الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

وجدي غنيم وحِرفة التكفير المتوارثة

يُعد وجدي غنيم أحد أكثر زعماء جماعة الإخوان المسلمين إثارة للجدل بسبب فتاوى التكفير التي دأب على إصدارها

كيوبوست

أعلنت محكمة جنايات القاهرة إدراج الزعيم في جماعة الإخوان المسلمين وجدي غنيم، في قائمة الإرهاب، وفقاً لما ورد في قرارها المنشور في الجريدة الرسمية، الأحد 12 فبراير الماضي. ومما يترتب على الحكم مصادرة الأموال وسحب جواز السفر أو إلغاؤه. يُذكر أن غنيم محكوم عليه -غيابياً- بالإعدام منذ عام 2017، ويُعتقد أنه يقيم حالياً في تركيا.

يُعد وجدي غنيم أحد أكثر زعماء جماعة الإخوان المسلمين إثارة للجدل؛ حيث عُرف عنه إصدار فتاوى التكفير أكثر من مرة، والتنقل من بلد إلى آخر بسبب رفض العديد منها استقباله أو السماح له بالإقامة على أراضيها. تُشبه حكاية وجدي غنيم حكاية الفضيل الورتلاني، الذي يعد أحد أعلام الإخوان المسلمين الجزائريين من القرن الماضي، والذي قضى سنوات من التيه من بلد لآخر بسبب نشاطه، ومن ذلك المساهمة في ثورة اليمن سنة 1948.

اقرأ أيضاً: تناقضات فتاوى الإخوان.. تكفير “الدولة التونسية” مثالا

وعلى الرغم من أن وجدي غنيم أعلن تجميد عضويته بجماعة الإخوان المسلمين في عام 2017؛ فإنه ظل يمارس فكرها، والدعوة إلى الفكر المتطرف. لغنيم تاريخ طويل من الصراع مع السلطات المصرية وعدة دول أخرى؛ حيث سُجن ثماني مرات داخل مصر، وست مرات خارجها، وهو على قوائم الإرهاب في كل من المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة، كما مُنع من دخول المملكة المتحدة بسبب “تحريضه الآخرين على ارتكاب أعمال إرهابية”.

زعيم فتاوى التكفير

عُرف عن وجدي غنيم إطلاق العديد من فتاوى التكفير؛ منها تكفير الرئيس المصري الأسبق حسني مبارك، والرئيس المصري الحالي عبدالفتاح السيسي. كما كفَّر أيضاً الرئيس التونسي الأسبق الباجي قايد السبسي. مؤخراً، في ديسمبر 2022، أطلق غنيم فتوى وجوب الخروج عن الحكام “الكفرة والفسقة والظلمة”، حسب تعبيره؛ وهي امتداد لفتاويه السابقة.

تحظى خطابات وجدي غنيم بشعبية كبيرة على الإنترنت؛ ففي عام 2017، على سبيل المثال، قال تقرير لصحيفة “الغارديان” البريطانية، إن قناة وجدي غنيم على “يوتيوب” يُقدر أنها تجني أرباحاً تصل إلى 78 ألف دولار، مقابل تشغيل الإعلانات في المحتوى الذي يقدم “دعاية مناهضة للغرب”، ووُصفت قناته بأنها أكثر القنوات المتطرفة استفادة من نظام الإعلانات هذا.

وجدي غنيم في تونس- وسائل التواصل

لكن الأمر لا يتعلق بالشهرة والكسب المالي مقابل خطاب الكراهية لجمهور متعطش للإثارة ومشحون بمشاعر الانتقام؛ بل يتعلق بما يمكن أن يؤدي إليه ذلك النوع من الخطابات من إلهام للمتطرفين بارتكاب جرائم إرهابية، وإثارة الشعوب ضد الدول القائمة بحجة “الكفر”. في الفيديو المنشور مؤخراً، دعا وجدي غنيم إلى “عدم طاعة الحكَّام”، واصفاً إياهم “بالكفرة” ومشككاً في شرعيتهم بحجة أنه تم تعيينهم برغبة “أمريكا وإسرائيل”. 

زعيم منبوذ

منذ ثمانينيات القرن الماضي، يتعرض وجدي غنيم للسجن مراراً وتكراراً؛ مما أدى به في النهاية إلى مغادرة مصر في عام 2001، والتيه حول العالم بحثاً عن وطن يقبله. من بين الدول التي سعى للإقامة فيها، أو إطلاق دعوته منها، المملكة المتحدة والولايات المتحدة وفرنسا وجنوب إفريقيا، أما من الدول العربية فقد اشتملت القائمة على قطر واليمن والجزائر والبحرين.

تم منع وجدي غنيم من دخول عدد من الدول، وترحيله من أخرى، بسبب نشاطه وفتاويه وخطابه التحريضي. في عام 2009، مثلاً، مُنع غنيم من دخول المملكة المتحدة بسبب قلق الحكومة من أنه “يسعى إلى إثارة العنف الإرهابي أو تبريره أو تمجيده” وهو وصف يعني -ببساطة- أن غنيم يحمل فكراً متطرفاً يؤدي إلى الإرهاب ويروج له. كما رُحِّل اختيارياً أيضاً من الولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: أربعة مصطلحات أسَّست مسار التكفير والعنف

وفي عام 2014 أعلن وجدي غنيم وآخرون مغادرتهم قطر بناءً على طلب منها، بعد أن كانوا قد لجؤوا إليها. وفي 2019، صدر قرار من الحكومة التونسية بمنع غنيم من الدخول إلى الأراضي التونسية، بسبب إساءته إلى الرئيس السبسي. ووصفت الحكومة التونسية خطاب غنيم بأنه “سلوك متطرف وعنيف هدفه الإساءة لا إلى الرئيس الراحل فقط، بل الإساءة إلى الدولة التونسية والشعب التونسي كافة”.

كان اليمن من بين المحطات التي مر بها وجدي غنيم أيضاً؛ حيث أقام فيه قرابة العام بتسهيل من الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، ثم غادره بسبب ضغوط مصرية، حسب زعمه. لكن غنيم عاد إلى اليمن من جديد في عام 2011، وهو العام الذي انطلقت فيه ثورة الشباب؛ لكن تم احتجازه في المطار لأنه “غير مرغوب فيه”، ليغادر بعد ذلك إلى ماليزيا. يُعد اليمن من بين البلدان التي عادة ما يلجأ إليها رجال الدين والمتطرفون؛ لاعتقادهم أنها الأرض التي سيخرج منها -نهاية الزمان- جيش ينصر “الله ودينه ورسوله”. 

ليس أول من لفظته الأرض

يعيش الكثير من زعماء الإخوان المسلمين وعناصرها في المنفى منذ عقود، بعضهم ترحل أكثر من مرة بحثاً عن أرض تقبله بأفكاره التي ترفضها الكثير من الشعوب والحكومات. ولوجدي غنيم شبيه له، من حيث الترحال بحثاً مأوى، وهو الجزائري الزعيم في الجماعة، الفضيل الورتلاني.

الفضيل الورتلاني- وسائل التواصل

يعد الورتلاني من زعماء الحركة الإسلامية في الجزائر، وأحد أعضاء الإخوان المسلمين الذين كانوا مقربين من الإمام حسن البنا. خلال مسيرته، تنقل الورتلاني بين عدة دول؛ منها فرنسا التي هُدد فيها بالقتل بسبب نشاطه، وإيطاليا ومصر ولبنان وتركيا. كما مرّ الورتلاني باليمن؛ حيث أسهم بنشاط في ثورة ضد النظام الملكي في اليمن الشمالي في عام 1948. كان الإخوان المسلمون وزعماء تلك المرحلة منهم، كالبنا والورتلاني، يرون اليمن أفضل البلدان العربية لإطلاق دعوة إسلامية صادقة و”إنشاء دولة تحكم بما أنزل الله”. 

لكن دور الورتلاني في ثورة اليمن 1948 جعله منبوذاً؛ حيث حُكم عليه بالإعدام بعد فشل الثورة، وغادر اليمن متستراً، وهام باحثاً عن دولة أوروبية تأويه فلم يجد، كما رفضته جميع الدول العربية، باستثناء لبنان الذي قضى به بعض الوقت. ختم الورتلاني حياته على فراش المرض في تركيا سنة 1987. أما غنيم، فيُعتقد أنه الآن يعيش في تركيا أيضاً، تلاحقه لعنات التكفير والتحريض.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة