الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

هل يفيد وهم تشرشل في تغيير الحقيقة القاتمة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؟

كيوبوست – ترجمات

نيك كوهين♦

تجب محاسبة ونستون تشرشل عندما تطرح بريطانيا نفسها خارج الاتحاد الأوروبي. فعلى مَن يقع اللوم في تفكيك وإفقار المملكة المتحدة؟ إنه تشرشل، وباعتراف أتباعه. ومَن المسؤول عن الحدود في البحر الأيرلندي ونقص الغذاء والصعود الذي لا يمكن مقاومته للقومية الأسكتلندية؟ والصفعات التي لا داعي لها للاقتصاد المنكوب لدولة موبوءة؟ لا داعي للسؤال، فقد كان ونستون تشرشل مرة أخرى.

ولا يتعلق الأمر بالجانب التاريخي لتشرشل؛ بل بوهم النزعة المرتبطة به التي شكلت جيلاً كاملاً. وسيظهر زيفها في أول يناير. وإلى ذلك الحين، لا يزال بإمكان المحافظين التظاهر بأن وعودهم بالثراء الذي سيخلفه خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لم تكن كاذبة. ولا يزال بإمكانهم الاعتقاد بأنه بمجرد أن يكمل بوريس خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، يمكنه الانتقال إلى مستوى أعلى أو معالجة جائحة كورونا أو أية قضية أخرى تمر عبر عقله غير الناضج. وهم ما زالوا لا يدركون أنه في غضون أسابيع قليلة ستبدو كلماتهم سخيفة كما لو أنك تقول: “بعد أن كُسرت ساقي، سأجري في ماراثون”.

شاهد: مديربرافدا روسيا“: قوى العالم الجديد تعيد صياغة قوانين اللعبة السياسية

وظلَّ تشرشل يطارد كارثة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كما لو كان روحاً شريرة. وتم الترويج لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي مع تنامي نزعة استلهام روح تشرشل، مستغلين الاستثنائية الإنجليزية. وقالوا إن تشرشل وقف وحيداً عام 1940 ضد قارة مظلمة، ويمكننا فعل ذلك مرة أخرى. وعرف جونسون كيف يستغل هذا الخيال القومي. وبدأ يتقدم في داونينج ستريت بكتابة سيرة تشرشل الذاتية. وقال جونسون خلال حملة استفتاء عام 2016: “كان وينستون تشرشل سينضم إليَّ في حافلة المعركة”، وكان من شأن وينستون أن يتفق معه في أن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بمثابة “فرصة للشعب البريطاني ليكون بطل أوروبا” من خلال الوقوف في وجه دولة الخلافة للإمبراطوريتَين النازية والنابليونية.

رئيس الوزراء البريطاني ونستون تشرشل يخاطب الحشود- أرشيفية

وفي عام 2019، افتتح نايجل فاراج تجمعات حزب “بريكست” على صوت صفارات الإنذار من الغارات الجوية. وليس هناك ما يضمن أن دعم تشرشل يحمي سياسياً ضد ورثة الفاشية اليوم، وتبدو بريطانيا معزولة في عالم غير مبالٍ؛ لأن جونسون استخدم تشرشل كذريعة للإساءة عنصرياً إلى باراك أوباما. ويقتنع جو بايدن والديمقراطيون أن جونسون هو ترامب البريطاني؛ لأنه عندما حثّ أوباما البريطانيين على البقاء في الاتحاد الأوروبي، قال جونسون إن “الرئيس الكيني كان مدفوعاً جزئياً بـ(كراهية الأجداد للإمبراطورية البريطانية التي كان تشرشل مدافعاً متحمساً عنها)”.

اقرأ أيضاً: كيف تستطيع أوروبا والولايات المتحدة أن تجددا تحالفهما؟

وفي نظرية المؤامرة شبه البيرترية لجونسون (التي تشكك في مولد أوباما في الولايات المتحدة)، كشف أوباما عن أصوله الكينية الداخلية من خلال إزالة تمثال نصفي لتشرشل من البيت الأبيض. وإذا تركنا جانباً أن فلاديمير بوتين وجميع الآخرين الذين لا يحبون بريطانيا رحَّبوا بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي؛ فإن القصة لم تكن صحيحة حتى.

وقد يتم تعويض انعكاس ثقافة تشرشل على اليمين الأمريكي والبريطاني على حدٍ سواء إذا استمرت في معاداة الفاشية من قِبل التحالف في زمن الحرب. لكن ليس هناك ما يضمن أن يؤدي دعم تشرشل إلى عزل سياسي ضد ورثة الفاشية. وتفاخر ستيف بانون بالطريقة التي نصح بها جونسون بشأن كيفية تقويض رئاسة تيريزا ماي للوزراء. وقال جونسون إنه التقى بانون لكنه لم “يتواطأ” معه. ومع ذلك، وحسب رواية بانون، فإن تشرشل جمع صفات البلطجي اليميني المتطرف والمحافظ “السائد” معاً. وقال بانون: “لقد كتب كتاباً رائعاً حقاً عن تشرشل”. وأضاف: “هذا أحد الأشياء التي أخبرته بها”.

بوريس جونسون عندما كان عمدة لندن خلال الاحتفال بأول ميدالية ذهبية لبريطانيا في أوليمبياد 2012- “ديلي ميل”

وعند هذه النقطة، سوف يصرخ المؤرخون وأفراد عائلة تشرشل بأن وهم تشرشل لا علاقة له بونستون تشرشل الحقيقي. فلم تقف بريطانيا بمفردها عام 1940. وقد كانت على رأس إمبراطورية شاسعة، قادرة على قيادة الملايين من القوات السوداء والبنية المكتوبة والتي حذفها اليمين من التاريخ. وإن لصق ذلك بشخصية تشرشل يقلل من شأن ذكرى الحرب العالمية الثانية على أنها “حرب شعبية”، وقبل كل شيء، حرب تم خوضها كشريك في تحالفٍ عالمي. ويبدو أن تشرشل بليتز (أوج الأزمة بين ألمانيا وبريطانيا) وتشرشل بريكست بالكاد لا يجتمعان.

اقرأ أيضاً: الجرح النازف في قلب أوروبا ما بعد هتلر

ولعل من أفضل الكتب حول خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا يتحدث فقط عن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، كما يُظهر كتاب «أساطير تشرشل» الذي نشره المؤرخون ستيفن فيلدنغ وبيل شوارتز وريتشارد توي؛ حيث يقول إن الأوهام في حالة الهياج القومي تتغلب دائماً على الحقائق. وقد كتبوا أنه “مع تسارع تراجع بريطانيا، زادت الحاجة إلى تشرشل. ومتى تم ذكر اسم تشرشل في الوقت الحالي، يمكنك التأكد من أنه سيكون بمثابة تعويذة لاستدعاء الاستثنائية الإنجليزية”.

وقد أجريت مقابلة مع المؤرخ أندرو روبرتس، في التسعينيات؛ حيث كان يقوم بإعداد التعويذة التي كان على جونسون أن يتبناها ويستغلها. وكان تشرشل شخصية غامضة للرجعيين في ذلك الوقت. وبينما كان في السلطة في الخمسينيات من القرن الماضي، كان متسامحاً جداً مع النقابات العمالية وحالة الرفاهية، بما يرضيهم ومستعداً جداً للسماح بهجرة السود.

متظاهر مؤيد لبريكست يقف مع لافتة على تمثال ونستون تشرشل في لندن.. مارس 2019- وكالات

واستبدل روبرتس ثم جونسون، بتشرشل التاريخي آخر شعبوي تمسك بإصبعين في وجه مؤسسة المحافظين الغادرة؛ تماماً كما كان جونسون ينقلب على “أعداء الشعب” في مؤسسة اليوم. وقد جعل جونسون وروبرتس من تشرشل شخصاً إنجليزياً صغيراً وقف في وجه أوروبا بمفرده. وهم يلتفون على عنصرية تشرشل التي لا شك فيها والاستثنائية حتى بمعايير ذلك الوقت، بالقول إن إيمانه بالتفوق العرقي للشعوب الناطقة بالإنجليزية منحه الثقة لمحاربة هتلر.

وأعتقد أن المعلقين الذين يرون في حركة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي أنها حنين إمبراطوري، يفوتون هذه النقطة.. إنها حركة انعزالية يغذيها الحنين إلى حرب لا يكاد أي شخص بقي على قيد الحياة قد خاضها، وخوف مرضي من أن بروكسل هي برلين هتلر. وهذا كله أنتج خيال أن بريطانيا يمكن أن تطأ قدمها مرة أخرى وتشق طريقها.

اقرأ أيضاً: رئيس الوزراء البريطاني يكتب: نحن بحاجة إلى معالجة الحاضر وليس إعادة كتابة الماضي

وفي 1 يناير المقبل، سيكون البريطانيون هم خاسري أوروبا، وليسوا أبطال جونسون. ويجب أن يشمل الحساب تسوية كاملة للحسابات مع جونسون وروبرتس، وغيرهما من أتباع تشرشل الدجالين، الذين قادوا بلادهم إلى الخراب من خلال التظاهر بأننا استثنائيون عندما نكافح لنكون عاديين. وإذا لم نفعل ذلك، فلن يعتذر اليمين عن وعوده الكاذبة. وسوف يهدر ويمضغ سيجاراً وهمياً (كعادة تشرشل) ويقول إن الوظائف المفقودة وتفكك البلد لا شيء مقارنة بالتضحيات التي قدمتها الأجيال السابقة.. وماذا أيضاً؟ إنها حرب ونستون تشرشل.

♦كاتب عمود في “الأوبزرفر”

المصدر: الجارديان

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة