الواجهة الرئيسيةترجماتشؤون دولية

هل لا تزال “أمازون” النموذج المثالي لرواد الأعمال بعد خطايا الجائحة؟

أرباح هائلة وتجاوزات في حقوق العمال وتمييز عنصري

كيوبوست- ترجمات

عندما أُعلن إغلاق مدينة نيويورك، الربيع الماضي؛ بسبب جائحة كورونا، أصبح الكثير من السكان يعتمدون على مبنى ضخم لم يسمعوا به من قبل؛ هو مستودع (JFK8)، مركز الشحن والتوزيع الوحيد لدى “أمازون” في أكبر مدينة أمريكية. ويعكس ما يحدث بداخل هذا المستودع كيف نجح جيف بيزوس، في تحقيق المستحيل خلال الجائحة؛ لكنه يكشف أيضاً عما يُعيق وعده بتقديم الأفضل لموظفيه.

اقرأ أيضاً: حملة الشركات الصغيرة لمكافحة الاحتكار تستهدف شركة “أمازون”

وقد اعتبرت المديرة والقيادية الطموحة في “أمازون” تريسي وايشالا، أن الأزمة رسالة وفرصة في آن واحد. بينما أدى المُعارض، ديريك بالمر، وظيفته بقوة على الخطوط الأمامية؛ لكنه فقد الثقة في الشركة. أما بالنسبة إلى الموظف المصاب، فقد تساءلت زوجة ألبرتو كاستيلو، بعد مرضه الشديد، عما إذا كانت “أمازون” قد سجلت ما حدث بالكامل.

“أمازون” كما لا يراها العملاء

استلمت آن كاستيلو، في سبتمبر الماضي، رسالة إلكترونية غير منطقية من “أمازون”؛ حيث عمل زوجها لمدة 5 سنوات، كان آخرها في المستودع الضخم، الذي يُعتبر همزة الوصل بين تجار التجزئة ومدينة نيويورك، يريدون منه العودة للعمل في المناوبة الليلية. وقد ارتابت السيدة كاستيلو، حيث كان زوجها ألبرتو، البالغ من العمر 42 عاماً، من بين أول موجة من موظفي الموقع الذين أظهرت الفحوصات إصابتهم بفيروس كورونا أثناء ساعات العمل الإضافية الإلزامية. وفتكت به الحمى، وعانى تلفاً دماغياً شديداً.

ورغم أن التأمين الصحي الذي تقدمه “أمازون” يغطي معظم الفواتير الطبية، اكتشفت السيدة كاستيلو أن مدفوعات مرض زوجها قد توقفت؛ حيث قالت: “أرسلت الاستمارات الطبية باستمرار؛ لكنني لم أتمكن من معرفة ما إذا كان تلقاها بالفعل أي شخص على الطرف الآخر”. وكان حلمهما بشراء منزل قد تلاشى، وأصبحت الآن تقبل الإعانات المالية من الأصدقاء.

العمال في منطقة التعبئة في مستودع “أمازون” (JFK8).. مارس 2021- “إن بي سي نيوز”

ظلَّت السيدة كاستيلو، وهي إخصائية علاج طبيعي تتمتع بأخلاقيات المهنة، تنبه الشركة لعدة أشهر إلى أن زوجها، الذي كان يشعر بالفخر للعمل في الشركة العملاقة، مريض للغاية، وكانت الردود غير مترابطة ومحيرة. وغالباً ما تصل الرسائل الإلكترونية والمكالمات إلى أنظمة “أمازون” الآلية إلى طريقٍ مسدود. وفي ظلِّ معاناة صناعات نيويورك الكلاسيكية من الانهيار الجماعي، استوعب المستودع الضخم عمال الفنادق والممثلين وسقاة الحانات والراقصين، بأجر يبلغ نحو 18 دولاراً في الساعة.

شاهد: فيديوغراف.. خسائر اقتصادية تُصيب كبار المليارديرات حول العالم

حيث ساعد مستودع نيويورك، بدافع الشعور الجديد بالواجب نحو العملاء الذين يخشون التسوق بأنفسهم، في تحقيق أرقام مبيعات وأرباح تعادل عوائد الأعوام الثلاثة السابقة في عامٍ واحد. وكان هذا النجاح والسرعة والخفة ميسورة لـ”أمازون” ومؤسسها، جيف بيزوس، كونه رائداً في إدارة العاملين بطرق مبتكرة عبر التكنولوجيا، وبالاعتماد على شبكة نظم واسعة ومعقدة، قلصت الاتصال البشري إلى الحد الأدنى. لكن الشركة أصبحت تتعثر على نحو لا يمكن ملاحظته من الخارج، وفقاً لاستقصاء “نيويورك تايمز” حول مستودع  (JFK8)خلال العام الماضي.

وعلى عكس معالجتها الدقيقة للطرود، كان نموذج إدارة “أمازون” للعاملين -الذي يعتمد على أدوات القياس، والتطبيقات، والدردشة الروبوتية- غير متكافئ ومتوتراً حتى قبل الجائحة؛ حيث تبين المقابلات والسجلات أن الموظفين كثيراً ما اضطروا إلى القيام بدور الإخصائيين الاجتماعيين لمشكلاتهم. وفي ظلِّ الجائحة، استنزف نظام أمازون العاملين؛ ما أدى إلى الفصل وتوقف المستحقات بطريق الخطأ، وعرقلة الاتصالات، ليلقي ذلك بظلاله على قصة نجاح تجارة ظلَّت راجحة على مرِّ سنواتٍ طويلة.

تعتني آنا كاستيلو بزوجها الذي كان من بين موظفي “أمازون” الذين أصيبوا في الموجة الأولى للجائحة 2020- “نيويورك تايمز”

وسارت “أمازون” خطواتٍ غير مسبوقة على طريق تفعيل سياسة الرأفة؛ ولكنها بعد ذلك ناقضتها أو حتى أنهتها، حيث طُلب من موظفين، مثل كاستيلو في مستودع (JFK8)، أن يأخذوا أكبر قدر يحتاجون إليه من الإجازات غير المدفوعة، ثم يتم تعويضها بساعات عمل إضافية إلزامية. ووفقاً للموارد البشرية، عندما عرضت “أمازون” على الموظفين إجازات لأسباب شخصية، تعطَّل النظام، وصدرت للعمال عاصفةٌ من إخطارات التوقف عن العمل، وهرول الموظفون للعمل لإنقاذ موقفهم.

اقرأ أيضاً: هل يمكن للرأسمالية أن تكون في خدمة الديمقراطية؟

وبعد ارتفاع حالات التغيب عن العمل، وتعطل الشحن، تركت “أمازون” معظم موظفيها في حالة جهل حول الخسائر الناجمة عن الجائحة. ولم تصارح العاملين بعدد الحالات؛ ما تسبب في قلقهم حول حقيقة الأرقام التي وردت في نتيجة فحوصات إصابة العاملين بالفيروس. بينما أعلنت الشركة صراحةً أنها تكشف عن الحالات المؤكدة لموظفي وزارة الصحة، بينما تُظهر سجلات مدينة نيويورك عدم الإبلاغ عن حالات حتى نوفمبر الماضي، وتتنازع الشركة ومسؤولو المدينة حول ما حدث.

بينما واصلت “أمازون” تتبع كل دقيقة من نوبات عمل عمال المستودعات، بدءاً من سرعة تعبئة البضائع وحتى فترات الراحة المؤقتة، وهو نوع المراقبة الذي حفز حملة نقابية فاشلة بقيادة موظفين سود محبطين. ووفقاً لنظام التتبع، إذا ضعفت الإنتاجية تفترض أجهزة الكمبيوتر أن العامل هو المسؤول. في حين أوقف تجار التجزئة عبر الإنترنت فصل الموظفين لانخفاض الإنتاج مؤقتاً في بداية الجائحة.

تريسي وايشالا أحد مديري مستودع “أمازون” في نيويورك.. مارس 2021- “نيويورك تايمز”

وبصدد توثيق القصة المسكوت عنها حول الكيفية التي فضحت بها الجائحة نظام توظيف “أمازون” وخطورته، أجرى الصحفيون مقابلات مع ما يقرب من 200 موظف حالي وسابق، بدءاً من المعينين حديثاً في مستودع نيويورك، إلى موظفي مكاتب الدعم الخارجي، وحتى المديرين في جزيرة ستاتن وسياتل. واستعرضت “التايمز” أيضاً مستندات الشركة، وملفاتٍ قانونية، وسجلاتِ الحكومة، بالإضافة إلى المنشورات الواردة في لوحات ملاحظات المستودعات.

اقرأ أيضاً: شركات التكنولوجيا العملاقة ومكافحة الاحتكار ومستقبل الليبرالية السياسية

وقد أعرب بيزوس، مطلع أبريل من هذا العام، عن فخره بثقافة العمل التي تتبناها الشركة، والأهداف الإنتاجية “القابلة للتحقيق” والأجور والاستحقاقات. بينما قال رئيس الموارد البشرية للمستودعات: إن الشركة وضعت رفاهية الموظفين نصب أعينها، وأشار إلى أنها وسَّعت قاعدة موظفي الموارد البشرية، واستشهد بالدراسات الاستقصائية الداخلية التي أظهرت ارتفاع مستوى رضا العمال.

من جانبٍ آخر، أقرت “أمازون” ببعض المشكلات المتعلقة بالفصل عن طريق الخطأ، وفقدان الاستحقاقات، وإخطارات التوقف عن العمل والإجازات؛ لكنها رفضت الإفصاح عن عدد المتضررين. وأشار أوفوري آجبوكا، رئيس الموارد البشرية، إلى أن التباعد الاجتماعي وارتداء القناع الطبي يُعدان أمرَين صعبَين؛ لانخراط الموظفين بصفة شخصية أثناء الجائحة. ومع ذلك، قال إن 98% من كل شيء يسير على ما يُرام!

الروبوتات المستخدمة لحمل البضائع في مستودع “أمازون”- “بزنس إنسايدر”

بينما قال ديفيد نيكيرك، نائب رئيس “أمازون” السابق، الذي أنشأ عمليات الموارد البشرية في المستودع الضخم: إن بعض المشكلات نبعت من الأفكار التي استحدثتها الشركة عندما كانت أصغر بكثير. ولم يكن السيد بيزوس يريد قوى عاملة راسخة، وهو ما سمَّاه “مسيرة إلى القدرات المتواضعة”؛ حيث أشار نيكيرك أيضاً إلى أنه اعتبر الوظائف التي تتطلب مهارات متدنية لها طابع قصير الأمد إلى حدٍّ ما.

اقرأ أيضاً: “كورونا” يخلِّف آثاراً عميقة على الاقتصاد وخطوط الطيران

وأكد نيكيرك أنه كان من الصعب تنفيذ سياسات شركة “أمازون” بإنصاف واهتمام في ظل نموها السريع؛ حيث قال “إنها مجرد لعبة أرقام من نواحٍ كثيرة”. وتسير “أمازون” أيضاً في طريقها لأن تصبح أكبر صاحب عمل من القطاع الخاص في البلاد في غضون عامٍ أو عامَين؛ نظراً لأنها تواصل التوسع، حيث يعتمد نحو مليون شخص في الولايات المتحدة -يعمل معظمهم بالساعة- على رواتب الشركة، واستحقاقاتهم لديها.

حقوق العمال والتمييز العنصري

وفي ظلِّ نقص الموظفين في المستودعات وإعطاء الشركة الأولوية للوازم الأساسية، تستغرق عمليات التوصيل في “أمازون”، السريعة عادةً، وقتاً أطول للوصول إلى العملاء. فقد استغرقت 28% من طرود “أمازون” في أبريل 2020 أكثر من أسبوع للوصول. وروجت الشركة لخلق فرص عمل بأعداد مذهلة؛ حيث استقطبت من يوليو إلى أكتوبر 2020 فقط نحو 350,000 عامل جديد، ووُظِّف العديد من المستجدين عبر فحص الكمبيوتر، وبأقل قدر من المحادثة أو التواصل المباشر.

أظهرت سجلات “أمازون” أن عمال المستودع السود كانوا أكثر عرضة إلى الفصل بنسبة 50% بالمقارنة مع أقرانهم البيض- “نيويورك تايمز”

وقد عرضت “أمازون” على العمال، لإغرائهم بالعودة إلى العمل، زيادة مؤقتة قدرها 2 دولار في الساعة، وأجراً مضاعفاً مقابل ساعات العمل الإضافية، ولأول مرة، إجازة غير مدفوعة الأجر بلا حدود؛ حيث يعتقد الموظفون التنفيذيون بضرورة أن يستطيع العمال البقاء في المنزل دون خوف من التعرض إلى الفصل؛ بينما قد لا يزال على البعض الحضور للعمل لبعض الوقت، وذلك وفقاً لشخصَين مطلعَين على القرار.

وكان ما يقرب من ثُلث عمال “أمازون” في جميع أنحاء البلاد، البالغ عددهم 500,000 يقيمون في منازلهم، بينما ترك بعض المعينين حديثاً وظائفهم حتى قبل أن يبدأوا، وذلك حسب المسؤولين عن التوظيف السابقين. يقول آرثر تورنر، وهو أحد العمال الذين واصلوا الحضور إلى المستودع الضخم: “كان المستودع مثل مدينة أشباح”.

اقرأ أيضاً: وداعاً للعمل الثابت.. العالم يتجه إلى الأعمال الحرة فهل أنت مستعد لذلك؟

في ذلك الوقت كانت الأرقام الواردة في الأخبار مبهمة؛ حيث أُصيب ما لا يقل عن 20,000 من سكان نيويورك بالفيروس، وازدحمت المستشفيات. بينما كان المستودع يصدر تعليمات متناقضة، فعلى الرغم من وعود “أمازون” بإجازاتٍ غير مدفوعة، أُخطر العمال بأن كل قسم سيشارك بساعات عملٍ إضافية إلزامية.

وقال نيكيرك، نائب رئيس الموارد البشرية السابق الذي قضى نحو 17 عاماً في “أمازون”: إن الشركة قلصت الترقية التصاعدية للعاملين بالساعة عن عمد، وإن ديف كلارك، رئيس العمليات، قد قدم اقتراحاً بإضافة المزيد من الوظائف القيادية للعاملين بالساعة، على غرار ضباط الصف في الجيش. ويتذكر نيكيرك أن مؤسس “أمازون” لم يكن يرغب في بقاء العاملين بالساعة لفترة طويلة، على اعتبار أن القوى العاملة “الكبيرة والساخطة” تمثل تهديداً للشركة، كما يعتقد بيزوس أن “الناس كسالى بطبيعتهم”.

يعمل ديريك بالمر في مستودع “أمازون” في نيويورك ويخشى ألا تقدم له الشركة دعماً إذا أُصيب بفيروس كورونا- “نيويورك تايمز”

ووفقاً لسجلات “أمازون” الداخلية لعام 2019، فإن كثيراً من العمال سود أو لاتينيون، وكذلك ما يزيد على 60% من العمال المساعدين في مستودع نيويورك. بينما تتألف الإدارة مما يزيد على 70% من البيض أو الآسيويين. وأظهرت السجلات أيضاً أن عمال المستودع المساعدين السود كانوا أكثر عرضة إلى الفصل بنسبة 50% تقريباً؛ سواء بسبب الإنتاجية أو سوء السلوك أو التغيب عن العمل، بالمقارنة مع أقرانهم البيض.

اقرأ أيضاً: كيف كشف وباء كورونا عن استمرار المعاناة التاريخية للسود في الولايات المتحدة؟

حيث تتضمن الغالبية العظمى من عمال مستودعات الشركة في فروع الولايات المتحدة أشخاصاً ملونين، بينما غالبية الوظائف العليا في الشركة يشغلها البيض. وأخطرت “أمازون” عمالها، في أواخر أبريل، أن الإجازة غير المحدودة بلا أجر لن تمتد حتى مايو. رغم أن الشركة كانت قد يسَّرت متطلبات الإجازات لأسبابٍ شخصية، والبقاء في المنزل دون عقوبة؛ فإن هذا القرار تسبب في حدوث فوضى كبيرة.

الموارد البشرية بواسطة تطبيق

قالت السيدة نانتل، المتحدثة باسم شركة “أمازون”، إن الشركة أصدرت موافقاتٍ سريعة على الإجازات لأسبابٍ شخصية خلال هذه الفترة، ووظفت 500 شخص للمساعدة في تولي العمل المتزايد. وصرحت بأن “أمازون” تلقت أكثر من مليون طلب إجازة في أول عام من الجائحة، أي ضعف توقعاتها، وبذلت جهوداً للتواصل مع الموظفين قبل فصلهم؛ لمعرفة ما إذا كانوا يريدون البقاء في وظائفهم.

عاملة في “أمازون” تفرز العناصر وتسجلها على الكمبيوتر حيث يعتمد المستودع على التكنولوجيا في العمليات- “أسوشييتد برس”

وتؤدي أكشاك الخدمة الذاتية في المستودعات العديد من وظائف الموارد البشرية التقليدية؛ حيث يتعامل تطبيق يُسمى A”  إلىZ ” مع كل شيء، بدءاً من كشوف الرواتب، وحتى تعديلات جدول العمل. وقد صُممت التكنولوجيا لتقدم للعمال أساليب تواصل، ولم يكن الغرض منها أن تحل محل التفاعلات المباشرة.

اقرأ أيضاً: شخصية تقود ثورة التكنولوجيا في الألفية الثانية

وكان عمال “أمازون” في جزيرة ستاتن قد تلقوا إنذاراتٍ مخيفة؛ من بينهم كافاجنارو، الذي أخذ إجازة واقترح في مذكرة من الطبيب أن يعود إلى العمل في يونيو؛ لكنه لم يتمكن من التواصل مع الشركة لطرح الأسئلة، أو مناقشة أمر العودة. وعندما سجلت نظم الحضور والانصراف عدم حضوره، بدأ في تلقي إخطارات التوقف عن العمل. وفي ظل عدم قدرته على تلقي أي رد، استسلم للأمر الواقع وأذعن لقرار الفصل.

قوة أدوات القياس

وكان قرار إجبار العمال على العودة إلى الشركة إيذاناً بدخولها أكثر حقبة ربحية في تاريخها؛ فقد أصبح مستودع نيويورك هو الأفضل أداءً، حيث جُلبت 1,68 مليون سلعة في أسبوعٍ واحد. وأعلنت “أمازون” أرباحاً ربع سنوية بقيمة 5,2 مليار دولار؛ وحتى الربع التالي من 2020 حققت رقماً قياسياً بأرباح قيمتها 6,3 مليار دولار.

يمكن أن يتتبع مدير واحد على الخطوط الأمامية في “أمازون” سير عمل 50 أو 75 أو حتى 100 عامل عبر جهاز كمبيوتر محمول- “بزنس إنسايدر”

وكانت كلمة السر في رفع كفاءة أداء آلاف الموظفين إلى هذا المستوى بالنسبة إلى وايشالا وأقرانها، هو تحديد الوتيرة؛ فقد كانت السرعة ضرورية، ولكن كذلك كان الحفاظ على سير المستودع بأكمله على الإيقاع نفسه. فإذا فُتح تغليف سلع جديدة بسرعة أكبر من جاهزيتها للشحن، يمكن أن يتكدس المستودع بأكمله.

وسيطر مقياسان على نوبات عمل الموظفين بالساعة؛ حيث يقيس المعدل سرعة إنجازهم، وهو رقم متغير باستمرار يُعرض في مواقعهم. بينما يتتبع نظام وقت إنجاز المهمة (T.O.T.)، كل لحظة يبتعدون فيها عن مهامهم؛ سواء أكانوا في دورة المياه، أم يستكشفون مشكلات الآلات المعطلة، أم يتحدثون مع زميل في العمل. حيث ابتكرت الشركة أساليب جديدة لحساب كلا المقياسَين في منتصف العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، عندما شرعت “أمازون” الأصغر حجماً والأقل تماسكاً حينها في إحداث ثورة في المستودعات.

اقرأ أيضاً: القدرة على الفعل.. ميزات أمريكا وفرص بايدن

وتعد أدوات القياس الروبوتية في المستودعات هي الأحدث في عمليات تشغيل “أمازون”؛ حيث يمكن أن يتتبع مدير واحد على الخطوط الأمامية سير عمل 50 أو 75 أو حتى 100 عامل عبر جهاز كمبيوتر محمول، فالعامل ذو المعدل شديد البطء أو الذي يزيد وقت إنجازه للمهمة، يواجه خطورة التعرض إلى الإجراءات التأديبية أو الفصل. وإذا توقف العامل مؤقتاً عن العمل، يفترض النظام فوراً أنه مقصِّر.

يعتبر جيف بيزوس مؤسس “أمازون” أن التقييمات الآلية طريقة متسقة وغير منحازة لإيجاد عمال “متحمسين”- “بزنس إنسايدر”

لكن مقاومة هذه السياسات تصاعدت؛ فمع انقطاع الرواتب خلال الجائحة، وانتشار احتجاجات حركة “حياة السود مهمة” في البلاد، احتقنت مجموعة من العمال السود في مستودع جديد بولاية ألاباما، بالاستياء من أسلوب إدارة “أمازون” لوقتهم بالثانية. بينما قال نيكيرك إن بيزوس هو مَن كثَّف الجهود لإقصاء البشر من عملية التوظيف؛ إذ يرى أن الحاجة إلى العمال ستكون كبيرة، ويجب أن تتولى التطبيقات المهمة. وأضاف أن بيزوس اعتبر التقييمات الآلية طريقة متسقة وغير منحازة لإيجاد عمال “متحمسين”.

حجم أعمال “أمازون”

لا شك أن “أمازون” شركة كبيرة ذات معدل توسع مرتفع للغاية. ووفقاً لتحليل “التايمز”، تؤثر الشركة في معدل حجم أعمال قطاع التجزئة في مناطق عملها؛ حيث ارتفع معدل حجم أعمال المنطقة التي افتتحت فيها “أمازون” منشأة جديدة بالنسبة إلى موظفي المستودعات والتخزين، في العامَين التاليَين، بمعدل متوسط ​​30% نقطة بالمقارنة بعامَين سابقَين.

اقرأ أيضاً: الجائحة وفرصة الرأسمالية للتعافي من أخطاء الماضي!

ووظفت “أمازون” أكثر من 770,000 عامل بالساعة عام 2019، على الرغم من أن الشركة نمت بمقدار 150,000 عامل فقط في ذلك العام، حسبما كتب جون فيليبس، مدير التوظيف الجماعي السابق على صفحته بموقع “لينكدإن”، ما يعني أن ما يعادل القوى العاملة في “أمازون” بأكملها؛ نحو 650,000 شخص في بداية العام، قد تركت العمل واستُبدلت، بينما امتنعت الشركة عن تقديم أرقام عام 2020.

يعتمد مستودع نيويورك الضخم على عمال الساعة لتلبية طلبات عملاء “أمازون” على مساحة 855,000 قدم مربع- “فرانس برس”

ووفقاً لبيانات وسجلات المدينة التي كشفت عنها “أمازون” في دعوى قضائية، كان في المستودع ما لا يقل عن 700 حالة إصابة مؤكدة بـ”كورونا” بين مارس 2020 ومارس 2021. وبالنظر إلى محدودية الفحوصات في منطقة نيويورك وضواحيها، الربيع الماضي، قد يكون هذا العدد أقل من الأرقام الفعلية.

وقد حققت “أمازون” من أكتوبر إلى ديسمبر مبيعات بقيمة 125,6 مليار دولار. بينما أنفقت 44 مليار دولار في عام الجائحة 2020 على تأجير طائرات وبناء مراكز بيانات وفتح مستودعات جديدة، وما زالت تحقق أرباحاً تزيد على 21 مليار دولار. كما أنفقت على الصعيد العالمي نحو 2,5 مليار دولار.

البحث عن علامات التغيير

وذهب ديريك بالمر، بعد أسابيع من حلول العام الجديد، في رحلة برية استغرقت 16 ساعة، ليحضر أخطر حركة ضغط قام بها العمال للاعتراض على أوضاعهم في الشركة. وصنَّف الموظفون، الذين حشدوا لأول تصويت نقابي في “أمازون“، أسلوب معاملتهم بـ”قضية عدالة عرقية”؛ حيث اعترضوا على نظام وقت إنجاز المهام، وغيره من طرق مراقبة الإنتاجية، ووصفوا حملتهم بأنها سعي إلى فرض الاحترام في مكان العمل.

عامل في “أمازون” يحمل لافتة أمام مقر الشركة كتب عليها “تعامل مع موظفيك كما تعامل عملاءَك”.. نيويورك مارس 2020- “رويترز”

وقاد استمرارُ المعارك القانونية حول مدى أمان مستودع نيويورك أثناء الجائحة، وكيفية تعامل “أمازون” مع احتجاجات مارس 2020، الشركةَ إلى لحظة اعترافٍ غير متوقعة. بينما تردد صدى الشكاوى التي عَلَت أصواتها بين العمال في مستودعات متعددة في جميع أنحاء البلاد. ومع تولي رئيس جديد صديق للعمال في البيت الأبيض، أدَّتِ الجائحة إلى طرح أسئلة جوهرية حول علاقة “أمازون” بموظفيها، وشكل الخيارات التي يقدمها الاقتصاد الذي فتح أبوابه مجدداً للعمال.

اقرأ أيضاً: من هم الأثرياء الـ26 الذين يعادلون ثروة نصف البشرية؟

وبهذه التجاوزات، يبدو نموذج حجم أعمال جيف بيزوس المرتفع، أشد خطورة في الأشهر الأخيرة، كما أن المخاوف حول طريقة تعامل شركته مع العمال الذين كانوا وقود صعودها تُلطخ إرث أحد أبرز رواد الأعمال على مستوى العالم. ولم يتضح إلى أي مدى يصل استعداد الشركة لإعادة النظر في أنظمتها المقدسة، وربما أرباحها التي دفعتها إلى التسلط. كما يتساءل كافاجنارو، العامل المفصول الذي عُرض عليه العودة إلى المستودع: “هل سيتطرقون إلى مسألة القوة العاملة غير الدائمة؟ وهل ستطرأ أي تغييرات؟!”

جديرٌ بالذكر أن ثروة بيزوس الشخصية قد ارتفعت خلال الجائحة من 110 مليارات دولار إلى أكثر من 190 مليار دولار. وحسب كتاب «تفكك أمازون»، فقد كان يبني يختاً فاخراً بقيمة 500 مليون دولار، ويستعد لرحلته الفضائية الأولى بعد استثمار المليارات في شركة الصواريخ التي يملكها “بلو أوريجين”. بينما يثير تعهده، في أبريل الماضي، بأن يصبحَ “أفضل رجل أعمال على وجه الأرض” أسئلة حول ما الذي يعنيه ذلك بالضبط، وإلى أي مدى سيصل هو وخلفاؤه.

المصدر: نيويورك تايمز

اتبعنا على تويتر من هنا

تعليقات عبر الفيس بوك

التعليقات

مقالات ذات صلة