الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

وفاة أول رئيس لإيران بعد الثورة.. قصة الصراع بين الاعتدال والتشدد

كيوبوست –  منير بن وبر

بعد صراع طويل مع المرض في المنفى، توفي أبو الحسن بني صدر، يوم السبت، عن 88 عاماً. تولَّى أبو الحسن منصب أول رئيس لإيران بعد الثورة الإسلامية عام 1979؛ حيث تولى السلطة في فبراير 1980 بعد فوزه في الانتخابات بأكثر من 75% من الأصوات؛ لكنه سرعان ما وجد نفسه يخوض صراعاً على السلطة مع الفصائل الدينية المتطرفة التي حاول الحد من سلطتها من خلال منح وظائف رئيسية لعلماء ذوي عقلية متحررة.

درس “بني صدر” الدين والاقتصاد في جامعة طهران، وتزعم الحركة الطلابية المناهضة للشاه في أوائل الستينيات، وسُجن مرتَين؛ بسبب أنشطته السياسية. سافر إلى فرنسا في الستينيات واستكمل دراسته في جامعة السوربون في باريس؛ حيث حصل على الدكتوراه ثم عمل بالتدريس في ما بعد. عُرف “بني صدر” كرجل اقتصاد قومي إسلامي متحمس وثوري.

اقرأ أيضاً: فيلمإيران من الجو”.. رحلة في قلب الإمبراطورية الفارسية

في أوائل الستينيات من القرن الماضي، أطلق الشاه محمد رضا بهلوي، برنامج تحديث في إيران عُرف باسم الثورة البيضاء، والتي تضمنت تحرراً متزايداً للمرأة، وتقليص التعليم الديني، وقانون إصلاح زراعي شعبوي أزعج الطبقة الأرستقراطية. أدت تلك السياسات إلى تقليص نفوذ القوى الدينية، كما أثارت استياء المجتمع الإيراني؛ حتى وحَّدت معارضة الحكومة رجال الدين المحافظين والعلمانيين واليساريين، وغيرهم، تحت راية الهوية الشيعية.

كان روح الله الخميني منتقداً صريحاً لبرنامج الشاه؛ وهو ما أدى إلى نفيه إلى العراق، ثم أُجبر على مغادرة العراق إلى فرنسا؛ حيث التقى هناك “أبو الحسن بني صدر” في عام 1978م. قدم أبو الحسن العون للخميني، جنباً إلى جنب مع مجموعة من الأنصار الآخرين الذين عملوا على إعداد خطابات الخميني التي كان يتم إرسالها من فرنسا إلى إيران؛ والتي أدت دوراً بارزاً في تحريض الجماهير الإيرانية ضد الشاه، وخروج المظاهرات الحاشدة، والإضرابات، والاضطرابات المدنية، وقد أفضى ذلك إلى سقوط نظام الشاه وعودة الخميني إلى إيران كزعيم للثورة الإسلامية.

روح الله الخميني وسط أنصاره في إيران.. 1979م- AP

تولى الخميني السيطرة على البلاد في عام 1979م، وعُيِّن بني صدر نائباً لوزير الاقتصاد والمالية، ثم وزيراً للخارجية، ولاحقاً انتُخب كأول رئيس للجمهورية الإسلامية الإيرانية؛ لكن إيران كانت قد شهدت فوضى ملحوظة منذ إعلانها جمهورية إسلامية، حيث تحركت العناصر داخل رجال الدين على الفور لاستبعاد حلفائهم اليساريين والقوميين والمفكرين السابقين من أي مناصب في السلطة في النظام الجديد، وتم فرض العودة إلى القيم الاجتماعية المحافظة. بذلت الميليشيات ورجال الدين الذين دعموها كل جهد لقمع التأثير الثقافي الغربي. تجلت هذه المشاعر المعادية للغرب في نهاية المطاف في الاستيلاء على السفارة الأمريكية في نوفمبر 1979 من قِبل مجموعة من المتظاهرين الإيرانيين؛ للمطالبة بتسليم الشاه، الذي كان في ذلك الوقت يخضع للعلاج الطبي في الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: إيرانيونأمريكيون لبايدن: رئيسي متهم بجرائم ضد الإنسانية وينبغي محاكمته

كان “بني صدر” يشغل وزير الخارجية الإيرانية وقت اندلاع أزمة السفارة الأمريكية. وكانت إيران حينها في خضم صراع سياسي بين اليمين الإسلامي واليسار العلماني، وبين مختلف الشخصيات داخل زمرة المسلمين المحيطة بالزعيم الثوري آية الله الخميني، وقد بدا أن الرهائن وقعوا في مأزق ناتج عن هذا النزاع. بصفته وزيراً للخارجية، أشار أبو الحسن بني صدر إلى أنه سيتم الإفراج عن الرهائن إذا توقفت الولايات المتحدة عن التدخل في الشؤون الإيرانية، وإذا أُعيد الشاه إلى إيران لمحاكمته، وإذا تم الإعلان عن ممتلكات الشاه المسروقة؛ لكن واشنطن لم تستجب لهذه الشروط.

سعى أبو الحسن إلى إنهاء أزمة الرهائن من خلال التفاوض، وكان معارضاً لاحتجاز الرهائن؛ لكنه كان واقعاً تحت ضغوط التيار المتشدد، حتى أُجبر على التنحي عن منصبه من قِبل المحافظين داخل الحكومة الذين شككوا في حماسته الثورية. ومع ذلك، ظل أبو الحسن في مجلس الخميني، وعمل على الدفع إلى تأميم الصناعات الكبرى والممتلكات التجارية الخاصة السابقة للشاه. وفي أوائل عام 1980، بعد أن أصدر الخميني مرسوماً سابقاً يقضي بعدم تولي رجل دين الرئاسة الإيرانية الجديدة، فاز بني صدر بثلاثة أرباع الأصوات وتولَّى المنصب.

“بني صدر” يتحدث إلى حشود في طهران.. 1980م- AP

حاول بني صدر تشكيل حكومة غير دينية، مدفوعاً بتعهد الخميني بأن رجال الدين لا ينبغي أن يتولوا مناصب عليا، وأن يكرسوا وقتهم بدلاً من ذلك لتقديم التوجيه والمشورة للحكومة؛ لكن الخميني لم يفِ بوعده قط، وقد كانت أزمة الرهائن مؤشراً واضحاً على الانقسام الداخلي في طهران بين المعتدلين والمتشددين؛ لذا كان في انتظار بني صدر كفاح مرير مع رجال الدين، حيث كان يتم دفعه لتعيين شخصيات قليلة الكفاءة في مناصب عُليا.

وبالإضافة إلى كل تلك التعقيدات، اندلعت الحرب العراقية- الإيرانية لتضيف المزيد من المصاعب إلى سيرة “أبو الحسن بني صدر”. تكمن جذور الحرب العراقية- الإيرانية في عدد من النزاعات الإقليمية والسياسية والحدودية بين العراق وإيران. كما كان الرئيس العراقي، آنذاك، صدام حسين، قلقاً من محاولات الحكومة الثورية الإسلامية في إيران التحريض على التمرد بين الأغلبية الشيعية في العراق؛ لكن ما شكَّل دافعاً قوياً لدى صدام حسين لإشعال الحرب، هو رغبته في استغلال الفوضى والعزلة الواضحة للحكومة الإيرانية الجديدة، على خلفية الأزمة مع الولايات المتحدة حول استيلاء المسلحين الإيرانيين على السفارة الأمريكية في طهران، وإحباط وحل القوات المسلحة الإيرانية النظامية.

اقرأ أيضاً: العراق يهدر موارده المالية عبر منح الامتيازات لإيران

أثناء الصراع، اشتكى “بني صدر” إلى الخميني من الخطر المتزايد الذي يشكله الوزراء غير الأكفاء في حكومته، والذين تم تعيينهم بضغط من التيار المتشدد. كما عبَّر عن إحباطه بسبب تجاهل تحذيراته من تدهور الاقتصاد، وتجاهل إصراره على ضرورة إعادة تنظيم القوات المسلحة. أغضبت هذه الشكاوى البرلمان الذي يسيطر عليه رجال دين متشددون، وتمت إقالة بني صدر في يونيو 1981؛ بسبب مواقفه تلك، إضافة إلى معارضته وجود رجال دين في النظام السياسي للبلاد، ومعارضته احتجاز إيران رهائن أمريكيين.

كرد فعل على قرار الإقالة، عمل أبو الحسن بني صدر على الاتصال بحركة مجاهدي خلق (مقاتلي الشعب)، وهي جماعة مناهضة للحكومة؛ وهو ما أثار غضب الخميني، وأُمر باعتقاله بتهمة التآمر والخيانة. فرَّ “بني صدر” إلى فرنسا على إثر ذلك، وكوَّن هناك تحالفاً غير متماسك مع زعيم مجاهدي خلق، مسعود رجوي، للإطاحة بنظام الخميني؛ لكن التحالف انهار في عام 1984م نتيجة تعارض أفكار الرجلَين.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج

مقالات ذات صلة