الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

واشنطن تقتل سليماني في العراق.. وإيران تتوعَّد

فتحت الغارة الأمريكية التي استهدفت قائد "فليق القدس" بالحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني احتمالات عديدة للمواجهة الأمريكية- الإيرانية في المنطقة.. وسط ترقُّب لرد الفعل الإيراني الذي اقتصر حتى الآن على التصريحات الحادة فقط

كيوبوست

في ما يعتبر ردًّا سريعًا وحازمًا على اقتحام باحة السفارة الأمريكية في العراق من قِبَل ميليشيات الحشد الشعبي العراقي المدعومة من إيران، نفَّذت القوات الأمريكية غارة جوية استهدفت موكب الجنرال قاسم سليماني، قائد “فيلق القدس” التابع للحرس الثوري، ونائبه أبا مهدي المهندس، بعد وقت قصير من وصولهما إلى بغداد على متن طائرة خاصة.

مسلحون يتبعون ميليشيا الحشد الشعبي – ارشيف

وبينما اكتفى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بالتغريد بصورة العلم الأمريكي عبر حسابه على “تويتر” فور الإعلان عن العملية، قال “البنتاجون”: “إن الجيش نفذ تحركًا دفاعيًّا حاسمًا لحماية الجنود الأمريكيين في الخارج بقتل سليماني، بتوجيه من الرئيس”، مشيرًا إلى أن الضربة تهدف إلى ردع أية خطط إيرانية لشن هجمات في المستقبل.

وقال الرئيس الإيراني حسن روحاني: “إن اغتيال سليماني سيجعل إيران أكثر حزمًا في مقاومتها للولايات المتحدة”، في وقت اختير فيه إسماعيل قاآني خليفةً لسليماني، وهو أحد نوابه، بينما قفزت أسعار النفط بأكثر من 4% فور الإعلان عن العملية التي جرت على طريق مطار بغداد.

شاهد : فيديوغراف: قاسم سليماني يفشل في إحباط حراك العراقيين

خروج أمريكي من العراق

الباحث الأمريكي ويل وينج

الباحث الأمريكي المختص بالشأن العراقي جويل وينج، قال خلال تعليقه لـ”كيوبوست”: “إن سليماني يعتبر شخصية لا يمكن الاستغناء عنها في السياسة الخارجية الإقليمية لإيران؛ حيث شارك في إدارة عدة ملفات مرتبطة بالدول المحيطة بإيران منذ التسعينيات، لكن واقعة الاغتيال تطرح تساؤلات عن إلى أي مدى سيتصاعد الخلاف بين واشنطن وطهران خلال الأيام المقبلة”.

وأضاف وينج: “المواجهة بينهما ليست مباشرة؛ ولكنها عبر بلدان أخرى، بدايةً من سوريا ومرورًا بلبنان والعراق واليمن والسعودية وحتى أفغانستان، بينما العراق اليوم قد يكون نقطة الانطلاق الرئيسية في الرد الإيراني؛ لكنه لن يكون النقطة الوحيدة، خصوصًا أن عملية الاغتيال استهدفت قيادات أخرى في الحشد الشعبي، ولها تأثير في اتخاذ القرارات داخله”.

وأشار الباحث الأمريكي المختص بالشأن العراقي إلى أن إيران لديها عدة خيارات للرد على ما تصفه بالتصعيد الأمريكي؛ بدايةً بضرب مجموعة متنوعة من الأهداف في عدة أماكن بالشرق الأوسط وليس العراق فقط أو الاقتصار بالرد داخل العراق أو التصعيد الأكبر بضرب إسرائيل؛ وهو أقصى ما يمكن أن تستطيع فعله، وستكون هذه المعركة صعبة للغاية.

اقرأ أيضًا: ميليشيات الحشد الشعبي.. دولة إيرانية داخل الدولة العراقية

ولفت وينج إلى أن بعض الموظفين الأمريكيين سيغادرون العراق خوفًا من الانتقام الإيراني، وستسحب الولايات المتحدة بعض موظفيها من بغداد، وبعضهم سيغادر إلى كردستان؛ خصوصًا أن أعداد القوات الأمريكية الموجودة في العراق تم تقليصها العام الماضي، مع نشاط الأعمال العدائية تجاهها من قِبَل إيران وحلفائها، منوهًا بأن هذا الأمر لا يشكل مشكلة للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الراغب في سحب قواته من العراق.

واعتبر الباحث الأمريكي المختص بالشأن العراقي أن نجاح عملية اغتيال سليماني ونائبه تمهِّد للخروج الأمريكي بشكل يظهره منتصرًا، مؤكدًا أن خطوة إرسال تعزيزات إلى السفارة الأمريكية ببغداد بعد محاولة الاعتداء عليها طبيعية وسيتم تدعيمها أكثر بعد استهداف سليماني؛ لكن على المدى المتوسط ستنسحب القوات الأمريكية ويقل عددها عما هي عليه الآن.

المجرم الأكبر

مريم رجوي، القيادية بالمعارضة الإيرانية، وصفت سليماني بأنه أحد أكبر المجرمين في التاريخ الإيراني؛ بضلوعه في قتل مئات الآلاف ليس من الإيرانيين فقط ولكن أيضًا في البلاد المجاورة، مشيرة إلى أنه خطط للمجازر التي ارتكبت ضد منظمة “مجاهدي خلق”.

وأكدت رجوي أن مقتله برفقة نائبه خطوة مهمة في إسقاط نظام الملالي الإيراني وتخلص العراق من نظام الولي الفقيه الذي فُرض عليه، مشددةً على أن مقتل سليماني ضربة لا يمكن تعويضها للنظام الإيراني.

التوقيت المناسب

د.صباح الخزاعي

الباحث العراقي المقيم في لندن د.صباح الخزاعي، قال في تعليق لـ”كيوبوست”: “إن زيارة قاسم سليماني إلى العراق كان هدفها تنفيذ انقلاب شبه عسكري إيراني خلال الأيام المقبلة؛ للانقلاب على الثورة العراقية المستمرة في الشوارع، ومن أجل إعادة رئيس الوزراء المستقيل إلى منصبه”، مؤكدًا أن الأمريكيين أدركوا أهداف الزيارة وقاموا بتنفيذ الضربة الاستباقية في الوقت المناسب.

وأضاف الخزاعي أن تنفيذ العملية في مصلحة العرب بشكل عام والعراق بشكل خاص؛ بعدما كُسرت هيبة الحشد الشعبي والقوات الإيرانية في العراق؛ مما يؤكد أن التغيير في العراق سيكون قادمًا لا محالة؛ حتى لو حاولوا تأخيره مجددًا بعمليات هنا أو هناك في الداخل العراقي، لكن هذه العمليات ستكون تحت السيطرة من القوات العراقية بشكل كامل.

اقرأ أيضًا: تظاهرات العراق.. ساحات حرب على الفساد والتبعية الإيرانية

وأكد الباحث العراقي أن الاحتفالات التي عمَّت الشوارع العراقية لم تعبر عن واقع جميع المدن؛ فهناك فرحة أكبر لدى كثيرين، لكن لم يستطيعوا التعبير عنها علنًا؛ خوفًا من توجيه أعمال انتقامية إليهم أو اتهامات بالخيانة والعمالة كما تفعل إيران دائمًا مع معارضي سياستها.

ولفت الخزاعي إلى أن الإدارة الأمريكية أصبحت تشعر بالغضب من تصرفات طهران التي تجاوزت خطوطها الحمراء؛ خصوصًا في ظل التقارب والتحالف مع روسيا والصين، وهو ما لا يمكن أن تصمت عنه واشنطن، مشيرًا إلى أن ما يحدث من مواجهات هو جزء من خلافات أكبر من كونها قاصرة على التوغل الإيراني في العراق، والذي تم التمهيد له خلال حكم الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما.

اقرأ أيضاً:هل يخترق “الموساد” الإسرائيلي إيران بالفعل؟

زيادة مخاطر

رائد فهمي

النائب المستقيل من البرلمان العراقي والأمين العام للحزب الشيوعي رائد فهمي، قال خلال تعليقه لـ”كيوبوست”: “إن تنفيذ عملية الاغتيال في العراق يمثل انتهاكًا جديدًا للسيادة العراقية من الجانب الأمريكي، وسيدفع البرلمان إلى إعادة النظر في الاتفاقات الأمنية الموقعة مع الدول الأجنبية وليس فقط مع الولايات المتحدة”، مشيرًا إلى أن الحادثة ستدفع البلاد إلى مخاطر عديدة قد لا يمكن معالجة آثارها نظرًا للمسارات المليئة بالمخاطر التي يتوقع أن تعقبها.

وأضاف فهمي أن هناك أزمة في الداخل العراقي بشكل واضح ومطالب شعبية يتم الضغط لتنفيذها، وحوادث الاغتيال الأمريكية تحول العراق إلى ساحة تصفية حسابات بين الولايات المتحدة وإيران؛ وهو ما يزيد الاحتقان بالداخل ويسبب مزيدًا من الضغط على العراق.

وأوضح الأمين العام للحزب الشيوعي أن تداعيات العملية ستؤثر على المنطقة بشكل كامل وليس على العراق فقط، وهو ما يجب النظر إليه، لافتًا إلى أن أي ردود متسرعة من الجانب الإيراني؛ سواء في العراق أو خارجه، ستؤدي بنا إلى نتائج لا يمكن توقعها.

وتابع فهمي بأن الهدف في الوقت الحالي بالنسبة إلى الساسة العراقيين يجب أن يكون التعجيل بتحقيق السيادة الكاملة على الأراضي العراقية، مع حصر السلاح بيد الدولة فقط، ومواجهة ظاهرة انتشار السلاح في الشارع العراقي؛ حتى لا تتحول البلاد إلى ساحة صراع.

اقرأ أيضًا: خبراء يتحدثون إلى “كيوبوست” عن سيناريوهات المواجهة الإيرانية- الأمريكية بالعراق

تحرك دفاعي لا هجومي

د. عبدالله الشمري

الدكتور عبدالله الشمري، الباحث في العلاقات الدولية، قال في تعليق لـ”كيوبوست”: “إن استهداف سليماني في دولة غير إيران يظل إجراءً أمريكيًّا دفاعيًّا وليس هجوميًّا؛ بمعنى أنه وقع خارج الأراضي الإيرانية، وهو ما ظهر بوضوح في البيان الرسمي لوزارة الدفاع الأمريكية”، مشيرًا إلى أن تصفية سليماني رد فعل طبيعي بعد أن تجاوز الخطوط الحمراء الأمريكية، وقبلها الإقليمية، وثبت أنه خطط لمهاجمة دبلوماسيين وعسكريين أمريكيين في العراق ودول أخرى، وكان مسؤولًا عن قتل مئات العسكريين الأمريكيين.

وأضاف الشمري: “وَفق التعريف الأمريكي والإقليمي تمثل قوة القدس في الحرس الثوري نموذجًا لإرهاب الدولة الممول من الميزانية الإيرانية لنشر الفوضى والقتل في مناطق الصراع في الشرق الأوسط؛ خصوصًا العراق وسوريا ولبنان واليمن وغزة، وبالنسبة إلى قاسم سليماني فهو أحد أهم الأسماء المتهمة بالإرهاب لدى الولايات المتحدة الأمريكية، ومن ثَمَّ جاء قرار استهدافه”.

وأكد الباحث في العلاقات الدولية أن ثبوت دور سليماني في استهداف قاعدة أمريكية في العراق نهاية شهر ديسمبر الماضي، وقتل موظفين أمريكيين، ودعم الاعتداء على السفارة الأمريكية في بغداد الذي وقعت هذا الأسبوع، جعلت الصبر الأمريكي ينفد؛ خصوصًا بعد أن قدم سليماني برجلَيه إلى بغداد في وقت كانت تترقبه الولايات المتحدة، بينما كان الإيرانيون مطمئنين للصبر أو العجز الأمريكي الذي ظهر بعد إسقاط طائرة استطلاع أمريكية أو استهداف حقول النفط السعودية في سبتمبر الماضي .

‏ولفت الشمري إلى أهمية تأكيد أنه رغم اتهام واشنطن بأنها غير صارمة عسكريًّا كما هو اقتصاديًّا وسياسيًّا تجاه إيران؛ فإنه من المؤكد أن هناك فريقًا في المؤسسات الأمريكية يعمل منذ سنوات وَفق استراتيجية طويلة المدى تهدف إلى انهيار النظام الإيراني من الداخل عبر وسائل اقتصادية، مثل رفع أقصى درجة من العقوبات الاقتصادية وتصفير تصدير النفط الإيراني، وتشديد الضغط السياسي وتكثيف إثارة الاضطرابات الاجتماعية، وهذا السيناريو المبني على تطبيق النموذج السوفييتي؛ أي العمل على انهيار إيران من الداخل، هو الأكثر تفضيلًا أمريكيًّا في التعامل مع إيران .

وأكد ‏الباحث في العلاقات الدولية أن إيران ستفكر كثيرًا قبل أي استهداف مباشر للأمريكيين؛ لكن يظل القلق من تحريك أدواتها في المنطقة؛ لاستهداف حلفاء واشنطن، وهذا الأمر يجب أن يدفع جميع دول المنطقة إلى رفع حالة التأهب القصوى قبل وقوع أية ضربة إيرانية قد تستهدف مواقع عسكرية أو نفطية أو مائية.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة