الواجهة الرئيسيةشؤون عربية

هل لبنان في حاجة إلى تعديلات دستورية من أجل الاستجابة لمطالب الشارع؟

أستاذ الأعمال التطبيقية للقانون الدستوري في جامعة القديس يوسف يؤكد أن المشكلة الرئيسية في زعماء الطوائف

كيوبوست

مع دخول الحراك اللبناني شهره الثاني، طُرحت عدة تساؤلات حول مدى حاجة لبنان إلى إجراء تعديلات على الدستور في الوقت الذي تتزايد فيه المطالب بإسقاط النظام الطائفي. في مقابلة مع “كيوبوست” تحدَّث أستاذ الأعمال التطبيقية للقانون الدستوري في جامعة القديس يوسف ببيروت وسام اللحام، عن الدستور اللبناني وتفاصيل التعديلات التي أُدخلت عليه.

يقول الدكتور وسام اللحام: “إن الاختلاف الجذري الأساسي في الدستور اللبناني جاء بناءً على فلسفة اتفاق الطائف والتعديلات التي جرت عام 1990، فقبل هذا التاريخ كانت السلطة التنفيذية منوطة برئيس الجمهورية، ويعاونه الوزراء في تأدية مهامه؛ بما يعني أن السلطة الإجرائية بشكل كامل كانت بيد رئيس الجمهورية، مع الأخذ في الاعتبار وضعية النظام البرلماني القائم الذي كان يمنع الرئيس من ممارسة صلاحياته كاملة، وهو ما يطلق عليه نظام برلماني برأسَين؛ الأول السلطة الفعلية التي تكون بيد الحكومة، والثاني في يد رئيس الجمهورية.

اقرأ أيضًا: كيف مهَّدت الأحداث الداخلية إلى تحريك الشارع اللبناني ضد السلطة؟

وأضاف أستاذ الأعمال التطبيقية للقانون الدستوري أن الدستور اللبناني بالأساس تم أخذه من الدستور الفرنسي الصادر في الجمهورية الثالثة عام 1875، فرغم وجود تعديلات كثيرة أُدخلت على الدستور اللبناني في مختلف المراحل؛ فإن البلاد لا تزال تتعامل مع الدستور اللبناني الذي أُقر عام 1926، فنظام الحكم برلماني وما تمت إضافته من نصوص في الدستور اللبناني ارتبط بالطبيعة الطائفية.. فمثلًا الدستور منح الرئيس صلاحيات واسعة للغاية؛ لكن واقع الطائفية حدّ من هذه الصلاحيات، فالرئيس كان ملزمًا دائمًا بأن يكون لديه شريك بالسلطة، وهو رئيس الحكومة الذي ينتمي إلى الطائفة السُّنية كما هو العرف منذ عام 1943.

د.وسام اللحام أستاذ الأعمال التطبيقية للقانون الدستوري

وأشار اللحام إلى أنه بنهاية الحرب الأهلية كان هناك مطلب دائم بأنه يجب تعديل الدستور لتأمين مشاركة جميع اللبنانيين بشكل عادل أكثر في السلطة؛ لأن رئيس الجمهورية يملك أكثر في الصلاحيات على الورق، فكانت الفكرة بأن يتم نقل الصلاحيات المنصوص عليها بالدستور من رئيس الجمهورية إلى مجلس الوزراء باعتبار أنه يتألف من عدة وزراء يمثلون مختلف الطوائف، ومن ثَمَّ تكون السلطة الإجرائية بيد ممثلي الطوائف وليس الرئيس فقط؛ وهو أمر غريب بعض الشيء لأنه عادةً السلطة التنفيذية لا تكون سلطة جماعية، بمعنى أن اتخاذ القرار دائمًا يكون بيد شخص واحد وهو السلطة التنفيذية؛ لكن في لبنان الدستور حوَّل مجلس الوزراء من مؤسسة يجب أن تجتمع وتتخذ قراراتها وَفقًا لما يراه الدستور، إلى مؤسسة تجتمع وتأخذ قراراتها بالتوافق، وفي حال عدم القدرة على التوافق يكون القرار بالأكثرية.

ولفت أستاذ الأعمال التطبيقية للقانون الدستوري إلى أن نظام المحاصصة الموجود في لبنان، جعل زعماء الطوائف يمنعون عمل مجلس الوزراء بشكل مؤسسي؛ فكل قرار يتم اتخاذه بالتوافق أو الأكثرية، فحتى الوزراء الذين يعترضون على قرار داخل مجلس الوزراء يكون قرارهم نابعًا من بُعد طائفي، ومن ثَمَّ أصبحت قرارات مجلس الوزراء تخرج بالأساس من زعماء الطوائف قبل خروجها من مجلس الوزراء الذي تحوَّل دوره إلى ما يشبه اعتماد قرار الزعماء بالأساس.

الدستور اللبناني

وأوضح اللحام أن هذا الأمر هو ما يفسر عدم عقد جلسات للحكومة اللبنانية عندما يكون هناك خلاف بين الزعماء؛ فكل طرف يضغط على الآخر من أجل الحصول على مكتسبات، وهو ما يسمى في لبنان بتعطيل المؤسسات؛ بسبب الضغط بالثُّلث المعطل لقرارات الحكومة، وهو أمر مرتبط بعدم اكتمال نصاب الحكومة في الاجتماع، وهذا أيضًا أمر غير مألوف سياسيًّا إلا في لبنان، وحدث أكثر من مرة في حكومات سابقة لفؤاد السنيورة وتمام سلام؛ فالتعديلات التي أُدخلت على الدستور عام 1990 جعلت مسألة اتخاذ القرار أصعب، فمجلس الوزراء يلزمه حضور ثُلثي الوزراء من أجل اكتمال نصابه، فضلًا عن أن طبيعة المحاصصة الطائفية غيَّبت المعارضة، وجعلت هناك حالة من نظام اللا مسؤولية وإلقاء وتقاذف المسؤوليات بين الوزراء، فكل وزير يخرج يقول إنه اقترح كذا وكذا، ولم يأخذوا بمقترحاته وليس لديه شيء يفعله.

ولفت أستاذ الأعمال التطبيقية للقانون الدستوري إلى أن رئيس مجلس الوزراء عندما يختلف مع الأطراف الممثلة بالمجلس يمتنع عن دعوة المجلس إلى الانعقاد؛ وبالتالي يكون هناك غياب لآلية اتخاذ القرار الحكومي، فالنظام السياسي قائم على التعطيل المتبادل بين ممثلي الطوائف، فهناك مَن يعطِّل بصفته رئيسًا للحكومة وآخر لامتلاكه الأغلبية وثالث يُعطِّل استنادًا إلى امتلاكه الثُّلث المعطل للاجتماع الحكومي، وبالتالي تسقط آلية عمل مجلس الوزراء؛ فالوزير مسؤول أمام الزعيم الذي اختاره وزيرًا وليس أمام مجلس الوزراء أو مجلس النواب، فرئيس الحكومة هو زعيم من ضمن الزعماء، وجميع الزعماء يمكن اعتبارهم رؤساء حكومة بالفعل.

التظاهرات في لبنان – المصدر: CNN

وأوضح اللحام أن هناك اتفاقات ومواءمات مستمرة؛ فنبيه بري على سبيل المثال يقول أنا أقوم بتعيين المناصب الشيعية في الدولة، وهناك مَن يقوم بتعيين المناصب السُّنية، فبدلًا من أن يكون ولاء الموظف المعين للدولة اللبنانية التي تدفع له راتبه ويؤتمن على أوراقها يكون ولاؤه للزعيم الذي قام بتعيينه ويتبع طائفته، على الرغم من أن القانون يتحدث عن تعيين الموظف الكفء، مشيرًا إلى أن هذا الأمر ظهر بوضوح إبان تولي زياد بارود منصب وزير الداخلية عندما خالف مدير عام الأمن الداخلي قراراته ولجأ إلى رئيس الحكومة مباشرةً، والذي قام بتعيينه، وهو أحد الأمثلة التي ترسخ غياب دولة المحاسبة؛ لأن الموظف تقوم بحمايته طائفته.

واستطرد أستاذ الأعمال التطبيقية للقانون الدستوري: “من الأمور التي تشهد خللًا على سبيل المثال، هو أحقية الوزير في عدم توقيع مرسوم يخص وزارته حتى لو أُجيز من مجلس الوزراء”، لافتًا إلى أن المرة الوحيدة التي استخدم الوزير فيها هذه الصلاحية بشكل حقيقي كانت قبل نحو 7 سنوات لوزير العمل شربل نحاس، الذي رفض توقيع مرسوم حد أدنى للأجور يقل عما هو مطبق بالفعل.

ينوه اللحام بأن الاستجابة لمطالب المحتجين الذين خرجوا إلى الشارع لا تحتاج إلى تعديل دستوري أو قانوني؛ ولكنها تحتاج إلى قرار سياسي من الزعماء الحاليين بالابتعاد عن السلطة، وهو ما يمكن أن يتم وَفق نصوص الدستور الحالي، مع منح صلاحيات للحكومة الجديدة مطلقةً في التعامل مع الأزمات والمشكلات الراهنة.

وهم حكومة التكنوقراط

يقول أستاذ الأعمال التطبيقية للقانون الدستوري: “إن الحكومة المستقيلة برئاسة الحريري، هي حكومة تكنوقراط؛ لكن المشكلة في القرار السياسي الذي يتخذه وزراء التكنوقراط والمرتبط بزعماء الطوائف، ولا يمتلك الوزراء حرية قرارهم؛ فالتكنوقراط يتحرك وَفق قرار سياسي حر، أين هو الآن؟ الإجابة الحقيقة أن هذا القرار غير موجود وغير مطروح أن يتنازل الزعماء عن سيطرتهم”.

اقرأ أيضًا: أزمة الدولار في السوق اللبنانية تتصاعد.. ومصرف بيروت يسدد الديون

موقف حرج

يقول الدكتور وسام اللحام: “إن (حزب الله) وضع نفسه في موقف حرج؛ كونه وضع نفسه في مواجهة المتظاهرين الذين يطالبون بإسقاط النظام، فهو ترك عناصره وأنصاره يعتدون على المتظاهرين ويهتفون (شيعة شيعة)، وهو في السر يتفاوض ويستميت من أجل عودة الحريري لرئاسة الحكومة، ولا يمكن استخدام سلاحه بمواجهة المحتجين”، مشيرًا إلى أنه يؤيد رأي الوزير السابق شربل نحاس، بأن الأهم لدى “حزب الله” هو الخبرة القتالية وليس السلاح الذي يعتبر بضاعة تُباع وتُشترى.

يلفت أستاذ الأعمال التطبيقية للقانون الدستوري إلى أن “تصريحات ومواقف قادة الحزب تبدو متناقضة، فهم يعلنون رفضهم التدخل الخارجي في الوقت الذي يقول فيه المرشد الإيراني إن هناك مؤامرة على لبنان والعراق، ويطلب المحافظة على استقرار الدولة اللبنانية.. وفي ما معناه قمع المتظاهرين، أليس هذا تدخلًا في الشؤون الداخلية اللبنانية من قِبَل دول أجنبية؟!”.

وتابع اللحام بأن “حزب الله” اكتسب شعبيته من مقاومة إسرائيل والتصدي لها؛ لكن حليفه الأساسي الأكبر هو رمز الفساد في لبنان بالجنوب نبيه بري، والحزب منحاز للدفاع عنه رغم فساده وتكوينه زبائن يدافعون عن فساده.

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة