الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
هل يعود الإرهاب إلى اليمن في ظل التطورات الأخيرة؟

كيوبوست
يحذر مسؤولو الأمم المتحدة من احتمالية خسارة ثمانية ملايين يمني للمساعدات الإنسانية بداية من شهر مارس؛ هذه المساعدات التي تشتد الحاجة إليها تتناقص باستمرار، ليس بسبب نقص الأموال فحسب؛ بل أيضاً بسبب العراقيل التي لا تنتهي التي يضعها الحوثيون أمام هذه المنظمات، إضافة إلى تزايد الصراع في البلاد والانفلات الأمني، ولعل عملية اختطاف خمسة موظفين من الأمم المتحدة مؤخراً هي مسمار آخر جديد في نعش المساعدات الدولية إلى اليمن.
تُعد عملية الاختطاف التي حدثت في محافظة أبين، في الحادي عشر من فبراير، تطوراً خطيراً -وإن لم يكن الأول من نوعه- لأنه يأتي في وقت تشتد فيه الحاجة إلى الدعم والمساعدة الدولية، وفي وقت تركت فيه الكثير من المنظمات الدولية العمل من صنعاء، الواقعة تحت سيطرة المتمردين الحوثين، لتتخذ من عدن، جنوب البلاد، مقراً لعملياتها بعيداً عن تقييد المتمردين.
الاختطاف وطلب الفدية هما أحد أساليب الجماعات الإرهابية للحصول على التمويل، ولتحقيق مطالبهم التي غالباً ما تكون طلب الإفراج على عناصر تابعة لهم. باشرت الحكومة اليمنية الشرعية العمل على إطلاق سراح المختطفين من خلال وساطات قبلية، إلا أن المفاوضات، حسب وسائل إعلام، وصلت إلى طريق مسدود.
اقرأ أيضاً: ماذا استفاد بايدن من تخفيف الضغط على الحوثيين؟
عودة الإرهاب
تنشط الجماعات الإرهابية في اليمن منذ التسعينيات من القرن الماضي، ولعل أشهر أعمالها كان الهجوم على المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول” في خليج عدن، وما أعقب ذلك من استهداف للسياح في حضرموت والسفارة الأمريكية في صنعاء، ناهيك بجعل اليمن مركزاً لعمليات عابرة للحدود في أوروبا والولايات المتحدة.
لكن الظهور الأكثر درامية لنشاط التنظيم كان بعد الثورة اليمنية، ولاحقاً بعد انهيار الدولة وسيطرة الحوثيين. في عام 2012 على سبيل المثال، قام تنظيم القاعدة بخطف القنصل السعودي في اليمن، وطالب الإرهابيون المملكة العربية السعودية بإطلاق سراح أسيرات “القاعدة” في السجون السعودية، ودفع فدية لتحرير الدبلوماسي. كما طالبوا بإرسال موفد إلى بلدة جعار بمحافظة أبين الجنوبية، والتي كانت تحت سيطرة التنظيم حينها.

لا تختلف عملية الاختطاف الأحدث عن عملية عام 2012 كثيراً؛ حيث قام مسلحون باختطاف خمسة من موظفي الأمم المتحدة في محافظة أبين، وذلك أثناء عودتهم إلى عدن بعد الانتهاء من مهمة ميدانية. طالب الخاطفون بإطلاق سراح عناصر من التنظيم تحتجزهم الحكومة اليمنية الشرعية في عدن، كما طالبوا بفدية مقدارها مليون ريال سعودي. توسطَ قبليون بين الحكومة اليمنية والخاطفين، إلا أن المفاوضات فشلت إلى الآن؛ بعد أن رفضت الحكومة اليمنية المشاركة في تبادل الأسرى، وفي المقابل، هدد الخاطفون بقتل الرهائن إذا حاولت قوات الأمن والجيش استخدام القوة لإطلاق سراحهم.
تأتي هذه التطورات في وقت يواجه فيه المتمردون الحوثيون وتنظيم القاعدة، على حد سواء، ضربات موجعة من قِبل التحالف العربي والقوات الجنوبية، لتخليص البلاد من شر هذه الجماعات بعد سنوات طويلة من العبث وتبادل المنافع والتحالفات المعقدة؛ بما في ذلك مع ميليشيات الإخوان المسلمين الذين يمتلكون نفوذاً واسعاً في الحكومة اليمنية.
اقرأ أيضاً: كيف يجعل الحوثيون المرض لصيقاً باليمن؟
لتشتيت الانتباه والانتقام؛ ردَّ المتمردون الحوثيين بضرب الإمارات والسعودية، ويبدو أن “القاعدة” بدأت ترد على طريقتها الابتزازية من خلال الهجمات والخطف وطلب الفدية، بعد تناقص مواردهم بسبب تقلص نفوذ الإخوان والحوثيين في شبوة وأبين وقريباً في مأرب. كل ذلك، والشعب، جنوباً وشمالاً، يعاني تدهوراً قياسياً في الاقتصاد وتفاقماً حاداً في الأزمة الإنسانية المستمرة؛ وهي أمور لا تعني للجماعات الإرهابية والمتمردة الفاقدة إنسانيتها أي شيء.
لماذا الجنوب؟
لطالما كان الجنوب المُحرَّر هدفاً للعمليات الإرهابية. يعتقد الجنوبيون وكثير من المراقبين أن ذلك نتيجة طبيعية لوحدة الأهداف بين الحوثيين والعناصر الإرهابية والإخوان المسلمين، والمتمثل في إيقاف مشروع الجنوبيين المنافي للوحدة اليمنية التي تُعتبر أمراً إلهياً (الوحدة الإسلامية). لطالما عبَّر زعماء تلك الجماعات عن هذه الفكرة بوضوح؛ ولعل أشهرها الفتوى التي أُصدرت أثناء حرب الانفصال سنة 1994، والتي تؤيد قتل الجنوبيين “المخالفين للدين الإسلامي”؛ بسبب دعوتهم إلى الانفصال.

تثير تلك الحقائق مخاوف جادة من تحويل الجنوب بالفعل إلى ساحة صراع لا تهدأ بسبب تلك الأفكار المتطرفة؛ تتعزز تلك المخاوف كلما تقدمت القوات الجنوبية في إحراز نصر ضد الجماعات الإرهابية والمتمردة، مثل ما حدث في شبوة مؤخراً، والتي ترد على تلك الإنجازات من خلال الخطف والهجمات الإرهابية الدموية.
مراقبون آخرون يرون أن عملية الاختطاف الأخيرة تأتي بتدبير من الحوثيين؛ رغبةً منهم في إيصال رسالة إلى المنظمات الأجنبية بأن الجنوب غير آمن، وذلك لإرغامها على العودة إلى صنعاء بعد أن تركوها بسبب مضايقات المتمردين الحوثيين لهم. ينظر الحوثيون إلى المنظمات الإنسانية الدولية بعين الريبة والشك؛ يعتقدون أنها أذرع للدول الأجنبية للتجسس عليهم، ومع ذلك هم بحاجة أيضاً إلى هذه المنظمات للحصول على المساعدات.
اقرأ أيضاً: تقرير أممي جديد حول انتهاكات جسيمة يرتكبها الحوثيون في اليمن
بالنسبة إلى الحوثيين، الطريق الوحيد للاستفادة من المنظمات الدولية بأقل المخاطر وأعلى الفوائد هو فرض الرقابة الصارمة على عملها، والتدخل السافر في توزيع المساعدات التي تفيد “المجهود الحربي” والموالين لهم، وطبعاً هو أمر ترفضه المنظمات حيناً وتقبله مرغمةً حيناً آخر؛ لكن في النهاية يهدد كل ذلك بقاء واستمرار العمل الإغاثي في البلاد بأكملها.
لا شك أن الإرهاب يزدهر في البيئات المنهارة، والفراغ الأمني، وازدهار اقتصاد الحرب. يصبح الأمر أكثر سوءاً عند تنامي النزعة الطائفية وتداخل وتقلب التحالفات والولاءات. هذا هو الحال في اليمن، ولاحتوائه يجب العمل على عدة جبهات في وقت واحد؛ بدايةً من زيادة الجهود العسكرية النوعية والمحترفة، ومروراً بتحسين الحكم المحلي والاقتصاد والأمن، ووصولاً إلى تشتيت وتدمير العناصر المُفسدة، والترويج للاعتدال ومحاربة الأفكار والجماعات المتطرفة فكرياً.