الواجهة الرئيسيةشؤون عربية
هل ستصلح “تركيا بعد الانتخابات” علاقتها بالدول العربية؟
سيناريوهات العلاقة مع الدول العربية والإخوان

كيو بوست –
ظهرت نتيجة الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في تركيا، التي جرت الأحد الماضي، بمنح رجب طيب أردوغان ولاية رئاسية جديدة، لكن غموضًا يشوب مستقبل علاقة أنقرة مع الدول العربية التي توترت كثيرًا في السنوات السبع الأخيرة بسبب الأطماع التركية التوسعية في المنطقة.
فهل يزيد فوز أردوغان هذه العلاقات تعقيدًا خلال المرحلة القادمة، خصوصًا بعد منحه صلاحيات أوسع عقب انتقال بلاده من النظام البرلماني إلى الرئاسي؟ أم سنشهد نُضجًا ومحاولة تركية لترميم العلاقات التي أفسدتها مع هذه الدول؟
نقلة نوعية في السياسة التركية.. ولكن!
يقول الكاتب الكردي هوشينك أوسي لـ”كيو بوست” إننا “قد نشهد نقلة نوعية في السياسة التركية إزاء المحيط العربي، وذلك بأن تُركز أنقرة على إصلاح ما أفسدته في علاقاتها مع السعودية والنظام المصري بشكل خاص، لكن ذلك يبقى في إطار الاحتمالات المُمكنة”. وهذا يعني وفق تقديرات هوشينك أن تتسارع وتيرة الانفتاح التركي على البلدان العربية، أو ربما تتباطأ قليلًا.
وعلى الرغم من توجه تركيا لإصلاح العلاقة مع دول عربية في الفترة القادمة، بعد إدراكها بأن ما فعلته بات يضرها اقتصاديًا وسياسيًا، إلا أن هوشينك يشدد على أن العلاقات الإقليمية لهذه الدولة لن تختلف كثيرًا بعد الانتخابات مقارنة بما قبلها، فأردوغان باشر في السنة الأخيرة محاولاته للانفتاح على المحيط العربي ولو بشكل بطيء وكذلك على الروس والإيرانيين، وسيواصل ذلك، بحسب هوشينك.
وأما على الصعيد الداخلي لتركيا، فلن نشهد تطورات نوعية فيما يتعلق بالموضوع الكردي ومسألة المعارضة أو الصدام مع جماعة فتح الله غولن، وفق ما يراه الكاتب الكردي هوشينك أوسي، ما يعني أيضًا أن الداخل التركي لن يكون مختلفًا كثيرًا بعد الانتخابات.
هل تتخلى عن حلفائها الإخوان؟
يستذكر هوشينك أوسي ممارسات تركيا التي تسببت بأزمة في العلاقات مع الدول العربية، عندما تحالفت مع جماعة “الإخوان المسلمين” ودعمت الإرهاب في سوريا وبقاع عربية أخرى، وقامت بتغذية الصراعات العربية، كما تحالفت مع قطر في الأزمة الخليجية، الأمر الذي اعتبره الخليجيون تصادمًا تركيًا مع مجلس التعاون الخليجي.
ولهذا لا يستبعد هوشينك أن تُراجِعَ تركيا حساباتها وتقر بأخطائها ضمنيًا، دون أن تعلن ذلك على الملأ، ومن المتوقع أن نشهد بعض الضغوط التركية على قطر للتنازل لصالح المطالب الخليجية الخاصة بالعلاقة مع الإخوان وحماس والحركات الراديكالية.
إذًا، من وجهة نظر الكاتب هوشينك، فإن أنقرة ستحاول أن تصحح أخطاءها السياسية بهدوء، دون أن يمسّ ذلك غرورها، فهناك اعتراف ضمني ببعض الأخطاء، لكنّ عملية الإصلاح ستستغرق وقتًا، لأن الأخطاء التي اقترفتها تركيا في المنطقة العربية على مدار 8 سنوات في الموضوعين السوري والعراقي، مرورًا بدعم التنظيمات التكفيرية -استنادًا لمعلومات استخباراتية- سيحتاج إلى وقت ليس بالقليل لتصحيح المسار.
وينوه هوشينك إلى أن تركيا أصبحت في السنوات الأخيرة مقرًا وبؤرة استقطاب لكل الفصائل الإسلامية، وأن الخريف الذي عمّ الوطن العربي كان بمثابة الفرصة السانحة لأحفاد عثمان، ومعهم تنظيم الإخوان، ليتنفسوا الصعداء ويُحدثوا انقلابات على أنظمة الحكم.
هل تعود تركيا إلى رشدها؟
يعتبر هوشنيك أنه من المبكر الجزم بأن تركيا ستتوقف نهائيًا عن التدخل بالمناطق العربية سياسيًا واقتصاديًا، وحتى عسكريًا (في الحالة السورية مثلًا)، مؤكدًا أن تركيا الآن دولة احتلال في سوريا، هذا إن علمنا أنها احتلت لواء الإسكندرون عام 1939 عندما كانت سوريا واقعة تحت الاحتلال الفرنسي، أمّا الآن، فتركيا لها وجود في منطقة عفرين وريف ومحافظة إدلب بسوريا.
بناء على ما سبق، لا يمكن الجزم بتوقف تركيا عن تدخلاتها بالعالم العربي، لكنها ستخفف من هذه التدخلات، وستحاول أن تخلق نوعًا من التوازن بين مصالحها ومصالح الآخرين.
يُذكر أن تركيا كانت تحاول في العقد الأخير الإطاحة بالجميع، وأن تنقل مركز قيادة العالم العربي من السعودية ومصر الى أنقرة، عبر تحريك الأوراق الإسلامية والجماعات المتطرفة، من بينها جماعة الإخوان المسلمين واشتقاقات الجماعات السلفية، لكن جميع محاولاتها باءت بالفشل.
ويبين هوشينك أوسي أنه لا يمكن أن نتجاهل الحضور السلبي لتركيا في لبنان وفلسطين أيضًا؛ فقد دعمت حماس على حساب حركة “فتح” ومنظمة التحرير الفلسطينية، بغية تسميم القرار الفلسطيني وجعله رهينة للخارج، فالدبلوماسية تقتضي الانفتاح على العرب، ولكن شريطة أن لا يؤدي هذا الانفتاح إلى التدخل في قرارات المناطق والدول الأخرى، على حدّ قوله.
القوة الناعمة للتغلغل
يشدد هوشينك على أن “العثمانيين الجدد” في تركيا استخدموا القوة الناعمة للتغلغل في العالم العربي، عبر التجارة والسينما والمسلسلات والإعلام وشراء بعض الذمم والأقلام العربية التي سوّقت لتركيا في المنطقة العربية، موضحًا: “سترى كُتّابًا فلسطينيين وعربًا أقاموا في تركيا، ويسوقون لها، وقد أُتبعت أسماؤهم بعائلة أوغلو، بعد منحهم الجنسية التركية، مقابل التسويق لتركيا في العالم العربي.
جدّية تركيا في ترميم العلاقات
يبدو الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية الدكتور خضر محجز مختلفًا قليلًا مع الكاتب هوشينك أوسي، بينما يتحدث الأخير عن محدودية الترميم بعد فوز أردوغان بولاية رئاسية ثانية. يقول محجز إن تركيا غير قادرة على ترميم علاقاتها مع الدول العربية على الأقل في هذه المرحلة، موضحًا أن الدول العربية استطاعت أن تتجاوز المأزق، إذ أن سوريا ومصر تمكنتا بشكل قوي من مواجهة الأزمة، والعراق في طريقها لذلك، أما محاولات تركيا ستبوء بالخذلان.
ويؤكد محجز لـ “كيو بوست” أن قيام تركيا بترميم العلاقات مع الدول العربية، خصوصًا الخليجية منها، يعني أن تنفض يدها من” الإرهاب الإسلامي”، مشيرًا إلى أنها تراهن على ذلك وستواصل الرهان، لكنه رهان فاشل.
ولهذا يشكك محجز في مدى رغبة وجدية حكام أنقرة بالإصلاح، لأن الترميم يعني كذلك التخلي عن حلم السلطنة الذي يُراود أردوغان على الدوام. وفقًا لقوله.
أردوغان طعّم العَلمانية بتراث السّلطنة البائدة
يؤكد محجز أن ذهاب تركيا لخيار العلمانية مكنها من النهوض الواضح، لكن محاولة أردوغان وحزبه الإسلامي أن يُطعّم العلمانية، على مدار 16 عامًا، بتراث السلطنة العثمانية قد أضاع طموح تركيا بالنهوض.
ويضيف: أن أردوغان أراد استغلال الإسلام السياسي لإعادة فرض هيمنة تركيا على المنطقة، لكنه (أي أردوغان) ينسى أن التاريخ لم يتكلم أبدًا قبل ذلك عن سقوط إمبراطورية ثم عودتها ثانية، فلم تنهض روما ولا القسطنطينية ولا الخلافة الإسلامية بعد سقوطها، هذه أحلام سابقة وقد مر زمانها. يعلّق محجز، مشيرًا إلى أن الديكتاتوريين تراودهم أحلامٌ بأن تركيا يمكن أن تسترجع هيمنتها على المنطقة، تمامًا كما تحلم إيران.
الوضع الداخلي مرتبط بالسياسة الخارجية
وفيما يتعلق بالوضع الداخلي التركي في الأيام المقبلة، يقول محجز: “كل ما يحدث بالخارج والداخل مترابط”، فعندما ساءت علاقات تركيا مع أوروبا شهدت الأولى تدهورًا اقتصاديًا وسياسيًا، بالتوازي مع تراجع علاقاتها مع دول الجوار، ما أدى إلى تهاوي ارتباطاتها التجارية.
ويرى محجز أن تركيا استفادت في مراحل سابقة من فوضى المنطقة، وحاولت تقديم نفسها كوكيل تجاري للغرب بالمنطقة، وكمؤسسة لتبييض الأموال التي كانت تأتي إلى الجماعات الارهابية، “لكن كل ذلك إلى زوال”، على حدّ تعبيره.
طموح الإخوان العالمي بالسيطرة يتلاشى
بعد عقود من تأسيس جماعة “الإخوان” عام 1928، وحتى وصول حزب “العدالة والتنمية” إلى الحكومة في تركيا عام 2002، تولّد طموح تركي لتوسيع النفوذ السياسي والاقتصادي والأيديولوجي في المنطقة العربية. لكن أصواتًا في داخل تركيا، ومن قلب حزب “العدالة والتنمية” الإسلامي تحديدًا، قد أدركت في السنوات الأخيرة أن هذه الطموحات التركية يجب مراجعتها، وتصحيح كثير من الأخطاء التي اقترفتها تركيا في سوريا والعراق ومصر ومنطقة الخليج.
وتنطلق توجهات بعض الساسة الأتراك الذين ينادون بتصحيح المسار من بُعد داخلي قائم على الحفاظ على المصالح، فتصرفات تركيا جعلتها في عزلة وتحت وطأة ضغوط دولية، ما أدى لتراجع دور تركيا السياسي والاقتصادي على المستوى الإقليمي والدولي.
إعادة التموضع لفك عزلة تركيا
حاولت أنقرة أن تبدد عزلتها عبثًا من خلال التقارب من روسيا، مع المحافظة على وجودها في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، حتى لا تقطع كل الشرايين التي تربطها بالحلفاء القُدامى (الولايات المتحدة وأوروبا)، لكن ذلك لم يُجدِ نفعًا، وقد هوت الليرة التركية بشكل لافت منذ بداية العام الجاري.
ويبدو أن العثمانيين الجدد لن يتخلوا نهائيًا عن طموح التوسع، لكنهم سيحاولون إعادة التموضع والمراجعة للأخطاء، انطلاقًا من المصلحة التركية البحتة قبل أي شيء آخر.
لذلك، ستحاول أنقرة مراجعة ما ارتكبته من أخطاء، لكن من المبكر القول أن سياساتها ومخططاتها ستنقلب مئة وثمانين درجة.