الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون خليجيةشؤون دوليةشؤون عربية
صحيفة سعودية تهنيء الإيرانيين بعيد النوروز

كيوبوست- ترجمات
فيصل عباس♦
يفتتح فيصل عباس، رئيس تحرير “عرب نيوز” السعودية، مقاله بعنوان “هل يصبح عيد النوروز “يوماً جديداً” للشرق الأوسط بأكمله؟ بذكرى تاريخية، ويقول: في الأسبوع الأول من مارس 2020، قبل أيام قليلة فقط من إعلان تفشي فيروس كورونا وتحوله إلى جائحة صحية عالمية وقرار الإغلاق، أحيا مجموعة من المطربين الإيرانيين البارزين الليلة الثقافية الفارسية الأولى على الإطلاق في محافظة العلا السعودية التاريخية.
كثير من اللغط سبق الفعالية، حول إقامتها من عدمه، وكان النقاش مفهوماً تماماً، في ظل وصول التوترات بين الرياض وطهران إلى ذروتها، وردود الفعل القوية المحتملة من قِبل المتصيدين على وسائل التواصل الاجتماعي، واحتمال تسييس الفعالية. ومع ذلك، اتخذ القرار الجريء في ذلك الوقت لفصل الثقافة عن السياسة، والمضي قدماً كما هو مخطط له. ودُعيت وسائل الإعلام السعودية للحضور وتغطية السهرة الثقافية.
اقرأ أيضًا: عيد النوروز.. “اليوم الجديد” في الديانة الزرادشتية
“المملكة العربية السعودية ليست لديها مشكلة مع الثقافة الفارسية أو مع الشعب الإيراني”.
في هذا الصدد، قالت الهيئة الملكية لمحافظة العلا: “تتسق هذه المبادرة مع تركيز المملكة العربية السعودية على الاعتراف بالعلا كمهد للحضارات والثقافات المتنوعة على مر العصور”. بالطبع، كان الهدف من المبادرة هو إثبات نقطة مفادها أن: المملكة العربية السعودية ليست لديها مشكلة مع الثقافة الفارسية أو مع الشعب الإيراني. وجاء الدليل في شكل حفلة بيعت تذاكرها بالكامل؛ حيث رقص العديد من السعوديين وغنوا على وقع أغانٍ فارسية لنجوم مثل آندي وإبراهيم حامدي وليلى فروهر وشادمهر عقيلي.

في الواقع، تكمن مشكلة المملكة دائماً مع إيران في سياستها الخارجية العدوانية والتوسعية للنظام هناك. فمنذ عام 1979، كانت مهمة الملالي في طهران “تصدير الثورة”، وزعزعة استقرار المنطقة، وتقويض المملكة العربية السعودية على وجه الخصوص.
لقد كانت حقبة دموية استمرت أكثر من أربعة عقود، وابتُليت المنطقة بالحروب والتطرف، وتحملت تكلفة هائلة للإصلاح والفرص الضائعة. ولكن في عيد النوروز هذا (الاحتفال التقليدي القديم الذي يمثل بداية السنة الفارسية الجديدة) نشهد فجر “يوم جديد”-الترجمة الحرفية لعيد النوروز- في العلاقات السعودية- الإيرانية، وبالتالي استقرار المنطقة بأسرها.
قبل عشرة أيام، استجابةً لمبادرة صينية رفيعة المستوى، أبرم ممثلو الحكومتَين السعودية والإيرانية اتفاقاً لاستعادة العلاقات الدبلوماسية لأول مرة منذ سبع سنوات. ومنذ ذلك الحين، تتكشَّف المزيد من التفاصيل حول آليات عمل هذا الاتفاق الذي يؤمل أن يفتح آفاقاً جديدة.

وكما ذكرت وكالة “رويترز” قبل بضعة أيام، استناداً إلى إفادات مسؤولين إيرانيين، فإن الإحباط في طهران من عُزلة النظام بلغ نقطة الغليان في سبتمبر الماضي. ووفقاً للوكالة، “حدث هذا عندما نفد صبر المرشد الأعلى الإيراني آية الله علي خامنئي، من بطء وتيرة المحادثات الثنائية، واستدعى فريقه لمناقشة سُبل تسريع عملية استعادة العلاقات مع الرياض”.
قاد ذلك إلى مشاركة الصين، في نهاية المطاف؛ حيث أظهرت بكين استعدادها لأخذ زمام المبادرة وقدَّمت نفسها كوسيط للقيادة السعودية خلال زيارة الرئيس شي جين بينغ، إلى الرياض في ديسمبر الماضي. وفي إفادة حديثة مع صحفيين سعوديين؛ أكد مصدر سعودي ما نشرته وكالة “رويترز” في وقت لاحق، وقالوا إن الاتفاق يقوم على ثلاث ركائز: احترام سيادة دول المنطقة، واستعادة العلاقات الدبلوماسية في غضون الشهرَين المقبلَين، وإحياء المعاهدات المتفق عليها سابقاً بين إيران والمملكة العربية السعودية؛ بما في ذلك الاتفاقية الأمنية لعام 2001، التي وقعها وزير الداخلية السعودي الراحل الأمير نايف بن عبدالعزيز، ونظيره في ذلك الوقت حسن روحاني.
من بين البنود الأخرى في اتفاق الرياض وطهران؛ هو التزام ثنائي بعدم الاعتداء، سواء باستخدام القوات المسلحة أو أجهزة الاستخبارات أو العمليات السيبرانية، ولن يساعدا الآخرين أو يسمحا باستخدام أراضيهما لشن مثل هذه الهجمات.
اقرأ أيضًا: أسئلة حول الاتفاق السعودي- الإيراني
ماذا يعني كل هذا؟ أولًا، إدراك إيران “أن تأتي متأخراً أفضل من ألا تأتي أبداً” (يُؤمل أن يكون ذلك على أساس صادق ودائم)، وأنها ببساطة لا تستطيع الاستمرار في عزلتها وخلافها مع جيرانها جميعاً. بالإضافة إلى ذلك، يُؤمل أن يعني ذلك أيضاً أن لدى طهران استعداداً صادقاً للتخلي عن أنشطتها الخبيثة.
“لدى السعوديين اليوم الكثير للاحتفال به، بالنظر إلى أن المملكة قد نجحت -على الأقل على الورق في الوقت الحالي- في حماية الإنجازات الهائلة لبرنامجها الإصلاحي الطموح والحفاظ عليه”.
إذا كان الأمر كذلك، فإن الرابح الأكبر لن يكون المملكة العربية السعودية وحدها؛ ولكن المنطقة بأسرها. فطوال الوقت، كانت المملكة الضحية في هذا الصراع، وليس الطرف الشرير. ذلك أنه على مدار عقود، كان على المملكة العربية السعودية أن تستثمر الوقت والطاقة والمال باستمرار في تكثيف دفاعاتها ومواجهة أنشطة طهران التي تقوِّض الاستقرار داخل حدودها وفي البلدان المجاورة. وشمل ذلك ميليشيا الحوثي المدعومة من طهران في اليمن التي تطلق طائرات مسيَّرة وصواريخ على المدنيين والمدن السعودية، وتهديدات مستمرة للأمن البحري في هذا الجزء من العالم الذي يُعد حيوياً لأمن الطاقة العالمي.

إذن مَن ربح هذه المعركة التي لم تتوقف منذ عام 1979؟ الحقيقة، مثل الجمال يكمن في عين الناظر. ما يمكن قوله على وجه اليقين هو أن السعوديين اليوم لديهم الكثير للاحتفال به، بالنظر إلى أن المملكة قد نجحت -على الأقل على الورق في الوقت الحالي- في حماية الإنجازات الهائلة لبرنامجها الإصلاحي الطموح والحفاظ عليها.
هذا العام، من المقرر أن تصبح المملكة العربية السعودية الاقتصاد الأسرع نمواً في مجموعة العشرين. مؤخراً، يوم الإثنين تحديداً، كان هناك خبران مهمان؛ الأول أن السعوديين هم رسمياً ثاني أسعد الناس على هذا الكوكب. والثاني أن الفعاليات الترفيهية السعودية جذبت جمهوراً زاد عدده الإجمالي على 120 مليوناً (محلي ودولي) منذ عام 2019.
إذا كان كل هذا لا يستحق الحماية، فما الذي يستحق؟ وإذا كان من الممكن حمايته -بفضل المبادرة الصينية- دون قتال، فهذا سبب إضافي للسعادة.
أما بالنسبة إلى التداعيات الإقليمية، فهي أطول من أن تسرد في هذه المساحة. ولكن إذا التزمت إيران بالاتفاق، فلا يسعنا إلا أن نتخيَّل الاستيقاظ على عالم تعيش فيه اليمن وسوريا والعراق ولبنان في سلام وازدهار. هل هذه نتيجة طموحة؟ نعم. هل تستحق السعي لها؟ بكل تأكيد!
في خضم بيئة الإصلاح في المملكة العربية السعودية، احتفلت “عرب نيوز” بعيد الميلاد ورأس السنة اليهودية وعيد الحب؛ بإصدارات خاصة. ومع بزوغ فجر يوم جديد، أو عيد النوروز، ليس هناك وقت أفضل للاحتفال بهذه الطقوس الفارسية القديمة من تغطية افتتاحية. “سال نو مبارك” لجميع قرائنا الناطقين بالفارسية!
♦رئيس تحرير عرب نيوز
المصدر: عرب نيوز