الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
وزيرة الإعلام اللبناني لـ”كيوبوست”: كل شخص أخل بأموال الشعب سيحاسب!
د.منال عبدالصمد تحدثت في مقابلة خاصة عن رؤية الحكومة اللبنانية للإصلاح.. مشددة على أن لبنان لن يستغني يوماً عن محيطه العربي والخليجي

كيوبوست
من أروقة الجامعة الأمريكية ببيروت، انتقلت الدكتورة منال عبدالصمد إلى صفوف حكومة حسان دياب؛ لتصبح وزيرةً للإعلام وناطقةً رسمية باسم الحكومة، وحتى مع بعض الردود التي يبدو جلياً عدم حماستها لها، فإن الوزيرة اللبنانية تدافع عن القرارات المتخذة باعتبارها معبرة عن الموقف الرسمي للحكومة أمام وسائل الإعلام المختلفة.
في مقابلةٍ خاصة مع “كيوبوست”، تحدثت الدكتورة عبدالصمد عن قضايا عديدة مرتبطة بالاقتصاد والسياسة، مؤكدة أن موارد بلادها لا تكفي لبلدَين، في إشارة إلى تأكيد دعم الحكومة اللبنانية عمليات التهريب التي تتم إلى سوريا.
> لماذا لم تقدم الحكومة اللبنانية حتى اليوم حلاً للأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تعصف بالبلاد؟
– الأزمة المالية منقسمة إلى شقَّين رئيسَين؛ الأول خاص بالسياسية النقدية، وهي حصراً بيد حاكم مصرف لبنان؛ فهو يقترح السياسات النقدية ويعتمدها ويطبقها، وهذه السياسة راهناً يتم فيها ضخ العملة الصعبة بالأسواق وتحديد سعر الفائدة على الليرة. اليوم نحن لدينا نقص في الدولار، وتراجع احتياطات مصرف لبنان هو السبب الرئيسي في عدم تسديد الديون في موعدها، وهناك ضغوط على سعر الصرف؛ لأن لدينا 19 تريليون ليرة لبنانية موجودة في الأسواق، مما يساعد على انخفاض قيمة العملة بسبب العرض الزائد من العملة الوطنية والناجم عن طبع العملة في كل مرة يكون فيها إنفاق حكومي، وبالتالي فحجم الليرة الموجودة بالأسواق لا يوازي حجم الدولار، والمصرف المركزي يعمل على هذا الموضوع، ويقوم بفتح اعتمادات لاستيراد السلع الأساسية، والدولارات التي يقوم بضخها إلى الصرافين المعتمدين للتعامل وَفق الآليات المقرة والمعلنة.
اقرأ أيضًا: “لبنان يقايض”.. هكذا يحاول اللبنانيون التغلب على أزمتهم الخانقة
أما الشق الثاني فمرتبط بالسياسية المالية؛ وهي التي تقرها الحكومة ومرتبطة بمصاريفها، وقد عملنا على خفض الإنفاق وزيادة الإيرادات لتحقيق التوازن، ونعمل على تشجيع الصناعة والإنتاج والتصدير، مع الاعتماد على المنتج المحلي قدر الإمكان وتقليص الاستيراد.
> لكن الحكومة تواجه انتقادات داخلية وخارجية في ما يتعلق بسياستها المالية؟
– نحاول العمل بسرعة قدر الإمكان على جميع التفاصيل؛ فنعمل مثلاً على تأمين الإيرادات الأساسية، وترشيد الإنفاق بالدرجة الأولى عبر مكافحة الفساد بأكثر من مجال، وكل وزارة أو مؤسسة تعمل على اتخاذ تدابير تتناسب مع الوضع الحالي، كما نعمل على التدقيق الضريبي لجميع المتعاهدين المتعاقدين معها، بالإضافة إلى إحصاء حسابات كبار الموظفين وبيان حالات الإثراء غير المشروع؛ لإحالتها إلى القضاء والجهات المختصة، فضلاً عن التواصل المستمر مع صندوق النقد الدولي.
> لكن هناك انتقادات من الصندوق لوجود أرقام متضاربة من الجهات اللبنانية المعنية في التفاوض، عن أي مبالغ نتحدث حتى اليوم؟
– وزير المالية طمأننا مؤخراً في مجلس الوزراء بأخبار إيجابية حول استكمال المفاوضات، وأهمية المفاوضات مع صندوق النقد ليس فقط في ما سيجنيه لبنان من قرض يساعد الاقتصاد؛ ولكن في القيمة المعنوية والثقة التي سيحصل عليها الاقتصاد اللبناني بما يؤهل الدولة اللبنانية للحصول على مزيد من المساعدات.
> شاهدنا تبادلاً للاتهامات بين حاكم مصرف لبنان ورئيس الحكومة بشأن وضع الليرة وسعر صرفها غير الرسمي، فهل تم إنهاء الخلاف؟
– وصلنا اليوم إلى مرحلة أدرك فيها الجميع خطورة الموقف، والجميع يتعاون لنستطيع الخروج من الأزمة الحالية. وحسب قانون النقد والتسليف، فإن حاكم مصرف لبنان هو المسؤول عن السياسة النقدية، والتي تهدف إلى المساهمة في تعزيز وضع العملة، وتم اتخاذ مجموعة إجراءات في هذا الصدد، وهناك اجتماعات تنسيق دائمة، والسياسة النقدية لكي تنجح لا بد أن تستكمل بسياسة مالية من الدولة؛ وهو ما أصبح يحدث الآن.

> لكن التنسيق يبدو غائباً حتى اليوم في ظل وجود رقمين لتقدير الخسائر؛ الأمر الذي يعرقل الوصول إلى أي اتفاقات مع صندوق النقد الدولي؟
– حالياً لا يزال هناك خلاف؛ لأن وجود رقمين يأتي معبراً عن وجود رؤيتين للتقييم، وهو ما عرقل التفاوض بالفعل كما ذكرت؛ لأن الصندوق يطلب منا شرطين أساسيين، أولهما توحيد الأرقام، والثاني هو إجراء إصلاحات اقتصادية، وتوحيد الأرقام أمر سيمكن تحقيقه بتقديم تنازلات من الطرفين؛ لأن المسؤولية مشتركة بين الحكومة ومصرف لبنان والمصارف المركزية، ومن الضروري على كل طرف تقديم تنازلات؛ لأن ما وصلنا إليه أيضاً هو مسؤولية مشتركة، والتنازلات التي ستقدم ستكون أساس الوصول إلى خطة تراعي الطرفين ولا تلحق الضرر بفئة دون الأخرى، واليوم البرلمان دخل على الخط عبر لجنة تقوم بدراسة المسألة.
> وبالنسبة إلى إجراء الإصلاحات الاقتصادية؟
– نقوم بضغوط في هذا الأمر بالفعل؛ لكن الإصلاح لا يقتصر فقط على الحكومة بل على القضاء ومختلف الجهات، فجزء من الإصلاح يتمثل في المحافظة على استقلال القضاء واستكمال التحقيق في الملفات حتى نهايتها من دون انحياز سوى للوطن، وهناك مجموعة مشروعات قوانين تساعد في تسريع وتيرة الإصلاح أمام مجلس النواب ينتظر إقرارها، وهناك نقطة مهمة لا يتم تسليط الضوء عليها في هذا السياق و تعتبر عائقاً رئيسياً؛ فهي مرتبطة بوجود موظفين في مناصب كبيرة بالوزارات جرى تعيينهم على أسس سياسية، وفعلياً ولاؤهم لمَن قام بتعيينهم، الأمر الذي يعيق تسريع الوتيرة، وما نعمل عليه هو محاسبة الجميع بلا استثناء، فالمحاسبة لن تطول صغار الموظفين فقط؛ ولكن ستطول جميع مَن تورط في الفساد، وجزء كبير من العبء سيكون على الأجهزة الرقابية.

اقرأ أيضًا: أزمة الدولار في السوق اللبنانية تتصاعد.. ومصرف بيروت يسدد الديون
> لكن الحكومة اللبنانية تُتهم بعدم جديتها في هذا الملف؟
– نعمل على وجود رقابة مسبقة فاعلة ورقابة لاحقة، ومعالجة الخلل الموجود منذ سنوات؛ وهو ما حدث مؤخراً على سبيل المثال في مسألة تعيين مجلس إدارة لمؤسسة كهرباء لبنان، وسيتم تدقيق أعمالها عن الفترة الماضية؛ خصوصاً أنها تكلف الدولة مليارَي دولار في السنة، والتدقيق سيكون على مصرف لبنان وجميع المؤسسات الرئيسية؛ ومن بينها الجمارك، حتى نعرف أين ذهبت وستذهب الأموال.
> وجدنا تصريحات سياسية تتحدث عن التوجه نحو الشرق وتغيير وجهة لبنان بشكل كامل في العلاقات الدولية؟
– كما نعرف دائماً الاقتصاد مرتبط بالسياسة، وعندما نفكر في أي قرار اقتصادي نفكر في أبعاده السياسية ومدى اتساقها مع مصالحنا، ولبنان سيظل منفتحاً على الجميع، ولا يمكن أن نقبل الاتجاه إلى جهة معينة دون أخرى؛ خصوصاً إذا كان للموضوع أبعاد سياسية يمكن أن تشكل ضرراً على لبنان، فالحكومة الحالية شعارها “لبنان أولاً”، ويهمنا أن تكون بلادنا بعيدة عن أي تجاذبات سياسية لا تخدمنا وتنعكس سلباً عليها؛ سواء على المدى القصير أو حتى البعيد، أو حتى تسبب ضرراً لجيراننا.

> كيف تنظرون إلى الموقف الفرنسي من لبنان في ظل الظروف الحالية؟
– فرنسا ربطت مساعدة لبنان بالإصلاحات، ونحن أيضاً نتفق على هذا العمل، واليوم هناك اتفاق بيننا ليس فقط مع فرنسا؛ ولكن مع مختلف الجهات والدول حول أن الإصلاح سيكون أول شيء يجب القيام به، من أجل كسب ثقة المجتمع الدولي؛ لتعود الاستثمارات والمساعدات الخارجية، وقد بدأنا بالفعل في الإصلاحات؛ لكنها تتطلب إجراءات نعمل عليها راهناً. يمكن القول إننا بدأنا السير على الطريق الصحيح، ووضعنا الخطوط العريضة، ويتبقى التنفيذ الكامل فقط.
> متى يمكن أن يتحقق التنفيذ؟
– ثمة قرارات اتخذت سواء بالتعاقد مع جهات التدقيق الأجنبية أو تعيين مجلس إدارة كهرباء لبنان، صحيح أن بعض الأمور تأخرت بسبب أزمة فيروس كورونا؛ لكن نحن مستمرون في العمل، فضلاً عن التدقيقات الجنائية التي يجري العمل فيها، فنحن نعمل على رد أموال الدولة التي تم الحصول عليها بطريقة غير مشروعة؛ سواء في الأملاك البحرية أو غيرها.
> رئيس الحكومة حسان دياب ألمح أكثر من مرة إلى محاسبة لرؤساء حكومات ووزراء سابقين، فما آلية هذا الأمر؟
– عمليات التدقيق هي التي ستحدد مسؤولية كل شخص وجهة، وبالنسبة إلى المحاسبة فهذا الأمر يتطلب تفعيل دور المجلس الأعلى لمحاكمة الرؤساء والوزراء، فكل شخص أخلّ بأموال الشعب لا بد أن يُحاسب، وهناك دور منوط بالهيئة الوطنية لمكافحة الفساد في هذا الأمر.

> تُتهم الحكومة اللبنانية الحالية بعدم قدرتها على اتخاذ القرار بشكل مستقل، وأنها حكومة لون واحد تعبر عن “حزب الله” والتيار الوطني الحر؟
– وفقاً للقانون عند حضور رئيس الجمهورية لاجتماع مجلس الوزراء، لا يكون له حق التصويت على القرارات، وكوزراء يقوم كل شخص بإبداء رأيه ويسجل موقفه، والرئيس يتدخل أحياناً بالنقاش؛ لكن عند اتخاذ القرار يكون كل وزير حراً في إبداء رأيه؛ فتمرير القرارات يتم بالأغلبية عدا بعض القرارات التي تتطلب الثلثين وفقاً للقانون؛ فالقرارات داخل الحكومة تتخذ بشكل ديمقراطي حتى اليوم، والحكومة لا تعبر سوى عن لبنان.
> برأيك، هل هناك ضغوط تُمارس على الحكومة الحالية لإفشالها كما يلمح رئيس الوزراء بشكل مستمر في مؤتمراته الصحفية؟
– لا يوجد شك في أن هناك ضغوطاً كثيرة علينا؛ سواء جهات داخلية وخارجية، وبعضها جهات إعلامية؛ فأحيانا يكون هناك تعتيم على بعض الأمور والتركيز على وقائع أخرى لا تخدم المصلحة اللبنانية، وما نحاول العمل عليه راهناً هو تحقيق الحيادية في أي قرار يتم اتخاذه للحفاظ على هوية لبنان؛ خصوصاً أن هناك بعض الأمور التي لم تكن في محلها، وفي بعض المواقف حرصنا على الخروج للرأي العام وتوضيح موقفنا مثلما حدث في مسألة السفيرة الأمريكية، كما أننا نحرص على توضيح أي شيء يكون به خروج عن حرية الرأي والتعبير.
> لكنَّ كثيراً من المتابعين اعتبروا موقف رئيس الحكومة من أزمته مع الجامعة الأمريكية ومطالبته بسداد مستحقاته بالدولار في مصرف أجنبي خارج البلاد يعكس حالة من عدم الثقة في الوضع داخل لبنان؟
– من الضروري أن لا نحكم على أمور مرتبطة بتعاقد بين شخص وجهة دون الإلمام الكافي بالموضوع؛ فالعقد هو شريعة المتعاقدين، والبنود يجب أن تطبق من الطرفين وفق الإطار المتفق عليه. وبرأيي لا يوجد ضرورة للتسرع في الحكم دون الاطلاع على التفاصيل كافة؛ لا سيما أنها مسألة شخصية سينظرها القضاء، ولا يجب التعامل معها إعلامياً بشكل يسيء إلى أي من طرفَيها.
اقرأ أيضًا: لبنان يدخل أزمة صرف خانقة مع اختفاء الدولار
> هناك أزمة حادة في قطاع الصحة بسبب سعر الصرف، لماذا لم تتعامل الحكومة معها؟
– ملف الصحة والمستشفيات من الملفات التي لها أولوية على أجندة الحكومة، وهناك متابعة مع وزير الصحة في جميع التفاصيل، وعمليات التدقيق التي تجرى لن تجعلنا نعاني مشكلات؛ خصوصاً أن هناك سعياً لتحقيق الإدارة الرشيدة للموارد، للحفاظ عليها؛ سواء في الصحة أو غيرها من القطاعات.
> هل هناك نية لزيادة الأجور في القطاع الحكومي؛ خصوصاً مع تراجع سعر الصرف الفعلي في التعاملات أمام الدولار؟
– بالتأكيد لا بد أن يكون هناك توازن بين التضخم الذي حدث والأجور؛ لكن حتى الآن ما زلنا في مرحلة غير واضحة الأفق خاصة مع غياب سياسة الفائدة على الليرة، وعند ثبات السياسة المعتمدة والوصول إلى الحلول، سيكون هناك طروحات لتتناسب الأجور مع التضخم، ولن يكون هذا الأمر مرتبطاً بالقطاع العام فقط؛ ولكن أيضاً بالقطاع الخاص الذي ستعود إليه الحركة بشكل كبير، فالدولة اللبنانية عانت توقف الاقتصاد وتراجعه؛ بسبب الأزمات التي حدثت، بالإضافة إلى أزمة فيروس كورونا، الأمر الذي أدى إلى تراجع الإيرادات الضريبية.
> في أول حديث لرئيس الحكومة أعرب عن رغبته في زيارة الخليج، لماذا لم تتم هذه الزيارة حتى اليوم؟
– مثلما ذكرت لك، حدثت بعض الأمور العالقة التي أخَّرت بعض خطط الحكومة، ولبنان لا يمكن أن يستغني عن محيطه العربي، ومن ضمنه دول الخليج بالطبع، وعلى عهدنا الدائم بمد يد العون لنا دوماً من الخليج، وفي الوقت الحالي هناك بوادر إيجابية بشأن العلاقات الثنائية، ومتفائلون بأن يتحسن المناخ للأفضل وأن يحدث انفتاح أكبر.
اقرأ أيضًا: يد “حزب الله” الثقيلة تعزل لبنان عن العالم
> وما موقفكم من العلاقة مع الولايات المتحدة الأمريكية؟
– ينطبق الأمر ذاته على العلاقة مع الولايات المتحدة التي نحرص عليها؛ فواشنطن دائماً ما قدمت مساعدات إلى لبنان، وستظل علاقتنا معها كما هي، ولن نقبل أن يكون هناك ما يشوب هذه العلاقة.
> تواجه الحكومة اللبنانية اتهامات بالتغاضي عن عمليات التهريب لسوريا عبر المعابر غير الشرعية، ما ردك؟
– نعمل في الحكومة بالتنسيق مع وزراتَي الدفاع والداخلية، على الحد من عمليات التهريب؛ ليس فقط عبر المعابر غير الشرعية ولكن أيضاً عبر المعابر الشرعية، من خلال التدقيق في ما يخرج من البلاد كماً ونوعاً وأغراض استخدامه، ونعمل على تزويد النقاط الحدودية بأجهزة مسح؛ حتى تساعد في هذا الأمر، ونعالج مكامن الخلل بشكل سريع، وهناك إجراءات اتخذت بالفعل؛ فالتهريب يضر بالاقتصاد، وموارد لبنان لا تكفي اقتصادَين.
> شائعات وأخبار كثيرة تتردد عن استقالة الحكومة بين يوم وآخر، فلماذا يتم التعامل مع الحكومة الحالية باعتبارها حكومة مؤقتة وليست دائمة؟
– هذا الأمر جزء من “البروباجندا”؛ للتهويل على المواطنين وتخويفهم، ليضغطوا على الحكومة لأسبابٍ معينة، لكن نحن مستمرون في عملنا وفي المهمة الوطنية التي أُسندت إلينا، وسنظل نعمل حتى اليوم الأخير من أجل مصلحة الوطن، ولدينا انفتاح على التواصل مع أي شخص أو جهة قادرة على لعب دور أساسي من أجل مصلحة الوطن، سواء داخل لبنان أو خارجه؛ فباب الحكومة مفتوح لكل من يرغب في خدمة البلد.