الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
وفاة زين العابدين بن علي في منفاه بالسعودية

كيوبوست
توفي يوم الخميس، 19 سبتمبر 2019، الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، في منفاه بالسعودية بعد صراع مع المرض. وأُدخل الرئيس الأسبق إلى أحد المستشفيات في السعودية؛ حيث قضى 3 أشهر في العناية المركزة قبل أن يفارق الحياة.
ومن جانبه، أكد منير بن صالحة، محامي الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي، في تصريحات إعلامية أدلى بها، أن موكله وافته المنية، أمس الخميس، بعد أيام من نقله إلى المستشفى إثر تعرضه لوعكة صحية.
وقد سرى منذ أيام خبر وفاة الرئيس الأسبق زين العابدين، سريان النار في الهشيم؛ حيث نشر محاميه في تونس منير بن صالحة، تحديثة نصها: “الرئيس ابن علي، الشعب التونسي يقول لك شكرًا
إنها نهاية رجل عظيم”. وبعده بدقائق نشرت ابنته نسرين بن علي، بدورها، تحديثة على حسابها عبر “فيسبوك”، نصها: “رسالة أبي: أيها الوطن ناكر للجميل لن أسلمك عظامي”.

تكوين عسكري
ولد زين العابدين بن علي في مدينة حمام سوسة الساحلية بتونس، في الثالث من سبتمبر 1936، في عائلة متواضعة؛ إذ كان والده حارسًا في مرفأ مدينة سوسة.
التحق سنة 1958 بالجيش التونسي الحديث النشأة، آنذاك، وتم اختياره ضمن مجموعة من الضباط الشبان للالتحاق بمدرسة “سان سير” العسكرية الفرنسية؛ لتكوين النواة الأولى للجيش الوطني التونسي.
اقرأ أيضًا: حركة النهضة تُقر بهزيمتها في الانتخابات الرئاسية التونسية
وبعودته إلى تونس سنة 1964، شغل ابن علي منصب مدير الأمن الوطني لعشر سنوات، ثم صار ملحقًا عسكريًّا في المغرب، ثم في إسبانيا. وتابع ترقيه ليصبح سفيرًا لتونس في بولندا حتى سنة 1984، ثم وزيرًا للداخلية.
تدرَّج في خدمته العسكرية؛ حيث بدأ مرافقًا برتبة جندي في بيت الجنرال علي الكافي بالجيش التونسي، وأبدى إخلاصًا أثار انتباه الجنرال فقرَّبه منه، وزوَّجه ابنته نعيمة.. هذا التقارب فتح أمام الشاب ابن علي أبواب النجاح على مصراعيها؛ فالمكانة المميزة التي كان يحظى بها الكافي في عهد الرئيس الحبيب بورقيبة، مكَّنته من إرسال صهره الذي أصبح ضابطًا في بعثة عسكرية إلى كلية سان سير الراقية في فرنسا؛ للحصول على تدريب عسكري عصري قبل أن يتابع دروسًا في فنون المدفعية في بلدية شالون سور مارن.
اقرأ أيضًا: في انتخابات تونس.. الشعب يعاقب مَن خان أحلامه
وتواصل دعم والد زوجته له بعد عودته من فرنسا؛ ليدخل إثر ذلك الاستخبارات العسكرية، ثم التحق بدورة عسكرية في المدرسة العسكرية العليا للاستخبارات والأمن في بلتيمور بالولايات المتحدة، وتسلَّم بعد انتهائها الأمن العسكري التونسي.
وفي سنة 1987، أصبح زين العابدين بن علي رئيسًا للوزراء في مرحلة حساسة من تاريخ البلاد التي شهدت، آنذاك، مواجهات دامية مع المعارضة النقابية؛ خصوصًا الإسلامية التي انتهجت المقاومة المسلحة ضد حكومة الحبيب بورقيبة.
اقرأ أيضًا: أصداء هزيمة ميليشيات إخوان ليبيا على إخوان تونس
يقول معاصرون لابن علي: إن قوته الكامنة غير الظاهرة هي التي جعلته بمنأى عن مخاوف بورقيبة؛ حيث لم يرَ فيه تهديدًا لعرشه، وهذا ما جعل الأخير بشخصيته التاريخية كبطل للاستقلال، يرى فيه الرجل القادر على أن يؤمن حكمه.
رئاسته وزواجه الثاني
في السابع من نوفمبر 1987، استند رئيس الحكومة التونسية زين العابدين بن علي، إلى تقرير طبي لأطباء الرئيس الحبيب بورقيبة؛ لإثبات عدم قدرته على تسيير البلاد. وتولى بهذا، بموجب الدستور التونسي، مقاليد الحكم في تونس، في ما تسميه السلطة بـ”الثورة الهادئة”، ويسميه البعض بالانقلاب الطبي.

انتهت حقبة بورقيبة وبدأ عهد ابن علي، الذي طلَّق زوجته الأولى ابنة الجنرال الكافي؛ ليتزوج ليلى الطرابلسي، وما أن استلم فعليًّا مقاليد الحكم حتى بادر إلى وضع إصلاحات “تقدمية” تُحسب له، وجعلت البعض يتحدث عن حلول “الربيع الديمقراطي” بتونس.. فأطلق سراح كثير من المعتقلين السياسيين؛ كزعيم الاتحاد العام التونسي للعمل الحبيب عاشور، وزعيم حركة النهضة الإسلامية راشد الغنوشي، وتصالح مع قيادات من الحركات التونسية المعارضة، وأصدر عديدًا من الإجراءات القانونية المهمة، فألغى الرئاسة مدى الحياة، والخلافة الآلية للسلطة، وعقوبة الأشغال الشاقة، وحدَّد مدة الإيقاف الاحتياطي بأربعة أيام.
كما عزَّز ابن علي وضع المرأة التونسية، وواصل نهج إصلاحات الحبيب بورقيبة لصالح المرأة التونسية؛ فمنحها عديدًا من الامتيازات التي لا تتوافر لنظيرتها في بقية الدول العربية.
نهاية الربيع

ولكن هذه الموجة الليبرالية صاحبتها، وَفق البعض، إجراءات لإحكام السيطرة على الساحة السياسية وتضييق المجال أمام الحريات العامة وتهميش دور المعارضة التي نجح في استمالة بعضها؛ كالحزب الشيوعي التونسي، وتصفية البعض الآخر منها؛ كحركة النهضة الإسلامية.
وخلال الانتخابات التعددية الأولى في تونس التي جَرَت في الثاني من أبريل 1989، حصل نواب الحكومة على كل مقاعد البرلمان، وحصل ابن علي خلال الانتخابات الرئاسية على 99.02 في المئة من أصوات الناخبين.
اقرأ أيضًا: جدل في تونس بعد صدور منشور حكومي يحظر “النقاب” في الأماكن الرسمية
وأمام التهديد الإسلامي، أصدر ابن علي قانونًا ينظم ارتياد المساجد وفرض غلقها خارج أوقات الصلاة، كما منع ارتداء الحجاب في أماكن العمل والدراسة.
وتزايدت ممارسات الرقابة التي تستهدف الصحف التونسية والأجنبية في تونس، فثارت جمعيات حقوق الإنسان على النظام التونسي، منددةً بالظروف التي تمارس فيها حرية التعبير والرقابة على الكتب ومواقع الإنترنت، وشجبت أيضًا إغلاق مواقع للمعارضة.
وفي 2009، بعد انتخابه للمرة الخامسة على التوالي، سمح ابن علي لأقاربه وأصدقائه إنشاء إذاعات وقناة تليفزيونية خاصة موالية لنظامه؛ بينما لم تنجح خططه التنموية في استيعاب أعداد الشبان العاطلين من العمل وتحسين ظروف حياتهم.. فارتفعت نسب البطالة والفقر، وأصبح التونسي يحلم بالهجرة، على غرار شباب الدول العربية المجاورة، إلى أن اشتعل الاحتقان الاجتماعي في سنوات حكمه الأخيرة؛ ليتخذ منحًى تصاعديًّا؛ حتى انفجر في شكل احتجاجات بدأت مطالبةً بتحسين الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية، قبل أن تنتهي بهروب ابن علي إلى السعودية، ودخول تونس مرحلة جديدة.