الواجهة الرئيسيةشؤون دولية

هل ندخل قريباً عصر النقل فائق السرعة؟

سيمكِّن “الأنبوب المفرغ” القطارات من السفر خلاله بسرعة تصل إلى نحو 8000 كيلومتر في الساعة؛ أي نحو ست مرات ضعف سرعة الصوت. ذلك يعني ساعة واحدة فقط للسفر من نيويورك إلى لندن عبر نفق تحت المحيط.

كيوبوست- منير بن وبر

قال باحثون إنهم تمكنوا من ابتكار مادة قادرة على نقل الكهرباء دون مقاومة، وفي درجات حرارة وضغط منخفضَين؛ مما يجعلها مثالية في نقل الطاقة بسرعة فائقة. ووفقاً للعلماء، يمكن استخدام تلك المادة في العديد من التطبيقات المختلفة؛ بما في ذلك القطارات المغناطيسية شديدة السرعة.

لطالما كان النقل جزءاً حيوياً من التنمية البشرية؛ إذ كانت القدرة على نقل الأشخاص والبضائع بسرعة وكفاءة عاملاً رئيسياً في نمو الحضارات. دائماً ما يدفع النمو السكاني وتزايد الترابط البشري إلى البحث عن وسائل نقل فعالة وسريعة؛ وذلك من أجل الحفاظ على الاعتماد الاقتصادي المتبادل والعلاقات الاجتماعية وتعظيم منافعهما.

 إن الترابط البشري المتزايد يعني ضرورة ابتكار المزيد من الوسائل لتقليل المسافات؛ ليس من خلال وسائل النقل السريعة فقط، بل أيضاً من خلال وسائل الاتصال ونقل الطاقة أيضاً. 

اقرأ أيضاً: بفضل “الهايبرلوب”.. هل سينتهي عهد وسائل النقل التقليدية؟

تُعد القطارات المغناطيسية إحدى وسائل النقل فائقة السرعة الواعدة، والتي يتفاءل البعض بأنها قد تسيطر على حصة كبيرة من خدمات النقل الجوي، أو حتى تحل بديلاً عنه. في الوقت الحالي، تمتلك الصين أسرع قطار مغناطيسي معلق؛ حيث تصل سرعته إلى 431 كيلومتراً في الساعة، كما تعمل الصين أيضاً على تطوير قطار مغناطيسي يمكن أن تصل سرعته إلى 620 كيلومتراً في الساعة.

لن يؤدي نجاح مثل تلك المشروعات وتبنيها على نطاق عالمي أوسع إلى جعل عالمنا أصغر فحسب، بل بالغ الصغر؛ وسيمكِّن الناس أكثر من أي وقت مضى في التاريخ من الارتباط ببعضهم على نحو أسرع، ويمكِّن الشركات من شحن البضائع بشكل أسرع؛ بل وحتى تقليل التلوث الذي يهدد عالمنا، وتحسين جودة الهواء.

مادة جديدة وابتكارات لا غنى عنها

أطلق الباحثون على المادة فائقة التوصيل المبتكرة حديثاً اسم “المادة الحمراء”؛ وهي تتكون من معدن اللوتيتيوم النادر، مع خليط من مواد أخرى. ووفقاً للباحثين، فإن المادة الجديدة يمكنها إحداث تغيير في العالم بأسره؛ إذ يمكن استغلال قدرتها على نقل الطاقة بسرعة فائقة في العديد من التطبيقات، مثل إنتاج مواد إلكترونية فائقة التوصيل، وإنشاء خطوط نقل الطاقة، ووسائل النقل والمواصلات، وغير ذلك من المجالات المتنوعة التي توصلنا، حسب القائمين على الدراسة، إلى “عصر التوصيل الفائق الحديث”.

تُعد القطارات المغناطيسية فائقة السرعة أحد المجالات التي يمكن أن تُسهم “المادة الحمراء” في تطويرها. يمكن للقطارات المغناطيسية إحداث ثورة فعلية في عالم النقل بسبب سرعتها الفائقة، وانخفاض تكاليف تشغيلها، وعدم إصدارها أي ضجيج أو تلوث يُذكر. كما أنها ستقلل من الاعتماد على السيارات والطائرات، وبالتالي الازدحام.

أحدث قطار فائق السرعة في الصين يمكنه تحمل درجات الحرارة شديدة البرودة- Getty Images

وعلى الرغم من التكلفة الباهظة لإنشاء البنية التحتية اللازمة للقطارات المغناطيسية؛ فإن منافعها طويلة المدى، والاستمرار في تطوير التقنيات، يمكن أن يدفع العديد من الدول إلى تبني إنشائها مستقبلاً بشكل أوسع.

لطالما كانت التكاليف وعدم توافر التقنيات اللازمة، أو ندرتها، عائقاً أمام المشروعات العملاقة؛ لكن، في الجانب الآخر، لا تلبث التقنيات أن تتطور وتدلي بدلوها الذي لا غنى عنه في تحريك عجلة التقدم البشري.

تعد الابتكارات دائماً محركاً رئيسياً للتقدم؛ سواء من حيث النمو الاقتصادي، أو تحسين مستويات المعيشة، أو تقليل التكاليف؛ بما في ذلك تكاليف إنشاء وتشغيل المشروعات العملاقة. في مجال النقل بشكل عام، على سبيل المثال، يؤدي التطوير المستمر في المركبات إلى مكاسب كبيرة في الكفاءة. اليوم، مثلاً، لم يعد مستبعداً رؤية مركبات ذاتية القيادة قادرة على خفض تكاليف التشغيل وتحسين السلامة. 

نقل يزداد سرعة وكفاءة

كان النقل عاملاً أساسياً في تطور الحضارة الإنسانية منذ أيامها الأولى، وكان للقدرة على نقل الأشخاص والبضائع من مكان إلى آخر تأثير عميق على نمو الحضارات؛ فمن خلال القدرة على نقل البضائع بين المناطق المختلفة، تمكن التجار من إنشاء أسواق جديدة وجلب ثروة جديدة لمجتمعاتهم. أدت هذه التجارة المتزايدة أيضاً إلى تبادل الأفكار والتأثيرات الثقافية بين المجتمعات المختلفة ونمو الصلات الاجتماعية.

اقرأ أيضاً: ماذا لو توقفنا عن الطيران؟

كانت البدايات الأولى مع اختراع العجلة واستخدام الحيوانات للنقل؛ ما مكَّن الناس من حمل أحمال أثقل لمسافات أطول، وسمح للحضارات بتوسيع نطاق وصولها والبدء في التفاعل مع الثقافات الأخرى. شهدت الثورة الصناعية تقدماً أكبر في النقل بفضل تطوير تقنيات جديدة؛ مثل السكك الحديدية والسفن البخارية، والتي جعلت نقل الناس والبضائع أسرع من أي وقت مضى حينها، وأدى إلى مزيد من عولمة التجارة والثقافة. 

واليوم، لا يزال النقل محركاً رئيسياً للتقدم البشري. أما إذا قُمنا بتوسيع مفهوم النقل ليشمل نقل الطاقة الكهربائية، فإن الفوائد المتوخاة لزيادة سرعتها وكفاءتها مغرية للغاية؛ حيث تتيح السرعات العالية فقدان طاقة أقل أثناء النقل، مما يؤدي إلى انخفاض التكاليف، وهو ما يُسهم في توفير الأموال وإعادة توجيهها في مجالات أخرى. 

مستقبل أكثر ترابطاً

خريطة مبادرة الحزام والطريق- البنك الدولي

ليس هناك شك في أن العالم يصبح مترابطاً بشكل متزايد؛ وهو اتجاه سيكون له تأثير عميق على المجتمع والثقافة والاقتصاد في كل زاوية من العالم. إضافة إلى ذلك؛ يعتقد بعض الخبراء أن هذا الاتجاه سيؤدي إلى عالم أكثر سلاماً ورخاءً، حيث سيتمكن الناس بسهولة أكبر من فهم بعضهم البعض، والتعاطف مع بعضهم، وتبادل المنافع، ومشاركة الأفكار.. وجميعها مهمة لزيادة الابتكار وريادة الأعمال والتماسك الاجتماعي.

يمكن رؤية الأهمية التي توليها الدول؛ خصوصاً الكبرى منها، في إبقاء العالم مترابطاً من خلال العديد من الاستثمارات الضخمة في مجالات المواصلات. تُعد مبادرة الحزام والطريق الصينية -مثلاً- أضخم تلك الاستثمارات على الإطلاق؛ حيث يقود المشروع تأسيس بنية مواصلات تحتية عالمية.

وقد بلغ عدد الدول المرتبطة بالمشروع، أو التي أظهرت اهتماماً بذلك، 147 دولة حول العالم حتى الآن. المشروع مستوحى من طريق الحرير التاريخي الذي أنشأته إحدى الأُسر الصينية ما بين 206 قبل الميلاد و220م، وشكلت من خلاله شبكات تجارية امتدت إلى أوروبا. لقد كان ذلك أحد أبرز الأمثلة التاريخية على غريزة البشر في الترابط عالمياً.

وبالإضافة إلى تنامي شبكات الاتصالات والمواصلات، فإن هناك حاجة إلى جعلها أكثر كفاءة وسرعة متنامية أيضاً، وغالباً ما يواجه القيام بذلك العديد من التحديات. ففي حالة القطار المغناطيسي مثلاً، كانت التكلفة ومخاوف السلامة أبرز العقبات؛ الأمر الذي يُبقي استخدامها محدوداً حتى الآن، ومع ذلك؛ لا يزال العلماء يطورون حلولاً ابتكارية مثيرة للإعجاب؛ منها ما يُعرف بالنقل عبر الأنبوب المفرغ.. سيمكِّن الأنبوب المفرغ القطارات من السفر من خلاله بسرعة تصل إلى نحو 8000 كيلومتر في الساعة؛ أي نحو ست مرات ضعف سرعة الصوت. ذلك يعني ساعة واحدة فقط للسفر من نيويورك إلى لندن عبر نفق تحت المحيط. وفي حين أن تكلفة مشروع مثل هذا باهظة بلا شك؛ إلا أنه -وفقاً لمؤيدي الفكرة- ممكن من الناحية الهندسية، ولا يسع المرء إلا أن يتمنى ما يكفي من العمر لرؤية مثل هذه المعجزات عما قريب، يوماً ما!

اتبعنا على تويتر من هنا

 

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

منير بن وبر

باحث في العلاقات الدولية وشؤون اليمن والخليج