الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةشؤون عربية

وكلاء الخراب.. العلاقات والمصالح بين إخوان ليبيا وأردوغان

تستند تركيا في شرعنة تدخلها في ليبيا إلى تنظيم الإخوان المسلمين الذي يستغل حكومة السراج كواجهة لإخفاء سيطرته على البلاد

كيوبوست

لا يمثل إخوان ليبيا فصيلاً سياسياً فحسب؛ ولكنهم يتمتعون بعلاقات تنظيمية قوية مع الميليشيات المسلحة والتنظيمات الإرهابية، للحفاظ على سيطرتهم على السلطة في ليبيا؛ فقد أقامت جماعة الإخوان المسلمين الليبية علاقاتٍ قوية مع ثلاثٍ من الميليشيات المنضوية تحت مظلة “فجر ليبيا”، وتحديداً كتيبة شهداء 17 فبراير، وميليشيات مصراتة، وغرفة عمليات ثوار ليبيا. وقد استندت جماعة الإخوان إلى ميليشيات “فجر ليبيا”؛ للسيطرة على طرابلس عسكرياً، وطرد مجلس النواب المنتخب من هناك في سبتمبر 2014، وذلك عقب هزيمتها في الانتخابات التشريعية التي أجريت في عام 2014[1].

ومع مرورِ الوقت، وظهور المشير خليفة حفتر، وتمكنه من السيطرة على شرق ليبيا، ودحر التنظيمات الإرهابية هناك، وتحريره العديد من المناطق في الغرب الليبي، وصولاً إلى محاصرته طرابلس ومصراتة، وجد الإخوان المسلمون في ليبيا أنهم لم يعد لهم من مفر من أجل الحفاظ على سلطتهم ونفوذهم في ليبيا سوى التحالف مع تركيا، والسماح لها باحتلال ليبيا؛ لإدراكهم جيداً انحسار شعبيتهم في ليبيا، واستحالة فوزهم في أي انتخابات مستقبلية نزيهة.

اقرأ أيضًا: الاختراق التركي المقلق في ليبيا

التواطؤ الإخواني

تستند تركيا في شرعنة تدخلها في ليبيا إلى تنظيم الإخوان المسلمين، وكذلك العناصر الإرهابية المنضوية تحت لوائه، ويهيمن الإخوان على حكومة السراج، وإن احتفظوا به كواجهة لإخفاء سيطرتهم على ليبيا، ويمكن توضيح أبرز الأدوار التي قاموا بها في ليبيا على النحو التالي:

  • منع التوصل إلى تسوية سلمية: مارس الإخوان المسلمون ضغوطاً شديدة على السراج؛ من أجل عدم التوصل إلى تفاهمات مع قائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر، إذ شنت وسائل الإعلام الموالية للإخوان المسلمين في مايو 2020 حملة انتقادات غير مسبوقة ضد السراج الذي اتهمته بالضعف والمرونة في مواجهة قائد الجيش الليبي الجنرال خليفة حفتر؛ لإجباره على عدم التوصل إلى أي حل ينهي الأزمة الليبية بصورة سلمية[2].
  • استدعاء التدخل التركي: مارست جماعة الإخوان المسلمين الليبية ضغوطاً على فايز السراج، رئيس حكومة الوفاق الوطني؛ لدعوة تركيا إلى نشر قواتها في ليبيا، عقب تصريح الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بموافقته على نشر قواته في ليبيا، حال طلبت حكومة الوفاق ذلك.

ونقلت وكالة “نوفا” الإيطالية، عن عبدالرزاق العرادي، القيادي في جماعة الإخوان المسلمين وحزب العدالة والبناء التابع للجماعة، قوله في ديسمبر 2019، عبر موقع “فيسبوك”: “إن السراج يجب أن يقبل باستجلاب القوات العسكرية التركية على الأراضي الليبية؛ لدحر قوات خليفة حفتر والسيطرة على ليبيا”[3]، وقد أذعن لهم السراج في النهاية، ووافق على إبرام اتفاقات تشرعن احتلال أنقرة لليبيا.

أردوغان والسراج- “أ ف ب”

وتمتد علاقة تنظيم الإخوان المسلمين بصلاح بادي، الذي يقود كتيبة “لواء الصمود”، أهم ميليشيات مصراتة، وهو مدرج على قائمة عقوبات مجلس الأمن الدولي منذ نوفمبر 2018، بتهمة زعزعة الأمن في ليبيا، وينحدر بادي من أسرة ذات أصول تركية تقيم في مصراتة، كما يعد أحد أبرز “عملاء أردوغان” في ليبيا؛ إذ لعب دوراً بارزاً في الإطاحة بنظام معمر القذافي الذي كان جندياً في صفوفه، وهو أحد مؤسسي ميليشيات “فجر ليبيا” التابعة لجماعة الإخوان المسلمين، التي أحرقت مطار طرابلس الدولي عام 2014، وتسببت في توقفه عن العمل، وقد شارك في أغلب الاشتباكات التي شهدتها العاصمة طرابلس في السنوات الأخيرة، ويقيم بين تركيا وليبيا[4]، كما شارك في العمليات الأخيرة في ليبيا ضد الجيش الوطني الليبي.

  • إضفاء الشرعية على التدخل التركي وقتل الليبيين: يعد مفتي ليبيا المعزول الصادق الغرياني، أحد أبرز رجال الدين المقربين من الإخوان المسلمين، والذي يعد أقرب لمفتي التنظيمات الإرهابية منه إلى مفتي دولة؛ إذ يقيم في تركيا، ويطلق عبرها فتاوى متطرفة تجيز القتل والسرقة والنهب للميليشيات المدعومة من جانب تركيا في ليبيا؛ بل ويسوغ سرقة أموال الشعب الليبي، إذ أعلن في 19 يونيو أنه يتوجب معاملة أسرى الجيش الوطني الليبي معاملة التتار والمغول، ولا يجوز تطبيق شرع الله عليهم في ما يتعلق بالتعامل مع الأسرى. وأباح الغرياني للمسلحين الذين يقاتلون في صفوق حكومة الوفاق أخذ غنائمهم[5].

كما سبق للغرياني أن اعتبر قوات الجيش الوطني الليبي من الكفار، وأطلق فتوى سابقة تدعو إلى تسليم ثروات الليبيين إلى تركيا، عبر منح أنقرة الأسبقية في عمليات التنقيب عن النفط والغاز[6]. وبارك الغرياني زيارة وفد من تركيا ولقاءه حكومة السراج في 18 يونيو، داعياً إلى إعطاء الأولوية لتركيا في ملف إعادة الإعمار[7].

اقرأ أيضًا: ليبيا.. فتاوى الصادق الغرياني تؤجج الصراع وتخدم الإخوان

  • تمويل التدخل التركي ضد الشعب الليبي: سعت تركيا من زيارتها المفاجئة إلى طرابلس في 17 يونيو، إلى استحصال عائد تدخلها العسكري من حكومة الوفاق، وذلك عبر إبرام عقود مع ليبيا في مجال إعادة الإعمار والكهرباء، وكذلك التنقيب عن النفط، ويبلغ حجم الأعمال التركية المتعاقد عليها في ليبيا، وفقاً للمعلن حتى الآن، نحو 16 مليار دولار[8]. ونظراً لعدم سيطرة حكومة الوفاق غير الشرعية على حقول النفط الليبي المهمة في جنوب وشرق البلاد، فإنه يتوقع أن تشرع تركيا في دعم ميليشيات الوفاق عسكرياً للاستيلاء عليها، واستحصال كلفة ذلك من أموال الشعب الليبي.

الرهان على الخارج:

يلاحظ أن العلاقة بين تركيا والولايات المتحدة من جانب، والإخوان المسلمين من جانب آخر، تعد علاقة وجودية، وليست علاقة مصلحية، وهو ما يرجع إلى الأسباب التالية:

اقرأ أيضًا: هل توصل أردوغان إلى صفقة مع ترامب حول ليبيا؟

  • التدهور الشديد في شعبية الإخوان المسلمين: يدرك المتابع لسير العملية السياسية في ليبيا في أعقاب الانتخابات البرلمانية لعامَي 2012 و2014، محدودية شعبية تنظيم الإخوان المسلمين في ليبيا، ممثلة في حزب العدالة والبناء؛ بما جعل ليبيا تمثل استثناء في دول الربيع العربي، والتي شهد بعضها تصدراً لجماعات الإسلام السياسي نتائج الانتخابات، على نحو ما شهدته تونس والمغرب. وإدراكاً منها لانحسار شعبيتها، عمد الإخوان المسلمون إلى توظيف تحالفهم مع الميليشيات المسلحة؛ لفرض حصار على البرلمان الليبي، من أجل إصدار قانون للعزل السياسي يستهدف بصورة أساسية تحالف القوى الوطنية.

وكان من المفترض بعد تمرير هذا القانون الذي يقصي أتباع نظام العقيد معمر القذافي من الترشح للانتخابات لمدة عشر سنوات، أن يتمكن الإخوان المسلمون من تحسين أدائهم في الانتخابات التالية التي أجريت في عام 2014، غير أن ما حدث هو العكس، فقد تراجعت شعبية الإخوان المسلمين والسلفيين في هذه الانتخابات، فلم يحصل الإخوان سوى على 25 مقعداً.

الرئيسان التركي والأمريكي أردوغان وترامب
  • الدعم الأمريكي للحكومة غير المنتخبة: لم يكن للإخوان المسلمين أن يتمكنوا من السيطرة على ليبيا، لولا وجود تواطؤ من قِبل الأمم المتحدة، ومن خلفها الولايات المتحدة، ولعل هذا الأمر يتجسد في اتفاق الصخيرات عام 2015، والذي دعا إلى تشكيل حكومة وحدة وطنية برئاسة فايز السراج، تقود مرحلة انتقالية من عامَين تنتهي بإجراء انتخابات تشريعية.

وكان من المفترض أن تحصل الحكومة على دعم مجلس النواب الليبي المنتخب في طبرق، وهو ما لم يحدث، كما لم تتمكن هذه الحكومة من تنظيم الانتخابات التشريعية في عام 2017، كما كان مقرراً في الاتفاق. ويلاحظ أن المجلس الرئاسي، الذي انبثق عن الصخيرات، والذي كان بمثابة جهاز استشاري للحكومة الانتقالية، ويتكون من 9 شخصيات، قد تراجعت شعبيته وتمثيله هو الآخر، فقد استقال نحو أربعة من أعضائه، كما جمَّد البعض الآخر عضويته[9]؛ ليحافظ على عضوية المجلس الأعضاء الموالون للإخوان المسلمين، مثل خالد المشري رئيس المجلس الأعلى للدولة، والقيادي في تنظيم الإخوان.

اقرأ أيضًا: إخوان ليبيا يطالبون بالتدخل العسكري التركي في بلدهم

يلاحظ كذلك الهيمنة على المناصب الرئيسية في حكومة الوفاق من قِبل الإخوان المسلمين؛ مثل وزير الداخلية فتحي باشاغا، ومحافظ المصرف المركزي الليبي في طرابلس صادق الكبير، وفتحي عقوب، أمين سر المصرف وأحد أعضاء مجلس إدارته[10]؛ ليهيمن الإخوان بذلك على أغلب الوزارات والمناصب المهمة في الحكومة الليبية.

ويلاحظ أن الولايات المتحدة قامت بتعيين ستيفاني وليامز، كممثلة خاصة بالإنابة ورئيسة بعثة الأمم المتحدة لدعم ليبيا، والتي كانت تشغل منصب القائم بالأعمال في سفارة الولايات المتحدة بطرابلس، وتحظى بعلاقات قوية بعناصر الإخوان المسلمين في ليبيا؛ خصوصاً فتحي باشاغا، وبالتالي فقد عينتها واشنطن في هذا المنصب؛ لضمان تنفيذ المصالح الأمريكية حيال ليبيا، ومواصلة دعم الإخوان المسلمين[11].

ويتضح من العرض السابق أن حكومة الوفاق المهيمن عليها من قِبل الإخوان المسلمين تدرك جيداً محدودية شعبيتها، وأن أي انتخابات حرة ونزيهة في ليبيا سوف تسفر عن خسارة الإخوان سيطرتهم على حكومة الوفاق المدعومة تركياً وأمريكياً، ودون سند من الشعب الليبي، كما توضح حجم الجرائم التي اقترفتها الميليشيات الليبية والسورية في ترهونة وبني وليد، والتي كانت أقرب إلى انتقام جماعي من قبائل المدينتَين؛ لولائها لحفتر. كما يبدو جلياً مواصلة الولايات المتحدة وتركيا استثمار الإخوان المسلمين لنشر الخراب والدمار في ليبيا، وإعاقة كل المحاولات لتسوية الأزمة الليبية سلمياً، وإجراء انتخابات تشريعية نزيهة تعكس إرادة الشعب الليبي.

المراجع:

[1] https://www.counterextremism.com/content/muslim-brotherhood-libya

[2] https://bit.ly/3de1Kzb

[3] https://bit.ly/37JIusi

[4] https://bit.ly/3djcsEK

[5] https://bit.ly/3de8L2Z

[6] https://bit.ly/2V4r3gS

[7] https://bit.ly/2Nfyv4x

[8] https://bit.ly/3ekP3E6

[9] https://bit.ly/2YiTsC7

[10] https://bit.ly/37LoPIm

[11] https://bit.ly/2zSPGpG

 اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة