الواجهة الرئيسيةشؤون دوليةمقالات
هل ينزل الرئيس أردوغان عن حصان “الإخوان المسلمين” الخاسر؟

عادل مرزوق♦
منذ يونيو 2013 والعلاقات التركية- المصرية تسير على صفيح ساخن من الخلافات والتجاذبات المتواصلة. وبينما يمثل الموقف التركي المُناهض للنظام المصري، ودعم أنقرة لجماعة (الإخوان المسلمين) المحظورة في مصر، حجر الزاوية لمسلسل الخلافات التركية- المصرية، فإن ثمة ملفات أخرى تبدو حاضرة وتلقي بثقلها في توسيع الهوة بين البلدين؛ منها: ترسيم الحدود البحرية والتنازع على حقول الغاز في ما يُعرف بأزمة (شرق المتوسط) والمواجهة المحتدمة في الأزمة الليبية. يضاف إلى ذلك اصطفاف كل من أنقرة والقاهرة بشكل مباشر في الأزمة الخليجية المستفحلة منذ يونيو 2017.
أزمة محسوبة
في نوفمبر 2013، أعلنتِ القاهرة سحبَ سفيرها من أنقرة وخفض مستوى التمثيل الدبلوماسي؛ وهو ما ردت عليه أنقرة بالمثل. وقتئذ، أُعلنت القطيعة السياسية بين البلدين والبدء في مواجهة تركية- مصرية على أكثر من سياق، وفي أكثر من ملف.
اقرأ أيضًا: رعب يسود الإخوان بعد شكوك في تورط تركي بتسليم عزت
ولئن كانت تركيا قد وفَّرت لقيادات وأعضاء جماعة الإخوان المسلمين الفارّين من مصر موئلاً، وقدَّمت لهم تسهيلات لوجيستية للعمل من أراضيها؛ وهو ما تعتبره القاهرة تصرفاً عدائياً وتدخلاً في شؤونها الداخلية، ودعماً لجماعة متشددة ومتورطة في عمليات إرهابية، إلا أن ذلك كله لم يمنع القيادتَين المصرية والتركية من اعتماد موازنة موضوعية لنواحي الصراع والإمساك بتلابيب يوميات الأزمة الدبلوماسية من الانفلات. ورغم حدة الخلافات السياسية؛ فإنه تجدر الإشارة هنا إلى ما شهده التبادل التجاري بين البلدين من نمو ملحوظ تجاوز نسبة 20 في المئة، ليصل إلى 5,2 مليار دولار في 2018 مقارنة بـ4,38 مليار خلال عام 2017[1]، كذلك ما كشفه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مؤخراً، عن استمرار اللقاءات الثنائية بين أجهزة الاستخبارات العامة في البلدين، وعن الرسائل الإيجابية المتبادلة حول الموقف من أزمة “شرق المتوسط”[2].
يمكن القول إن كلاً من القاهرة وأنقرة كانتا حريصتين على أن لا تصل حدود الأزمة السياسية بينهما إلى طريق لا عودة فيه، وأن شبكة المصالح الاستراتيجية والاقتصادية بين البلدين كانت، ولا تزال، تحمل وزناً مؤثراً في يوميات الأزمة ومآلاتها.

الرهانات تتغير
حتى وقتٍ قريب، لم يكن ثمة ما يدعو إلى الرهان على أن إحراز تقدم في المسار السياسي للعلاقات التركية- المصرية يبدو ممكناً، إلا أن متغيرات عدة داخل وخارج تركيا سيكون لها أن تحث الرئيس أردوغان على إعادة النظر في سياساته الخارجية، من أهم هذه المتغيرات: أزمة (شرق المتوسط) التي يقف فيها الرئيس أردوغان وحيداً أمام تحالف (قبرص- اليونان-إسرائيل- مصر)، الموقف المعقد في ليبيا، الأزمة الاقتصادية التي تمر بها تركيا وحاجتها الملحة إلى فتح المزيد من الأسواق للبضائع والمنتجات التركية، الخلافات التركية-الأوروبية، التبعات السياسية للتدخلات التركية في العراق وسوريا، بالإضافة إلى المخاوف المتزايدة داخل حزب العدالة والتنمية (الحزب الحاكم) من أن شعبية الحزب تبدو على المحك، وهو يُراكم داخل البلاد المزيدَ من التحديات الاقتصادية التي تكاد تطوي صفحة سنوات الرفاه الآفلة.
من شأن هذه المتغيرات مجتمعة أن تجبر أنقرة على التفكير جدياً في عودة تدريجية إلى استراتيجية “صفر مشاكل” التي صاغتها حكومة الإنجازات الكبرى 2002، للحليف السابق أحمد داود أوغلو، التي أهلت تركيا للنهوض الاقتصادي من جديد، واستعادة نفوذها الإقليمي.
اقرأ أيضًا: هل تحدث مواجهة مصرية- تركية في ليبيا؟
وبالنظر إلى حجم وتعقيد التحديات والأزمات السياسية الداخلية والخارجية التي يواجهها الرئيس أردوغان وحزب العدالة والتنمية، يؤمِّن تحسين العلاقات التركية- المصرية لأنقرة مكاسب سياسية واقتصادية وازنة. تجدر الإشارة هنا إلى تصريحات الرئيس أردوغان التي أكد فيها أن مسؤولين أمنيين مصريين كانوا قد أعلموا أنقرة بوجود “سوء تفاهم بين القاهرة وأنقرة وأنه يجب إزالته”، مضيفاً أن “الشعب المصري والتركي يقفان مع بعض ويتضامنان مع بعض، وحضارتنا ومبادئنا التاريخية أقرب مما هي مع اليونان، وعلى الحكومة المصرية أن تتفهم ذلك”[1]. تجدر الإشارة أيضاً إلى مطالبة نائب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض فائق أوزتراك، حكومة أردوغان بالعمل على “تحسين العلاقات مع مصر؛ حتى تتمكن تركيا من الوقوف أمام اليونان في أزمة شرق المتوسط”[2].
الإخوان: حصان أسطنبول الخاسر
منذ يونيو 2013 استثمرتِ الحكومة التركية في جماعة “الإخوان المسلمين” ووفرت لها مختلف الإمكانات التي كانت دون شك عاملاً حاسماً في بقاء التنظيم؛ إعلامياً على الأقل. ورغم ذلك؛ فإن الجماعة لم تستطع إنجاز مشروع مراجعة داخلية لتجربة الحكم الفاشلة في مصر أو التفكير بجدية في إعادة تموضع جديدة. أصبح (الإخوان المسلمون) مشروع استنزاف سياسي واقتصادي لمموليه، خصوصاً وهو عالقٌ في لحظة يونيو 2013، منغمس في خطابات المظلومية والقهر التي أصبحت وقوداً لسياسات التطرف الديني والإرهاب، بالإضافة إلى الخلافات والانقسامات الداخلية التي تعصف به.

في 13 أغسطس 2020، نشرت وكالة الأناضول (الحكومية) تقريراً تحدثت فيه عن أزمة جماعة الإخوان المسلمين بعد 7 سنوات من فض اعتصام رابعة، وعجزها عن التجديد وادعائها الصمود والتمسك بالشرعية[1]. أشار التقرير بسلبية ونقد -غير معهودين- إلى التنظيم، مؤكداً أن “التشدد في رفع راية (الشرعية والمظلومية) جاء بالتوازي مع مواجهة ضربات أمنية قاصمة طالت عنق التنظيم الهرمي وأجنحته وأغلب قواعده، مع نعتهم بالإرهاب، ومصادرة أموال أغلب القيادات”.
يقدم هذا التقرير فهما تركياً جديداً لواقع ومستقبل جماعة الإخوان؛ وهو ما فتح باب التوقعات والتساؤلات ما إذا كانت أنقرة قد بدأت، تدريجياً، في رفع الغطاء عن الجماعة، وصولاً إلى التساؤل عما إذا كانت أنقرة قد قدمت معلومات ساعدت أجهزة الأمن المصرية، فجر 28 أغسطس الماضي، في القبض على القائم بأعمال المرشد العام للإخوان محمود عزت، في إحدى الشقق السكنية بمنطقة التجمع الخامس، شرق القاهرة.

إذا ما تم تتبع والتنبه إلى سلة المكاسب الاستراتيجية لأنقرة، لا تبدو كلفة استدارة الرئيس رجب طيب أردوغان نحو مصر مكلفة. تؤمن عودة العلاقات بين تركيا ومصر تموضعاً أفضل للأتراك في أزمة (شرق المتوسط)، كما أن من شأنها أن تسهل من تعقيدات الموقف في الأزمة الليبية. يُضاف إلى ذلك المكاسب الاقتصادية التي بإمكان البلدين مضاعفتها من خلال تجديد (اتفاق السوق الحرة) الذي من المفترض أن يُعاد النظر فيه قريباً.
خلاصة
عوامل عدة قد تحث تركيا على العمل نحو طيّ صفحة الأزمة مع مصر؛ بما يشمل إعادة العلاقات السياسية وتوسيع مجالات (اتفاق السوق الحرة) خلال العام الجاري والعام المقبل 2021 الذي قد يشهد تغييراً جوهرياً في منحى هذه العلاقات نحو تحسين تموضع تركيا في أزمة (شرق المتوسط) و(الأزمة الليبية).
اقرأ أيضًا: الليبيون يطالبون بتدخل الجيش المصري لمواجهة “العثمانيين الجدد”
من المتوقع أن تتجاوب القاهرة إيجابياً مع أية مبادرات من أنقرة؛ خصوصاً أن مثل هذا التصحيح لمسار العلاقات يؤمِّن للقاهرة مكاسب سياسية (داخلية وخارجية) واقتصادية وازنة.
لا يتوقع أن تعمد تركيا إلى التخلي الكامل والمفاجئ عن دعم جماعة الإخوان المسلمين (التنظيم المصري)؛ لكنها قد تعمل على تحجيم أعمال الجماعة وتقليل المساعدات اللوجيستية والمالية لها ولمؤسساتها (الإعلامية) المنتشرة في إسطنبول. وهو ما قد يحيل إلى إجبار التنظيم على نقل عملياته أو جزء كبير من مؤسساته إلى عواصم أوروبية.
♦رئيس تحرير البيت الخليجي للدراسات والنشر
المراجع:
2) حرييت التركية 19 أغسطس 2020
3) التقرير العربي – 17 أغسطس 2020
4) الصدى المصرية 13 أغسطس 2020