الواجهة الرئيسيةتكنولوجياثقافة ومعرفةشؤون عربية

هل ينجح المغرب في محاربة التطرف الإلكتروني عبر “المؤثرين”؟

خطة حكومية توظِّف ناشطين بارزين على مواقع التواصل في مكافحة دعوات العنف ورسائل الكراهية

المغرب- حسن الأشرف

يعمل المغرب على خطة متكاملة تروم محاربة التطرف الديني وسط فئة الشباب بالخصوص، اعتماداً على “مؤثرين” مغاربة في مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي. و”المؤثرون” لقب يُطلق عادةً على أشخاص ينشطون في الإنترنت، ويحظون بمتابعات ومشاهدات كبيرة.

وتقف الرابطة المحمدية للعلماء (مؤسسة دينية رسمية تسعى إلى تكريس فكر الاعتدال والوسطية) وراء مشروع محاربة التطرف وخطاب الكراهية على شبكة الإنترنت؛ باللجوء إلى “خدمات المؤثرين”، وهو ما يراه البعض خطوة إيجابية وجيدة؛ لأنها تخاطب الشباب بالاعتماد على نظرائهم من الشباب، بينما آخرون يعتبرون الخطوة غير ذات جدوى؛ لأن التطرف أكبر من أن يواجهه “مؤثرون”.

اقرأ أيضاً: كيف نحمى أبناءنا من الانزلاق إلى التطرف عبر الإنترنت؟

خطاب جاذب للشباب

وترتكز خطة المغرب على محاربة التطرف والتشدد الديني في “الفضاء الأزرق” على خدمات شباب خضعوا للتدريبات في مجال المعلوميات، وأيضاً في القدرة على التأثير على الآخرين في العالم الافتراضي، وذلك باللغتَين العربية والإنجليزية.

وتراهن الرابطة المحمدية للعلماء على أن تتوفر في “المؤثر”، المطلوب منه مواجهة الأفكار المتطرفة في الإنترنت وسط الشباب، عدد من السمات والمميزات؛ أولاها أن يكون الخطاب شبابياً قريباً من عقل وقلب هذه الفئة، وَفق تصريح أحمد عبادي، الأمين العام للرابطة.

أحمد عبادي

ويضيف عبادي سمة أخرى توفُّرها ضروري في “المؤثر”؛ وهي أن يكون خطابه مغرياً وجذاباً للآخر، لأنه دون خطاب جذاب وعصري وواضح؛ لن يكون هناك تأثير، خصوصاً في شريحة الشباب الذين يميلون إلى كل ما يجذبهم في عالم الإنترنت.

وشدد عبادي، في حديثه إلى “كيوبوست”، على أن “المطلوب هو توفير خطاب بديل وفكر بديل وتصورات بديلة عما يروج أحياناً في الإنترنت من خطابات الكراهية والتزمت والتطرف، وبالتالي هذا يتطلب من المؤثرين المنتقين بعناية أن يكونوا على دراية ومعرفة وقدرة على إنتاج مضامين قوية تنسف أسس وحجج خطابات التطرف”.

اقرأ أيضاً: رابطة علماء المغرب تواجه التطرف العنيف.. حوارات خلفية وخرائط ذهنية

ووَفق المتحدث عينه، فإن الهدف من هذه الخطوة هو أن يحظى الشاب بالتمنيع من الفكر المتطرف العنيف الرائج في مواقع التواصل الاجتماعي، وعدم الاكتفاء بالوقاية من الوقوع في براثن التشدد، باعتبار أن التمنيع يُكسب الشاب القدرة على التمييز وترجيح العقل على العاطفة في تقدير وفهم الموضوعات والقضايا المطروحة.

وسبق للرابطة المحمدية للعلماء أن نظمت مؤتمراً دولياً حول تبادل ومشاركة الممارسات الفضلى في مجال تحصين الشباب ضد التطرف والتطرف العنيف عبر الإنترنت، وذلك في سياق مشروع “مكافحة التطرف عبر الإنترنت عند الشباب في المغرب”، وتم توزيع الجوائز على فائزين بأفضل كبسولات رقمية في مجال تعزيز التسامح ومكافحة خطاب الكراهية في المغرب.

من حضور مؤتمر دولي حول تبادل ومشاركة الممارسات الفضلى في مجال تمنيع الشباب ضد التطرف

وشهد المؤتمر المذكور مشاركة خبراء مغاربة وأجانب، وأكاديميين؛ بهدف تعزيز تبادل المعرفة والبحوث والخبرات العملية حول الوقاية من التطرف عبر الإنترنت، بما في ذلك الممارسات الدولية الفضلى لتطوير فهم أفضل لعملية تطرف الشباب عبر الإنترنت في سياقات مختلفة.

حملات رقمية

ويراهن المغرب على مثل هذه الخطوات والمبادرات والحملات التي تهدف إلى محاربة التطرف والكراهية عبر الإنترنت، بالنظر إلى تقديرات المسؤولين الأمنيين والاستخباراتيين بشأن خطورة جذب الإنترنت الشبابَ لمستنقع الكراهية والتطرف.

اقرأ أيضاً: المغرب يحارب التطرف ودعوات الجهاد بضبط وتقنين الفتوى

وبالنظر إلى العدد الهائل لمستخدمي الإنترنت ورواد المنصات الاجتماعية المختلفة في المغرب؛ حيث تفيد أرقام رسمية أن أكثر من 22 مليون مغربي لديهم نشاط على شبكات التواصل الاجتماعي، فإن الدولة انتبهت لما لهذا الفضاء من أهمية وخطورة على السواء؛ إذ قد يكون وسيلة لجر الشباب إلى التطرف والإرهاب، كما قد يتحول إلى وسيلة لصد هذا الفكر المتشدد.

ومن بين آخر الحملات التي شهدها المغرب في هذا السياق؛ حملة أطلقتها الأمم المتحدة تحت شعار  “#بلغ_على_خطاب_الكراهية”، تهدف إلى التحسيس بخطورة خطاب الكراهية والتشدد الديني، ومحاولة وقف هذا النوع من الخطاب؛ لا سيما بين مشجعي كرة القدم.

وتسعى هذه الحملة إلى التوعية بتأثيرات خطابات وتعليقات وصور تُبث في مواقع التواصل الاجتماعي على المتلقين ورواد الإنترنت؛ خصوصاً ممن ليست لديهم خلفيات فكرية يمكن بها غربلة الغث من السمين، والكراهية من التسامح، وَفق تعريف الأمم المتحدة لخطاب الكراهية متمثلاً في “كل تواصل شفوي أو كتابي أو حتى بالحركات؛ يكون فيه تحقير أو ازدراء أو اعتداء على شخص أو على مجموعة أشخاص على أساس عنصر من عناصر الهوية؛ مثل لون البشرة أو الدين أو العرق أو القومية أو الجنس أو غيرها”.

سهلت شبكة الإنترنت النشاط الجهادي – أرشيف

إشكاليات مطروحة

ويعلق الخبير المعروف في التواصل والإعلام الدكتور يحيى اليحياوي، على الموضوع بالقول إنه يتحفظ أولاً على مصطلح “المؤثرين” الذي غالباً ما يكون صفة لبعض الأشخاص أو الجهات، مبرزاً أنه لا يفهم لماذا يوصف بها مَن لهم ارتباط بالشبكات الرقمية؛ لا سيما “فيسبوك” و”يوتيوب”، وكأنه لا تأثير لفاعلي باقي أشكال التعبير.

يحيى اليحياوي

وأكمل اليحياوي بأن “التصنيف ربما يأخذ بعين الاعتبار عدد زوار الصفحة أو حجم مرتادي هذا الحساب على يوتيوب أو غيره”، مسجلاً تحفظاً آخر بخصوص تعبير “صناع الرأي”؛ لأنه أمر مبالغ فيه، حيث يختزل تشكيل الرأي في هؤلاء، ولا يبقي لباقي المتدخلين إلا البقية الباقية، وهذه مسألة فيها نقاش.

وزاد الخبير قائلاً: “لو سلمنا بتسمية (المؤثرين)؛ فإن الرهان على هؤلاء لمحاربة التطرف ليس تلقائياً ولا هو من باب ما يفكر فيه هؤلاء أصلاً؛ لأنهم يراهنون على نسب المتابعة المدرة للمداخيل، وبالتالي فالمواد المثارة من لدنهم ليست من العيار الثقيل؛ مثل طرح قضايا الإرهاب والتطرف والتسامح والحوار والقبول بالاختلاف، فهي ليست ضمن مجال اهتمامهم، وقد لا تكون ضمن الخط الذي يعتمدونه مع (جمهورهم) القار، فهذه قضايا تستوجب خبراء ومتخصصين ومفكرين، لهم رؤية وتصور وبمقدورهم تطوير خطاب قد يُسهم في التخفيف من التطرف والحد من الاستقطاب”.

اقرأ أيضاً: نموذج التدين المغربي يحارب التطرف بالتسامح و”إمارة المؤمنين”

ولاحظ مؤلف كتاب “الرقمنة والتنمية في المغرب.. القطيعة الكبرى”، أن المفارقة تظهر في كون الإنترنت يعج بمواقف التطرف؛ إذ يطور كل صاحب صفحة أو حساب أو موقع إلكتروني، خطابه الخاص به، ويروج له دون سبل محاججته، وإن حاججته قد يحجبك أو لا يعير محاججتك كبير اعتبار، وهذا نراه في مواقع وصفحات وحسابات بعض الدعاة مثلاً، وقد نجده أيضاً في التيارات الأخرى، والتي اعتيد على تسميتها بالحداثية أو العلمانية.

أدى تطور التكنولوجيا والتكتيكات التي تتبعها جماعات مثل تنظيم الدولة الإسلامية إلى زيادة التطرف من خلال الإنترنت- “الجارديان”

وشدد اليحياوي على أن “الإنترنت يطور خطاباً أحادياً، أفقياً وثابتاً، يُخال لصاحبه أنه الخطاب الحق وما سواه باطل، وقد تتعقد الأمور أكثر عندما لا يتم الاتفاق أصلاً على كلمة التطرف؛ فيذهب الأمر حد رمي بعضهم البعض بالتطرف”، مردفاً أن “محاربة التطرف هي مسألة أكبر بكثير من أن تترك لما يُسمى بالمؤثرين؛ تماماً كما لا يجب ترك أمر الحروب للعسكريين، حتى إن سَمَت مراتبهم”.

وخلص الخبير عينه إلى أن “هذا عمل مؤسساتي بامتياز، يجب أن تحدد مفاهيمه وأطره وغاياته ومجال فعله، ويجب أيضاً أن يصاغ له وبدقة الخطاب المناسب، وإلا فسنكون إزاء عشرات الخطابات؛ كل منها يدَّعي محاربته التطرف، لكن على طريقته، وقد تكون طريقة مضرة أو غير قادرة على أن تفي بالغرض”.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

حسن الأشرف

صحفي مغربي

مقالات ذات صلة