الواجهة الرئيسيةشؤون خليجية
وزير الشؤون الإسلامية السعودي: أم كلثوم أولى بـ”الذوق الرفيع” من سيد قطب
ولد الددو الموريتاني لا يستحق لقب الشيخ

كيو بوست – الرياض
قال وزير الشؤون الإسلامية السعودي عبد اللطيف آل الشيخ إن أم كلثوم وفريد الأطرش أولى بوصف “الذوق الرفيع” من أسلوب ومؤلفات سيد قطب، وقال إن ولد الددو الموريتاني لا يستحق وصف “الشيخ”.
خلف طاولة عريضة تزين خلفيتها النقوش الإسلامية، وأمام لوحة تعريفية صغيرة بيضاء كُتب عليها اسمه ومنصبه، جلس وزير الشؤون الإسلامية والدعوة والإرشاد السعودي عبد اللطيف بن عبد العزيز آل الشيخ لمناقشة رسالة لأحد طلاب الدراسات العليا بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية في الرياض، مفتتحًا حصته في النقاش بالتوقف عند السطر “الرابع عشر”، طالبًا من الباحث أن يقرأ إلى أن ذكر اسم الموريتاني (محمد الحسن ولد الددو الشنقيطي)، فقاطعه الوزير معترضًا على تسميته بالشيخ، مقترحًا وصفًا يمثل شتيمة تليق بولد الددو، حسب آل الشيخ. ورغم هذه الشتيمة المتعمدة، إلا أن الوزير السعودي اعتذر من الحاضرين عن هذا التعبير، مبررًا ذلك بأن هؤلاء “المنتمين لجماعة الإخوان المسلمين” ليسوا أكفّاء لمنحهم الألقاب المتداولة في أوساط المشيخة والعلم.
اقرأ أيضًا: تعيين الوزير السعودي آل الشيخ: مرحلة الخلاص مما قوّض المملكة
ولد الددو هو فقيه موريتاني من أبرز منظري الإخوان المسلمين، وقد عاش في السعودية منذ نهاية الثمانينيات حتى أوائل التسعينيات من القرن المنصرم، وكان قد ناقش رسالته عن “مخاطبات القضاة” في الفقه الإسلامي في جامعة الإمام محمد بن سعود في الرياض، وأشرف على مناقشته عدد من كبار العلماء والقضاة السعوديين، على رأسهم الرئيس السابق لمجلس القضاء الأعلى صالح اللحيدان. وقضى الددو سنوات في الرياض محتكًا بالحركيين السعوديين من الإخوان المسلمين وذوي الميول الجهادية، وعقد لهم دروسًا خاصة في الأصول والحديث. ومع موجة الاضطرابات التي عمت العالم العربي منذ بدايات 2011، انخرط الددو في الترويج لأجندة الإخوان المسلمين، واتخذ مواقف مناوئة للسعودية والإمارات وللنظام المصري بعد سقوط حكم الإخوان، وأصبح ضيفًا دائمًا على برامج قناة الجزيرة القطرية.
وفي مقطع الفيديو المشار إليه، انتقد الوزير آل الشيخ وصف الباحث لسيد قطب بـ”الأستاذ صاحب الذوق الأدبي الرفيع”، قائلًا: “وصفت من وصفت بالأستاذ، وهو إرهابي كبير جدًا… خبيث مخبث ورّث للأمة شرًا مستطيرًا، فرّق الكلمة وفتن الناس… أهل البدع لا يلقبون بألقاب الأسوياء والأخيار”.
وتعيش السعودية منذ تولي الملك سلمان الحكم في يناير/كانون الثاني 2015 عهدًا من الإصلاح والانفتاح، عنوانها العريض “تدمير” ثقافة التطرف التي أسهم الإخوان المسلمون -لعقود- في ترسيخها في المجتمع السعودي، كما جاء في تصريح لولي العهد الأمير محمد بن سلمان.
وكانت مؤلفات سيد قطب وأفكاره محل الرواج والقبول في المملكة العربية السعودية حتى أوائل تسعينيات القرن الماضي، حيث دار جدل كبير عن تأثير مؤلفاته وأفكاره في انتشار التطرف وتكفير الحكومات والمجتمعات؛ كونها مثلت إلهامًا لكل منظري الجهادية والإرهاب في العالم الإسلامي، وخلقت هالة من السحب المظلمة في سماء الثقافة السعودية وتربيتها الدينية سنوات طوال، وكانت مؤلفات أخيه محمد قطب ضمن مقررات التعليم في السعودية حتى أوائل تسعينيات القرن الماضي.
وبعد صدور حكم الإعدام بحق سيد قطب منتصف الستينيات، سعت السعودية مع دول عربية وإسلامية أخرى للحيلولة دون تنفيذ الحكم، وقام كبار علماء الدين السعوديين بكتابة خطابات تشفع ووساطة إلى الرئيس المصري جمال عبد الناصر. وفي أغسطس/آب 1966، نفذ حكم الإعدام في سيد قطب. وفي العام نفسه، أعادت مجلة الجامعة الإسلامية نشر عدد من مقالات سيد قطب. وتأسست الجامعة الإسلامية في المدينة المنورة عام 1961 برئاسة المفتي محمد بن إبراهيم، وتولى إدارتها الشيخ عبد العزيز بن باز الذي أصبح في العام 1975 رئيسًا للإفتاء في البلاد.
اقرأ أيضًا: خبراء يشرحون: إلى أين انتهى تيار الصحوة في السعودية؟
وأطلقت وزارة المعارف (التربية والتعليم لاحقًا) في العام الذي أعدم فيه قطب اسمه على مدرسة في وسط السعودية، وبعد أحداث التمرد والمسيرات التي شهدتها المملكة بتحريض من رموز الإسلام السياسي في العام 1994، أزيل اسم قطب ووضع بدلًا منه اسم أحد رواد التعليم في المملكة. وحتى العام 1994، كان “ظلال القرآن” لسيد قطب ضمن مجموعات الكتب المتاحة للقراءة في سجون المباحث السعودية.
واعترض آل الشيخ في تعليقه في الفيديو المشار إليه على وصف سيد قطب بصاحب الذوق الأدبي الرفيع معللًا ذلك بأنه “لو كان لعبد الحليم حافظ أو فريد الأطرش أو أم كلثوم لمررناه، أما هو (سيد قطب) فليس لديه ذوق ولا يحسّن له” .
وتبدو مقارنة الأسلوب الذي عرف به سيد قطب بالمستوى الفني الرفيع لأم كلثوم وعبد الحليم حافظ مقارنة غير موفقة؛ إذ إن الصحيح مقارنة أسلوب كتابة سيد قطب بكبار الكتاب الأدباء العرب من زملائه ومعاصريه كالعقاد أو الرافعي أو نجيب محفوظ أو عبد الله القصيمي الذي عرفه سيد قطب في القاهرة أواخر الأربعينيات بعد صدور كتابه “هذه هي الأغلال”، وكتب قطب عن لقائه به.
إلا أن الإثارة في تعليق آل الشيخ -الذي أحدث جدلًا واسعًا على شبكات التواصل الاجتماعي والمواقع الإخبارية على الإنترنت- تكمن في خرقه لتقليد عريق في ناموس المشيخية السعودية، إذ إنها تكاد تكون المرة الأولى في التاريخ السعودي من عالم دين ووزير أهم مؤسسة دينية سعودية يذكر فيها أسماء الفنانين في سياق المديح غير مصحوبة بالذم أو التفسيق والتحريم. فمجرد ذكر أسماء الفنانين حتى في سياق الذم يعتبر مما يجب أن يترفع عنه الفقيه، إذ يكفي التلميح أو التعميم بدلًا من تحديد الأسماء.
اقرأ أيضًا: إصلاحات السعودية: رؤية متكاملة نحو التنمية المستدامة
وكان سيد قطب في الأربعينيات من القرن الماضي قبل تحوله إلى الإسلاموية ضمن الكتاب العشرة الكبار في مجلة الرسالة التي أسسها الأديب المصري أحمد حسن الزيات. وبعد صدور كتابه “التصوير الفني في القرآن”، حظي الكتاب بإشادة من أدباء مصريين، ولكنه لم يحظ باعتراف كبار الكتاب والأدباء، رغم شكاويه المتكررة والمرارة التي كان يفصح عنها لأقرب الناس إليه.
وبعد اعتناقه فكر الإخوان المسلمين نهاية الأربعينيات، سعى قطب إلى أن يكون منظرًا للإسلام السياسي، منتهجًا طريقًا مناقضًا عن ماضيه، مستلهمًا تعاليم حسن البنا. وكان متحالفًا وواحدًا من الملهمين للضباط الأحرار في “ثورة يوليو”، ولكن علاقته ساءت إلى حد كبير بعد ذلك، بسبب ما قوبل به من إهمال، ولتورطه لاحقًا في تأسيس تنظيم سري مسلح لشن عمليات الاغتيال والقيام بالتفجيرات، في سعي للإطاحة بحكم العسكر، الأمر الذي سجن لأجله أكثر من مرة حتى أوصلته مطامحه إلى حبل المشنقة.
وعُرف عن الوزير آل الشيخ آراؤه الصريحة الرافضة لفكر جماعة “الإخوان المسلمين”، وللصحويين السعوديين المعروفين بـ”السرورية”، ورموزهما.
وكان آل الشيخ رئيسًا لهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قرابة سنتين في أواخر عهد الملك عبد الله بن عبد العزيز، وصرح مرارًا باختراق الإخوان المسلمين للهيئة، مؤكدًا أن الجهاز كان يدار فعليًا من خارجه من أعضاء منتمين لجماعة الإخوان المسلمين يعتمدون على إثارة الشغب، والإساءة إليه (حين كان رئيسًا للجهاز)، والتجسس عليه، وعرقلة بعض القرارات الإصلاحية بتحريض الموظفين والأعضاء الميدانيين، الأمر الذي سبب نقمة المجتمع على الهيئة. ولكن مساعيه الإصلاحية بسبب صراحته وصدامه للشخصيات النافذة داخل الهيئة باءت بالفشل، فأعفي بعدها من العاهل السعودي الملك سلمان في أول تشكيل وزاري.
اقرأ أيضًا: صحف غربية تجيب: ما السرّ وراء الترحيب السعودي الشعبي بالإصلاحات؟
وفي يونيو/حزيران 2018، عين الملك سلمان بن عبد العزيز آلَ الشيخ وزيرًا للشؤون الإسلامية، وبدأ فصل جديد عنوانه العريض تنظيف الوزارة وإداراتها ومناشطها ومساجدها ومنابرها من الآثار المدمرة لعقود طويلة عشش فيها الإخوان المسلمون، وحولوا الوزارة إلى أحد أهم معاقلهم بعد وزارة التربية والتعليم.
وسبق لآل الشيخ أن صرّح بأن التنظيمات الإرهابية كـ”القاعدة وداعش والنصرة وغيرها” قد خرجت من عباءة جماعة الإخوان المسلمين التي هي خارجة أصلًا عن حدود الدين وقيم المجتمع، كما أكد في مقطع فيديو نشر قبل أعوام عدة أن كل مصيبة تحصل في المجتمعات والدول الإسلامية يقف خلفها “الإخوان المسلمون”، فهم الذين أشعلوا نار الشر في سوريا -البلد المعطاء- رجالًا ونساء وأرضًا، و”ما استخدمه الرئيس السوري من أعمال أهون شرًا مما فعله الإخوان المسلمون بسوريا والسوريين”.
حمل تطبيق كيو بوست على هاتفك الآن، من هنا