الواجهة الرئيسيةترجماتثقافة ومعرفة
هل يوشك الاندماج النووي على أن يحد من تغير المناخ؟

كيوبوست- ترجمات
ريفكا غالتشن
نشرت صحيفة “ذا نيويوركر” مقالاً يبحث في حلم سعى وراءه العلماء على مدى عقود مضت، وهو يكاد يتحقق. تخيل أنك تستطيع تأمين الطاقة اللازمة لمنزلك لمدة عام من خلال وقود هو عبارة عن كوب واحد من ماء فقط. هذا هو حلم الاندماج النووي؛ حيث نجح العلماء في تسخين المادة لتصبح أكثر حرارة من مركز الشمس بحيث تذوب الذرات في سحابة من البلازما، ولكن المشكلة كانت في إيجاد حاوية يمكنها احتواء تلك المادة على هذه الدرجة من الحرارة. وبعد ستة وثلاثين عاماً لا يزال احتواء طاقة الاندماج النووي حلماً مراوغاً يكاد يكون في متناول اليد.
وتدفع أزمة التغيرات المناخية المتسارعة العاملين على تقنية الاندماج النووي إلى التوتر؛ فمع أن تقنيات الطاقة الشمسية وطاقة الرياح تزداد كفاءة، إلا أنها لا تزال غير كافية، ومصادر الطاقة الأحفورية والنووي لها عيوبها المعروفة. ويبقى الاندماج هو حلم الطاقة النظيفة العظيم. ومن الناحية النظرية لا يواجه إنتاج الطاقة من الاندماج النووي مشكلات تتعلق بندرة المواد الأولية؛ فالهيدروجين الثقيل والليثيوم متوفران في مياه البحر بكميات تكفي لثلاثين مليون سنة، ولا يتطلب تطوراً في تقنيات البطاريات لتخزين الكهرباء، ولن يتسبب في كارثة فوكوشيما ثانيةً ولن يكون باهظ التكاليف. ولكن المشكلة تكمن في اكتشاف التفاصيل، وندرة العاملين على ذلك، وندرة التمويل، وندرة الإيمان بالنجاح.
اقرأ أيضاً: العالم على موعد مع تحول في قطاع الطاقة.. فكيف ستتأثر حياتنا بذلك؟
في عام 1976، نشرت إدارة أبحاث وتطوير الطاقة الأمريكية تقريراً تنبأت فيه بمدى السرعة التي يمكن أن يصبح فيها الاندماج النووي حقيقة واقعة، وأشار التقرير إلى أنه بالنظر إل حجم التمويل الذي يعادل تسعة مليارات دولار سنوياً، من المتوقع أن يتم الوصول إلى طاقة الاندماج النووي بحلول عام 1990؛ ولكن التمويل انخفض بعد ذلك إلى مليار دولار سنوياً، وهو مبلغ يصفه العاملون في هذا المجال بأنه الحد الأقصى الذي يمكن إنفاقه بحيث لا نصل إلى الاندماج أبداً.

قال دينيس وايت، مدير مركز علوم البلازما والاندماج في معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، عندما توقف تمويل وزارة الطاقة لجهاز الاندماج التجريبي في المعهد عام 2013، دون سبب واضح: “كنت أشعر باليأس الشديد، وكنت أرى اليأس في وجوه طلابي”؛ لكن أبحاث الاندماج لا تزال تتقدم وجهاز الاندماج الهائل “إيتير”، الذي يتم بناؤه بتعاون دولي في فرنسا، يسير إلى الأمام؛ ولكن ببطء مؤلم، ولدى معظم العلماء العاملين فيه ثقة عالية بالنجاح، ولكن وايت يعتقد أن النجاح لن يأتي في حياته أو ربما في حياة طلابه أيضاً.
اقرأ أيضاً: العالم أمام تحول الطاقة: هل بات تهديد تغير المناخ تحت السيطرة؟
ثم تشير كاتبة المقال إلى أن نظرية الاندماج التي اجتذبت بعضاً من ألمع العقول، اجتذبت أيضاً عدداً كبيراً من المخادعين والدجالين؛ ففي عام 1951 تمكن مهاجر نمساوي يُدعى رونالد ريختر، من خداع رئيس الأرجنتين الذي أعلن أن بلاده نجحت في تسخير طاقة الاندماج، وأنها ستكون متاحة في عبوات سعة ليتر ونصف الليتر مثل عبوات الحليب. وبعد بضعة عقود، أعلن اثنان من الكيميائيين المحترمين في جامعة يوتاه، أنهما تمكنا من تحقيق اندماج نووي في درجة حرارة الغرفة، وتبين لاحقاً أنهما قاما بتزوير بياناتهما. وفي الفترة نفسها، حظي الفيزيائي المرموق في جامعة بريغهام يونغ، باهتمام الصحافة، حيث بدا وكأنه يسير في طريق واعد؛ ولكنه فشل وتحول إلى إثبات أن المسيح قد زار أمريكا الوسطى، ثم خرج بنظرية أن تدمير برجَي التجارة كان عملاً داخلياً.
تلقت أبحاث الاندماج دفعة قوية إبان أزمة النفط في السبعينيات؛ ولكن بحلول التسعينيات انخفضت أسعار النفط مرة أخرى وتراجع التمويل. يقول ستيفن كاولي، الرئيس السابق لهيئة الطاقة الذرية البريطانية: “لقد تعلمنا كيفية استخراج النفط والغاز من مختلف أنواع الأماكن، والآن علينا أن نتعلم كيف نتركها في باطن الأرض من أجل البقاء على قيد الحياة وإنقاذ الحضارة”.

يقول بوب مومغارد، عالم فيزياء البلازما الذي يعمل في مشروع الاندماج النووي: “لا أصدق أننا أضعنا الكثير من الوقت في النقاش حول الجدوى من الاندماج؛ إنه أمر كان ينبغي أن يحدث في الأمس”.
ولكن في الثلاثين من سبتمبر 2016، تم إغلاق جهاز الاندماج التجريبي التابع لمعهد ماساتشوستس، بعد خمسة وعشرين عاماً من العمل. قال وايت: “لقد عمل على الجهاز أكثر من مئة وخمسين طالب دكتوراه، وسجلنا أرقاماً قياسية على الرغم من أنه أصغر بمئة مرة من جهاز إيتير”.
اقرأ أيضاً: التغيرات المناخية أسهمت في تدمير أربع حضارات قديمة.. فهل حان دورنا؟
ومع ذلك واصل فريق معهد ماساتشوستس عمله من خلال تجميع المنح والزمالات؛ حتى إنهم اضطروا إلى جمع خردة النحاس من قبو المعهد وبيعها للحصول على التمويل اللازم لدفع رواتب العاملين على المشروع. وكان على الفريق أن يحل المشكلات التمويلية إلى جانب العمل على حل المشكلات الهندسية. وبعد عامَين من العمل المخبري والاجتماعات مع الممولين وشركات الطاقة، أصبح المشروع تابعاً لشركة خاصة لإنتاج الطاقة سُميت “شركة كومنويلث فيوجن سيستمز” ترتبط بعلاقة مستمرة مع معهد ماساتشوستس. وبحلول عام 2021، بلغ عدد موظفي الشركة نحو ثلاثمئة شخص؛ بعضهم من العاملين السابقين في شركات “سبيس إكس” و”تسلا”.

ليست شركة “كومنويلث فيوجن سيستمز” هي الوحيدة التي تحاول تكرار تجربة الأخوَين رايت؛ ففي عام 2001 ترك عالم الفيزياء مايكل ليبيرج، وظيفته؛ ليبدأ العمل على مشروع اندماج تطور ليصبح شركة “جنرال فيوجن” التي اتخذت من كندا مقراً لها، وحظيت بدعم جيف بيزوس. قامت وكالة الطاقة في المملكة المتحدة بتكليف “جنرال فيوجن” ببناء جهاز تجريبي في كولهام أكسفورد شاير، وأعلنت الشركة عزمها تشغيل الجهاز بحلول عام 2025، وهو العام نفسه الذي تخطط فيه شركة “كومنويلث فيوجن سيستمز” لتشغيل جهازها. واليوم، هنالك أكثر من عشرين شركة ناشئة تتسابق في هذا المجال.
تقول ريفكا غالتشن، كاتبة المقال، إنه لا يزال هنالك العديد من التحديات التقنية قبل أن يضيء الاندماج أضواء بيتك. وتتساءل: هل ستحافظ أجهزة الاندماج على البلازما لفترة كافية؟ وهل سيحل العلماء مشكلة دورة الوقود الصعبة وسيقدرون على معالجة نفاياتهم؟ وهل ستدمر الظروف التشغيلية القاسية الأجهزة؟
اقرأ أيضاً: تشغيل المفاعل الثاني في براكة يعزز مسيرة الإمارات العلمية
يقول عالم الفيزياء البريطاني ستيفن كاولي، من جامعة برينستون: “من الصعب الحكم على ذلك. إن ما تقوم به شركة (كومنويلث فيوجن سيستمز) هو مساهمة كبيرة بالتأكيد؛ ولكنني حذر بطبيعتي، وإذا لم تفلح الجهود الحالية في مجال الاندماج، فإن الاهتمام به سوف يخبو لفترة طويلة”. ويضيف: “كان الأخوان رايت شخصَين يملكان تفكيراً ميكانيكياً؛ ولكنهما أيضاً استفادا من بعض الحظ من ناحية بعض التقنيات التي نشأت في الوقت المناسب. ولكنني لا أستطيع القول إنه لا توجد سلسلة من الخطوات التي ستوصلنا إلى هناك. لا أعتقد أننا لن نتمكن من القيام بذلك في نهاية المطاف”.
وتختتم غالتشن مقالها بالإشارة إلى ما كتبه كبير مهندسي البحرية الأمريكية عام 1901: “إن كل النبوءات عن النجاح في الطيران بجسم أثقل من الهواء غير مبررة على الإطلاق إن لم تكن سخيفة”. وفي غضون ذلك كان الأخوان رايت يدرسان ديناميكا الهواء في نفق رياح. وبعد صيف محبط قال ويلبر رايت لأخيه أورفيل، إنه يشعر أن الإنسان لن يطير قبل ألف عام. وبعد ذلك بسنتَين حلَّقَا بطائرتهما لمدة اثنتي عشرة ثانية، وبعدها بسنوات قليلة كانا يطيران لساعات.
المصدر: ذا نيويوركر