الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
هل يراهن الرئيس قيس سعيد على المرأة التونسية؟
يحق للتونسيين الراغبين في التغيير أن يعبِّروا عن فرحهم وسعادتهم بهذا القرار الطلائعي.. ولكن!

تونس- فاطمة بدري
عيَّن الرئيس التونسي قيس سعيّد، الإثنين الرابع من أكتوبر الجاري، حنان التاجوري، سفيرة فوق العادة ومفوضة للجمهورية التونسية لدى الولايات المتحدة الأمريكية؛ لتكون بذلك أول سفيرة تونسية بواشنطن، وذلك بعد أيام من تكليف امرأة هي نجلاء بودن، بتشكيل حكومة جديدة، للمرة الأولى في تاريخ تونس والعالم العربي.
قراران متتاليان أقدم عليهما سعيّد ليؤكد عزمه منح المرأة التونسية فرصاً أوسع للمشاركة في المناصب العليا في البلاد، ووضع حد لتراجع تمثيليتها على مدار السنوات العشر الماضية التي سيطرت فيها حركة النهضة على الحكم.
اقرأ أيضاً: سعيّد ينتصر للمرأة التونسية.. بودن أول رئيسة حكومة في تاريخ البلاد
وأعلنت الرئاسة التونسية، على صفحتها عبر “فيسبوك” أنه انتظم، ظهر الإثنين، “موكب تسليم رئيس الجمهورية أوراق اعتماد حنان التاجوري، سفيرة فوق العادة ومفوضة للجمهورية التونسية لدى الولايات المتحدة الأمريكية”.
وكان الرئيس سعيّد قد أقال، في وقتٍ سابق، السفير السابق نجم الدين الأكحل، دون ذكر أسباب؛ لكن المراقبين رجحوا أن يكون السبب عدم تحرك الأخير للدفاع عن قرارات سعيّد التي اتخذها في الـ25 من يوليو الماضي، مقابل تحرك قيادات من حركة النهضة للترويج بأن ما حدث كان (انقلاباً).

طاقم نسائي
ويبدو أن سعيّد يتجه جدياً للتعويل على طاقمٍ كبير من النساء في مناصب عليا؛ في خطوة يريد من خلالها دحض ما يروَّج حوله بأنه ليس من مناصري قضايا المرأة، مستندين في ذلك إلى إعلانه خلال حملته الانتخابية عدم تأييده مبدأ المساواة في الميراث، ويقدم بذلك تطميناتٍ خاصة للمنظمات النسائية والحقوقية الكبرى التي تناضل منذ عقود من أجل تمثيلية أكبر للمرأة في مواقع صنع القرار، إلى جانب بعث رسالة إلى الخارج، الذي ما زال يتلقى رسائل “النهضة” وحلفائها التي تتهم سعيّد بنسف الديمقراطية، وتهديد الحقوق والحريات.
ولا يعتبر رهان سعيّد على المرأة معطى جديداً؛ فمنذ حملته الانتخابية سنة 2019 اعتمد سعيّد على نادية عكاشة لتسيير حملته، ثم رافقته إلى قصر قرطاج بعد فوزه؛ حيث تتولى منذ ذلك الحين إدارة الديوان الرئاسي، وهناك إجماع على أنها “الذراع اليمنى” للرئيس سعيّد، ولها تأثيرها الكبير على مختلف قراراته.
اقرأ أيضًا: لماذا أقال سعيد سفير تونس في واشنطن؟
وتعد السفيرة حنان التاجوري، من بين كوادر وزارة الخارجية البارزين؛ إذ شغلت مهامَّ مختلفة في قسم العلاقات مع الاتحاد الأوروبي بوزارة الخارجية، كما كانت مكلفة بملف الشراكة بين تونس والاتحاد الأوروبي منذ سبتمبر 2018، إلى حين تعيينها سفيرة لتونس بألمانيا في أكتوبر 2020. كما تعتبر حنان التاجوري من بين الدبلوماسيين التونسيين المطلعين والمتخصصين في الشأن الأمريكي؛ حيث كُلِّفت منذ سبتمبر 2013 بمهام مسؤول عن العلاقات بين تونس والكونغرس الأمريكي، كما سبق للسفيرة التونسية الجديدة بواشنطن أن شغلت منصب مستشار بسفارة تونس في لشبونة منذ سنة 2005 حتى 2010.

ورغم أن تونس تعد بلداً رائداً في مجال حقوق المرأة على المستوى العربي؛ فإن تمثيلية النساء في المناصب العليا ظلت دون المستوى المنشود، خصوصاً من المنظمات النسائية التي تدفع بقوة من أجل تحقيق مبدأ التناصف. وتؤكد الإحصاءات الرسمية أن وضع المرأة في تراجع رغم أن كل المؤشرات توضح تفوق المرأة في كل القطاعات؛ خصوصاً التعليم، إذ تمثل النساء نسبة 65 في المئة من مجموع الحاصلين على شهادات عليا في تونس.
ورغم ادعاء السياسيين في العشرية الأخيرة دعم حقوق المرأة، وسعيهم لتكريس مبدأ التناصف؛ فإن الأرقام تؤكد تراجع حضور المرأة في المناصب العليا، ففي دراسةٍ سابقة أجرتها منظمة “أصوات نساء” المدافعة عن حقوق المرأة، تبين أن حضور المرأة التونسية لا يتجاوز عتبة الـ29 في المئة في الهيئات المستقلة، و21 في المئة في الرئاسة، و25 في المئة فقط في الحكومة و8 في المئة في التمثيل الدبلوماسي، و25 في المئة من المناصب القيادية (في خطة مدير). كما تراجع تمثيلها في البرلمان بعد انتخابات 2019 إلى 23 في المئة، بعد أن كانت في حدود 36 في المئة، إثر انتخابات 2014، رغم إقرار قانون التناصف في القائمات الانتخابية الذي لم يتم الالتزام به إلا من طرف الأحزاب اليسارية (الجبهة الشعبية) إلى جانب ضعف تمثيلها في النقابات.
اقرأ أيضاً: خطاب الكراهية الإخواني يستهدف المرأة ويثير غضب التونسيين
وتتطلع المنظمات النسوية والحقوقية لتمثيل أوسع للمرأة في الفترة المقبلة، وأن لا يكون خيار سعيّد في ما يتعلق برئاسة الحكومة، وسفيرة الولايات المتحدة الأمريكية، مجرد خطوة للتوظيف السياسي لا أكثر.
قرار مهم.. ولكن!

الكاتبة والناشطة آمال قرافي، تعتبر أن قرار سعيّد بشأن تعيين سيدات بمناصب قيادية برتبة رئيسة حكومة أو سفيرة لدى بلدٍ كبير بحجم الولايات المتحدة الأمريكية، يعد إنجازاً مهماً؛ ولكن لا يعني ذلك الانسياق العاطفي وراء القرار قبل معرفة ما تحمله الأيام المقبلة.
وقالت لـ”كيوبوست”: لا أحد ينكر أن مطلب تعيين النساء في مناصب صنع القرار وَفق قاعدتَي تكافؤ الفرص والتناصف، كان على رأس المطالب التي رفعتها النسويات في تونس؛ لا سيما بعد استمرار الحكومات المتعاقبة في تجاهل المشاركة النسائية التي لا تتوقف عند تعيين الوزيرات، بل تتجاوز ذلك إلى تعيين السفيرات والمسؤولات عن إدارة الهيئات الكبرى والمؤسسات وغيرها.
ولا أحد يمكن أن يدَّعي أنه قد توقع مثلاً تعيين امرأة على رأس الحكومة في الوقت الحالي؛ إذ تموقع الرئيس سعيّد منذ البدء، باعتباره الرجل المحافظ والملتزم بالقراءات التقليدية للنصوص، وغير المناصر للحركات النسوية، والمؤثر في المقابل، إنصاف النساء الكادحات.

وتضيف: فمن حيث قياس أثر القرار، نجح سعيّد مرة أخرى في إثبات أنه ينفلت من منظومة التوقعات، وقادر على الانخراط في لعبة السياسة لكسب رضا الجماهير، ومتمرس بالمناورات، وتوجيه ضربات المعلم إلى خصومه أو أعدائه، وهو في ذات الوقت مهتم بصورته في المشهد السياسي العالمي. أما من حيث دلالات هذه القرارات وانعكاساتها؛ فللأمر أكثر من دلالة.
بالطبع يحق للتونسيات والتونسيين الراغبين في التغيير ومضاعفة المكتسبات التي تعزز حقوق الإنسان -حسب قرافي- أن يعبروا عن فرحهم وسعادتهم بهذا القرار الطلائعي، ويحق للبعض منهم أن يعترفوا بأنهم/ن أساؤوا التقدير حين رفضوا سعيّد، ويحق لهم أيضاً أن يفسروا هذه القرارات في إطار القطيعة مع ما قبل 25 يوليو، وتلك السنوات التي رأوا فيها ممارسات وسلوكيات تومئ بمعاداة النساء والتعصب ضدهن، وغيرهما؛ “ولكن لا يمكن أن نتعامل مع القرارات عاطفياً فنرحب بها متى غيَّرت مزاجنا، ورفعت معنوياتنا، وأعطتنا جرعة أمل؛ إذ لا يمكن أن نغفل أن سعيّد كان قبل أسبوع تحت المجهر، وبدأت الائتلافات تُعقد والغضب الشعبي يتضاعف”.
اقرأ أيضاً: قيس سعيد يرسم ملامح الجمهورية التونسية الثالثة
تختم قرافي حديثها إلى “كيوبوست”، بالقول: إن تعيين امرأة على رأس الحكومة أو سفيرة في واشنطن، ليس في تقديرنا إلا تكتيكاً سياسياً لتحويل وجهة مَن اعتبروا أن الوقت حان للخروج من وضع المشاهدة والانتظار إلى الفعل السياسي، ولمّ شمل أطياف من المعارضين والمعارضات.
ولأن التاريخ علمنا أن الدول القومية وظفت النساء وتلاعبت بمصائرهن، وجعلتهن أدواتٍ في صراعاتٍ كثيرة، وأجبرتهن على الانصياع والمقايضة؛ فإننا نريد من رئيسة الحكومة أن تستفيد من الدروس والعبر، وأن تكون فاعلةً لا مفعولاً بها، قائدةً لا تابعةً؛ حينها يجوز لنا الحديث عن الاستثناء التونسي.