الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

هل ينجح الرهان على الحوار الأمني الرباعي؟

الآمال معلقة لبناء تحالف متوازن في منطقة المحيطين الهندي والهادئ

كيوبوست- ترجمات

داروفا جايشانكار♦ تانفي مادن*

قالت مجلة “فورين أفيرزإن مجموعةً دبلوماسية كانت مهمشة ذات يوم، احتلت مركز الصدارة فجأة في المنافسة الجيوسياسية الحاسمة لهذا القرن. وذلك عندما اجتمع قادة الحوار الأمني الرباعي -وهو تحالف بين أستراليا والهند واليابان والولايات المتحدة- عبر الإنترنت، في مارس الماضي، وأعلن أعضاؤه فصلاً جديداً من المنافسة في منطقة المحيط الهادئ الهندي.

وأشارت المجلة إلى وصف القادة الأربعة للتحالف بأنه “بارقة أمل لإضاءة طريق المستقبل”؛ حيث وعدوا بالتعاون في كل شيء، بدءاً من حملات التطعيم ضد فيروس كورونا، والأمن البحري، إلى تغير المناخ، والاستثمار في البنية التحتية. وبالطبع يتضح المنطق وراء هذه الجهود؛ حيث تسعى الصين الأكثر عدوانية إلى بسطِ نفوذها عبر منطقة المحيط الهادئ الهندي، وحول العالم.

اقرأ أيضاً: الاشتباك العسكري على الحدود الهندية الصينية يشير إلى تصاعد التوتر الجيوسياسي

بيْدَ أن التحالفات والمؤسسات القائمة ليست على مستوى مهمة مجابهة العواقب، والسياسات الداخلية في مختلف أنحاء المنطقة تشير إلى أن الناتو الآسيوي” غير مطروح على الطاولة. وهنا يأتي دور الحوار الأمني الرباعي. ففي الوقت الذي يجد فيه أعضاؤه أنفسهم في خلافاتٍ متصاعدة مع بكين، أصبح التحالف بمثابة اختبار لنوعٍ جديد من الشراكة المرنة متعددة الأطراف، ومصممة لتشكيل توازن القوى في منطقة المحيطَين الهادئ والهندي، وعرض البدائل، وتغيير حسابات الصين.

رئيس الوزراء الياباني يوشيهيدي سوجا خلال اجتماع تحالف الحوار الأمني الرباعي في مارس 2021- “رويترز”

ويؤكد المراقبون أن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن، قد وضعت استراتيجيتها الإقليمية بناءً على هذا النهج؛ حيث كان لتحالف الحوار الأمني الرباعي تاريخ مثير للجدل منذ جاءت الإشارة الأولى للتعاون بين أعضائه، عندما نسقوا جهود الإغاثة من الكوارث في أعقاب كارثة تسونامي عام 2004، والتي أودَت بحياة أكثر من 200 ألف شخص عبر المحيط الهندي. وانعقدت المجموعة رسمياً في عام 2007، عندما عقدت الدول الأربع اجتماعاً افتتاحياً في مانيلا، وأجرت مناورة بحرية كبرى مع سنغافورة، في خليج البنغال.

غير أن الأمر استغرق عدة سنوات حتى تغيرت حسابات كل دولة، وبلغت علاقات كل منها مع بكين مستوياتٍ متدنية جديدة. فقد انخرطتِ الولايات المتحدة والصين في حربٍ تجارية وتكنولوجية؛ بينما تصاعدت حدة التوترات بين بكين وطوكيو حول جزر دياويو/ سينكاكو المتنازع عليها؛ وكشفت أستراليا عن التدخل الصيني في سياساتها الداخلية؛ ومؤخراً اشتبكت القوات الصينية والهندية في عدة مواجهات على طول حدودهما المتنازع عليها.

اقرأ أيضاً: هل تستطيع أمريكا والصين التغلب على خلافاتهما وبناء نظام دولي مستقر؟

وقد احتضنت إدارة بايدن التحالفَ بكل حماس؛ حيث عقد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكين، اجتماعاً مع نظرائه في الحوار الرباعي في غضون شهر من تولي الإدارة الجديدة مهامها. ويستخدم الدبلوماسيون من الدول الأربع منصة الحوار لمناقشة القضايا الإقليمية الملحة، بما في ذلك الصين، والانقلاب الأخير في ميانمار، والمساعدات الإنسانية، والأمن السيبراني. كما أن المشاركة المنتظمة من خلال التحالف تسهل التعاون الثنائي والثلاثي؛ بما في ذلك التعاون مع الشركاء من خارج التحالف.

مجموعة رونالد ريغان كاريير ووحدات من قوة الدفاع الذاتي البحرية اليابانية وقوات الدفاع الأسترالية تشارك في مناورات ثلاثية في بحر الفلبين 2021- “البحرية اليابانية”

وعلى سبيلِ المثال، قامت أستراليا واليابان والولايات المتحدة بتنسيقِ نهجها في ما يتعلق بتمويل البنية التحتية. بينما ركزت أستراليا والهند واليابان بشكلٍ مشترك على مرونة سلسلة التوريد. وفي أكتوبر 2020، وقَّعت الهند واليابان على بيان حول التشفير الرقمي، أصدره تحالف العيون الخمس الاستخباراتي، الذي يضم أستراليا والولايات المتحدة.

اقرأ أيضاً: لا وجود لمنطقة المحيط الهندي- الهادئ من دون مصر وقناة السويس

وحسب المقالة، فلا يقتصر التعاون العسكري على دول التحالف الأربع وحدها؛ ففي أوائل 2021، شارك الأعضاء في مناورة مضادة للغواصات مع كندا، ومناورة بحرية منفصلة مع فرنسا في شرق المحيط الهندي. وعلاوة على ذلك، في عام 2019، أجرتِ اليابان والهند والولايات المتحدة ما يُسمى بمناورة الإبحار الجماعي في بحر الصين الجنوبي مع البحرية الفلبينية؛ بهدف إظهار التزامها المشترك بفتح الممرات البحرية.

كما أجرت أستراليا واليابان والولايات المتحدة مناوراتٍ عسكرية مشتركة مع كوريا الجنوبية. وترسل الدول الأربع على نحو متزايد مراقبين إلى المناورات العسكرية الثنائية التي تجريها الدول الأخرى، وتشارك في التدريبات متعددة الأطراف.

الرئيس بايدن ووزير خارجيته بلينكن يستمعان إلى رئيس الوزراء الهندي خلال الاجتماع الرباعي- “دويتشه فيله”

ورغم كل ذلك، ومع كل التقدم الذي أحرزه التحالف الرباعي، يؤكد المراقبون أن السنوات المقبلة سوف تختبر قدرته على صياغة مستقبل منطقة المحيطَين الهادئ والهندي؛ حيث إن السلوك الدولي العدواني الذي تنتهجه بكين يعني أن الدول الأربع تتعرض إلى ضغوطٍ من أجل الوفاء بمجموعة من القضايا المعقدة، بما في ذلك الأمن البحري، وتوزيع اللقاحات، وسلاسل التوريد المرنة، والمعايير التكنولوجية.

اقرأ أيضاً: عهد بايدن.. تحديات جديدة للسياسات الخارجية والأمنية في أوروبا والشرق الأوسط

وإذا أراد التحالف تلبية هذه التوقعات العالية، فسيتعين عليهم التفكير بجدية في توسيع وتعميق شراكتهم؛ كل ذلك مع ضمان “عدم قضم أكثر مما يستطيعون مضغه”. وأحد السبل للمضي قدماً هو تعميق التعاون الأمني بين أعضاء التحالف الرباعي. وقد اقترحتِ الولايات المتحدة عقد اجتماعات لوزراء الدفاع أو مستشاري الأمن القومي لتنسيق سياسات الدفاع والأمن. ويعقد أعضاء التحالف بالفعل ما يُسمى باجتماعات 2 + 2 لوزراء الخارجية والدفاع؛ لذا فإن المزيد من التوسع لن يكون أمراً مبالغاً.

ويرى الخبراء أنه من شأن هذا النوع من المشاركة المنتظمة أن يرسي الأساس لأشكالٍ أخرى من التعاون الأمني. وقد يشمل ذلك التخطيط سيناريوهات مثل الصراع في بحر الصين الجنوبي أو إنشاء تقسيم عسكري للعمل؛ حيث يمكن لكل دولة أن تستغل نقاط قوتها. كما يمكن لجميع أعضاء التحالف الرباعي تحسين جهودهم لتبادل التكنولوجيا الجديدة أو المشاركة في تطويرها؛ بما في ذلك المجالات العسكرية، والسيبرانية، والفضائية.

جندي يراقب إشارة حاملة الطائرات الأمريكية “يو إس إس رونالد ريغان” المنتشرة في بحر الصين الجنوبي- البحرية الأمريكية

وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة تتمتع بعلاقاتٍ تكنولوجية صحية مع أستراليا والهند واليابان؛ فإن التعاون بين تلك البلدان الثلاثة الأخيرة لا يزال محدوداً بدرجة كبيرة، وفقاً لماء جاء في المقالة. وعلى نحوٍ منفصل، يشعر المحللون بعدم اليقين تجاه القدرات الاقتصادية والعسكرية للهند، والتحفظات التاريخية التي أبدتها نيودلهي بشأن الشراكة مع الولايات المتحدة وحلفائها، وتوافقها مع القيم.

اقرأ أيضاً: هل وصلت الخلافات بين الهند والصين إلى نقطة اللا عودة؟

بينما يخشى آخرون أن يؤدي الاعتماد الاقتصادي لأستراليا على الصين إلى تقييد قدرتها على مواجهة بكين. كما تفرض نزعة السياسات الحمائية مشكلة إضافية، بل وقد تغري الدول بالانزلاق إلى حلقةٍ مفرغة من القومية الاقتصادية. وفي عصرٍ حيث أصبحت عدوانية بكين أمراً روتينياً بشكلٍ مثير للقلق، فإن الحوار الأمني الرباعي يمثل أفضل أمل لبناء تحالف متوازن ناجح في منطقة المحيط الهادئ الهندي.

وسوف يعني الفشل في الاضطلاع بهذا الدور انتكاسة كبيرة للأمن الإقليمي، والتنمية الاقتصادية المستدامة، والمعايير التكنولوجية، وقواعد الحوكمة، والمؤسسات الدولية. وستظل المخاطر والتوقعات عالية؛ لأن عصر اشتداد المنافسة يتطلب أساساً طموحاً ولكنْ واقعي للتعاون الجيوسياسي. والحوار الأمني الرباعي هو الأداة المناسبة لهذه المهمة.

♦المدير التنفيذي لمؤسسة “أوبزرفر ريسيرش أمريكا”، ومقرها واشنطن.

*زميلة أولى في برنامج السياسة الخارجية بمعهد بروكينغز، ومؤلفة كتاب: «المثلث المشؤوم: كيف شكلت الصين العلاقات بين الولايات المتحدة والهند أثناء الحرب الباردة؟».

المصدر: فورين أفيرز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة