الواجهة الرئيسيةثقافة ومعرفة
وثائقي “نقطة التحوُّل: هجمات 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب”
العمل الذي تعرضه منصة نتفليكس جيد للمهتمين من الناحية الوثائقية لكنه يفتقد للمتعة إذا ما نظرنا له من ناحية فنية

كيوبوست- أندرو محسن
كثيرون شاهدوا العديدَ من الأفلام عن الحربين العالميتين، وربما بعض الحروب الأخرى، لكن قليلين من الأجيال الحالية من عاصروها بالفعل، وتابعوا أخبارها، أو ربما تأثروا بها بشكلٍ ملموس. لكن يكفي أن تقول الآن “11 سبتمبر” حتى تجد من يلتفت ويتذكر هذا التاريخ الذي صار يوماً لا يُنسى، تغيَّر العالم من بعده.
رغم أن هجمات الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 وقعت في الولايات المتحدة الأمريكية، فإن الكثير من الدول شعرت بنتائجها، لاسيما في منطقتنا العربية بعد الحرب على العراق التي كانت أيضًا من نتائج السياسات الأمريكية بعد تلك الهجمات.
مسلسل وثائقي جديد على نتفليكس بعنوان “Turning Point: 9/11 and the War on Terror” أو «نقطة التحوُّل: هجمات 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب»؛ يرصد في خمس حلقات الكثيرَ من الحقائق والكواليس التي تم التوصل إليها عن هذا اليوم العصيب في التاريخ المعاصر، وما أدَّى إليه، وكيف أثَّر في العالم خلال عشرين سنة.
ليس لكل المشاهدين
يتابع المسلسل الذي أخرجه بريان نابنبرجر الكثيرَ من الأحداث والشخصيات السياسية، لا يبدأ من 11 سبتمبر فقط، بل منذ قرابة 10 سنوات قبلها، محاولًا رصد ما أدى إلى الوصول إلى هذا اليوم. تعتمد الحلقات على الشكل الكلاسيكي للأفلام التسجيلية، فنجد التعليق الصوتي يصاحبنا أغلب الوقت، بالإضافة إلى اللقاءات التى تُعرف باسم”Talking heads” أو “الرؤوس المتكلمة” والتي نشاهد خلالها الكثير من الشخصيات التي كانت طرفاً بشكل ما في الأحداث، وهي تُدلي بشهادتها عما عاصرته، في الوقت نفسه يعتمد المسلسل على الكثير من الصور والمواد الأرشيفية، مع استخدام بعض لقطات الجرافيك لعرض الخط الزمني للأحداث.
اقرأ أيضًا: The misfits””.. عن جزيرستان والإخوان المسلمين واليد القذرة لأمريكا
رغم هذا الشكل البسيط، فإن الملاحظة الأولى هي أن هذا المسلسل ليس موجهاً للشريحة الأكبر من الجمهور، فبجانب أنه يحتوي على الكثير من المشاهد واللقطات الصادمة، خاصة بالنسبة لمن عايشوا هذه الأحداث بالفعل، نجد أيضًا أنه يعرض -بطبيعة الحال- الكثير من التفاصيل السياسة التي قد يجدها البعض جافة، وتحتاج إلى اهتمامٍ وتركيزٍ عاليين لملاحقة الأحداث. لكن بالنسبة للمشاهد المهتم بالأحداث السياسية، وخاصة بهذه الحادثة الشهيرة فإنه سيجد الكثير مما يجذبه بالتأكيد.

خلال الحلقات التي تتجاوز مدتها الخمس ساعات، يجمع المسلسل الكثير والكثير من التفاصيل، ليصبح هذا العمل بمثابة أرشيفٍ كبير لأحداث وهجمات 11 سبتمبر. يعلم صناع هذا العمل بطبيعة الحال أن هناك الكثير من الأفلام الروائية والوثائقية التي قُدِّمت عن هذا الحادث، وما ترتب عليه، بخلاف الكتابات المختلفة، وبالتالي، كان عليهم أن يصبوا تركيزهم على عامل التميز الأهم في أيديهم وهو الوقت، إذ إن تقديم عمل في عدة حلقات بعد مرور عشرين عاماً على الحادث، بالتأكيد يسمح لهم بطرح جوانب لم تُطرح من قبل، أو إعادة النظر في ما طرح بالفعل.
اقرأ أيضًا: مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي 78.. نتفليكس تنتصر مرة أخرى
على الحياد، تقريباً
قبل التحدث في النقطة التالية، تنبغي الإشارة إلى أن كلَّ عمل فني مسؤول عن وجهة النظر التي يودُّ تقديمها، وبالتالي فلا يمكن أن نطلب من مخرج أو صانع عمل ما أن يلتزم الحياد في ما يقدمه.
مع حساسية القضية التي يقدمها صناع هذا المسلسل، نجدهم يفضلون الالتزام بطرح أكثر من وجهة نظر خلال الأحداث دون أن ينحازوا لواحدة بعينها. نجد هذا بشكل أوضح في الحلقة الثالثة التي تتحدث عن سياسات الاعتقالات ثم التعذيب التي اتبعتها القيادة الأمريكية في الفترة التي تلت 11 سبتمبر، في معتقل غوانتانامو سيئ السمعة؛ إذ يعرض لنا كيف برَّرتِ السياسة الأمريكية ممارسات التعذيب في هذه الفترة تحت مسمى “نظام التحقيق المعزز”، بل ويقدِّم لنا تفاصيلَ عن هذه الممارسات وكيف أمكن للسياسة الأمريكية تمريرها، والتصالح معها، وفي الآن ذاته يقدم الرأي الآخر الذي ينتقدها ويدينها.

لكن هذا الرأي والرأي الآخر، يتراجع بشكلٍ واضح، عندما ينتقل المسلسل للحديث عن الحرب على العراق، على سبيل المثال، فنجد إدانة واضحة لها منذ البداية، لكن الآراء تتضارب عندما يأتي الأمر للحديث عن خارطة الانسحاب التي وضعها الرئيس الأسبق باراك أوباما.
هذه التحليلات المختلفة والمتباينة التي قدمتها حلقات المسلسل، جعلته أكثر ثراءً وربما جعلته قابلاً لإعادة المشاهدة لاحقاً للتوقف عند بعض التفاصيل بعينها.
اقرأ أيضًا: أفضل 50 فيلماً على “نتفليكس” (1- 2)
ما أشبه اليوم بالبارحة
بالتأكيد الغرض الرئيسي لطرح المسلسل في هذا التوقيت هو التأريخ لمرور عشرين عاماً على هذه الهجمات، ولكن المفارقة جعلتها تتزامن أيضاً مع عودة طالبان للسيطرة على زمام الحكم في أفغانستان، مع وجود شبح تنظيم القاعدة، والخوف من عودته مرة أخرى.

تعرض الحلقة الأولى بدايات هذا التنظيم المتطرف، وكيف أن الولايات المتحدة أنفقت ملايين الدولارات، وأمدت طالبان بتسليح كبير لمساعدتهم في طرد الاتحاد السوفيتي من أفغانستان في الثمانينيات، وبعد أن غادر الاتحاد السوفيتي بالفعل سيطرت حركة طالبان على الحكم في أفغانستان، ومعهم ترسانة ضخمة من الأسلحة الأمريكية المتطورة آنذاك، وهو أمر يبدو شديد الشبه بما يحدث حالياً من عودة طالبان للسيطرة على الحكم بعد انسحاب القوات الأمريكية.
اقرأ أيضًا: “نتفليكس” لا تزال في مرحلة التحدي
هذا التكرار أو لنقل التشابه بين ما حدث منذ ثلاثين سنة، وما يحدث الآن، أضفى على المسلسل طابعاً أكثر ثقلاً، وربما أكثر كابوسية، فإن كانت هذه هي المقدمات التي أوصلت إلى 11 سبتمبر، فما الذي يمكن أن يحدث الآن؟
مسلسل «نقطة التحوُّل: هجمات 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب» عمل جيِّد من الناحية الوثائقية، ممتعٌ للمهتمين بالسياسة، لكنه لا يقدِّم نفس المتعة بالتأكيد، إذا نظرنا له من وجهة نظر فنية.