الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفةشؤون دوليةصحةمجتمع
وفاة فنسان لامبير.. رمز الجدل حول الموت الرحيم في فرنسا

كيوبوست
على مدى أحد عشر عامًا شغلت قصة فنسان لامبير Vincent Lambert، الإعلام والقضاء، وحتى أروقة السياسة في فرنسا؛ حيث أصبح هذا الشاب رمزًا من رموز الجدل حول الحق في إنهاء الحياة والموت الرحيم.
انتهى هذا الجدل بموت لامبير اليوم الخميس، 11 يوليو 2019، كما صرَّح ابن أخيه بعد عدة أيام على وقف طبيبه المختص العلاج المقدم إليه، وتحديدًا في 3 يوليو الماضي؛ إثر مصادقة محكمة الاستئناف على هذا القرار في 28 من شهر يونيو الماضي.
ويتمثل الإجراء الطبي في هذه الحالة في وقف التزويد بالمياه والغذاء عبر مسبار للمريض، إلى جانب “تخدير عميق ومستمر” حتى غاية مفارقة الحياة.
ما حكاية لامبير؟
فنسان لامبير، شاب فرنسي ورب عائلة، كان يبلغ من العمر 32 عامًا عندما تعرَّض لحادث سير في شمال فرنسا؛ حيث كان يعمل ممرضًا في مصحة للأمراض العقلية. دخل لامبير على إثر هذا الحادث الأليم في حالة غيبوبة تامة منذ 2008. ومنذ ذلك التاريخ، لم يغادر لامبير المستشفى الذي يُعالج فيه ولم يستيقظ من غيبوبته.
ودخلت أسرته في جدل قضائي امتد سبع سنوات حول أحقيته في تنفيذ رغبته بالموت الرحيم، وانقسمت العائلة حول هذا الأمر؛ فزوجته ما انفكَّت تطالب القضاء الفرنسي بمنح الضوء الأخضر للأطباء لوقف العلاج ووضع حد لمعاناة زوجها الجسدية والنفسية، بعد أن فقد الأطباء أي أمل في علاجه، وصرَّحت أكثر من مرة “أتمنى أن يتركوا زوجي يرحل في طمأنينة وأن يحترموا كرامته”.
بينما ظلت والدة لامبير تطالب بإبقائه على قيد الحياة بكل الوسائل الطبية الممكنة؛ بحجة أن “فنسان لامبير ليس شيئًا بل إنسان مثل باقي البشر”.
اقرأ أيضًا: الإيدز من “مريض برلين” وحتى “مريض لندن”

قرار والدة فنسان، التي ظلت ترفض وضع حد لمعاناة ابنها الطبية، كانت تقف وراءه دوافع دينية محضة، كما صرَّحت زوجته أكثر من مرة؛ فوالدة الزوج مقربة من جمعية كاثوليكية متطرفة تُدعى “جمعية سانت بي”.
وانضم والد وإخوة لامبير إلى معركة الأم في وقت لاحق؛ ليطعنوا في جميع قرارات المستشفيات والمحاكم المؤيدة لوقف العلاج.

معركة قضائية طويلة
صدر بخصوص قضية فنسان لامبير نحو ثلاثين حكمًا قضائيًّا خلال سبع سنوات؛ كان أبرزها قرار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان في 5 يونيو عام 2015، والقاضي بوقف تقديم العلاج فنسان لامبير.
وقال رئيس المحكمة، آنذاك، إن قرار المحكمة لا يتناقض مع حق العيش ولا يتعارض مع المادة الثانية للاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان التي تضمن حق الحياة والعيش لكل شخص.
لكن مصير هذا القرار كان كسابقه الذي صدر في عام 2014 بعد النظر في قضية رفعتها زوجة فنسان؛ معتمدة على تحاليل تثبت أن المريض لن يتعافى من مرضه. ووَفقًا لقانون “ليونيتي 2005” الذي يُقر بأن الطبيب لديه الحق في أن يوقف تقديم العلاج لمريض ميؤوس من شفائه، أوقف المستشفى علاج فنسان، لكن العائلة تدخلت مرة أخرى ورفعت دعوى قضائية جديدة للنقض في قرار المستشفى؛ لتتمكن في نهاية المطاف من إبطال القرار.
اقرأ أيضًا: الأديان ومعنى الحياة

تعديلات تشريعية
أسهمت الأحكام الثلاثون التي صدرت بخصوص هذه القضية في إعادة النظر وإدخال بعض التعديلات على التشريعات الفرنسية، كما حدث مثلًا عندما قرر مجلس الدولة في عام 2014 اعتبار الأغذية والسوائل التي يتم منحها عبر أجهزة صناعية علاجات يمكن وقفها عن المريض، وهذا ما حصل أيضًا مع القرار الأخير الذي اتخذته محكمة النقض والقاضي بعدم جعل الحق في الحياة حرية فردية، وهو الأمر الذي سهَّل اتخاذ قرار لصالح زوجة لامبير التي اعتبرها القضاء وصية عليه في آخر حكم في القضية خلال شهر يونيو الماضي.
كما أثارت قضية لامبير بقوة مسألة مكانة الأقارب في حالة وجود شخص مريض “فاقد للوعي” لم يُحدِّد شخصًا ينوب عنه في اتخاذ القرارات المصيرية عندما يكون غير قادر على التعبير بمحض إرادته.. فهل نعتمد على الزوجة أم على الوالدَين؟ في فرنسا، لا يحدد القانون أي شيء في هذه النقطة.

جدل بين الدين والسياسة
ظلَّت قضية فنسان لامبير مثارًا للجدل بين رجال الدين والسياسة في فرنسا؛ معظم رجال الدين والجمعيات المسيحية دعموا وبشكل علني موقف عائلة لامبير الرافضة لتجريده من حق الحياة، كان أبرزهم الأسقف برنارد جينوBernard Ginoux، أسقف إبراشية مونتوبان، الذي قام خلال الأشهر الستة الأخيرة بالتغريد نحو عشرين مرة عن قضية فنسان لامبير، متهمًا قوى غير إنسانية بالوقوف وراء موته.
وفي تغريدة نُشرت يوم الأربعاء، 10 يوليو الجاري، دعا البابا فرانسيس إلى الصلاة “من أجل المرضى الذين يتركون في مواجهة الموت وحدهم”، لافتًا إلى أن “المجتمع يكون إنسانيًّا عندما يقف دفاعًا عن كل حياة، من بدايتها إلى نهايتها الطبيعية، دون اختيار مسبق لمَن يستحق العيش أم لا.. فالأطباء واجبهم خدمة الحياة لا انتزاعها”.

ووَفقًا لاستطلاعات “جمعية الدفاع عن الموت بكرامة” الفرنسية، فإن 94% من الفرنسيين ينتصرون لفكرة “الموت الرحيم”، وهو حق الشخص في إنهاء حياته إذا تدهورت صحته؛ لكن الرئيس الفرنسي السابق فرانسوا هولاند، الذي تعهَّد في أثناء حملته الانتخابية بإقرار قانون للموت الرحيم في البلاد، ترك منصبه قبل أن يفي بهذا الوعد.