الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

هل يمضي سعيد لتغيير النظام السياسي التونسي؟

الرئيس التونسي يتجه لإجراء تعديلات دستورية ستمنح رئاسة الدولة صلاحيات أوسع

تونس- فاطمة بدري

منذ توليه الرئاسة في 2019، كان واضحاً من تصريحاته وتعليقاته أن الرئيس قيس سعيّد، غير راضٍ عن صلاحياته المحدودة كرئيس، ودخل في صراع مع رئيس الحكومة ورئاسة البرلمان؛ في محاولة لإثبات أن حضوره ليس صورياً كما كان يُراد له، خصوصاً من طرف رئيس حركة النهضة والبرلمان المجمد راشد الغنوشي. ولهذا يتجه هذه الأيام لتهيئة المناخ السياسي في البلاد ليكون ملائماً للتغييرات التي يعتزم إدخالها، والتي تتعلق أساساً بشكل النظام السياسي والصلاحيات الجديدة للرئيس بصيغة تجعله أعلى هرم السلطة التنفيذية بدل الازدواجية بين رأسَي هذه السلطة (رئاسة الجمهورية ورئاسة الحكومة) التي كانت سائدة خلال السنوات الماضية التي تَلَت 2011، وأثارت دائماً خلافات بين الطرفَين. ويبدو أن سعيّد يمضي نحو هذه الخطوة غير عابئ بالأصوات الرافضة إجراء هذه التعديلات الدستورية؛ خصوصاً حركة النهضة التي ترغب في استمرار الدستور بكل فِخاخه التي تعمدت زرعها عندما كانت الطرف الأبرز الذي صاغ الدستور، واستفادت منها طوال فترة حكمها.

وأعلن الرئيس التونسي قيس سعيّد، خلال جولة له في شارع الحبيب بورقيبة بقلب العاصمة تونس، مساء السبت الـ11 من سبتمبر، إمكانية إدخال تعديلات على دستور البلاد تستجيب لتطلعات الشعب. وقال “أحترم دستور عام 2014 الديمقراطي؛ لكنه ليس أبدياً ويمكن تعديله. الشعب سَئِم الدستور والقواعد القانونية التي وضعوها على المقاس، ولا بد من إدخال تعديلات في إطار الدستور”.

اقرأ أيضًا: تونس تمضي قدمًا في انتقالها الديموقراطي

وأضاف: “الدساتير ليست أبدية، ويمكن إحداث تعديلات تستجيب للشعب التونسي؛ لأن السيادة للشعب ومن حقه التعبير عن إرادته”.

وجاءت تصريحات سعيّد عقب إعلان المستشار بالقصر الرئاسي وليد الحجام، في حديث إلى “رويترز”، الخميس التاسع من أيلول الجاري، أن هناك توجهاً لتعليق العمل بالدستور الحالي، ووضع تنظيم مؤقت للسلطات، وتغيير النظام السياسي، والذهاب إلى استفتاء قبل الإعلان عن انتخابات مبكرة؛ حيث قال الحجام: “النظام سيكون رئاسياً وليس رئاسوِياً عانت منه تونس سابقاً (في إشارة إلى حكم نظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي)”.

دستور 2014 المفخخ الذي ترفض “النهضة” تعديله- (صورة وكالات)

ويبدو أن سعيّد العازم جدياً على القيام بجملة من التغييرات في الدستور، كان يرغب في تعليق العمل به نهائياً؛ ولكن كان يجهل تأثير هذا القرار في الداخل والخارج. ولهذا سبق إعلانه الشخصي عن الموضوع حديث مستشاره وليد الحجام، الذي تحدث عن فرضية القيام بتعليق العمل بالدستور لقراءة ردود الفعل الداخلية والخارجية. ومما لا شك فيه أن سعيّد قد عاين الرفض الواسع الذي قوبل به هذا التصريح، وخشي أن يستخدم خصومه ذلك؛ خصوصاً أمام القوى الدولية، حيث سيروجون لكونه لا يحترم الدستور ويتجه لتأسيس نظام ديكتاتوري، معتمدين في ذلك على مواقف المنظمات الوطنية وبعض الأحزاب. ولهذا سارع بالإعلان بعد يومَين أنه سيقوم بتعديلات على الدستور بدل الحديث عن تعليق العمل به، في خطوة بدت مدروسة، وأكدت أن تصريحات المستشار كانت عبارة عن جس نبض جميع الأطراف، بينما كانت تصريحات سعيّد قراراً حاسماً. ولعل هذا ما يفسر استدعاء سعيّد، الثلاثاء الـ14 من سبتمبر، عدداً من أساتذة القانون الدستوري، ممن يحظون بثقته؛ لتدارس الأمر معهم، وربما لتحضيرهم ليكونوا أعضاء اللجنة التي ستتولى الإشراف على التعديلات التي سيقوم بها.

اقرأ أيضًا: أمام وفد الكونغرس الأمريكي.. سعيّد يدافع عن السيادة التونسية

تعديلات منتظرة

ومن التعديلات المنتظرة من طرف الرئيس قيس سعيّد، أن يضع حداً للازدواج بين رأسَي السلطة التنفيذية وأن يبددها؛ ولهذا فإن أول التعديلات سيكون تعديل السلطة التنفيذية عبر توحيد رأسَيها، وإنهاء الازدواج الوظيفي بينهما. بمعنى أن السلطة التنفيذية في النظام السياسي المرتقب ما بعد تعديل الدستور ستكون مكونة من رئيس الجمهورية مع صلاحيات مهمة أو بالأحرى أبرزها، ووزير أول بصلاحيات ومهام معينة دون أن يكون حضوره صورياً، في استنساخ لتجربة الرئيس التونسي الأسبق زين العابدين بن علي. وستختفي بذلك مؤسسة رئاسة الحكومة وتحل محلها الوزارة الأولى. ومن شأن هذا التعديل أن يمنع استمرار تغول سلطة البرلمان التي تتحكم عملياً في التسيير باعتبارها مَن يصادق على الحكومة ومَن يسقطها ومَن يسائلها ومَن يوافق على الكثير من القرارات حتى يتم تفعيلها. والأخطر أنه ليس كل كتل البرلمان تحظى بهذه الصلاحية فقط؛ بعض الأحزاب المتحالفة في ما بينها وتلتقي في الأفكار والأهداف وتشكِّل في ما بينها عدداً مهماً من المقاعد هي التي تحتكر التسيير كما كانت الحال مع حركة النهضة وائتلاف الكرامة وقلب تونس. ولهذا ستشمل تعديلات سعيّد أيضاً التخفيف في صلاحيات البرلمان؛ حيث سيكون موكولاً إليه عملية التشريع ومراقبة عمل الحكومة، لكن وَفق استراتيجية جديدة تمنع التحكم بخياراتها أو تعطيلها في حال لم تحظَ برضا بعض الكتل الحزبية. وطبعاً سيتجه سعيّد مباشرةً إلى الاستفتاء وعرض تعديلاته الدستورية، ليضفي صبغة ديمقراطية من شأنها أن تُطمئن الداخل والخارج.

رابح الخرايفي

ويتوقع الباحث في القانون الدستوري والنيابي رابح الخرايفي، أن يكون تعديل الدستور جزئياً، ولا يطول الأبواب الأساسية فيه، مرجحاً أن تطول التعديلات أساساً صلاحيات وأدوار السلطتَين التنفيذية والتشريعية.

وقال رابح الخرايفي لـ”كيوبوست”: “إن قيام رئيس الجمهورية بتعديل الدستور ممكن على اعتبار أن الوضع في تونس حالياً لا يخضع للسريان العادي للدولة؛ لكن ليست كل الأبواب في الدستور قابلة للتعديل أو التغيير، على غرار باب الحريات العامة، وباب استقلال القضاء، وباب بالمحكمة الدستورية، وباب السلطة التنفيذية ورأسيها وما انجر عنه من مشكلات تنازع الاختصاص، تجعله في حاجة إلى مراجعة وتعديل بأن تكون السلطات بيد رئيس الجمهورية؛ هذا إلى جانب ضرورة تنقيح باب السلطة التشريعية وآليات الرقابة على رئيس الدولة”.

يأمل التونسيون في مسار سياسي جديد-“AFP Photo”

وأثارت تصريحات سعيّد ومستشاره ردود فعل كثيرة؛ كان أبرزها موقف حركة النهضة الرافض صراحةً أي مساس بدستور 2014.

وقالت حركة النهضة، في بيان صدر عنها السبت الـ11 من سبتمبر الجاري: “إن دستور 2014 مثَّل أساس التعاقد السياسي والاجتماعي، وحظي بتوافق جل العائلات السياسية، ورضا شعبي واسع، كما مثَّل أساساً للشرعية الانتخابية لكل المؤسسات التنفيذية والتشريعية بتونس”.

اقرأ أيضًا: ماذا ينتظر تونس بعد تمديد تعليق البرلمان؟

الغنوشي لا يستوعب درس 25 يوليو- (صورة وكالات)

وتسعى حركة النهضة، التي ما زالت تتطلع للعودة إلى الساحة السياسية، للإبقاء على كامل تفاصيل وجزئيات المشهد السياسي الذي رسمته على مدار السنوات العشر، وساعدها على الاستمرار في الحكم على غرار دستور 2014 الذي تعمدت تركه مفخخاً؛ حتى يتسنى لها توجيهه وتطويعه وَفق هواها، باعتبارها أبرز مهندسيه. ولعل استحضار رد راشد الغنوشي، قبل سنوات، على أحد العناصر المتشددة في جلسة خاصة عندما سأله (كيف لم يدرج الشريعة الإسلامية كآلية للتشريع في الدستور؟) أجابه حينها بأنها مناورة حتى يواجه ضغط الأحزاب التقدمية والمنظمات الوطنية، وقال حرفياً “الدستور يفسره الأقوى”.

 قال الغنوشي ذلك لأنه كان يظن أن الحركة قد عبَّدت الطريق لتستمر في صورة الحزب الأقوى الذي يحرك المشهد على هواه. ويبدو أن الحركة لم تتخلص بعد من الشعور بأنها الأقوى، ولم تستوعب جيداً حجم أحداث الـ25 من يوليو؛ ولهذا تستمر في التعاطي وَفق واقع ما قبل هذا التاريخ؛ ولكن من المرجح أن تستفيق قريباً عندما يباشر سعيّد هذه التعديلات وتكون واقعاً ملموساً.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

فاطمة بدري

كاتبة صحفية تونسية

مقالات ذات صلة