الواجهة الرئيسيةشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية
هل يعكس التعاون العسكري بين الصين والسعودية توتراً مع الحليف الأمريكي؟
مراقبون لـ"كيوبوست": امتلاك المملكة للصواريخ الباليستية أمر بالغ الأهمية ولا يتعارض مع الرؤية السياسية القائمة على دعم السلم الدولي

كيوبوست
على الرغم من أن الحديث عن حصول السعودية على صواريخ باليستية من الصين ليس بجديد، فإن شبكة سي أن إن الأمريكية نشرت تقريراً، تحدثت فيه عن عزم الإدارة الأمريكية معاقبة جهات مرتبطة بنقل تكنولوجيا الصواريخ الباليستية الصينية إلى السعودية، بعدما أفادت وكالة الاستخبارات الأمريكية بعمل الرياض الآن، وبنشاط، على تصنيع الصواريخ بمساعدة صينية.
وبحسب الشبكة الإخبارية الأمريكية، فإن صور الأقمار الصناعية التي حصلت عليها تفيد بقيام المملكة في الوقت الحالي بتصنيع الأسلحة بموقعٍ واحد على الأقل، حيث جرى إطلاع بعض أعضاء الكونجرس في الأشهر الماضية على معلوماتٍ استخباراتية جديدة حول هذا الأمر.

وبحسب تقرير نشرته ديلي تليغراف البريطانية لمراسلتها في الشرق الأوسط؛ جوزي إينسور، قبل عامين، فإن السعودية اشترت من الصين تكنولوجيا تعزِّز ترسانتها من السلاح، في إطار سعيها لموازنة القوة مع إيران، علماً بأن تطوير برنامج الصواريخ الباليستية جاء بالرغم من السعي الأمريكي للحدِّ من انتشار هذه الصواريخ في المنطقة، في ضوء مشاركة واشنطن في الاتفاقية الدولية الموقعة للحد من صادرات الصواريخ، وهي الاتفاقية التي لم توقِّع عليها الصين.

وبالرغم من تداول الخبر، لم يصدر تعليق رسمي من المملكة حتى الآن، بحسب الكاتب والمحلل السعودي أحمد آل ابراهيم الذي يقول لـ”كيوبوست”، إن امتلاك المملكة للصواريخ الباليستية أمر بالغ الأهمية، ولا يتعارض مع الرؤية السياسية القائمة على دعم السلم، لكن لا يمكن قبول امتلاك بعض الدول والتنظيمات المارقة لصواريخ باليستية في المنطقة تهدد أمن المملكة القومي، من دون أن يكون هناك حرص من الرياض على امتلاك هذه الصواريخ.
تعاون محدود
يقتصر التعاون العسكري بين السعودية والصين على أنظمة الأسلحة التي لا تحصل عليها الرياض من واشنطن بحسب أستاذ الدراسات الأمنية بجامعة الدفاع الوطني؛ ديفيد دي روش، الذي يقول لـ”كيوبوست”، إن ثمة صفقات سابقة أبرمتها المملكة مع الصين حصلت بموجبها على طائراتٍ بدون طيار وصواريخ باليستية صينية، بسبب رفض الولايات المتحدة بيع هذه الأسلحة للسعودية، مشيراً إلى أن الرياض اشترت بالفعل مدفعية صينية وليزر مضاد للطائرات من دون طيار من الصين.
يتفق معه في الرأي الباحث المتخصص في مجال الشؤون الاستراتيجية لمعهد الشرق الأوسط بجامعة سنغافورة الوطنية جان لو سمعان الذي يقول لـ”كيوبوست” إن هذه الأخبار لا تشير إلى تغييرٍ جذري في السياسة الدفاعية السعودية، خاصة وأن تعميق علاقات التعاون العسكري بين بكين والرياض مرتبط بمجالات محددة؛ هي الطائرات بدون طيار وإنتاج الصواريخ، وهي مجالات لا تتوقع الرياض تعاوناً فيها من الشركات الأمريكية بشكلٍ وثيق، ومن ثم جرى التعاون في هذه المجالات مع الصين منذ الثمانينيات.
ووقعت الصين والسعودية اتفاقاً خلال زيارة الملك سلمان إلى بكين عام 2017 من أجل إنشاء مصنع طائرات حربية بدون طيار في المملكة ضمن عدة اتفاقات مشتركة وقعت بين البلدين قيمتها 60 مليار دولار، فيما تبادل مسؤولو البلدين الزيارات على مستوى رفيع في المجال العسكري، ويرجع تاريخ العلاقات العسكرية بين السعودية والصين إلى عام 1985 مع توقيع البلدين اتفاقٍ لحصول السعودية على صواريخ «CSS2».
يشير جان لو سمعان إلى أن السعودية لا تنظر إلى تعاونها العسكري مع الصين باعتباره بديلاً عن تعاون مع الولايات المتحدة، ولكنه خيار فقط للتعويض في مجالاتٍ معينة لا تشارك فيها الولايات المتحدة التي تظل الشريك الرئيسي للمملكة، مؤكداً أن هذا الوضع قد يتغير إذا فكَّت الولايات المتحدة ارتباطها عسكرياً بالخليج أو إذا اتخذت واشنطن قراراً بفرض عقوبات عسكرية على المملكة، بسبب التعاون العسكري بينها وبين الصين.
يؤكد ديفيد دي روش أن هذه الصفقات لا تعتبر تغيراً في الاستراتيجية العسكرية السعودية في ظلِّ طموح الرياض أن يكون لديها نموذج عسكري غربي متوافق مع حلف الناتو والولايات المتحدة وبريطانيا بشكل أساسي.
وأوضح أن هذا الأمر يرجح أن تظل المشتريات العسكرية السعودية من الصين استثنائية، ومقتصرة فقط على الأسلحة التي ترفض الدول الغربية وواشنطن تقديمها، نافياً أن يكون لهذا الأمر تأثير سلبي على مشتريات المملكة من السلاح الأمريكي في الفترة المقبلة.
يشير أحمد آل إبراهيم إلى أن المملكة لجأت للولايات المتحدة التي ترتبط معها بمصالح مشتركة وعلاقة استراتيجية لكن واشنطن لم تلبِّ هذا الأمر، لذا فمن الطبيعي أن تتوجه الرياض نحو دول أخرى للتعاون معها في هذا المجال، والسوق الآن مفتوح أمام التعاون مع دول كثيرة ومتعددة منها الصين، روسيا، كوريا الجنوبية وغيرها، وهو أمر لن يكون له تأثير على العلاقات الاستراتيجية بين السعودية والولايات المتحدة.
اقرأ أيضًا: في ذكرى اليوم الوطني الحادي والتسعين للمملكة العربية السعودية.. نضج وثقة في مواجهة التحديات
سباق التسلح
وأعرب السناتور الأمريكي أد ماركي عضو لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ عن قلقه من الخطوة السعودية لامتلاك الصواريخ الباليستية بمساعدة صينية، مؤكداً أن هذه الخطوة تدعو للقلق لكونها قد تؤدي لسباق تسلح في المنطقة.
يلفت ديفيد دي روش إلى أن سعي الإدارة الأمريكية الحالية للحد من بيع الأسلحة الهجومية للمملكة هو تمييز سياسي أكثر منه عسكري، خاصة وأن بايدن سعى إلى الحد فقط من بعض السلوكيات غير المرحب بها، لافتاً إلى أن واشنطن يفترض أنها تزود المملكة بأسلحة “دفاعية” فقط.

يقول ديفيد دي روش إن صناعة الأسلحة في المملكة لا تزال في بدايتها، لافتاً إلى أنه في حال نجاح الرؤية السعودية 2030 فمن الممكن أن تكون المملكة قادرة على تصدير بعض الأسلحة على نطاقٍ واسع لكن هذا الأمر لن يحدث قبل عقد من الآن، وهو ما يؤكده آل إبراهيم لافتاً إلى أن المملكة تعمل في رؤيتها الاستراتيجية على دعم الازدهار والرخاء، مع رؤية مستندة على استراتيجية تكتيكية بتقوية الأسلحة التي تمتلكها، وتنويعها، من أجل تحقيق موازنة القوى في المنطقة.
يختتم جان لو سمعان حديثه بالتأكيد على اهتمام الرياض الواضح بتعزيز الصناعات العسكرية، وبما يتماشى مع رؤية السعودية 2030 والإصلاحات الجارية في قطاع الصناعات العسكرية، وهو ما سيؤكده معرض الدفاع العالمي القادم بالرياض، متوقعاً أن يستغرق الأمر بعض الوقت حتى تصبح الصناعات العسكرية السعودية موثوقاً بها عالمياً على غرار ما حدث في الإمارات التي بدأت هذه الخطوة من قبل، واستغرقت سنواتٍ من أجل تحقيق أهدافها.