الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

هل هناك طالبان “جديدة” في أفغانستان؟

كيوبوست- ترجمات

زاهد شهاب أحمد♦

في عام 2020، توصلت واشنطن إلى اتفاق سلام مع حركة طالبان الأفغانية في الدوحة. وفي أبريل 2021، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن أنه سيمتثل للاتفاق المبرم، ويسحب جميع القوات الأمريكية، قبل الذكرى العشرين لهجمات 11 سبتمبر الإرهابية على الولايات المتحدة؛ أي في 11 سبتمبر 2021.

ومع بدء إجلاء القوات -دون تسليمٍ صحيح للقوات المحلية في كثيرٍ من الأحيان- نشأ فراغ استغلته حركة طالبان. وبالرغم من أن تقارير الاستخبارات الأمريكية توقعت استيلاء طالبان على السلطة بعد ثلاثة أشهر من الانسحاب، فإنها لم تأخذ في الحسبان الرد الباهت للجيش الوطني الأفغاني، والحكومة الأفغانية، في مواجهة زحف طالبان.

وكما شاهد العالم، كان استيلاء طالبان على السلطة أسرع بكثير مما كان يتصور معظم المراقبين، حيث تمكنتِ الحركة في غضون أسابيع قليلة من الاستيلاء على كابول. والمثير للدهشة أن عملية الاستيلاء جرَت إلى حدٍّ كبير دون إراقة دماء، حيث واجهت طالبان مقاومةً ضئيلة. ورغم حدوث اشتباكات في بعض الأماكن، على سبيل المثال في هرات، فإن الجيش الوطني الأفغاني، بصفة عامة، لم يُشكّل تحديًا خطيرًا لطالبان.

اقرأ أيضًا: نظرة بعيدة المدى: “النسخة الثانية” من طالبان والاستعانة بفكر عزام

سقطات الولايات المتحدة

أثارت هذه التطورات الصادمة تساؤلات حول كيفية إدارة الولايات المتحدة وحلفائها لعملية الانسحاب. وقد تعرّضت واشنطن لانتقاداتٍ متعددة فيما يتعلق بالحرب التي شنتها على طالبان، التي بدأت في عام 2001 ردًّا على هجمات 11 سبتمبر. بيد أن إحدى أكثر تحركاتها إثارة للجدل هي قرارها بشنِّ حربٍ على العراق في عام 2003، ما صرف انتباهها عن الحرب ضد طالبان. هذا سمح لطالبان بإعادة تجميع صفوفها، وفي عام 2006، بدأتِ الميليشيا شن حرب عصابات. وتواصلت الانتقادات حتى عام 2020، عندما توصلتِ الولايات المتحدة إلى اتفاق سلامٍ مع طالبان، ما منح الحركة شرعيّة وشجعها على مواصلة عدوانها. ونتيجة لهذا الاتفاق، أُطلق سراح مئات من أسرى طالبان، وعادو إلى ساحة المعركة.

من جانبها، انتقدتِ الحكومة الأفغانية -التي استبعدت في الواقع من الصفقة- الاتفاقَ بشدة. وعلى الرغم من عقد جولات عدة من الحوار بين طالبان والحكومة الأفغانية، في أعقاب الاتفاق الذي توصلت إليه الولايات المتحدة، لم يتم التوصل إلى اتفاق بين الحركة والحكومة الأفغانية. وفي الوقت نفسه، رحبتِ الجهات الفاعلة الإقليمية القوية مثل إيران وروسيا والصين وباكستان بالاتفاق بين طالبان والولايات المتحدة. وقد شجّع ذلك حركةَ طالبان، التي سيطرت على البلاد بالكامل في 15 أغسطس 2021، بعد شهرٍ واحد فقط من انسحاب الولايات المتحدة. ومنذ ذلك الحين، أعربت منظماتٌ دولية عدة لحقوق الإنسان عن مخاوفها من تداعيات استيلاء طالبان على السلطة، مشككة في أسلوبها الوحشي والإسلاموي في الحكم.

مقاتلو “طالبان” يقومون بدورية في كابول بعد الاستيلاء عليها.. أفغانستان أغسطس 2021- “أسوشييتد برس”

وهكذا، يسعى هذا التحليل إلى التوصل إلى فهمٍ أفضل لكيفية تغيّر الجماعة، إن كانت قد تغيّرت على الإطلاق، ونوع السلوك الذي يمكن توقعه منها في الأشهر المقبلة.

وحتى نتمكن من فهم أي تغيير في سياساتها وتصرفاتها، من الأهمية بمكان أن نرجع إلى الوراء وننظر في كيفية حكم طالبان في ظلِّ إمارة أفغانستان الإسلامية؛ خلال السنوات من 1996 إلى 2001.

صعود طالبان في التسعينييات

تعود نشأة طالبان إلى الحرب الأفغانية-السوفييتية (1979-1989) التي استخدمت خلالها الولايات المتحدة المجاهدين لقتالِ القوات السوفيتية في أفغانستان. وقد تم تجنيد هؤلاء المجاهدين من جميع أنحاء العالم، وتدريبهم في باكستان ثم نشرهم في أفغانستان1.

اقرأ أيضاً: إمارة أفغانستان الإسلامية.. المأساة تبدأ من جديد

وعندما انسحبت القوات السوفييتية في نهاية الحرب، غادرتِ الولايات المتحدة أيضًا، معتقدة أنها قد حققت مبتغاها. وما تلا ذلك هو صراعٌ على النفوذ داخل أفغانستان مع اندلاع حربٍ أهلية في عام 1993 مهّدت الطريقَ لظهور طالبان. تجدر الإشارة إلى أن الملا عمر أسس هذه الجماعة رسميًا في عام 1994، وكانت تضم 50 طالبًا في قندهار.

وفي غضون عام، وسّعتِ الجماعة سيطرتها إلى 12 مقاطعة تضم 25,000 مقاتل في صفوفها، وفي عام 1996، أنشأت إمارة أفغانستان الإسلامية في معظم أنحاء الدولة. هنا، يعزو العديد من المراقبين نجاح الحركة إلى الدعم الباكستاني. وفي الواقع، لم تحظَ الحكومة باعترافٍ إلا من قبل باكستان، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. وفي أعقاب الهجوم الذي شنه تنظيم القاعدة على السفارة الأمريكية في نيروبي في عام 1998، فرضتِ الأمم المتحدة عقوباتٍ على أفغانستان، وصنّفت أسامةَ بن لادن ورفقاءَه إرهابيين.

عناصر من حركة “طالبان”- وكالات

حكم قمعي

لقد كان إنشاء إمارة أفغانستان الإسلامية تتويجًا للحركة الأيديولوجية لطالبان. وبهذا النجاح، تمكنت من تطبيق الشريعة الإسلامية في أفغانستان. فطالبان تؤمن بنسخةٍ صارمة من الشريعة؛ وفقًا للمذهب الحنفي من الفقه الإسلامي، والولاء بالطاعة للأمير ومجموعة مختارة من الملالي.

خلال السنوات الخمس التي حكمت فيها طالبان الدولة حظرت لحم الخنزير والكحول، وكلاهما مُحرّم في الإسلام. كما منعت الموسيقى والتلفزيون والأفلام، فضلًا على الرسم والتصوير الفوتوغرافي. وأغلقت دور السينما وحولتها إلى مساجد. بل وفرضت قيودًا على ما يمكن أن يلعبه الرجال والنساء، على سبيل المثال، حظرت على كلا الجنسين لعب كرة القدم والشطرنج.

كما فرضت حظرًا على اللعب بالطائرات الورقية، وتربية الحمام، والحيوانات الأليفة. وكانتِ النساء أشدَّ من عانى تلك القيود الخانقة، فقد منعن من العمل، ومنعت الفتيات من الالتحاق بالمدارس والجامعات. وكان لهذه القيود تأثير سلبي على النساء، كما ذكرت وزارة الخارجية الأمريكية: “إن قرابة 50,000 امرأة، اللاتي فقدن أزواجهن وأقاربهن الذكور خلال الحرب الأهلية الطويلة في أفغانستان، لم يكن لديهن مصدر للدخل. واضطرت الكثيرات منهن إلى بيع جميع ممتلكاتهن والتسول في الشوارع، أو ما هو أسوأ من ذلك، لإطعام أسرهن”. كما حظرت طالبان لعبَ القمار وإنتاج الأفيون في عام 2000، وطبّقت عقوباتٍ قاسية على متعاطي وتجار المخدرات.

اقرأ أيضاً: ماذا تعني عودة “طالبان” إلى السلطة في أفغانستان

الاضطهاد الديني والعرقي

علاوة على ما سبق، استهدفت حركة طالبان الأقليات الدينية والعرقية. ووضعت حركة طالبان، بوصفها جماعة ذات أغلبية بشتونية، أتباعها من البشتون مكان الطاجيك والأوزبك والهزارة في المناصب البيروقراطية2. وقد عانى الهزارة الشيعة -وهم أقلية- أكثر من غيرهم، في ظلِّ إمارة أفغانستان الإسلامية. وفي هذ الإطار، أشار تقرير صادر عن المنظمة الدولية لحقوق الأقليات إلى أنه “بعد استيلاء طالبان على السلطة في عام 1996، أعلنت الحركة الجهاد ضد الهزارة الشيعة. وفي السنوات التي تلَت ذلك، واجه الهزارة القمع والاضطهاد، بما في ذلك سلسلة من عمليات القتل الجماعي في شمال أفغانستان، حيث فقد الآلاف من الهزارة حياتهم، أو أجبروا على الفرار من ديارهم”. وفي فبراير 2021، أصدر أمير طالبان مرسومًا يقضي بإزالة جميع التماثيل غير الإسلامية في أفغانستان. وعلى الرغم من الضغوط الدولية، دمرت طالبان تماثيل بوذا في باميان في مارس 2001.

بعد وقتٍ قصير من هجمات 11 سبتمبر الإرهابية في الولايات المتحدة، تواصلت واشنطن مباشرة مع إمارة أفغانستان الإسلامية، وحلفائها الإقليميين الرئيسيين، بما في ذلك باكستان، سعيًا لاعتقال قادة تنظيم القاعدة. غير أن حركة طالبان- التي التزمت بالقانون “الباشتونوالي” لحماية ضيوفها- رفضت تسليم أسامة بن لادن. وأدى ذلك إلى اندلاع الحرب التي قادت في نهاية المطاف إلى زوال إمارة أفغانستان الإسلامية في عام 2001.

هجمات 11 سبتمبر الإرهابية – أرشيف

الآن، وبعد أن استعادت طالبان السيطرة على أفغانستان بعد قرابة 20 عامًا من “الحرب على الإرهاب” التي تقودها الولايات المتحدة، هناك مخاوف من أن تعود الحركة لتطبيق نسختها الصارمة من الشريعة، ما يؤدي إلى انتهاكاتٍ لحقوق الإنسان. حتى تاريخه، ادّعت حركة طالبان أنها تسعى إلى تشكيل حكومة تشمل كافة مكونات الشعب الأفغاني. ومع ذلك، فلا يزال من السابق لأوانه التنبؤ بما سيحدث. إذًا، هل تغيّرت حركة طالبان؟ سأحاول الإجابة على هذا السؤال من خلال التركيز ليس فقط على رواية الحركة، والإجراءات الأخيرة، ولكن على عوامل أخرى قد تساهم في صياغة سلوكها في المستقبل.

نهج أكثر دبلوماسية

يبدو أن طالبان، كجماعةٍ، قد تعلمتِ الكثير من تجاربها السابقة. ذلك أنه بعد وقتٍ قصير من وصول قوات حلف الناتو بقيادة الولايات المتحدة إلى أفغانستان، تَفرّق قادة طالبان، وأعادوا تنظيم صفوفهم في باكستان تحت إِمْرَة “مجلس شورى كويتا” في بلوشستان.

وفي حين ساعدت باكستان الجماعة بطرقٍ مختلفة، من خلال توفير الملاذ لأعضائها وأسرهم، لم تكن باكستان تسيطر على طالبان بالكامل قط. بيد أن حركة طالبان تعلمت توسيع شبكة مؤيديها، بتوسيع نطاق تواصلها الدبلوماسي. وقد لعب مكتبها السياسي في الدوحة، قطر، دورًا رئيسًا في هذا، وأسهمت عمليات إعادة التنظيم الجيوسياسية المختلفة إلى تقريبهم من إيران وروسيا والصين.

اقرأ أيضًا: تغيير النظام في أفغانستان.. هل يعني تراجع الإرهاب في باكستان؟

كما قامت الحركة بترميم علاقتها مع باكستان التي تدهورت إثر تحالف إسلام آباد مع الولايات المتحدة في “حربها على الإرهاب”. وفي هذا الصدد، قال الباحثون الذين كتبوا عن تداعيات العلاقات الخارجية لطالبان على السلام والاستقرار في أفغانستان: “إنه من أجل طرد الولايات المتحدة من أفغانستان، أبدت طالبان استعدادًا لإقامة علاقات مع خصوم سابقين مثل إيران وروسيا، واستغلت علاقاتها مع باكستان لإقامة روابط مع الصين. استعداد طالبان للقيام بهذه المبادرات يهدف إلى تعزيز مصداقيتها على الصعيد الدولي، وتوسيع الفرص خارج نطاق صلاتها التقليدية مع باكستان”.

انخراط الحركة على المستوى الخارجي لم يساعدها على اكتساب الشرعية فحسب -على سبيل المثال، حضرت وفود طالبان المفاوضات التي جرت بتسهيلاتٍ من بكين وموسكو وإسلام أباد- بل في حشد الدعم الإقليمي لانسحاب القوات الأمريكية أيضًا. وقد تجلى ذلك في تلاقي المصالح بين إيران والصين وباكستان وروسيا، حيث كانوا يؤيدون انسحاب الولايات المتحدة الكامل من أفغانستان، وبالتالي رحبوا باتفاق السلام بين الولايات المتحدة وطالبان في عام 2020.

انسحاب القوات الأمريكية من أفغانستان- وكالات

في الوقت نفسه، تحافظ إيران والصين وباكستان وروسيا على وجودها الدبلوماسي في أفغانستان، وتواصل التعامل مع طالبان. وعلى الرغم من التكهنات بأن إيران سوف تحشد المقاتلين الشيعة في أفغانستان ضد طالبان، فإن ذلك لم يحدث. وقد يكون ذلك بسبب تفاهم ضمني مع إيران، يوفر نتائج مربحة للطرفين. الجدير بالذكر أن طهران لم تكن مرتاحة لوجود القوات الأمريكية في جوارها، وصعود طالبان يحل هذه المشكلة.

مؤشرات متضاربة

تكشف الأيام الأولى لحركة طالبان في السلطة عن بعض المؤشرات المتضاربة فيما يتعلق باحتمالِ نشوب صراعٍ طائفي في الدولة. على سبيل المثال، لم تحظر حركة طالبان إحياء ذكرى عاشوراء للشيعة في وقتٍ سابق من هذا الشهر. بل على العكس، لقد وفرت الأمن للاحتفال بهذه المناسبة، بل إن بعض أعضائها شاركوا في الفعالية. وكان ذلك تناقضًا صارخًا مع الأحداث التي أبلغ عن وقوعها قبل شهر واحد فقط، حيث قيل إن مقاتلي طالبان قتلوا مواطنين من الهزارة في الفترة ما بين 4-6 يوليو في ماليستان.

علاوة على ذلك، ادّعت حركة طالبان، في بياناتها الأولية، أنها ستسمح للنساء بالعمل وللفتيات بالتعليم، ولن تشنَّ هجماتٍ انتقامية على أي شخص، بما في ذلك أعضاء الجيش الوطني الأفغاني. غير أن هناك بعض التقارير التي تفيد بأن أعضاء من طالبان يمنعون بعض النساء، مثل الصحفيات، من الذهاب إلى أماكن عملهن. وتزعم روايات أخرى أن أعضاء طالبان منعوا أيضًا الفتيات والنساء من الالتحاق بالمدارس والجامعات في بعض المناطق. لكن في أماكن أخرى مثل هرات، لم تُمنع الفتيات من الذهاب إلى المدارس. وفي أول مؤتمر صحفي لها في كابول، ناشدت طالبان دول العالم الوثوق بها. وتعمل الحركة كما لو أن كلَّ شيء طبيعي، حتى أنها تسمح للعديد من الدول بإعادة قواتها ومواطنيها من مطار حامد كرزاي في كابول.

مواطنون أفغان يحاولون التسلل عبر مطار حامد كرزاي الدولي مع سقوط كابول في أيدي “طالبان” أفغانستان 2021- “رويترز”

الخلاصة

منذ استيلاء طالبان على السلطة مؤخرًا، اتبعت نهجًا عمليًا إلى حدٍّ ما في الحكم، ويبدو أنها أقامت تحالفاتٍ إقليمية قوية. وعلى الرغم من بعض التقارير عن اضطهاد الهزارة، ومنع النساء من الذهاب إلى وظائفهن، أعلنتِ الحركة دعمها لعمل النساء وتعليم الفتيات.

كما أظهرت حرصها على التوصل إلى اتفاقات سلامٍ مع جهاتٍ سياسية فاعلة أخرى، بما في ذلك حكومة أشرف غني المخلوعة. وفي حين أنه لا يزال من السابق لأوانه تحديد ما إذا كان من الممكن الوثوق بوعودها، فإن الأيام الأولى لحكم طالبان تظهر جماعة مختلفة تمامًا عن تلك التي حكمت أفغانستان قبل 20 عامًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

♦باحث رئيسي في معهد ألفريد ديكين للمواطنة والعولمة، جامعة ديكين، أستراليا

المراجع: 

 [1] Ahmed, Z. S. (2012). Political Islam, the Jamaat-e-Islami, and Pakistan’s Role in the Afghan-Soviet War, 1979–1988. In P. E. Muehlenbeck (Ed.), Religion and the Cold War: A Global Perspective (pp. 275-296). Nashville: Vanderbilt University Press.

[2] Rashid, A. (2000). Taliban: Militant Islam, Oil and Fundamentalism in Central Asia. Yale: Yale University Press.

المصدر: عين أوروبية على التطرف

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة