الواجهة الرئيسيةشؤون دولية
وصول الغاز المصري إلى أوروبا يصطدم باعتراضات تركية
تعترض أنقرة على عدم إشراكها في التصور الثلاثي بين القاهرة ونيقوسيا وأثينا بشأن تصدير الغاز إلى أوروبا

كيوبوست
تتعاون اليونان ومصر وقبرص من أجل نقل الغاز المصري إلى اليونان، ومنها إلى أوروبا عبر كابل سيجري إنشاؤه تحت سطح البحر في بنيةٍ تحتية هي الأولى من نوعها بالبحر المتوسط، وفي خطوةٍ ستسهل وصول الغاز المصري إلى أوروبا ليكون منافساً للغاز الروسي الذي يصل إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، من خلال خط أنابيب الغاز “نورد ستريم 2” الذي يخشى سياسيون أوروبيون أن يتم استخدامه كأداة للضغط السياسي في ظل الخلافات الروسية – الأوروبية في عدة قضايا.

وبحث رئيس الوزراء اليوناني مشروع خط الغاز الجديد، خلال اجتماعاتٍ مع المسؤولين الأوروبيين، بعد مناقشتها على أعلى مستوى في القمة الثلاثية التاسعة التي عقدت بين قادة مصر واليونان وقبرص، في أثينا الأسبوع الماضي، ضمن الآلية الثلاثية بين البلدان الثلاثة، في وقتٍ ندَّدت فيه تركيا بالاجتماع الذي ناقش بخلاف الغاز الربط الكهربائي.
تتجه أوروبا لزيادة استخدام الطاقة النظيفة، ومن بينها الغاز بحسب الدكتور عبد اللطيف درويش؛ أستاذ الاقتصاد وإدارة الأزمات بجامعة كارديف البريطانية الذي يقول لـ”كيوبوست” إن وصول الغاز المصري إلى اليونان يمكن أن يكون بوابة إلى أوروبا لتزويدها بالغاز عبر استكمال الأنابيب الخاصة بالمشروع لاحقاً إلى دولٍ أخرى، لافتاً إلى أن الغاز المصري سيكسر الاحتكار الروسي لتصدير الغاز، وسيزيد من المصالح المشتركة القوية بالأساس بين مصر ودول الاتحاد الأوروبي.
وبحسب وكالة بلومبرج، فإن أوروبا اشترت خلال عام 2017 غازاً روسياً بقيمةٍ تصل إلى 38 مليار دولار في وقت يمثل فيه الغاز الروسي نحو ثلث إمدادات أوروبا من الطاقة، وسط مخاوف من أن يكون حلفاء واشنطن أكثر عرضة للضغط الروسي، خاصة بعد أن قامت موسكو في وقتٍ سابق بوقف إمدادات الغاز عن سلوفاكيا، وبعض دول البلقان، عامي 2006 و2009 نتيجة خلاف حول تسعير الغاز.
يقول درويش إن ثمة فوائد اقتصادية لمصر واليونان وقبرص من التعاون في هذا المجال، خاصة في ظل الاتفاقيات التي جرى توقيعها لترسيم الحدود البحرية، والتوافق بين البلدان الثلاثة في جميع الملفات تقريباً بما يسمح بمزيدٍ من التعاون المشترك من أجل تحسين الوضع الاقتصادي، واستغلال الموارد الطبيعية بصورة أفضل.
اقرأ أيضًا: تركيا تعبث بالقانون الدولي في غاز المتوسط

يدعم هذا الرأي، الكاتب والباحث المصري جمال رائف الذي يقول لـ”كيوبوست” إن الآلية الثلاثية بين الدول الثلاث تُعتبر من المكاسب الاقليمية المهمة في الفترة الأخيرة، في ظلِّ سعي البلدان الثلاثة للتعاون والتكامل، وترسيخ السلام، مشيراً إلى أن الأمر لا يقتصر على مكاسب اقتصادية فقط من تصدير الغاز المصري إلى أوروبا، ولكن أيضاً هناك مكاسب سياسية وسعي نحو تحقيق الاستقرار.
وبحسب تصريحات الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، فإن خط الغاز المقترح إنشاؤه يعتمد على خط أنابيب بحري لنقل الغاز الطبيعي من حقل “فروديت” القبرصي إلى محطتي الإسالة المصريتيين بدمياط وإدكو، تمهيداً لتوريد الغاز المسال من مصر إلى اليونان، ومنها لاحقاً إلى كثيرٍ من الدول الأوروبية.

لكن المشروع الجديد للغاز يحظى بمعارضةٍ تركية عبرت عنها وزارة الخارجية في بيانٍ رسمي، أكدت فيه أنه لا يمكن أن يُكتب النجاح لأي مبادرة بمعزل عن تركيا وجمهورية شمال قبرص التركية في شرق المتوسط، معتبرة الاتفاق الثلاثي بمثابة مثال جديد على السياسة العدائية التي ينتهجها الثنائي اليوناني – القبرصي ضد تركيا وقبرص التركية، مع اعتبار أن مصر لم تدرك بعدُ العنوان الحقيقي الذي يمكنها أن تتعاون معه شرق المتوسط، بحسب البيان.
ونقلت وكالة الأنباء اليونانية عن مصادر دبلوماسية تأكيدها أن التصريحات التركية غير مقبولة واستفزازية، وتتضمن تهديداً بالحرب إذا مارست أثينا حقوقها القانونية؛ الأمر الذي يُعتبر انتهاكاً للسيادة اليونانية غير مقبول، فيما تحدثت قبرص عن عدم التزام تركيا بالقرارات الدولية.

يؤكد عبد اللطيف درويش أن الموقف التركي متسق مع استمرار الخلافات التركية اليونانية القبرصية، في ظلِّ عدم التوافق على الحدود البحرية وقواعد ترسيم الحدود، فضلاً عن مشكلة العزلة التي تشعر بها تركيا نتيجة غيابها عن منتدى غاز شرق المتوسط لذا ستعمل على عرقلة الاتفاق حول إمدادات الغاز المصري بأوروبا.
اقرأ أيضاً: الحشود في شرق المتوسط تستحضر برنامجاً عسكرياً جديداً في اليونان
وأوضح أن تركيا قد تلجأ إلى ممارسة ضغوطٍ على أوروبا بشكل عام بملف اللاجئين، وعلى تركيا وقبرص بشكل خاص، من خلال تحركات السفن الاستشكافية في المنطقة للتنقيب عن الغاز، بجانب المناورات العسكرية التي تجريها في المتوسط، مشيراً إلى أن أنقرة ستعمل على خلق حالةٍ من عدم الاستقرار تجعل هناك نفوراً من الشركات العالمية عن الاستثمار في استخراج الغاز من شرق المتوسط، لكون استثمارات التنقيب والاستخراج تتكلف مليارات الدولارات، وتتطلب بيئة مستقرة سياسياً.
سياسي تركي تحدث لـ”كيوبوست”، شريطة عدم ذكر اسمه، تحدث عن وجود تفاؤلٍ تركي واضح بأن يكون التحرك في مسألة تصدير الغاز إلى أوروبا أحد الملفات التي يمكن من خلالها تحقيق عائد اقتصادي يساعد على تعافي الاقتصاد التركي، مشيراً إلى أن الرئيس أردوغان لديه إصرار على الانخراط في مسألة ثروات المتوسط الكامنة؛ باعتبارها أحد أهم الموارد المالية التي سيعتمد عليها في المستقبل، سواء بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر، عبر استخدامها كورقة ضغط للموافقة على الاقتراضات التي يُتوقع أن تطلبها الحكومة التركية من المنظمات الدولية قريباً.