارير.

مَن هو كارير؟
وُلد ويليس هافيلاند كارير في أنغولا بولاية نيويورك، في 26 نوفمبر 1876، والتحق بالمدرسة الثانوية المركزية في بوفالو، وحصل على منحة دراسية حكومية في جامعة كورنيل، وتخرج فيها عام 1901 بدرجة البكالوريوس في الهندسة الكهربائية، وبعد إنهائه دراسته الجامعية حصل على وظيفة مهندس أبحاث بشركة “Buffalo Forge”.
خلال عمله في الشركة، أنجز كارير بحوثاً في مجال عمله، وفَّرت للشركة ما قيمته 40 ألف دولار سنوياً، ليتولى بعدها مسؤولية قسم بأكمله بالشركة ذاتها.
إلا أن النقلة النوعية التي حققها كارير حدثت عندما جاءته فكرة، في أواخر خريف عام 1902، في محطة قطار باردة ضبابية في مدينة بيتسبرغ ببنسلفانيا، حيث كان يحدِّق في الضباب الكثيف، وقال “إذا كان بإمكاني تشبيع الهواء والتحكم في درجة حرارته، يمكنني الحصول على الهواء بأية كمية من الرطوبة أريدها، ومكنني فعل ذلك أيضاً عن طريق تمرير الهواء من خلال رذاذ ناعم من الماء لخلق ضباب حقيقي”.
اقرأ أيضاً: هل يمكننا الخروج من فخ مكيفات الهواء؟
أبو أجهزة التكييف
وفي العام ذاته، صمَّم كارير جهاز تكييف لمطبعة في بروكلين، كانت تعاني التغييرات التي تطرأ على رطوبة ودرجة حرارة المكان؛ ما يؤدي إلى تقلص وتمدد الورق، وتشوه الألوان. عالج كارير المشكلة من خلال دفع الهواء إلى الغرفة عبر أنابيب مملوءة بالماء البارد، ولمَّا امتص الهواء البارد الحرارة من الهواء في غرف التخزين انخفضت الرطوبة في الجو، وبالتالي انخفضت درجة الحرارة.
وبعد عدة سنوات من الاختبارات والتطوير وتحديداً في عام 1906، مُنِحَ ويليس براءة اختراع أمريكية لجهاز معالجة الهواء. ومع بداية الحرب العالمية الأولى في أواخر عام 1914، قررت شركة “بوفالو فورج”، التي كان يعمل فيها ويليس لمدة 12 عاماً، أن تركز أنشطتها بالكامل على التصنيع. ونتيجة لذلك، قرر سبعة من المهندسين تأسيس شركة “كارير للهندسة” برأسمال بلغ 32,600 دولار في عام 1915. والمهندسون هم: ويليس كارير وجيه أيرفين لايل، وأدوارد ميرفي، ولوجان لويس، وأيرنست لايل، وفرانك سانا، وألفريد ستاسي. واتخذت الشركة ولاية نيوجيرسي مقراً لها.
إنجازات وعقبات
بعد المطبعة، استخدم جهاز التكييف الخاص بكارير في الكثير من أماكن العمل؛ منها مصانع القطن والمنسوجات والحلوى والمكرونة.. وغيرها.
ورغم تطويرها أجهزة التبريد المركزية، واجهت شركة “كارير” العديد من الصعوبات المالية؛ نتيجة انهيار أسواق وول ستريت في عام 1929. فاندمجت عام 1930 مع شركتي “بيرنزويك كرويشل” و”يورك”؛ لتشكيل شركة “كارير كوربوريشن”، بإبقاء ويليس كارير رئيساً لمجلس إدارتها.
أدى الكساد الاقتصادي إلى التقليل من استخدام المنازل والمحلات التجارية لمكيفات الهواء، إضافة إلى نشوب الحرب العالمية الثانية؛ مما دفع كارير للانتقال بشركته إلى مدينة نيويورك.
شاهد: فيديوغراف.. 22 اختراعاً أنقذت كوكب الأرض
وظلت شركة “كارير” لمؤسسها الذي توفي في أكتوبر عام 1950 عن عمر يناهز 74 عاماً، رائدة في تصميم وتصنيع أجهزة التبريد. وأحدثت مكيفاتها ثورة في أمريكا؛ بسبب التطورات التي حصلت في مجال الإنتاج الصناعي في فصل الصيف، وامتد الاختراع ليشمل العالم كله، ويعمل اليوم في شركة كارير، ومقرها الرئيسي في مدينة “فارممنغتون” بولاية كونيتيكت، نحو 43.000 موظف في فروعها ومقراتها كافة.

التكييف اليوم
خلال العقدَين الأولَين من اختراع تكييف الهواء، اقتصر استخدام جهاز التكييف على تبريد الآلات وليس الأشخاص، ليدخل بعدها إلى الفنادق والمسارح الفاخرة ووسائل المواصلات، حتى أصبح مكيف الهواء شيئاً عادياً؛ مثل قطعة ديكور، وعام بعد آخر يزداد الطلب عليه حول العالم بازدياد أعداد السكان، ففي عام 2013 وحده تم بيع 64 مليون وحدة في الصين، وتحتوي ما يقرب 90% من منازل الولايات المتحدة على مكيفات هواء، وفق وفقاً لدراسة أجريت عام 2015 من قِبلPNAS .