الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

هل ينجح البرلمان التونسي في كبح جماح الجمعيات الدينية غير المرخصة؟

 نشاط الجمعيات الخيرية والمدارس القرآنية الناشطة خارج إطار القانون والتي تعد حديقة خلفية للإسلام السياسي يثير جدلاً في تونس

كيوبوست – كريم وناس

 أعادت حادثة إيقاف المقرئ الكويتي “محمود الرفاعي”، بمحافظة قفصة مؤخراً، بتهمة ممارسة نشاط ديني دون ترخيص، الجدلَ في تونس حول دور الجمعيات الخيرية والدينية والمدارس القرآنية المنبثقة عنها والناشطة خارج إطار القانون، وتورطها في عمليات تبييض الأموال والاتجار بالبشر واستقطاب الأطفال والشباب وتوجيههم نحو التطرف وإرسالهم في ما بعد نحو بؤر الإرهاب.

اقرأ أيضاً: التعليم الديني.. إرث النهضة يراوح مكانه في تونس

وتوجد في تونس نحو 1130 جمعية خيرية أُحدثت أغلبها في الفترة الممتدة بين 2011 و2014؛ أي الفترة التي حكمت فيها الترويكا بقيادة حركة النهضة؛ الذراع السياسية لتنظيم الإخوان المسلمين، وتنشط ضمنها أكثر من 300 جمعية قرآنية، أحدثت داخلها ما سُمي بالمدارس القرآنية؛ وهي مدارس لا تخضع لمراقبة وإشراف مختلف أجهزة الدولة، كما لا تخضع لرقابة وزارة الشؤون الدينية مثلما هو الشأن بالنسبة إلى الكتاتيب التي تعلِّم القرآن الكريم؛ مما يعني أنها هياكل تعمل خارج نظر ورقابة الدولة.

تهم إرهابية تلاحق الداعية الكويتي

ملاحقات أمنية

وتأتي عملية إيقاف النشاط الديني غير المرخص له الذي أشرف عليه الشيخ الكويتي، ضمن حملات متواصلة من قِبل الأجهزة الأمنية التونسية، لفتح ملف الجمعيات الدينية المشبوهة التي تلقت وما زالت تتحصل على تمويلات أجنبية تقدَّر بالمليارات؛ بهدف الحد من نشاطاتها غير القانونية.

محمود الرفاعي معتاد على الذهاب إلى تونس منذ 6 سنوات

ففي سنة 2021، باشر القضاء التونسي ملف 4 جمعيات خيرية تم تكييفها ”مشبوهة” من قِبل الكتابة العامة للحكومة بعد أن تحصلت خلال الفترة الممتدة من 2012 إلى 2019 على مبالغ تقدر بـ27 مليون دينار، وواصلت الحصول على تمويلات أجنبية قدرها نحو 24 مليون دينار، رغم الشروع في تسليط عقوبات قضائية.

اقرأ أيضاً: أصابع “النهضة” و”اتحاد القرضاوي” تعبث بقطاع التعليم في تونس

ومع بداية سنة 2022، تمكنت فرقة أمنية مختصة في مكافحة الإرهاب من الكشف عن جمعية قرآنية بجهة السواسي التابعة لمحافظة المهدية، تنشط دون ترخيص قانوني؛ حيث تتولى تدريس أطفال أعمارهم أكثر من 6 سنوات، وتفرض نظاماً داخلياً ينص على ضرورة ارتداء التلاميذ ”اللباس الطائفي” والفصل بين الجنسَين.

في يناير 2019، تصاعد الجدل في الأوساط التونسية إثر الكشف عن مدرسة قرآنية عشوائية

منافية لتعاليم الدين

 رئيس المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة منير الشرفي، اعتبر في تصريح أدلى به إلى ”كيوبوست”، أن المشكل الأساسي المتعلق بنشاط هذه الجمعيات وأهدافها يكمن في توظيف القرآن الكريم والإسلام بشكل عام في أغراض قد تكون حتى منافية لتعاليم الدين الإسلامي، في ظل غياب رقابة أجهزة الدولة؛ حيث إن بعث مدرسة قرآنية يُعطيها نوعاً من السلطة والقداسة.

منير الشرفي

وذكَّر الشرفي باستماتة نواب الإخوان المسلمين في البرلمان المنحل في الدفاع عن ”مدرسة الرقاب القرآنية” بشكل مدهش بتعلة ضرورة عدم إغلاق المدارس القرآنية التي تكتسب القدسية من اسمها.

وفي يناير 2019، تصاعد الجدل في الأوساط التونسية إثر الكشف عن مدرسة قرآنية عشوائية، في مدينة الرقاب التابعة لمحافظة سيدي بوزيد (وسط غرب)، تلقِّن الأطفال أفكاراً متطرفة، وتعاملهم معاملةً سيئة، في ظروف صحية قاسية. وكشفت التحقيقات التي أُجريت حينها، مع أطفال المدرسة القرآنية، أنهم تعرضوا إلى شتى أشكال الانتهاك الجسدي، والعنف المادي والمعنوي. كما كشفت نتيجة الفحص الشرجي عن تعرضهم إلى اعتداءات جنسية.

اقرأ أيضاً: أبناؤكم في خدمتكم: دعاة الجهاد في تونس

ويؤكد الشرفي انتشار الكتاتيب القرآنية بشكل لافت منذ حكم الترويكا الذي قادته “النهضة”؛ مما يؤكد وجود رغبة من قِبل الجمعيات الدينية والخيرية التي تحوم حولها عديد من الشبهات المالية والسياسية، والتي يقف وراءها أساساً أحزاب وتيارات متطرفة، في نشر أفكار أيديولوجية رجعية ظلامية، ضمن سياسة الحركة الإخوانية الرامية إلى تغيير النمط المجتمعي التونسي، انطلاقاً من التعليم.

واستشهد الشرفي بما صرح به عبدالفتاح مورو، نائب رئيس حركة النهضة سابقاً ومرشحها للانتخابات الرئاسية السابقة -خلال جداله مع الداعية الإخواني وجدي غنيم حول واقع الإسلام السياسي في تلك الفترة- بأن الإخوان يرغبون في السيطرة على أبناء وبنات وأحفاد ونساء التونسيين بعد عشرات السنين “نحن نعلم أن هؤلاء خصومنا؛ لكن لم نباشرهم بعداوة ظاهرة، لأن غايتنا أبناؤهم ونساؤهم وأحفادهم.. نحن لا نرغب في هؤلاء؛ نحن نرغب في أولادهم وأبنائهم وبناتهم عندنا اليوم، وغاياتنا أن نفصل أبناءهم عن رأيهم، والحمد لله أن الله وفقنا في ذلك”.

  

شاهد فيدو مورو ووجدي غنيم

مدارس تأهيل ”للجهاد”

 ويؤكد رئيس المرصد الوطني للدفاع عن مدنية الدولة منير الشرفي، ضرورة غلق الجمعيات والكتاتيب والمدارس المُسمَّاة بـ”القرآنية”؛ التي تقوم بأدلجة الأطفال والشباب بأموال مشبوهة، بقصد تكوين إرهابيي المستقبل، معتبراً أن هذه المدارس بمثابة مراكز تأهيل للجهاد؛ حيث يتم غسل أدمغة الأطفال من أربع إلى ست سنوات، باستخدام أصحاب اللحى الطويلة والقميص الأفغاني والنساء المنتقبات أحياناً، وإجبار الفتيات الصغيرات أحياناً على ارتداء الحجاب رغم صغر سنهن.

ويضيف الشرفي “في هذه (المدارس القرآنية)، يتم بالأساس تحفيظ القرآن الكريم لأطفال في سن تتطلب تربيتهم بيداغوجياً وسيكولوجياً واجتماعياً وتعليمهم التصوير والغناء والرقص واللعب، إلى جانب تعلُّم بعض المبادئ الدينية التي يُمكن لعقل طفل صغير استيعابها؛ مثل حب الخير وطاعة الوالدين.. لكنَّ المشرفين على هذه (المدارس) عادةً ما يقتصرون على تحفيظ السور القصيرة للأطفال دون فهمها؛ بما فيها عبارات ومفاهيم لا يُدركها حتى أهل الاختصاص في اللغة العربية وفي التاريخ، مثل (ومن شر غاسق إذا وقب).. كما أنهم يُحدِّثون الأطفال عن نار جهنم وعذاب القبر.. وما إلى ذلك من العبارات التي تُؤرِّق الطفل وتجعل منه كائناً غير متوازن عقلياً في تلك السن المبكرة.

تونسيات منتقبات- وكالات

وتحوم شبهات كثيرة حول العديد من الجمعيات في تونس؛ بين جمعيات ذات أجندات أجنبية تكفيرية تنفق المال لأدلجة العقول ولغرس الفكر التكفيري في المجتمع، وجمعيات تخفي قضايا تهرب ضريبي وتبييض أموال، وبين جمعيات تخفي الطابع السياسي والمصلحي للظفر بأصوات فقراء العقول بعد أن اشترت كرامتهم”.

هل يأتي البرلمان بالحل؟

الكاتب الصحفي والمحلل السياسي باسل ترجمان، اعتبر في تصريح أدلى به إلى ”كيوبوست”، أن قانون الجمعيات الذي تم سنه في عهد حكم الإخوان لتونس، قد أنتج أزمة كبيرة وتسبب في فوضى قانونية استفادت منها حركة النهضة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين؛ حيث إن مئات من الجمعيات يؤسسها وينشط فيها نفس الأعضاء.

وحسب ترجمان، فإن هذه الفوضى تسببت في وجود انفلات لا تملك الكتابة العامة للحكومة التونسية قدرة السيطرة عليها، في ظل قلة عدد الأعوان المكلفين بمراقبة هذا الملف الشائك.

اقرأ أيضاً: منظمات تونسية تحذر من “الزحف الداعشي” داخل المدارس

ويضيف باسل ترجمان: “مجلس النواب القادم هو الوحيد القادر على سن تشريع جديد للجمعيات ينهي هذه الفوضى ويوقف هذه المهزلة المتعلقة بتمويل الجمعيات وطريقة تكوينها، والأمر نفسه بالنسبة إلى تأسيس الأحزاب التي انتصبت في تونس بعد يناير 2011؛ والتي بلغ عددها نحو 250 حزباً، في حين أن وجودها الفعلي على أرض الواقع لا يتجاوز العشرات، في ظل غياب مقرات تابعة لها وأي نشاط سياسي يُذكر.. هذه الفوضى كانت مقصودة؛ خصوصاً أن جماعات الإخوان تعتمد على مرتكز أساسه الفوضى كبوابة لاختراق المجتمعات والتأثير عليها عبر هذه الجمعيات الدينية؛ بهدف السيطرة عليها في مرحلة لاحقة. وعندما تكون هناك دول ومؤسسات وهياكل تراقب، تموت هذه الجمعيات والمنظمات؛ لأنها لا تملك القدرة على أن يكون لها أبواب للتسلل للعمل بشكل شرعي وقانوني”.

باسل ترجمان

ويؤكد المحلل السياسي باسل ترجمان، أن زيارة الداعية الكويتي، المحسوب على التيار الإخواني، هي جزء من عمليات الاختراق الممنهج التي تقوم بها هذه الجمعيات، ونعلم جيداً أن الإخوان المسلمين في الكويت لهم علاقات استراتيجية مع حركة النهضة، الذراع السياسية للإخوان المسلمين في تونس، ورئيسها راشد الغنوشي تحديداً، وهذه الزيارة امتداد لعمل الجمعيات التي لا يمكن لأي مرسوم أو قانون أن يوقف نشاطها.

 ”ما زالت قضية العشرة ملايين دينار تونسي التي منحها وزير التشغيل في حكومة الترويكا عبدالوهاب معطر، إلى جمعية يشرف عليها النائب الإسلامي في البرلمان المنحل والإمام المعزول والمعروف بأفكاره المتطرفة رضا الجوادي، لم تُفكك بعد”، حسب ترجمان، الذي يضيف: ستبقى كل هذه الفراغات التي تتسلل من خلالها الجمعيات الإخوانية وغير الإخوانية، ما لم يتغيَّر القانون، “فعلى سبيل المثال؛ تنظيم أنصار الشريعية المصنف إرهابياً في تونس هو جمعية في الأساس”، يختم باسل ترجمان.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

كريم وناس

صحفي تونسي

مقالات ذات صلة