الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

هل يمكن إيقاف انهيار الاقتصاد اليمني؟

تسهم الانتصارات التي تحققها قوات العمالقة في شبوة في عودة الآمال بشأن استئناف النشاط الاقتصادي من خلال ميناء بلحاف.. لكن هذا النشاط سوف يتطلب تأمين محافظة مأرب أيضاً.. وهكذا يمكن بوضوح رؤية أهمية فرض الاستقرار والقضاء على مختلف المخاوف الأمنية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي

كيوبوست- منير بن وبر

لقد أصبح لقب “أسوأ أزمة إنسانية في العالم” لصيقاً باليمن منذ سنوات؛ بسبب الحرب التي انطلقت منذ عام 2014 والأزمة التي سبقتها ببضع سنين. وعلى الرغم من تمكن الحكومة الشرعية من استعادة وتحرير أجزاء مهمة من البلاد، أغلبها في الجنوب؛ فإن الجهود المبذولة لتحسين الحوكمة والاقتصاد ظلت متواضعة، الأمر الذي أسهم في تدهور مستمر وحاد في قيمة العملة الوطنية حتى وصل إلى مستويات تاريخية، وأدى ذلك بطبيعة الحال إلى احتجاجات واضطرابات شعبية واسعة النطاق.

اقرأ أيضاً: مستقبل السلام بين الحوثيين والإخوان في اليمن

أدت المطالبات الشعبية الكبيرة والمتزايدة في مناطق مثل عدن وحضرموت إلى إجبار الحكومة على اتخاذ بعض التدابير؛ من بينها تعيين مدير جديد للبنك المركزي، أي الجهة المسؤولية عن إدارة المعروض النقدي الذي يؤثر على قيمة العملة. أدَّت التدابير الجديدة إلى تحسن قيمة الريال مؤقتاً؛ ذلك أن التغيير لا يعد اقتصادياً، بل إجراء إداري فحسب، ويجب أن يتبعه تغييرات في إدارة الاقتصاد والإدارة النقدية والمالية لتحسين الاقتصاد والنفقات، وبالتالي تحسين قيمة الريال.

يتطلب الاستقرار الاقتصادي الكثير من الأنشطة؛ من أهمها استئناف النشاط الاقتصادي، لكن الحرب تسببت في تعطيل الكثير من تلك الأنشطة، فهل تؤدي الانتصارات الأخيرة في شبوة والحراك الشعبي في حضرموت إلى جعل عوامل الإنتاج في البلاد آمنة ونزيهة بما يكفي لإيقاف انهيار الاقتصاد؟

الحالة الاقتصادية منذ ما قبل الصراع

يُعد اليمن بلداً منخفض الدخل منذ ما قبل الحرب، وهو يواجه تحديات صعبة تحد من قدرة الدولة على تحقيق الاستقرار الاقتصادي؛ يؤدي عدم الاستقرار الاقتصادي، بشكل طبيعي، إلى عدم الاستقرار السياسي والاجتماعي. قبل اندلاع الصراع المسلح في عام 2014، أشارت التقديرات إلى أن نسبة البطالة قد تصل إلى 27%، وأن معدل السكان تحت خط الفقر يفوق الخمسين في المئة.

عُملة يمنية فئة 1000 ريـال- AFP

لطالما كان اعتماد الدولة على قطاع النفط والغاز كبيراً؛ وفقاً لبعض التقديرات شكلت عائدات النفط والغاز ما يقرب من 25٪ من الناتج المحلي الإجمالي و65٪ من الإيرادات الحكومية. كان كل من قطاع الزراعة والخدمات أهم القطاعات المساهمة في الناتج المحلي الإجمالي.

اقرأ أيضاً: اليمن.. بداية المعارك الفاصلة في شبوة

لا شك أن اندلاع الصراع المسلح في عام 2014 أسهم في تسارع انهيار الاقتصاد، وبالطبع لذلك تأثير على الوضع الإنساني. في عام 2017، على سبيل المثال، قُدر معدل التضخم بـ20%. اليوم، يؤدي التضخم المتزايد والركود دوراً جوهرياً في تزايد حدة الانهيار الاقتصادي، واستمراره يمكن أن يؤدي إلى تضخم مفرط يخرج عن السيطرة ويهدد وجود الحكومة ويزيد من الاضطرابات وتقلُّب العملة وانهيار القانون.

أسباب التضخم في اليمن

التضخم هو ارتفاع الأسعار وانخفاض قدرة الناس على الشراء. ببساطة، يعني التضخم أن محتوى السلة الواحدة من الغذاء -مثلاً- يقل تدريجياً مع أن المبلغ المدفوع للحصول عليها هو ذاته؛ في مثل هذه الحالة عليك دفع المزيد من المال للحفاظ على مستوى الحياة المعهود، أو التنازل عن المزيد والمزيد من الاحتياجات بمرور الزمن. لا يعني هذا الوضع أن الناس يصبحون أقل قدرة على تلبية احتياجاتهم فحسب؛ بل حتى أولئك الذين أفنوا عمراً في الادخار للسنوات العجاف قد أصبحت مدخراتهم -بالعملة الوطنية- أقل قيمة بكثير؛ حتى باتت السنوات الحالكة -التي اقتضت حكمتهم الادخار لها- تفوق توقعاتهم بؤساً.

مستفيدون من برنامج Mercy Corps Food for Peace في اليمن- Mercy Corps for USAID

لا تزال أسباب التضخم محل نقاش بين الاقتصاديين؛ لكن الرأي المستقر هو أن التضخم يحدث عندما يفوق نمو المعروض النقدي النموَّ الاقتصادي، أي وجود كمية كبيرة من العملة الوطنية مع نمو ضئيل جداً في الأنشطة الاقتصادية. هذا السيناريو -التضخم المصحوب بالركود- هو ما يجري حالياً في اليمن؛ حيث قامت السلطات بطبع المزيد من العملة الوطنية وضخها في السوق، بينما النشاط الاقتصادي في البلاد ضعيف جداً.

يمكن أن تؤدي طباعة المزيد من العملة الوطنية مع نمو معتدل في الاقتصاد والتصدير إلى وضع أقل كارثية، وبمرور الزمن يمكن أن يعود الاقتصاد إلى مساره الصحيح؛ لكن مسألة النمو الاقتصادي هذه -وهي شرط أساسي لنجاح استراتيجية طبع وضخ المزيد من النقود لإبطاء التضخم- تخضع لظروف مختلفة تحول بين تحقيقها في الأجل القريب، وهذا يعني أن السياسات النقدية الحالية للبنك المركزي في عدن لن تؤدي إلا إلى مزيد من التضخم. ومما يزيد الوضع سوءاً هو أن التضخم -بشكل عام- يشجع ازدهار المضاربين بالعملة الذين يبنون أرباحهم بناء على توقعاتهم الحتمية باستمرار تراجع قيمة الريال اليمني.

اقرأ أيضاً: 120 عاماً من الصراع في اليمنماذا تعلمنا من صراع أكثر من قرن في اليمن؟

أسباب ضعف الأداء الاقتصادي

يعتمد الاقتصاد اليمني أساساً على قطاع النفط والغاز والزراعة والخدمات. تعتبر محافظات مأرب وشبوة وحضرموت المساهم الأول في قطاع النفط والغاز، وباستثناء حضرموت، فإن الوضع المتأزم في كل من مأرب وشبوة بسبب تمدد الحوثيين يحول دون العودة الفعالة لتشغيل المرافق المسؤولة عن إنتاج وتصدير النفط والغاز في هاتين المحافظتَين، ناهيك بتوقف التصدير منذ سنوات عبر ميناء رأس عيسى بالحديدة. كانت هناك مخاوف جادة من احتمالية تمدد الحوثيين من شبوة ومأرب إلى حضرموت؛ لكن هذه المخاوف انخفضت كثيراً بعد طرد الحوثيين مؤخراً من أجزاء واسعة كانت تحت سيطرتهم في شبوة.

تسهم الانتصارات التي تحققها قوات العمالقة في شبوة في عودة الآمال بشأن استئناف النشاط الاقتصادي من خلال ميناء بلحاف.. لكن هذا النشاط سوف يتطلب تأمين محافظة مأرب أيضاً.. وهكذا يمكن بوضوح رؤية أهمية فرض الاستقرار والقضاء على مختلف المخاوف الأمنية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي

منشأة بلحاف الغازية.. محافظة شبوة- TOTAL

بلغ إنتاج اليمن من النفط 400 ألف برميل يومياً عند ذروته خلال العقد الأول من القرن الحادي والعشرين؛ لكنه تراجع تدريجياً بسبب انخفاض الإنتاج في الحقول الناضجة ثم بسبب الحرب، وهو يقدر اليوم بـ57 ألف برميل في اليوم فقط، وتشير تقديرات أخرى إلى أرقام أقل. يؤدي الصراع وتزايد حدته إلى فرار المشغلين الأجانب، بل وحتى بحثهم عن البدائل أو الانتظار لفترة طويلة حتى يسود السلام، وبالتالي استمرار تراجع إنتاج وتصدير النفط والغاز في البلاد.

اقرأ أيضاً: الاقتصاد اليمني بين عجز الحكومة وطغيان المتمردين

من ناحية أخرى، تراجعَ قطاع الخدمات والقطاعات الأخرى -مثل الاستيراد والتصدير وتجارة الجملة- بسبب القيود التي تفرضها الحرب وتدهور البنية التحتية وتراجع استثمارات القطاعَين العام والخاص. أما القطاع الزراعي فهو القطاع الوحيد تقريباً الذي لا يزال يعمل بشكل أو بآخر رغم تأثره.

ومن اللافت للنظر أن أغلب الإنتاج الزراعي هو في الواقع في مناطق سيطرة الحوثيين في شمال البلاد؛ وقد أدى استمرار الإنتاج في هذا القطاع، مع القيود الصارمة التي يفرضها الحوثيون على المعروض النقدي، إلى انخفاض أسعار الصرف في مناطق سيطرتهم، وانخفاض التضخم، مقارنةً بمناطق سيطرة الحكومة الشرعية.

طفل يستخدم عربة يجرها حمار للعمل.. محافظة عدن جنوب اليمن- AFP

إن استمرار التضخم وضعف الأداء الاقتصادي سيؤديان حتماً إلى حالة من التضخم المفرط، وهو وضع تزيد نسبة التضخم فيه على 50% شهرياً؛ يحدث هذا الوضع عندما تفقد الحكومة السيطرة على زيادات الأسعار، وتفقد العملة الوطنية المزيد من قيمتها، وفي وضع مماثل تكون قدرة التدخلات الحكومية لتغيير المسار محدودة للغاية، وغالباً ما يصاحب ذلك الفوضى والإفلاس وانهيار النظام والقانون.

لمواجهة هذا المصير البائس، يجب العمل أولاً على تحقيق انتصارات حاسمة توقف التهديدات الأمنية للنشاط الاقتصادي، وتغيير السياسات النقدية، يلحقها إجراء إصلاحات شاملة في نظام الحوكمة.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج

مقالات ذات صلة