شؤون دولية
هل ينجح ماكرون في تعزيز سياسته الخارجية نحو الشرق الأوسط؟
يريد ماكرون وضع فرنسا في موقع "الوسيط النزيه"

خاص كيو بوست –
لا يمكن إنكار أن فرنسا كانت وما تزال من القوى الغربية ذات النفوذ الكبير في عدد من دول العالم، وفي عدد من القضايا والنزاعات الدولية، خاصة في الشرق الأوسط. وفي سعيه لخلق موضع قدم لفرنسا أكثر تأثيرًا من ذي قبل، لعب الرئيس مانويل ماكرون دورًا بارزًا في الأحداث التي عصفت بالشرق الأوسط مؤخرًا، كان من بينها قضايا “تجارة الرق” في ليبيا، والأزمة اللبنانية الناتجة عن استقالة رئيس وزرائها سعد الحريري، وقضية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وحتى الحرب الدائرة في سوريا، التي وضع عليها العديد من المراقبين علامات استفهام تتعلق بمدى نجاح مبادراته في إيجاد حلول وسط فيها.

يقول الصحفي المتخصص في الشؤون الأجنبية في صحيفة لاكروا في باريس، فرانسوا دالنسون، إن ماكرون سيحاول، كما قام أسلافه، استعادة مكانة فرنسا الضائعة في الشرق الأوسط من خلال العمل على زيادة تأثيرها الاستراتيجي في المنطقة عبر الاستفادة من عضويتها الدائمة في مجلس الأمن وقدراتها العسكرية والنووية. وللتعويض عن كون فرنسا قوة متواضعة نسبيًا في مجابهة الولايات المتحدة الأمريكية وروسيا، سيسعى ماكرون إلى اتباع نهج أكثر براغماتية وتحت مظلة الاتحاد الأوروبي، يقوم على أساس رسم أطر إقليمية ودولية تكون فرنسا طرفًا رئيسيًا فيها، تتواصل فيه مع كل الأطراف.
في تموز الماضي، أثار ماكرون استياء إيطاليا ودولًا أوروبية أخرى بسبب جهوده في ليبيا، عندما قام برعاية “اللقاء التاريخي” بين رئيس حكومة الوفاق الليبي فايز السراج وخصمه المشير خليفة حفتر، والذي أسفر عن اتفاق لوقف إطلاق النار والعمل من أجل تنظيم انتخابات تهدف إلى إنهاء حالة الفوضى التي تعيشها ليبيا منذ حوالي الست سنوات. على إثر ذلك جاء الاستياء الإيطالي مطالبًا بتوحيد الجهود الأوروبية بشأن ليبيا، وتركيزها على الأمم المتحدة. وعبّر حينها دبلوماسي في وزراة الخارجية الإيطالية والذي رفض الكشف عن اسمه بسبب حساسية القضية بحسب موقع “يورو نيوز” قائلًا إن ماكرون يريد أن يكون له دور أكبر تأثيرًا في ليبيا، ولا بأس بذلك لكنه تجاهلنا ولم يستشرنا”، وهذا ما أدى الى التشكيك في التزام ماكرون بالعمل مع شركائه في الاتحاد الأوروبي.
في سوريا، كان الأمر مختلفًا قليلًا، فماكرون يريد التواصل مع الأطراف المعنية كافة بما فيها الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وروسيا والجهات الإيرانية والتركية والسعودية، في الوقت الذي يريد فيه وضع فرنسا في موقع “الوسيط النزيه”، كما أن مساعيه في إبرام تسوية سياسية في سوريا من خلال عملية تتشارك فيها القوى الإقليمية والدول الدائمة في مجلس الأمن، تطرح سؤالًا فيما إذا كانت واشنطن وموسكو في حاجة فعلًا إلى باريس، في ظل محادثات الأستانة التي تجري بين الطرفين لإقامة مناطق خفض التصعيد في الجنوب ووادي الفرات.

وحول لبنان، يقول جون آيرش من “وكالة رويترز” إن دعوة الرئيس الفرنسي لرئيس الوزراء اللبناني سعد الحريري لزيارة باريس بعد تقديمه استقالته في 4 تشرين الثاني، وفي ظل صراع النفوذ بين السعودية وإيران، مثلت اختبارًا لباريس حول سياستها الحيادية التي تتبعها والتي يشكك منتقدوها في إمكانية استمرارها. وبالرغم من أن هذه الخطوة وبحسب آيرش قد خففت من حدة التوترات الإقليمية التي نتجت عن الاستقالة، إلا أنها كشفت أيضًا عن تعقيدات موقف ماكرون المعلن بعدم الانحياز لطرف على حساب آخر في الشرق الأوسط. ونقل آيرش عن دبلوماسي أوروبي “أن ماكرون عرض نفسه للخطر في لبنان، وأن الأمر أشبه بساعة الامتحان بالنسبة له” بسبب إيران.
لكن التصريحات الفرنسية التي أعقبت الحادثة هدأت من روع الكثيرين، إذ جاء في التصريحات التي ذكرت على لسان وزير خارجيتها “جان إيف لودريان”، أن فرنسا تعبر عن قلقها من التورط الإيراني في الأزمات الأقليمية والإغراءات التي تقدمها للسيطرة على المنطقة. كما جاء في التصريحات أن ماكرون سيتعامل بحزم مع نشاطات إيران الإقليمية وبرنامجها الخاص بالصواريخ الباليستية، الأمر الذي أثار غضب طهران متهمةً فرنسا بالانحياز، وبأن سياستها تعمل على تفاقم الأزمات في الشرق الأوسط حسب ما ورد على لسان وزير خارجيتها بهرام قاسمي، الذي أضاف: “يبدو أن لفرنسا رؤية أحادية الجانب ومنحازة تجاه الأزمات والكوارث الإنسانية في الشرق الأوسط، ونهجها هذا يساعد بتفعيل الأزمات الكامنة”.
في المحصلة، أثارت مبادرات ماكرون في الشرق الأوسط تحفظ الكثيرين، خاصة في ظل محاولاته وضع فرنسا مجددًا على خريطة السياسة الخارجية، بعد فشل دبلوماسي تكللت به رئاسة فرانسوا هولاند. لذلك يبقى التساؤل فيما إذا كانت هذه المبادرات ستتكلل بالنجاح أم ستبقى مجرد مناورات لتحقيق الظهور على الساحة الدولية فقط مطروحًا بقوة.